الأرشيفصهيونيات

مصير الاحتلال والاستعمار الاستيطاني إلى زوال – د.غازي حسين

تتعرض مدينة القدس المحتلة إلى هجمة استيطانية متوحشة تستهدف محو طابعها الحضاري العربي الإسلامي والمسيحي، وتهويدها بالكامل وعزلها عن الضفة الغربية، وعن محيطها العربي الفلسطيني، جغرافياً واجتماعياً واقتصادياً، ومصادرة الأراضي والعقارات العربية، وهدم المنازل، وإقامة الأحياء والمستعمرات اليهودية على أنقاضها.

ويأتي استهداف المناهج الدراسية في إطار التهويد الشامل الذي تتعرض له المدينة المحتلة، وتكشف الإجراءات والممارسات والسياسات عن أطماع (إسرائيل)، وعن فاشيتها وعنصريتها، وخطورة الاستعمار الاستيطاني اليهودي على مدينة الإسراء والمعراج، وعلى عروبة فلسطين ووجهها الحضاري العربي الإسلامي.

تعمل سلطات الاحتلال على تفريغ مدينة القدس من الفلسطينيين، وزرعها بالمستعمرين اليهود والمتعصبين عن طريق مصادرة الأراضي الفلسطينية، وهدم المنازل والاستيطان والتهويد، وذلك لتحويل أصحابها العرب إلى أقلية لا تتجاوز 12٪ من مجموع سكان المدينة، بينما كان سكانها قبل عدوان الخامس من حزيران 1967: 100٪ من الفلسطينيين.

ويجري تهويد المدينة من خلال: أولاً، بناء كتل الأحياء والمستعمرات اليهودية، وثانياً، السيطرة على الأحياء العربية داخل المدينة القديمة، وبناء بؤر استيطانية، وثالثاً، عزل المدينة عن محيطها الفلسطيني ببناء جدار الفصل العنصري حولها باسم «غلاف القدس».

أقرت حكومة نتنياهو حليف آل سعود وآل نهيان سلسلة من الإجراءات لتعزيز الاستعمار الاستيطاني فيها بمناسبة الذكرى السنوية لاحتلالها، وما يسمى «يوم القدس» لإقامة أحياء استيطانية جديدة، وقامت سلطات الاحتلال مؤخراً بزرع آلاف القبور اليهودية الفارغة والوهمية حول المسجد الأقصى والبلدة القديمة على مساحة /300/ دونم لتزييف الجغرافيا والتاريخ والآثار العربية الإسلامية، واختلاق منطقة يهودية تراثية يهودية مزيفة، وتهويد كامل محيط المسجد الأقصى والقدس القديمة، والسيطرة الكاملة على أراضي الوقف الإسلامي.

وفي الوقت نفسه قامت بتدمير مقبرة «مأمن اللّه» التاريخية التي تضم رفات رجال الصحابة الذين حرروا القدس من الغزاة الرومان، ونفذت مخططا لإقامة 14 وحدة استيطانية في قلب حي الشيخ جراح في داخل البلدة القديمة، وأجبرت بلدية القدس المحتلة المواطن المقدسي عزام عفيفي على هدم منزله بيده في البلدة القديمة بذريعة بنائه دون ترخيص.

وسار المستوطنون اليهود في شوارع القدس العتيقة وأزقتها بمناسبة الذكرى السنوية لاحتلال وضم المدينة العربية وفق التقويم العبري، وقاموا بتخريب وتدمير ممتلكات الفلسطينيين، ومحلاتهم وسياراتهم، واستفزوا المصلين داخل المسجد الأقصى وباحاته.

تغرق (إسرائيل) المدينة المحتلة بمخططات المصادرة والاستيطان والتهويد والهدم والتهجير، الهادفة لتدمير ما تبقى من تراث المدينة بما فيها المسجد الأقصى المبارك، دون أن نرى أو نسمع ردود فعل قوية من جامعة الدول العربية، ومحور من أسمتهم رايس بالمعتدلين العرب، وعلى رأسهم السعودية، مما يزيد من توالي موجات الاستيطان وتهجير المقدسيين وتضييق الخناق عليهم، ومن غطرسة نتنياهو والحاخامات، وبقية دهاقنة الاستعمار الاستيطاني العنصري داخل الكيان الصهيوني، وادارة ترامب اليهودية المنحازة انحيازاً أعمى لـ «إسرائيل».

فبمناسبة مرور الذكرى السنوية لاحتلال القدس الشرقية أعلن نتنياهو الذي يطلق عليه يهود أمريكا لقب «ملك إسرائيل» أن القدس لن تقسّم، وأن (إسرائيل) دون القدس هي كالجسد دون قلب، ولن يقسم قلب (إسرائيل) من جديد، وأكد أنه لن يتخلى عن القدس الموحدة ولا عن محيط الحرم القدسي، وابتسم نتنياهو عندما أعلن رئيس الكنيست ريفلين: «إن (الإسرائيليين) المستعدين للتنازل عن القدس لا تربطهم بالمدينة روابط روحية، وإذا وافق (الإسرائيليون) على السلام بلا القدس معنى ذلك أن الصهيونية قد انهارت، لأن الأمة التي تتنازل عن رموزها الدينية هي أمة فقدت مقومات وجودها»، وقال نتنياهو بعد سماعه أقوال ريفلين: «إن من يُخْرِج من يد (إسرائيل) الحرم القدسي كي يحقق السلام أخطأ خطأً مصيرياً، لأن التخلي عن الحرم القدسي سيؤدي إلى تدهور الأوضاع ونشوب حرب دينية، إن وحدة القدس تحت سيادة (إسرائيل) هي التي تمنع حرباً دينية».

إن مواقف نتنياهو وتصريحاته وممارساته تجاه القدس المحتلة هي استمرار للموقف الصهيوني الذي رسخه تيودور هرتسل والصهاينة الأوائل الذين زعموا أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لاقتلاع شعبها العربي وزرع قطعان المستعمرين اليهود فيها الذين جلبوهم من وراء البحار بمساعدة بريطانيا والولايات المتحدة وحتى ألمانيا النازية.

كتب هرتسل في مذكراته حول القدس قائلاً: «إذا حصلنا يوماً على القدس وكنت لا أزال حياً وقادراً على القيام بأي شيء فسوف أزيل كل شيء ليس مقدساً لدى اليهود فيها وسوف أحرق الآثار التي مرت عليها قرون». وورد في دائرة المعارف اليهودية تحت كلمة الصهيونية «إن اليهود ينبغي أن يجمعوا أمرهم، وأن يذهبوا إلى القدس ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعيدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا مملكتهم هناك»، ويزعم قادة الحركة الصهيونية والحاخامات وقادة الحركات الاستيطانية: «أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس في الهيكل إنما هو لليهود»، لذلك ينادون علناً بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. وتسخّر الصهيونية العالمية «الحركة الماسونية»، وشهود يهوه، والمسيحية الصهيونية والمحافظين الجدد والكنائس الإنجيلية في الولايات المتحدة وبعض الرؤساء الأمريكيين وعلى رأسهم ترامب لتحقيق هذا الهدف الشيطاني الذي يهدد السلام العالمي بأفدح الأضرار، وينذر بوقوع حروب دينية لا تبقي ولا تذر.

وتعمل الماسونية على بناء الهيكل المزعوم الذي تعتبره الرمز لعزة (إسرائيل)، وتؤمن الماسونية الأوروبية أن روحها هي روح اليهودية في معتقداتها الأساسية.

وتتضمن دائرة المعارف الماسونية أنه: «يجب أن يكون كل محفل ماسوني رمزاً لهيكل اليهود»، ويقرأ جميع الحاضرين من الدرجة «33» في المحافل الماسونية: «سنعود إلى عهد سليمان بن داوود ونبني الهيكل الأقدس، ونقرأ فيه التلمود، وننفّذ كل ما جاء في الوصايا والعهود، وفي سبيل مجد (إسرائيل) نبذل كل مجهود»… وتدعم الكنائس الإنجيلية وما يعرف بالمسيحية الصهيونية في الولايات المتحدة الأكاذيب والأطماع والخرافات اليهودية في القدس والمسجد الأقصى، ويتفقون مع اليهود على وجوب تدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه، وتعمل مؤسسة هيكل القدس البروتستانتية ومقرها مدينة دينفر الأمريكية من أجل هدم المسجد الأقصى وسيطرة اليهود عليه وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه. ووصلت أطماع بن غوريون مؤسس كيان الاستعمار الاستيطاني العنصري حداً قال فيه بعد الإعلان عن تأسيس (إسرائيل): «لا معنى (لإسرائيل) دون القدس ولا معنى للقدس دون الهيكل».

وطالب بن غوريون بعد احتلال القدس الشرقية في كلمة ألقاها في معهد رافي بتل أبيب بتاريخ 20/6/1967 بهدم سور القدس التاريخي للأسباب التالية:

أولاً: لأننا نريد قدساً واحدة لا اثنتين يهودية وعربية.

ثانياً: يجب هدم السور لأنه غير يهودي، إذ بناه سلطان تركي.

ثالثاً: ستكون لهدم السور قيمة سياسية عالمية، إذ عندها سيعرف العالم أن هناك قدساً واحدة يمكن أن تعيش فيها أقلية عربية.

إن استغلال الصهيونية والكيان الصهيوني والدول الاستعمارية للأطماع والأكاذيب والخرافات التي رسخها كتبة التوراة والتلمود والمؤسسون الصهاينة وقادة (اسرائيل) لتبرير الاستيلاء على فلسطين العربية بما فيها القدس ليس إلا استعماراً استيطانياً مغلفاً بقناع ديني يستغل المزاعم الدينية لتحقيق أبشع وأخطر أنواع الاستعمار الاستيطاني العنصري في التاريخ الإنساني.

حوّل القادة الصهاينة والحاخامات والنخب السياسية اليهودية والاستعمارية «الدين اليهودي» إلى سلاح فتاك لسلب الفلسطينيين سكان فلسطين الأصليين وأصحابها الشرعيين حقوقهم الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف في وطنهم فلسطين، وسخّروا الدين اليهودي والآيديولوجية الصهيونية والدول الاستعمارية، واستغلال معزوفتي اللاسامية والهولوكوست في خدمة الأطماع الاستعمارية السياسية والاقتصادية للكيان الصهيوني لفرض هيمنة اليهودية العالمية على منطقة الشرق الأوسط وعلى العالم.

لقد ثبت بجلاء أن مصير الآيديولوجيات العنصرية كالنازية والفاشية والأبارتايد وأنظمة الاستعمار الاستيطاني إلى زوال، وسيكون مصير ومستقبل الاحتلال وكيان الاستعمار الاستيطاني وآخر نظام عنصري في العالم في فلسطين العربية إلى زوال عاجلاً أو آجلاً.

د. غازي حسين