الأخبارالأرشيف

من يحمي حماس من أخطائها؟! – رشاد أبو شاور

نبدأ بالقول: اللهم لا شماتة.

فحماس فاقمت أخطاءها، وعزلتها، وبددت عناصر قوتها، ومع ذلك فقيادتها لا تتوقف لتعيد النظر، وتستخلص العبر، فتتجاوز الأخطاء الفادحة، وتجدد حضورها، وتعود إلى أحضان الشعب الفلسطيني، إذ لا حامي لها إلاّ هذا الشعب العريق بنضاله، ومقاومته، والذي سبق بمقاومته وجود حماس بعشرات العقود، وسيتواصل حتى تحرير فلسطين، وعودتها عربية، وقلبا للوطن العربي الكبير.

بدأت أخطاؤها الفادحة بانقلابها في غزّة، حين هيمنت على ( السلطة) واستفردت بها، بقوّة السلاح، ونكلت بفتح قيادات، وكوادر، ومقاتلين، بعنف، وبعنصرية، ولم يتوقف تنكيلها عند فتح، بل امتد ليطال الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، وكل من خالفها الرأي، أو انتقد ممارساتها، أو دعا لحل الخلافات بعيدا عن استخدام السلاح!

اختطفت حماس قطاع غزة، وتصرفت وكأنها هي من حرر القطاع، وأن السلطة المطلقة حق لها، وكأن المقاومة بدأت بها، وهي من انتصر، وطرد قوات شارون ، وبدأت بتطبيق ( الشريعة) في إمارتها( الإسلامية)، فضيقت على أهل القطاع، ومزقت نسيجهم الاجتماعي، وأدخلتهم في متاهة ما زالت تتواصل حتى يومنا هذا.

ادعت حماس أنها ضد ( أوسلو)، ولكنها دخلت انتخابات المجلس التشريعي، و..فازت، ولم تسأل نفسها: كيف تكون ضد أوسلو، ومع ذلك تنافس على مؤسسات نشأت في ظل أُوسلو؟ ولم تتساءل قيادة حماس: من أين لها هذه الشعبية الكاسحة التي نالتها في انتخابات المجلس التشريعي؟ لم يخطر ببال قادة حماس أن التصويت لها عبرعن غضب الفلسطينيين في الضفة والقطاع من ممارسات السلطة، وأدائها هي وأجهزتها، وفسادها، وأنهم يريدونها أن تكون بديلاً مقاوما.

استفردوا بالسلطة في القطاع، وفرضوا الضرائب، واستغلوا ( تجارة) الأنفاق، وأثرى منهم من أثرى، فإذا بفسادهم يبز فساد السلطة، وقمعهم يتفوّق على قمعها.

لم يخطر ببال قادة حماس أن ما يحتاجه شعبنا الفلسطيني هي ( الوحدة الوطنية)، وأن إدارة القطاع بعد انسحاب قوات الاحتلال من داخله، وإبقاء محاصرته، كان خطة شارونية خبيثة، تقتضي للمواجهة إيجاد قيادة (موحدة) تضم (كل) الفصائل) ، صغيرها وكبيرها، وشخصيات وطنية، وكفاءات، بحيث تكون غزة النموذج الذي يتطلع له الشعب الفلسطيني.

ولكن هيهات، فحماس ( الإخوانية) لا تؤمن بالوحدة الوطنية، والبرنامج الوطني الواحد؟!

انقلاب حماس في غزة عبّر عن ضيق أفق، وقصر نظر، وانغلاق فكري، وجهل بالشعب الفلسطيني وتاريخه الكفاحي الطويل، وهو ما أضعف الشعب الفلسطيني، ومس بهيبته، وبحضور قضيتنا عربيا وعالميا.

 حماس أقحمت نفسها في الصراع الدموي في سورية، ووجهت بندقيتها ضد التواجد الفلسطيني، تحديدا في ( مخيم اليرموك)، وهي فعلت ذلك توهما منها بأن سورية ستسقط، وأن الإخوان سينتصرون في تونس، ومصر، واليمن، وليبيا، وأن دولة الإخوان ستمتد من تونس حتى تركيا العثمانية..وسيتكلل انتصارها المؤزّر بالهيمنة على سورية!

وهكذا اندفعت حماس، وأدارت ظهرها لشعبها، فشردت عشرات الألوف بمشاركتها في احتلال المخيم، والمستمرة حتى اللحظة، وقفزت من سورية إلى قطر وتركيا، وخاصمت إيران، وحزب الله، متنكرة لمن دعموها ماليا، وسياسيا، وعسكريا.

كنت أتردد على مخيم اليرموك، وأقيم في بيت متواضع قريب من بناء (الخالصة)، وكنت أرى كما يرى غيري من الفلسطينيين ما تتمتع به حماس، وقيادتها، وما هو مباح لها من جمع تبرعات في كل سورية من أقصاها إلى أقصاها، وما تتمتع به قيادتها من أمن وحماية ورعاية..ومع ذلك فقد أدارت قيادة حماس الظهر لسورية، ولم تكتف بذلك، بل ادعت أنها مع الديمقراطية والحرية، وأنها منحازة للشعب السوري!

للتذكير: هي لا تمارس الديمقراطية في قطاع غزة..في إمارتها ( الإسلامية)!

اندفعت حماس في أوهامها، مراهنة على انتصار الإخوان في مصر، ودوام الحكم لهم، خاصة بعد أن تبوّأ مرسي الرئاسة، ووقف ليعلن متشدقا بسذاجة: لبيك يا سورية..واعدا بإرسال قوات الجيش المصري (لنصرة)  المشروع الإخواني_ الأردوغاني _ القطري..بالرعاية الأمريكية، والمباركة الصهيونية!

أسقط الشعب المصري حكم الإخوان، وكان لصمود سورية وشعبها وجيشها وقيادتها فضل كبير في هذا الانتصار، ولكن (حماس) لم تتوقف لتعيد النظر في ما جرى، ولتستيقظ من الأوهام، والرهانات الساذجة على دولة خلافة إخوانية..وحتى اللحظة ما زالت مخدرة بوهمها.

في شوارع مدن قطاع غزة، وفي رفح الحدودية مع مصر، رفعت حماس رايات ( رابعة)، معلنة انحيازها لإخوان مصر، وهي فرع تابع لهم، ومعاداتها لخيار شعب مصر، وإرادة التغيير التي حققها في الميادين، في ثورته الثانية التصحيحية التي أسقطت حكم الإخوان.

ألحقت حماس ضررا فادحا بصورة الشعب الفلسطيني، ومنحت الفرصة لأعداء القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، ليؤججوا حملة الكراهية لشعبنا في مصر، بسبب انحيازها مع الإخوان في مواجهة شعب مصر، وخياراته الديمقراطية، وانتخاباته الشرعية.

وبلغت الأمور بسوئها أن أصدرت محكمة مصرية حكما على (كتائب القسام) بأنها إرهابية..ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن محكمة الأمور المستعجلة المصرية حكمت على حماس بأنها منظمة إرهابية!

حماس تقف وحيدة، وخاسرة، ومحاصرة..فقطاع غزة منهار اقتصاديا، وكل ما دًمّر في الحرب العدوانية الصهيونية الأخيرة لم يُعد تعميره، والبطالة غير مسبوقة، والحصار خانق…

ماذا أمام حماس لتخرج من حالتها التي وضعت نفسها فيها؟!

أن تعود للشعب الفلسطيني، فتتخلى نهائيا عن السلطة والتسلط، وتكون جزءا من قيادة وطنية تدير جوانب الحياة في القطاع، ثم تعلن أنها حركة مقاومة فلسطينية لا شان لها بالإخوان المسلمين في مصر، وتخرج من عباءة قطر وتركيا، ومن هنا تنطلق في مسيرة تجدد حضورها المقاوم، وهو ما يعني سعيا جديا ( لاستعادة) حضورها في محور المقاومة، بعد عملية نقد ذاتي جدي…

لا بد أن تعيد حماس النظر في مسيرتها منذ انقلابها، و..سلبيات مشاركتها في انتخابات التشريعية، فلا يمكن أن تكون حركة مقاومة، و..مشغولة بالتنافس على ( سلطة) في ظل أوسلو!

يحزنني أن توضع حماس في مصر على لائحة التنظيمات الإرهابية!

ولكن: لا الحزن على ما آلت إليه أوضاعها، ولا النصح، يمكن أن ينقذها، فخروجها من مأزقها الخانق بيدها أولا..ومن بعد في يد الشعب الفلسطيني إن هي راجعت حساباتها، وصححت مسيرتها، ورفعت يدها عن عنق هذا الشعب العظيم الذي منحها مكانة فرّطت بها، فخسرت نفسها، وشعبها، وحلفائها…

اترك تعليقاً