من هنا وهناك

محمود عباس والخجل – بقلم: زهير كمال

ستون عاماً وما بكم خجل            الموت فينا وفيكم الفزع

تميم البرغوثي

في تصريح له بعد حرب غزة بتاريخ 29 آب / أغسطس 2014 اعترف محمود عباس أن عشرين عاماً من المفاوضات لم تؤد الى أية نتيجة، واستمر في الحديث في مواضيع أخرى، فهو حانق على رجال المقاومة لأنهم اتخذوا قرار الحرب بأيديهم واتهمهم صراحة بأنهم يسرقون وسيسرقون المساعدات التي ستقدم للمتضرررين من الحرب الأخيرة.

لم يدقق عباس في خطورة ما قاله، لقد جر الشعب الفلسطيني الى طريق مسدود لمدة عشرين عاماً، واستمراره في الحديث وكأن الأمر عادي لا يندرج سوى تحت بند عدم الإحساس بالمسؤولية وانعدام القدرة على التحليل والاستنتاج. 

ما الذي يتوجب عليه فعله في حالة الإقرار بفشل السياسة ؟

سيستمر في تكرار ما تم تجريبه، فهو لا يعرف سوى هذه الطريق.

 أما الذين يعتقدون بأنه سيغير سياسته المتبعة فقد جانبوا الصواب

 ولن نتطرق الى تقديم الاستقالة وطي الصفحة الفاشلة مرة واحدة والى الأبد.

فكل من وصل الى السلطة في العالم العربي يعتقد أنه الزعيم الملهم الذي لا يشق له غبار وأفكاره قادمة من مكان عال غير موجود على هذه الأرض.

ولولا محنة الاحتلال لما ظهر غباء أفكاره. وما زال يعيش في وهم أن الكرسي الذي يجلس عليه يمثل سلطة حقيقية وهو لا يعدو كونه مراسلاً (مع الاحترام للمهنة) لا يهش ولا ينش.

الأغرب أن أبناء فتح قد وصل بهم التسطيح والبلادة حداً لا يرون معه أن زعيمهم الهرم يقودهم ويقود شعب فلسطين الى التهلكة. ولذلك أسباب من أهمها أنه بعد مسيرة كفاح مسلح طويلة سقط فيها النخبة والمخلصون شهداء أو أسرى لم يبق إلا الجبناء والخانعون الذين يرتضون بما يفصّل لهم زعيمهم بعد أن أصبح مدافعاً عن مصالحهم الخاصة.

اعترض محمود عباس على فصائل المقاومة بأن قرار الحرب والسلم يجب أن يكون موحداً وبيد السلطة فقط، أو سيتحول الأمر الى فوضى!

ربما كان هذا الطرح مدعاة كبيرة للسخرية، فمحمود عباس لا يملك سوى قرار واحد وهو الاستسلام الكامل للعدو علّه يتصدق بما تجود به نفسه.

واعترافه بالمراوحة عشرين عاماً يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن نظرياته هذه لا تنفع في السياسة فللمسألة علاقة بموازين القوى وحتى على المستوى الفردي فإن الاستسلام يتنافى مع الكرامة الإنسانية.   

مشكلة كبرى إن كان يظن انه يحتاج مدة إضافية لإثبات منطقه الملتوي هذا.

ومجرد ذكره لموضوع الحرب إنما هي مزحة كبرى بلا شك. فكيف يتكلم في موضوع كهذا وهو يعتقل المقاومين ويسلمهم الى العدو عبر التنسيق الأمني!

وما دمنا في موضوع الخجل أو بالأحرى عدم وجوده فلا بد من التطرق الى موضوع تقديم شكوى للمحكمة الدولية لمحاكمة (إسرائيل) على أفعالها الإجرامية بحق المدنيين.

هناك عدة مجموعات ولكل وجهة نظر في هذا المجال.

أولاً محمود عباس ومجموعته ضمن السلطة الفلسطينية ، هذه المجموعة لا تفكر في هذا الموضوع إطلاقاً لعدة أسباب من أهمها أن هذا يشكل ضغطاً على (إسرائيل) وهو ما يتنافى مع خط المجموعة المستسلم، كما أن ذكر الموضوع يشكل إحراجاً لأصدقائهم (الإسرائيليين).

وكما يلاحظ في الخطة (الجهنمية) التي قدمها عباس فإن بند المحكمة الدولية هو آخر بند في الخطة. كعادته يرحل المواضيع الى المستقبل ولعلنا نتذكر لجان محمود عباس التي شكلها لتلافي فضائحه، ما زالت قائمة أو نسيها الناس.

أحد أفراد هذه المجموعة مندوب عباس في لجنة حقوق الإنسان في جنيف وصاحب فضيحة تقرير جولدستون ، وقد صرح في بداية الحرب أن إطلاق الصواريخ الفلسطينية تدخل ضمن جرائم الحرب، وتصريح كهذا خلال فترات الحروب إنما يضع صاحبه تحت طائلة جريمة الخيانة العظمى.

المجموعة الثانية هي بعض أعضاء السلطة الفلسطينية ومن أبرزهم صائب عريقات. وهدف هذه المجموعة إحراز أي نصر على (إسرائيل) مهما كان صغيراً ، لأن عندهم شعوراً أنهم لا يعملون شيئاً يبرر لهم بقاءهم في مناصبهم. قبلها بفترة خاضوا (معركة ) دخول فلسطين الأمم المتحدة كمراقب. احتفلوا بهذا الانتصار كأنهم كما يقول المثل المصري ( جابوا الديب من ديله).  

لم تخف (إسرائيل) ولم ترتعد واستمرت في الاستيطان والاعتقالات والتدمير.

ولو افترضنا جدلاً نجاحهم في مسعاهم، فلا يخرج هذا عن حالة أخرى مشابهة هي سلوبودان ميلوسيفتش رئيس صربيا السابق الذي سلمته دولته بنفسها الى محكمة لاهاي الدولية ولم يؤد ذلك الى نهاية الدولة الصربية.

المجموعة الثالثة هم من لا يؤمن بجدوى المحكمة الدولية وأنها سلاح مستعمل من قبل الغرب لتنفيذ مخططاته .

ربما يتذكر البعض حالة عمر البشير الذي لاحقه المدعي الدولي كمتهم بجرائم حرب في دارفور وكردفان، وعندما تم ما أرادوا ( فصل جنوب السودان)، لم يعد أحد يسمع عن هذه المهزلة، بينما تستمر المحكمة في نظر قضية رفيق الحريري لأن حزب الله لا يدجن.

حرب غزة الأخيرة 2014 هي بداية النهاية لظاهرة محمود عباس، باع لشعبه الوهم بأنه يريد بناء قصر لهم ، فكان قصراً بلا أسس على رمال متحركة، وأثبتت الحرب الأخيرة أن شعب فلسطين قادر على تحقيق التوازن مع العدو، رغم ظروف أشبه ما تكون بالمستحيلة.

وكل محاولات عباس تخويف هذا الشعب (قال إن “إسرائيل” تستطيع الوصول الى غرفة نوم الرجل) باءت بالفشل.

وفي التاريخ أمثال هذا الرجل مصيرهم الى مزبلة التاريخ .

الفجر قادم.

اترك تعليقاً