من هنا وهناك

مستقبل الأحزاب الدينية في مصر في ضوء الدستور الجديد – الدكتور عادل عامر

تُعد الأحزاب الدينية التي أقيمت بعد ثورة 25 يناير ويأتي على رأسها حزبي الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين، وحزب النور السلفي، هي المستفيد الأول  من هذه الثورة التي سمحت  بتعدد الأحزاب وإنشاء الأحزاب ذات المرجعية الدينية،وتسجيلها بطريقة رسمية بدلاً من أن تعمل في الخفاء كما كان في السابق.

 وتشكلت في هذه الآونة أيضاً أحزاب البناء والتنمية والأصالة والوسط ومصر القوية والجماعة الإسلامية والفضيلة، وغيرهم من الأحزاب المحسوبة على تيار الإسلام السياسي، ونظراً لأن الشعب المصري لديه نزعة دينية شديدة قامت تلك الأحزاب باستغلالها حيث اكتسبت شعبية كبيرة في الشارع قامت من خلالها بتوظيف تلك المكاسب لخدمة مصالحها السياسية.

 وقد شكل حكم حل حزب الحرية والعدالة تحديا جديداً أمام بقاء واستمرار الأحزاب الدينية في مصر، خصوصاً مجموعة الأحزاب التي يتشكل منھا تحالف دعم المعزول محمد مرسي، وذلك لأن الحيثيات التي بني عليھا حكم حل الحرية والعدالة تنطبق على الرؤية التي تبنتھا الأحزاب التي شكلت ذلك التحالف منذ ثورة 30 يونيو وحتى الذكرى الأولى لفض اعتصامي رابعة والنھضة.

فقد تسببت تلك المتغيرات التي لم تتوقعها قواعد السلفيين، إلى إحداث حالة من التوتر والبلبلة داخل الحزب السلفي، وانخلاع أعداد هائلة من عباءته، بعد موقف النور المؤيد لخارطة الطريق، وتوافدوا بعدها على ميدان رابعة العدوية دعماً للإخوان، رغم تواجد المئات منهم في الميدان قبل إعلان خارطة الطريق.

 إن تأسيس حزب على أساس ديني، بما يعنى التمييز بين المواطنين بسبب الدين، أمر مرفوض دستوريا وقانونيا، وإنشاء حزب طائفي يهين المسيحيين ويمارس ضدهم التحريض والكراهية أمر مخالف للدستور والقانون

. وإذا كان من الواضح أنه لا يوجد حزب سياسي إسلامي ادعى أنه قائم على أساس ديني، حتى أكثرها تشددا وطائفية، فالجميع تقريبا يعلن أنه حزب مرجعيته إسلامية، والبعض الآخر أكد أن مرجعيته «دستورية» نسبة للمادة الثانية من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وأن هذه الأحزاب تستند في مرجعيتها الإسلامية على هذه المادة.

تنص المادة 74 من الدستور الجديد على أن “للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية بإخطار ينظمه القانون، ولا يجوز قيامها أو مباشرتها لأي نشاط على أساس ديني، أو التفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو الموقع الجغرافي أو الطائفي أو ممارسة نشاط سري أو معادٍ لمبادئ الديمقراطية، أو ذي طابع عسكري وشبه عسكري، ولا يجوز حل الأحزاب إلا بحكم قضائي”.

أن “مادة حل الأحزاب القائمة على أساس ديني تطبق على الأحزاب التي يكون في برنامجها أو ممارساتها ما يقول إنها تمثل الدين، أو تستخدم الشعارات الدينية في الانتخابات أو الاستفتاءات، أو أن يستند في تعاملاته مع الشارع إلى أساس ديني”.إن “كل الأحزاب الإسلامية لن تغلقها مادة الدستور، التي تنص على عدم جواز قيام أحزاب على أساس ديني، لأنها جميعا لا تنص في لائحتها الداخلية على أنها مؤسسة قائمة على مرجعية دينية”.أن “القانون والدستور والمحكمة تأخذ بالأوراق، وبالتالي فإن تلك الأحزاب أمامهم مدنية وليست دينية”.

إن القاضي الإداري يستشف من أيدلوجية الحزب وبرنامجه وأهدافه وآليات ووسائل عمله إذا كان الحزب دينيا أم لا”.  لكن مستقبل الأحزاب الدينية الفاعلة في الشارع المصري قد لا يرتبط ، وذلك لأن برامج ھذه الأحزاب لا ينطوي بالضرورة على خلط الدين بالسياسة، ولا يوجد ما يثبت أن أي منھا تم تأسيسه على أساس ديني، مثل أحزاب “النور، مصر القوية، الوطن، الوسط” خاصة وأن بعضهم لم يرتكب عنف، وبعضها الآخر قرر النزول من سفينة تحالف دعم المعزول وقرر خوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.

 فرّق الدستور، ولجنة شئون الأحزاب، والمحكمة الإدارية العليا، بين مفهومي الأساس الديني، والمرجعية الدينية . لم يتم منع الأساس والمرجعية معا سوى آخر أربع سنوات من حكم الرئيس الأسبق مبارك ، من 2007 حتى 2011 للحيلولة دون قيام أحزاب ذات مرجعية إسلامية .

قامت ثورة 25 يناير 2011 فأسقطت دستور 1971 وتعديلاته، وبالتالي سقط الجمع بين منع الأساس والمرجعية معا. تم تأكيد ما سبق في الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس2011 ، الذي تم الاستفتاء عليه في 19 مارس 2011  ووافق عليه الشعب بنسبة 2’77% واقتصر على منع الأساس الديني فقط .

ثم صدر دستور 2012 وسار في الاتجاه نفسه. وبعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي وإعلان خريطة المستقبل في 3 يوليه 2013 ، أصدر الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور إعلانا دستوريا في 8 يوليه 2013 سار في الاتجاه نفسه . ثم صدر دستور 2014 المُعدِّل لدستور 2012 المُعطل، وسار في الاتجاه نفسه، ووافق عليه الشعب بنسبة 1. 98% . وقد استند مضمون حيثيات حكم حل الحرية والعدالة، إلى أن “الحزب خرج عن المبادئ والأھداف التي يجب أن يلتزم بھا كتنظيم وطني شعبي ديمقراطي، وأن المنتمين له خرجوا عن وحدة الوطن والعمل على انقسامه وعدم استقراره، فنشروا الفوضى، وأشاعوا العنف بديلاً عنه، وقد تقتصر دائرة تطبيق حيثيات ھذا الحكم على أحزاب” الإصلاح، والفضيلة السلفي، والراية السلفي، والحزب الإسلامي الذراع السياسي لتنظيم الجھاد، والاستقلال، والتوحيد العربي، والعمل الجديد، والبناء والتنمية “، وھي الأحزاب التي تشكل تحالف دعم مرسي، والتي تتبنى حتى الآن نفس الرؤية التي شكلت حيثيات حل حزب الحرية والعدالة. وقد أصبحت لجنة شئون الأحزاب في حرج بعد ارتكاب أنصار أحزاب تحالف دعم الشرعية لعمليات خارجة عن القانون مثل حرق بعض المقار الحكومية و حرق بعض أتوبيسات النقل العام وترويع المواطنين في ذكرى فض رابعة والنھضة، وذلك باعتبارھا الجھة الوحيدة ذات الصفة التي تحرك الدعاوي الخاصة بخروج الأحزاب عن السلمية لمحكمة القضاء الإداري، بالتالي قد تتقدم لجنة شئون الأحزاب بدعوة قضائية تتضمن حيثيات حل حزب الحرية والعدالة إلى المحكمة الإدارية لإصدار حكم مماثل بحل تلك الأحزاب، باعتبارھا فقدت شروط استمرارھا إعمالا لحكم حل الحرية والعدالة.

كان رئيس لجنة الأحزاب السياسية قد تقدم بدعوى للدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا يطالب فيها بحل حزب الحرية والعدالة بعد موافقة اللجنة بجلستها يوم 13 يوليو الماضي بناء على تحقيق أجراه النائب العام بتاريخ 8 يوليو الماضي وبشأن الرأي التي انتهت إليه النيابة العامة في القضية رقم 265 لسنة 2014 حصر أمن الدولة العليا والخاصة بالبلاغ رقم 1725 لسنة 2013 بلاغات النائب العام، من مخالفة حزب الحرية والعدالة للبنود ثانيا وثالثا ورابعا وخامسا وسادسا من المادة الرابعة من قانون نظام الأحزاب السياسية رقم 40 لسنة 1977 المعدل بالمرسوم بقانون 12 لسنة 2011، فالترتيب على ما ذكر يكون طلب حل حزب الحرية والعدالة قد استوفى شروط قبوله.

 وأصدرت الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا حكما بحل الحزب ومصادرة أمواله وممتلكاته وتصفيتها للدولة . و1129 يوما.. هي عمر حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، الذي حل  في حكم نهائي غير قابل للطعن يوم السبت الماضي، الحزب الذي أنشئ في 2 يونيو 2011، حقق خلال الثلاثة سنوات الماضية أغلبية في غرفتي البرلمان المصري (الشعب والشورى)، قبل إسقاط حكمه في ثورة 30 يونيو.

وجاءت حيثيات الحكم التي استندت المحكمة في حكمها إليه بأن القرارات الصادرة من النائب العام والأحكام الصادرة ضد قيادات وأعضاء حزب الحرية والعدالة، لارتكابهم جرائم جنائية تمثلت في القتل والعنف والإرهاب ضد المواطنين، وهو ما أكدته التحقيقات وثبت استخدام مقرات الحزب في تخزين الأسلحة والمولوتوف والذخائر بما يتنافى مع القانون ونصوصه رقم 40 لسنة 77 بتنظيم عمل الأحزاب السياسية.

إن المنتمين للحزب خرجوا على وحدة الوطن والعمل على انقسامه وعدم استقراره كما حدث، ووفقا لما آل إليه أمر رافضي ثورة 30 يونيو، فنشروا الفوضى في ربوع البلاد، وأشاعوا العنف بديلا للحوار والديمقراطية وتهديد السلام الاجتماعي.

وتابعت الحيثيات، “أنه ثبت للمحكمة أن جماعة الإخوان المسلمين ما هي إلا جزء من التنظيم العالمي للإخوان وفق ما أفاد به رئيس الحزب، وأن المرشد العام في مصر هو المرشد العام لهذا التنظيم، وتبين للمحكمة أن التنظيم العالمي تنظيم سياسي إلى جانب أنه دعوي، وأنه وفق ما أفاد به رئيس الحزب لا يمكن الفصل فكريا وأهدافا ووسائل، لممارسة الإخوان بمصر لنشاطها السياسي بمعزل عن تلك الأفكار، والأهداف، والوسائل التي ينتجها التنظيم العالمي لوحدة الفكر والهدف. وأردفت الحيثيات، أنه لما كان حزب الحرية والعدالة قد أنشأته جماعة الإخوان المسلمين بمصر والتي هي جزء من التنظيم العالمي، وبالتالي فإن هناك تبعية فكرية بين الحزب والجماعة، باعتبارها هي المنشئة له، وربما تكون هناك تبعية ثابتة فكريا بين الحزب وهذا التنظيم بما يكون معه.. الحزب مصطبغ بصبغة الفرع التابع لهذا الأصل دون أن يغير ذلك تأسيس الحزب وفقا لإجراءات قانون نظام الأحزاب السياسية، إذ إن العبرة بواقع الأمر وصحيح التكييف وليس بما يستر هذا الواقع.

وبناء على ما تقدم يغدو الحزب متخلفا في شأنه بعض شروط استمراره أعمالا لحكم قانون الأحزاب السياسية، وبالنسبة لأموال الحزب فقد قضت المحكمة بتصفيتها وأيلولتها إلى الخزانة العامة الدولة فور النطق بالحكم، فيما  أمرت المحكمة بتشكيل لجنه برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء تتولى أعمال التصفية للأموال العينية أو المنقولة المملوكة للحزب.

أن حزب النور من واقع دراسة أوراقه تبين أنها سليمة ولا يوجد ضمنها ما يفيد بخلط الدين بالسياسة، أو ما يثبت أن الحزب تم تأسيسه على أساس ديني، وفي هذه الحالة ستكون الممارسة هي الفيصل الوحيد لإثبات ما إذا كان الحزب دينيا أو غير ذلك. أن “اللجنة ستنظر في برنامج كل حزب وأهدافه وآليات تنفيذ هذه الأهداف، وإذا ما استشعرت مخالفة لأهداف وآليات تنفيذها، فإن اللجنة ستتوجه فورا للنائب العام وتحيل إليه أوراق الحزب المشكوك في أمره، لتتولى النيابة العامة مهمتها في تحقيق الواقعة ثم يعيدها للجنة شئون الأحزاب التي ترسلها بدورها بعد ذلك إلى المحكمة الإدارية العليا دائرة الأحزاب السياسية ليصدر حكم قضائي بحل الحزب”.

أن (الحرية والعدالة) هو الحزب الوحيد الذي أحالت اللجنة أوراقه إلى النائب العام بعد تورط قياداته في قضايا جنائية، لان النيابة العامة قررت في أبريل الماضي حفظ البلاغات المطالبة بحظر نشاط حزب النور، ومنها البلاغ رقم 37677 لسنة 2014 عرائض النائب العام، مشددا على سلامة موقف الحزب القانوني تماما.

الأمور مختلفة داخل الجماعة الإسلامية والتي ظلت منذ 30 يونيو 2013 وحتى الآن حليفا قويا لجماعة الإخوان وحزب الحرية والعدالة، رغم كل النصائح للجماعة بفك ارتباطها بالإخوان.

وفي النهاية الأحزاب الإسلامية قد تكون معرضة لانتكاسة ومأزق يصعب تجاوزه، ويتوقف مستقبلها على توجهات قادتها وأعضاء هذه الأحزاب. إن الدستور واضح وأقر بعدم جواز قيام أحزاب دينية سواء في برامجها أو ممارساتها وبالتالي فأي حزب قائم عليه أن يوفق أوضاعه طبقا للدستور والا سيتعرض للطعن عليه والحل, وأن المادة74 تلزم الأحزاب الدينية الموجودة علي الساحة بأن توفق أوضاعها من خلال النظر في أيديولوجيتها وكيفية انضمام أعضائها, من المفترض أن تقدم طلبا أمام دائرة لجنة الأحزاب السياسية بالمحكمة الإدارية العليا والمنوط بها حل الأحزاب القائمة علي أساس ديني التي تقر حلها من عدمه لاتخاذ قرار بشأنها في ضوء عملها ونشاطها.

وأنة لا يوجد مقياس لتقييم عملية الممارسة الحزبية وبالتالي نحن بحاجة إلي هذا المقياس عبر وضع بنود لقياس مدي انضباطها القانوني من عدمه وسوف سيتم تشكيل لجنة قانونية لمتابعة هذه الأحزاب الدينية والتأكد من توفيقها لأوضاعها مع مقتضيات الدستور, ولن يتم حل أي حزب من الأحزاب الدينية إلا عقب صدور حكم قضائي بذلك من القضاء الإداري, مستندا في حيثياته علي المادة74 من الدستور, و أنه من الصعب وضع تعريف محدد لكلمة حزب ديني., حيث إن هذه الأحزاب سياسية وليست دينية ومطلوب من القانون أن يوضح الأساس الديني, وسيتم تعديل قانون الأحزاب ليتناسب مع النص الدستوري من حيث الإنشاء وفق الإخطار, وأن يحدد في المستقبل ما هي الأفعال التي إذا ارتكبها الحزب اعتبر أن له أساسا دينيا فالأمر متوقف علي المشرع وما إن كان سيتوسع في نطاق الأفعال أم يضيقها وهذه مسألة نسبية, حيث سيكون الحكم علي الأساس الديني للأحزاب من قبل الممارسة التي ستقوم بها مثل استخدام شعارات في المساجد, والخلط بين الدين والسياسية, وأيضا استخدام المسجد في السياسية, و أن عدم استيعاب هذه الأحزاب ضمن الحياة السياسية سيجعلها تعود للعمل السري وهو ما يكيد الدولة خسائر علي جميع المستويات بعد أن توفرت على الساحة المعطيات التي تؤكد قُرب انهيار تنظيم الإخوان، خاصة بعد احتدام حالة الرفض الشعبي، للممارسات العنيفة والإقصائية التي قام بها التنظيم، خلال فترة توليه مقاليد الحكم، من هنا أدركت أغلب قوى الإسلام السياسي أن الرهان على استمرار الجماعة، هو درب من دروب الحماقة، والتي كشفت الأيام اللاحقة لـ30 يونيو أن مساندة الجماعة في تلك الفترة كانت انتحارا سياسيا، لكن بعض القوى التي ارتبط استمرارها بوجود الإخوان، وهي القوى المؤسسة لتحالف دعم الشرعية، لم تجد أمامها مفرا من تقديم الدعم، لكن حزب النور السلفي اتخذ موقفا أقرب ما يكون للحياد، وفضل أن يمارس دور المشاهد عن كثب؛ لما له من حسابات يتحكم فيها الطموح السياسي.

وقد شهدت العلاقة بين النور والجماعة توترات شديدة، خاصة بعد أن قررت الجماعة إقصاء النور عن صدارة المشهد السياسي، بعد العديد من المواقف التي اختلفت فيها رؤى النور عن رؤى الجماعة، سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو العقائدي، والتي اعتبرها قيادات في الجماعة “مزايدات” يمارسها النور عن عمد، مثل رفضه تمديد رخص بيع الخمور لسنتين بعدما كانت لسنة واحدة، وكذلك السماح بالسياحة الإيرانية لدخول الأراضي المصرية، والعديد من المواقف الأخرى.

كما أن سعي النور لتسويق نفسه على المستوى الدولي، وخاصة الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد أقلق تنظيم الإخوان بشدة، حيث توفرت المعلومات للتنظيم بأن النور يروج نفسه كبديل إسلامي لجماعة الإخوان، مستنداً إلى تراجع القاعدة المؤيدة للتنظيم، وكذلك الحالة الإعلامية والصحفية التي سلطت الضوء على فشل الإخوان، ودخلت في صراع بقاء معها، وقد طالب النور من شخصيات مقربة من النظام الأمريكي، أن تفتح لها قنوات اتصال مع القيادات السياسية؛ من أجل طرح رؤية الحزب التي تختلف عن ما يروج ضدها، من التطرف والتشدد والرجعية ورفض التنوع واستهداف غير المسلمين، وكان الراعي الأول لتلك الاتصالات حسب تصريحاته الشخصية للإعلام، هو الدكتور “سعد الدين إبراهيم” رئيس مركز ابن خلدون للأبحاث الإنمائية، وأحد من وطدوا علاقة الجماعة من النظام الأمريكي، وتولى “نادر بكار” أحد قيادات النور، مهمة التواصل مع البرلمان الأوروبي والولايات المتحدة، لتلميع الحزب سياسياً وتبييض صورته والتأكيد على مبادئ الديمقراطية، التي تتبناها تلك الدول وتوليها اهتماما بالغا في التعاون السياسي.

ويعتبر عدد من المحللين أن النور بدأ في استشعار الخطر من الوقوف في صف الإخوان أمام رغبة الشارع، والتي كانت تزيد كل يوم عن سابقه، كما أن تواجده بالقرب من مطبخ صنع القرار للتيار الموالي للإخوان، جعله يطلع على أسلوب اتخاذ القرار، وكيف تدار الأمور داخل مؤسسة الرئاسة، وكذلك سيطرة التنظيم على الدولة بما يعرف بخطة “التمكين”؛ لذا فقد كان موقفه متخذا من قبل ذلك، ليس بحثاً عن مصلحة عامة، بل لطرح نفسه كبديل لأنصار الحاكمية وتطبيق الشرع المسيس.

أجمع الباحثون والمهتمون بشأن الحركات الإسلامية، على أن النور هو الوجه المتطور من الفكر الوهابي، إلا أن أعضاء تخلوا عن الجلباب القصير بالبدل الأرستقراطية، مع بعض التعديلات على لغة الخطاب والحوار، إلا أن العقيدة الوهابية ما زالت متجذرة في عقول أعضاء الحزب، لكنهم أدركوا الرفض الشعبي لمنهجهم العقائدي؛ لذا حاولوا التأقلم مع الواقع الجديد، وتغيير جلودهم بما يناسب تطورات المجتمع المصري، وبحثاً عن اكتساب ثقة الشارع، وتغيير الصورة الذهنية عن التيار السلفي، المحسوب على المشروع الإسلامي، خاصة بعد فشل المشروع على يد جماعة الإخوان. إلا أن الواقع يؤكد على استحالة نجاح النور، في استقطاب أي كتلة جماهيرية، خارج التابعين له أيديولوجيا، فبرغم الرفض التام لجماعة الإخوان الإرهابية، إلا أنها أبدت ليونة فيما يتعلق بالمدانية وإن كانت ظاهرية، إلا أن النور يخفي تحت عباءته تشدداً فكرياً ودينياً، لا يضاهيه إلا الفكر التكفيري والسلفي الجهادي، والذي يعتبر مناظري السلفية الأصولية هم أساتذة رموز السلفية الجهادية

لقد أثبتت التجارب المتلاحقة أن الأيديولوجية الوهابية التي يتبناها حزب النور، لن تجد في الواقع المصري تربة خصبة يترعرع فيها وينمو، لقد أثبتت تجربة وهابية الدولة فشلها بشكل وأنة  لا جدال فيه، إضافة إلى أن القواعد التي كانت مؤيدة للنور السلفي انقلبت عليه؛ لتصبح جميع الأدوات التي يسعى النور إلى امتلاكها، من أتباعه والمستقطبين غير متوفرة له، إضافة إلى أن الظهير الفكري الذي استند إليه النور في معاركه السياسية منذ ظهوره، والمتمثلة في مشروع تطبيق الشرع، أصبحت مرفوضة من الشارع المصري، وشتان بين رفض الشرع نفسه ورفض القائمين عليه، خاصة وأن العقيدة الدينية متأصلة في نفوس الشعب المصري، إلا أن رفضه للمشروع الإسلامي،

. إن محاولة تكهن مستقبل حزب النور، يُلزم الباحث أن يجمع بين الحسابات السياسية والأيديولوجية؛ لأنهما من يصنعان الرؤية الواقعية لمحاولة الاستقراء لمستقبله، وفي تلك الحالة سنجد أن تراجع شعبية الحزب أمر لا مناص منه، حتى بين صفوف أتباع التيار السلفي والمؤيدين له؛ لأن البراجماتية التي أدار بها العملية السياسية، على حساب الأيديولوجية أفقدته توازنه الذاتي، وهدمت كل المبررات التي استند إليها خلال مشواره السياسي، حيث سعى جاهداً إلى أن يمارس العمل السياسي بالتوازي مع الحفاظ على هويته، وهما طريقان متناقضان لن يتقابلا أبداً؛ لذا فإن النور عاجز عن أن يكسب أياً من الأطرف السياسية، حيث إنه محسوب على التيار المتأسلم، وعلاقته بجماعة الإخوان في فترات اتسمت بالاتفاق بينهما، وبين فقدانه قاعدته الأيديولوجية التي تراه خارجا عن المنهج الذي تأسس من أجله.

 

كاتب المقال
دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

مستقبل الأحزاب الدينية في مصر في ضوء الدستور الجديد – الدكتور عادل عامر

اترك تعليقاً