وقفة عز

لمن ستذهب رئاسة وزراء السلطة الفلسطينية؟

بقلم : نضال حمد

منذ أن خضعت القيادة الفلسطينية لحملات الضغط الهائلة والمضنية التي تعرضت لها بدون توقف على مدار الفترة الأخيرة قامت بالنهاية بإعطاء موافقتها على أقرار منصب رئيس الوزراء الذي ظلت أمريكا ومعها (إسرائيل) أو العكس كذلك تطالبان به علنا وجهرا وسرا وخفاء.

 جاء القرار الذي صدر عن نفس الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات المعني الأول بقضية التغيير واستحداث منصب رئيس الوزراء المنتظر ليعبر عن تلك الموافقة الفلسطينية بشكل علني لا يترك أي مجال للشك في صحة موافقة الرئيس عرفات على بداية عصر سلطوي فلسطيني جديد.

 لكن من هو الشخص الأكثر حظا لنيل تلك الوظيفة التي تعتبر عمليا أعلى مرجع سياسي في السلطة ولدى الشعب الفلسطيني على الأقل من الناحية الرسمية، ناحية التعامل الدولي مع السلطة الفلسطينية. لأن الهدف من استحداث ذاك المنصب كان ولازال قص أجنحة الرئيس عرفات وتحديد مهماته ومسئولياته ومن ثم جعلها شكلية ونقل السلطة الفعلية لرئيس الوزراء المنتظر، والذي تفضله (إسرائيل) وأمريكا من الشخصيات المحسوبة عليهما أو التي تهادنهما وتقبل بشروط التسوية ضمن المنطق الشاروني.

هذا الشخص مازال غير معروف تماما مع أن (إسرائيل) أشاعت أخبارا حول إمكانية تعيين وزير المالية الحالي سلام فياض للمنصب المذكور.

 كما تقوم الإدارة الأمريكية بممارسة ضغوطات على عرفات والسلطة من أجل تعيين فياض فعلا رئيسا للوزراء بينما هناك أقوال من داخل أروقة السلطة تقر بأن الأكثر حظا لتولي رئاسة الوزراء هو محمود عباس – أبو مازن – مهندس عملية أوسلو التي فشلت في تحقيق أي شيء للفلسطينيين، وهو الشخص المفضل سلطويا لاستلام تلك المهمة.

 على الصعيد نفسه علق أحد وزراء السلطة المعروف بتحمسه لنهج أوسلو وهو زياد أبو زياد فقال أنه يفضل شخصيا أبو مازن على سلام فياض، لكنه أكد بأن المجلس التشريعي الفلسطيني هو الذي سيحدد من الشخص الذي سيتولى تلك الرئاسة.

هنا من الطبيعي الإشارة إلى أن حظوظ أبو مازن سوف تكون أوفر لأنه سيحظى بدعم أعضاء حركة فتح، وأعضاء آخرين سوف يصوتون له نكاية بالطلب الأمريكي و(الإسرائيلي)، الذي يريد فياض في تلك المهمة المعقدة. والغريب في هذا كله عدم ورود أشارات أو علامات أخرى على ترشيح آخرين غير عباس وفياض لهذا المنصب الحساس والهام جدا.

 نعتقد أنه لا أبو مازن ولا سلام فياض يستحقان تولي تلك المهمة الكبيرة، لأن الأول أثبت فشله الذريع في عملية أوسلو التي أباحت للاحتلال كل ما كان محرما عليه، وحللت له نهب الأرض والتحكم بحياة الشعب عبر اتفاقيات أوسلو وأخواتها وما تبعهن من اتفاقيات سيئة لم تجلب للشعب الفلسطيني سوى الوزراء والقادة الذي امتصوا دمه وخيراته وتركوه يتخبط وينزف وحده عندما حدثت المواجهة الكبرى.

بما أن أبو مازن يعتبر العقل المدبر لمهزلة سلام أوسلو من الجانب الفلسطيني المتنفذ والمتحكم بمؤسسات شعبنا، فأنه من الطبيعي أن يرحل الفاشل ويترك المجال لغيره وبالأخص من الجيل الشاب الذي توجد بينه كفاءات وطنية تستطيع تكملة المشوار الفلسطيني وقيادة السفينة الوطنية نحو بر الأمان. وبنفس الوقت تؤكد وتعمل على التمسك بالثوابت الوطنية الفلسطينية. هذا أضعف الأيمان ونحن هنا لا نطالب بمحاكمة المسئولين عن نهج أوسلو وما آلت إليه أمور الفلسطينيين بفضلهم وبفضل جهلهم وقيادتهم الفاشلة. فتلك المهمة سنتركها للمستقبل الذي سوف يحدد من كان على خطأ ومن كان على صواب من الجانب الفلسطيني.

أما الوزير سلام فياض والذي شخصيا لا أعرف عنه الكثير فهو شخصية مستقلة وذات تعليم وتجربة اقتصادية ومالية لكني أعتقد أنه لا يملك التجربة العملية في صفوف المؤسسات والأحزاب والمنظمات الفلسطينية، أو حتى ضمن المجلس الوطني أو غيره. وهذا ما يعتبر سلاحه القوي والضعيف في آن. لكنه سلاح ذو حدين له وعليه. ثم أنه ليس من المعقول ولا من المقبول أن يفرض على شعبنا رئيس وزراء من قبل أعداء شعبنا،  لأن الفلسطينيون لا يقبلون بالإملاءات ويرفضون الذين يقبلون بها أو الذين يجارونها طمعا برضا الوحش الأمريكي أو خوفا منه. ويجب أن لا يفهم من كلامنا أننا نلمح ضد شخص الوزير فياض لكننا نقصد أمريكا و(إسرائيل) وخيارهما الذي سيكون رفضه طبيعيا من الجانب الفلسطيني بكل تلويناته لأنه بكل بساطة يأتي من معسكر الأعداء. وهنا تكمن الحنكة الوطنية في التعامل مع الشخصيتين المرشحتين للمنصب ومن يدعمهما. هذا الشعب لازال شعب فلسطين الذي لا يقبل بالإملاءات ولا يرضى بأشباه القيادات وعبيد السلطان والجاه والمال، وبالذين أساءوا للقضية الوطنية أو تم جلبهم على دبابة معادية ليتولوا القيادة والسلطة وفرض الاستسلام على المشروع الوطني، المعمد بالدماء الذي تقوده الانتفاضة الفلسطينية المجيدة .

 في هذه الأرض الفلسطينية المحررة والتي أعاد الاحتلال احتلالها لا مكان للذين يريدون شطب الحقوق الوطنية الفلسطينية. ولا مكان أيضا للذين يوافقون على التفاوض والمساومة على الانتفاضة من أجل العودة لما قبل اندلاع الانتفاضة.

لا عودة عن الانتفاضة ولا عودة عن تحقيق شعارات الانتفاضة كاملة لأن الحرية والاستقلال والسيادة أصبحوا مطالب فلسطينية ملحة وغير قابلة للتفاوض مع عدو لا يريد أن يسلمنا ما سلبنا إياه بالقوة أو عبر سلام أوسلو الميت.

 الطريق الوحيد لتحقيق أمنيات شعبنا الوطنية الممكنة والمقدسة والمعقولة يكون عبر تصعيد نهج الكفاح الفلسطيني العادل سياسيا وميدانيا وعسكريا ودبلوماسيا وجماهيريا، ومن ثم عبر اختيار شخصية وطنية نظيفة وشريفة لمنصب رئيس وزراء، عندها يعرف الشعب الفلسطيني أن هذا الشخص وطني ولا غبار عليه. وطني حقيقي سيكون همه فلسطين وناسها وأهلها وشعبها في الداخل والخارج وكذلك الإصلاح الحقيقي ورفض التدخلات والإملاءات الصهيونية والأمريكية.

إذا ما توفر لشعبنا رئيس وزراء بهذه الصفات يكون شعبنا حقق خطوة هامة نحو تأسيس مفهوم جديد لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتشكيل المؤسسات وتوزيع المهام. فيجد الشخص المناسب مكانه المناسب بحيث تكون عملية الخدمة الوطنية عملية سهلة وممتنعة. سهلة لأن الشخص الذي يعمل لن يحسب حساب الخوف من رب عمله الذي يهدده بلقمة عيشه وحياته ومستقبله، وكذلك يجب أن تكون الشفافية موجودة وحاضرة بقوة لأنه لا مجال لنجاح التجربة الجديدة بدون وجوه جديدة تؤمن بالعملية الديمقراطية وبالكفاءات والمحاسبة والبذل الوطني الحقيقي من أجل مستقبل فلسطيني مشرق ومشرف وحقيقي.  ثم ممتنعة وتمتنع عن الخضوع لإملاءات وضغوطات الآخرين لأنها تعلم أن خلفها شعب يحميها ويقف بالمرصاد لمن يريد النيل منها.

18-02-2003