الأخبار

وصيّة القائد أبي ماهر اليماني، ننشرها في ذكرى رحيله سنة 2011.

خصّ الرفيق ماهر اليماني مجلة الآداب بوصيّة أخيه، الراحل الكبير القائد أبي ماهر اليماني، ننشرها اليوم في ذكرى رحيله سنة 2011.

وصيّتي لأحبّتي من أفرادِ أسرتي

أبو ماهر اليماني

إلى: الحبيبة الغالية، شريكة الحياة، أمِّ البنين والبنات.

إلى: الأحبّة الأعزّاء، البنات الثلاث والخمسة أبناء.

عفوَكم أحبّتي؛

لم أتركْ لكم مالًا تتوزّعونه.

ولم أتركْ لكم عقارًا تقتسمونه.

إلى جانب ذلك:

لم أتركْ عليَّ ديْنًا تسدّدونه منكم.

ولم يكن لي عدوٌّ شخصيٌّ أخشى منه عليكم.

وبعد،

المنزل الذي أقمنا فيه مستأجَر،… وصيّتي لكم أن يكون كلُّ ما فيه من موجودات بتصرّف شريكةِ الحياة، أمِّ البنين والبنات، حتى الممات (بعد عمرٍ طويل). وهي صاحبةُ الحقّ بأن تهبَ ما تشاء لمن تشاء، كما تشاء؛ علمًا أنّها بحكمتها، وحسنِ تدبيرها، وحبِّها لأبنائنا وأفراد أسَرهم، وعدمِ التمييز بينهم، تُعفيني من تسجيل أيّ توصيةٍ لها، أو أيِّ طلبٍ منها، سوى أن تسامحَني، إنْ كانت قد شعرتْ ذات يومٍ من حياتنا المشتركة أنّني قصّرتُ بحقّها، أو أسأتُ لها، ولو عن غيرِ قصد، حتى لو كان ذلك بنظرةِ عينٍ عابسة، أو نبرةِ صوتٍ قاسية، أو اختلافِ رأيٍ في محاوَرة، أو اتخاذِ قرارٍ عائليٍّ دون مشاورة (المسامح كريم يا أحبّتي).

أمّا وصيّتي للأحبّة الأعزاء، البنات والأبناء، فيمكن إيجازُها وتلخيصُها بما يلي:

أوّلًا: والدتكم، يا أحبّتي، هي خيرُ ما تبقّى لكم، رعتكم صغارًا، وانشغل فكرُها بكم كبارًا. ومع أنني أدرك مدى حبِّكم لها وحرصكم على راحتها، إلا أنّني أجد من واجبي نحوها وحقّي عليكم أن أوصيكم جميعًا خيرًا بوالدتكم. وتذكّروا دائمًا يا أحبّتي: “أنّ الجنّة تحت أقدام الأمّهات.”

ثانيًا: شقيقتكم فداء، والتي شاءت إرادةُ الله أن تُفقدها باكرًا شريكَ حياتها المرحوم نبيل حمادة، تاركًا لها طفلَها زياد وعمرُه بضعة أشهر (يوم وفاة نبيل..)، أبت عليها أمومتُها أن تفكّر بذاتها، ورفضتْ وهي في ريعان الصبا أن تقترنَ بعد وفاة والد طفلها، وعاشت للطفل وذكرى أبيه، فأحسنتْ تربيةَ الأبن وصانت ذكرى الزوج… عاشت وابنَها في بيت والديْها. وصيّتي لكم، أحبّتي، ان تستمرّوا في تقدير ظروفها، والحفاظِ على كرامتها، من عوَزٍ قد يواجهُها، وأحسِنوا معاملةَ ابنها، وعاملوه كما تعاملون أبناءكم… “والله يجزي المحسنين.”

ثالثًا: بعد أن أوصيتُكم، أحبّتي، خيرًا بوالدتكم وشقيقتِكم وابنِها، أوصيكم، أوصي كلَّ واحدٍ فيكم بما يلي:

1 ـ تحابّوا، وتآلفوا في ما بينكم، وأن يتمنّى كلٌّ منكم لأخته أو لأخيه ما يتمنّاه لنفسه، من الصحّة والنجاحِ والتوفيق.

2ـ أن تكونوا رحماءَ فيما بينكم، وأن تظلّ صلةُ الرحم خيرَ وثاقٍ يشدّ بعضكم إلى بعضٍ. تزاوروا، تشاوروا، تعاونوا، اجتمعوا في المناسبات وبدون مناسبات. لا تقفوا عند الأخطاء إلّا لتصحيحها. وثّقوا العلاقةَ بين أطفالكم.

3ـ اهتمّوا بتنشئة أطفالكم. علّموهم، ثقّفوهم، عوّدوهم على حبّ بعضهم، وحبّ زملائهم، وجيرانهم، وفي المقدّمة حبّ الوطن…

ازرعوا في نفوسهم الصدقَ، الأمانة، الإخلاصَ، التواضع…

4ـ أحبّوا أهلَ شركاء حياتكم، أهلَ الزوج وأهل الزوجة؛ فقد باتوا منكم بموقع الأهل.

5ـ أحسنوا التعاملَ مع الناس بشكلٍ عامّ، وعاملوهم كما تحبّوا أن يعاملوكم. وكونوا متسامحين مع جيرانكم، آخذين بالحكمة الاجتماعيّة: “الجار للجار ولو جار.”

6ـ خذوا بالحكمة التربويّة – الإنسانيّة التالية وترِموها: “إعملْ خيرًا كلّ يوم.” وحاسبوا أنفسَكم إذا مرّ يومٌ دون أن تعملوا خيرًا كلَّ يوم، مهما كان ذلك العملُ متواضعًا.

7ـ اذكروا دائمًا أنّ الصدق، الإخلاص، الأمانة، الوفاء، التواضع، التسامح، نظافة اللسان، وطهارة القلب، من الصفات التي تنمّي شخصيّةَ الإنسان، وتُكسبه احترامَ الناس. فاتّصفوا بها، أحبّائي، وتجنّبوا أضدادَها.

8ـ أمّا في تعاملكم الاقتصاديّ، فأوصيكم أحبّائي بما يلي:

ـ تجنّبوا التقتيرَ على أنفسكم أو على عيالكم.

ـ بنفس الوقت لا تبذّروا ولا تُسرفوا في الإنفاق، ولا تنسوا ما قيل منذ القِدم: “القرش الأبيض لليوم الأسود.”
9ـ مهما كان دخلُكم ضئيلًا لا تتجاوزوه في مصروفاتكم، بل اقتصدوا منه بنسبةٍ معيّنة مهما كانت ضئيلة حتى لا تضطرّوا أن تستدينوا من غيركم. واذكروا دائمًا مقولة: “الدّيْنُ همٌّ في الليل وذلٌّ في النهار.”

10ـ وصيّتي الأخرى والأهمّ يا أحبّتي: لا تنسوْا وطنَكم الأول فلسطين، مهدَ عيسى ومسرى محمد، وطنَ الآباء والأجداد. واذكروا جيدًا أنّ الحنين للوطن والعودة إليه وحده لا يكفي، بل يجب المساهمةُ بالعمل لتحريره في إطار الإمكانات المتوفرة لكلٍّ منكم.. آخذين بالمقولة الداعية إلى العمل: “أن تُشعلَ شمعةً في الظلام أفضلُ ألفَ مرّةٍ من أن تلعن الظلمة.”

ولتكن شعاراتُكم الكفاحية التي تؤمنون بها وتحمّلونها أمانةً لأبنائكم من بعدكم:

1ـ فلسطيننا لن ننساكِ، ولن نرضى وطنًا سواكِ.

2ـ وطني لو شُغِلتُ بالخُلدِ عنهُ نازعتْني إليه في الخلْدِ نفسي.

3ـ فلسطين كلُّها، لنا كلِّنا، ولبنينا، وبني بنينا بعدنا.

4ـ ستعود فلسطينُ كلّها لنا كلِّنا، وسنعود كلُّنا إلى فلسطين كلِّها.

5ـ صراعنا مع العدو الصهيونيّ صراعُ وجود، لا صراع حدود.

وصيّتي الأخيرة:

رغم إيماني بوحدة الوطن العربيّ، وطهارةِ ترابِ أيّ بقعةٍ فيه، أتمنى أن أدفنَ في قريتنا سحماتا ـ فلسطين. وطالما أنّ العودة غير متيسّرة قريبًا، فأتمنّى عليكم أن تدفنوني في مخيّم البدّاوي، إلى جانب والديّ رحمهما الله.
أستودعكم الله.

سامحوني أحبّتي.

كتبتُ الوصيّة يوم الإثنين 24 أيلول 1990.

وقد بلغتُ السادسة والستّين من العمر.

الموصي أحمد حسين اليماني.

#خاص_الآداب

#أبو_ماهر_اليماني