الأخبار

مثقفو التغطية! – رشاد أبوشاور

لم أجد مصطلحا مناسبا يحدد دور المثقف الانتهازي في الحالة الفلسطينية والعربية أنسب من هذا المصطلح: مثقف التغطية، وبالجمع: مثقفو التغطية.

وهذا النوع من المثقفين يؤجّر ما لديه من ثقافته لمن يكافئه، يعني يبيع ما لديه من قدرة على تجميل وتحسين وتسويغ ما ليس مقتنعا به، ولكنه يحصل على مكافأة تتناسب مع بضاعته التي يؤجرها، مع ما راكمه لنفسه من سمعة وحضور وقدرات ثقافية لم يضعها في خدمة مبادئ وأهداف تتسبب له بالمتاعب والخسارات.

من هؤلاء من اختصر الطريق، وقرر أن يوفّر على نفسه تعب الطريق، وتكاليف المواقف والمبادئ وخدمة قضايا.

فلسطينيا هناك اختلاط، فثمّة كتاب ومثقفون (واكبوا) المسيرة الفلسطينية، وتعايشوا مع الخيارات السياسية الفلسطينية الرسمية، تحديدا منذ ما بعد حرب تشرين 1973، مع بدء الإعلان عن مسار سياسي يفارق أطروحات تحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني الذي انطلقت الثورة من أجل تحقيقه، وما زالت فتح تباهي وتحتفل برصاصته الأولى التي أُطلقت في اليوم الأول من عام 1965.

هؤلاء( المثقفون) سلكوا ونظّروا وغطّوا (كل) خطاب ( التسوية) منذ بدأ، وبرروا (كل) التنازلات انطلاقا من أن شعبنا ( تعب)، وأن ( العرب) لم يقدموا لنا شيئا، وأن( المرحلية) ستنقذ ما يمكن إنقاذه، وأن  شعارات الستينات ماتت، وأن شعار عروبة فلسطين مزاودة، وأننا نحن الفلسطينيين وحدنا ولن ننتظر زحف العرب إلى فلسطين..يعني خطاب يُكرّس ( الإقليمية) الفلسطينية السياسية!

القيادة السياسية ( تناور) وهم يبررون، تتنازل وهم يبررون، وهكذا باتوا منظرين مهدّوا لأوسلو وأوهامه، ومن بعد تصارعوا على المناصب عندما ( دخلوا) إلى رام الله وغزة بعد أوسلو.

ومنهم من نسج علاقات مع يهود صهاينة، واعتبر أن المثقفين الفلسطينيين الرافضين لسياسة الوهم والتنازل يشكلون خطرا أكثر من ( أصدقاء) السلام اليهود ( الصهاينة) !!

قدّم هؤلاء أنفسهم على أنهم يمثلون الاستقلالية الفلسطينية، والواقعية، وأنهم يرفضون( العدمية) والتطرف والتشنج..ويقصدون المثقفين الفلسطينيين الرافضين لسياسة الأوهام، والذين حذّروا من الانسياق وراء الرهان على أمريكا كوسيط نزيه، وعلى أن الكيان الصهيوني شريك في ( سلام الشجعان) و..انه سيوافق في النهاية على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وسيدة على حدودها..مع القفز عن حق العودة _ لأن التشبث به يعني التطرف، ويؤدي لتفجير مسيرة السلام ( الخداج)- وهكذا أدوا دورهم في زرع وترويج الأوهام ففازوا برضى قيادتهم السياسية التي أغدقت عليهم المناصب والمال،وهذا طبيعي، فالصفقة مربحة للطرفين، فالقيادة تحتاج لمروجين لسياستها، ومثقفوها لا يبيعون ( قوّة) قدرتهم الكلامية إلاّ بسعر مجز!!

في كل معارك شعبنا بعد أوسلو لاذ هؤلاء بالصمت، وقعدوا في المقاهي على الأرصفة مكتفين بالمراقبة السلبية، مقتنعين بأن ما يحدث موجة عابرة، وأن الأمور تمضي باتجاه..الدولة!

لم يحركهم استشهاد أبناء وبنات شعبنا، ولا فتحوا عيونهم على الأرض وهي تطوى من تحت أقدام الشعب الفلاحين الفلسطينيين، وأن القدس تهوّد يوميا، وان ألوف الفلسطينيين والفلسطينيات يزج بهم في سجون العدو الصهيوني..فهم يواصلون كتابة لا حرارة فيها، ولا تدعو لمواقف، فهي كتابة تذهب إلى المستقبل لأنها ما بعد حداثية!!

لعب هؤلاء على المستوى الثقافي العربي دورا تضليليا، فهم يسهمون في دعوة بعض الكتاب والفنانين إلى فلسطين..ليتعاطفوا مع شعب فلسطين وليروا انتشار المستوطنات، وربما ليزوروا القدس، وقد يأخذونهم إلى حيفا وعكا..وبعد هذه السياحة الثقافية التضامنية ( التطهرية) يعود الزائرون إلى بلادهم متباهين بأنهم زاروا فلسطين..وتضامنوا مع شعبها..,على (حساب) شعبنا الفلسطيني المحتاج!!

لكن فلسطين لا تغطي المثقفين، فلسطينيين وعربا، إن لعبوا دورا تضليليا، وسلكوا سلوك الساسة المساومين والمراوغين، الذين سيسقطون عند المقارنة، فمن ينتمي لعبد الرحيم محمود، وغسان كنفاني، وناجي العلي لا يمكن أن يكون إلاّ مع فلسطين..ومع القدس، وفلسطين قلب الوطن العربي، والقدس قلب فلسطين، فإذا قال السياسي قصير النظر والنفس غير هذا فلأنه عاجز ومساوم.

المثقف الثوري ( العضوي) لا يتساوق مع مسار السياسي، فهو ليس تابعا، لأنه راء ورائد وموقظ وناقد حاد النقد لكل عوج وانحراف عن طريق فلسطين وقدسها.

بيان من وصفوا أنفسهم بالمثقفين العرب هو فضيحة لأنه يتنصل من عروبة فلسطين، ويتخلى عن القدس _ وهو يقسمها شرقية وغربية- عاصمة للكيان الصهيوني، أي هو بيان اعتراف بالاحتلال الصهيوني للقدس( الغربية)، ولفلسطين المحتلة عام 1948، وهو بيان ( تضامني) من مثقفين عرب لا يرون في القضية الفلسطينية صراع وجود يفترض بالأمة أن تخوضه بكل قواها الحية الثورية التقدمية الديمقراطية كونه صراع وجود لا صراع حدود، وانطلاقا من أن الكيان الصهيوني عدو للأمة العربية كلها بكل ملايينها بين المحيط والخليج، وأن حلف الأعداء: أمريكا والكيان الصهيوني والرجعية العربية بقيادة آل سعود هم أعداء لكل قضايا أمتنا..وانظروا ماذا يفعلون في سورية، واليمن، وليبيا، والبحرين، ومصر، ولدورهم في تدمير العراق..وتآمرهم على المقاومة في لبنان..أمّا في فلسطين فهم الأعداء الدائمون منذ بدأت مسيرة آلام فلسطين حتى يومنا هذا، ولهم دور في نكبة أوسلو، وهم يطبعون مع العدو الصهيوني..وستتواصل معركة فلسطين وملايين العرب مع هذا الحلف المعادي حتى يتحقق الانتصار في معركة تحرير فلسطين.

هذا البيان يضع خطا عريضا بين ثقافة المقاومة و( ثقافة) خطاب( التسوية) العاجز الانتهازي التبريري المهادن التضليلي..وهي فرصة لكشفه وفضح خلفياته وأسبابه.

أضيف صوتي إلى صوت الشاعر الكبير الصديق مريد البرغوثي، وأطلب من كل ( المثقفين) العرب الذين ضللهم القائمون على البيان أن يسحبوا تواقيعهم فورا…

عاشت فلسطين عربية حرّة

القدس عاصمة فلسطين