من هنا وهناك

■ البلاء في الدولة القطرية. ..أخي مُدَّ عنقك …امرني سيدي بأن أقتلك! عادل سمارة

 

 

■ الهوية القطرية والهوية الوطنية، المبادرة الوطنية الأردنية

■ “كنعان” تتابع نشر كتاب “ظلال يهو/صهيو/تروتسكية في المحافظية الجديدة”

تأليف د. عادل سمارة

● ● ●

 

البلاء في الدولة القطرية. ..أخي مُدَّ عنقك …امرني سيدي بأن أقتلك!

عادل سمارة

 

تفسير للأسئلة الحامضة التي تسال عنها الصديقة رندة بيروتي

أمرني سيدي بقتلك أو أموت أنا. معذرة إذن، فحينما يصل الأمر إلى مصالحي أضحي بعنقك.

هذا حال الموقف الأردني من سوريا اليوم، منذ اربع سنوات، بل منذ الانفصال 1961، بل من مئة عام.

ترى، لو لم يتم خلق الأردن، كدولة، ماذا كان سيحصل للتاريخ؟ سيكون كل شيء افضل بالمطلق والنهائي.

حينما أحرقت داعش الطيار معاذ الكساسبة، لم أحزن سوى على والده وزوجته وأهله. فالسلطات السياسية لا تعرف الحزن، هي طبقة تعرف مصالحها. ولذا، اعتقدتُ أن عقل دولة يجب ان لا يذهب إلى الثأر. أولا لأنها دولة وثانياً لأن الثأر تقليد عشائري مقيت كما هو الطائفي، اي من جملة الأمراض التي يجدر اجتثاثها بدل ان يتم التفاخربها. وثالثاً لأن إعدام العراقية والعراقي  لن يغير شيئاً بقدر ما يكرس ثقافة الثأر من غير الفاعل. لأن الفاعل ليس الريشاني وزميلها. الفاعل أمريكا والكيان وأدواتهما من النفطيين وقادة داعش خريجي معاهد التدريب الإرهابي والأدلجة الوهابية. واخيرا، الإعدام لا يردع.

لذا، لو كنت أنا والد الكساسبة، لقلت الرد على الأصل وليس على مأفونين جهلة وجدوا من الفقر الموت افضل.

وحتى قصف الأردن لداعش في سوريا والعراق هو تهديف غلط وخطير، لم تطلب سوريا ذلك من الأردن ولا طلب العراق! لذا كان القصف الأردني (إن كان كل هذا الطيران من صنع معامل الحلقوم والهريسة أو حتى مناسف الكرك التي اشتاق لها مع الرفيق موفق  محادين) عدوان على سوريا، اي تعميقا لاصطفاف السياسة الأردنية ضد سوريا ومع أعداء سوريا. وقد يكون دم الكساسبة مبررا لتورد اردني علني وشامل ضد سوريا إرضاء أمريكا والكيان والنفط وداعش نفسها التي لها في الأردن دواعش بدرجات.

ما يقوم به الساسة في الأردن هو شراكة في الحرب على سوريا وتحت تبرير “أمروني بأن اذبحك…..يا ….أخي”

فالوضع شبه الطبيعي ان يقف الأردن على الحياد، والوضع نصف الطبيعي أن يقف الأردن مع سوريا والوضع الطبيعي ان يتم ضم الأردن لسوريا، لاجتثاث أحد 22 مرضا سرطانيا هي الأنظمة القطرية في الوطن المليىء بهذه القروح.

 

● ● ●

 

الهوية القطرية والهوية الوطنية

المبادرة الوطنية الأردنية

9/2/2015

 

الهوية القطرية والهوية الوطنية

مدخلاً للحوار.

الهوية:  يمكن تعريف الهوية بشكل عام بأنها الثابت والمشترك بين مجموعات بشرية او بين اشياء او احكام في بنية المجتمع الواحد، مقابل التمايز مع مجموعات بشرية أو أشياء أو أحكام  أخرى في بنية مجتمع آخر، هي ثابته ومشتركة في مراحل محددة وأزمنه محدده، ولكنها متغيره عبر المراحل المختلفة من تطور المجتمع وتطور التشكيله الاقتصادية – الاجتماعية الخاصة به، وشكلها الارقى الذي يفرض عملية التمايز داخل المجتمع، بناء على تقسيم العمل بداخله، فيتمايز المجتمع نتيجة تقسيم العمل إلى طبقات وشرائح، تتكامل وتتمايز، تتصارع وتتنافس، بناء على موقعها في العمل.

في المجتمعات ألتي أنجزت مهمات الثورة الوطنية البرجوازية، وحققت الانتقال من الاقطاعية إلى االرأسمالية، وفتحت الآفاق أمام تطور قوى الانتاج ، انتقلت من الهويات الماقبل الرأسمالية الفرعية إلى هوية الأمة الجامعة الموحدة، هوية محددة بمعطيات النظام الجديد السائد، النظام الرأسمالي القومي، ومع الإنتقال الاحق في العقود القليلة الماضية، إلى النظام الرأسمالي المعولم، حدث تحول في تشكل هويات جديدة ، غير تلك الهويات التي كانت سائدة، سواء عبر إعادة إنتاج هويات كانت قد إختفت، أو بناء هويات لم تكن موجودة أصلاً، مثلاً الهوية الأوروبية الجديدة، أو هويات معاد إنتاجها، كما هي حال الهويات الناجمة عن تفكيك جمهورية يوغسلافيا، وجمهوريات الاتحاد السوفياتي، ودول المعسكر الاشتراكي السابق، وهويات ناتجة عن تفكيك دول وامم سابقاً، كثير من الهويات التي تم تصنيعها في القارة الأفريقية مثلاً، و الهوية الباكستانية الناجمة عن تفكيكها عن الهوية الهندية، والتي استندت إلى الموروث الديني في تشكّلها، ومن ثم الهوية البنجلادشية الناجمة عن تفكيك الهوية الباكستنية ذاتها…الخ.

على الصعيد العربي تم تصنيع هويات التقسيم ، ومنها هويات أقطار سايكس بيكو، هويات تخدم مصالح المركز الرأسمالي العالمي، الذي كان خلف هذا التفكيك والتركيب، والهدف هو إبقاء هذه المجتمعات والدول في مرحلة التشكيلة الاجتماعية الماقبل رأسمالية، تشكيلة المجاميع البدائية: القبلية والأثنية والطائفية والمذهبية،  لخدمة مشروع المركز القائم على إستغلال ثروات ومقدرات وإمكانات دول المحيط.

في مجتمعات المحيط التابعة فأن تشكل الهوية الوطنية المنتجة، مرتبط مباشرة بإنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية، التي تفتح الآفاق أمام تطور قوى الانتاج الوطنية، وتفسح المجال أمام عملية ادماج المجاميع الماقبل رأسمالية، والهويات الفرعية في هوية وطنية واحدة.

والمرحلة الثانية تتمثل في دمج الهويات الوطنية المنجزة  في هوية الأمة الواحدة، بعدما يتم تخطي واقع المجتمع البدائي المتخلف، إلى المجتمع المنتج الحديث.

 

مدخل للحوار:

من المهم الوعي الحقيقي المسبق في الفرق الجوهري بين الهوية القطرية والهوية الوطنية، والتميز بينهما هو الذي يسهم في فسح المجال واسعاً للحوار العلمي الموضوعي حول هذه المسألة التي ما تزال ملتبسة وعصبوية وعصابية عند الكثير من النخب والمهتمين.

  1. الهوية القطرية: هي تعبير عن تجميع هويات فرعية، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية، التي تتعايش مع بعضها البعض ضمن مساحة جغرافية – دولة – محددة مفروضة، بفعل قوة تبعية المحيط وهيمنة المركز الرأسمالي العالمي، فيتم فرض هويات مجاميع  تتعايش فيما بينها بفعل القوة، وفي الوقت ذاته لا يسمح لها الاندماج فيما بينها بحيث تشكل الهوية الوطنية المنتجة.

  2. الهوية الوطنية المنتجة هي التعبير الحقيقي للمجتمع الحديث المنتج، وتتشكل بفعل إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية ، التي تحقق شرط كسر التبعية وتفتح الافاق أمام تطور قوى الانتاج الوطني، أي إحادث التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات، التي هي القاعدة المادية لدمج المجاميع في مجتمع موحد وهوية وطنية واحدة، أي تحقيق مهمة الإندماج بين المجاميع لكي يتشكل المجتمع الموحد المنتج، والهوية الوطنية الموحدة.

 

يحتدم النقاش هذه الأيام حول الهوية بالمفهوم العام، حيث تنخرط مجموعات “مسيسة” في هذا النقاش:

من منظار رومنسي يستند إلى مقولة الشعور المشترك، أو من منطلقات تستند إلى العصبة أو العصوبوية ، ومجموعة ثالثة تستند إلى مفاهيم أكاديمية بحته، أي تستند إلى قوالب من نماذج إجتماعية سائدة موصوفة بمنظومة محددة مسبقاً.

في المقابل فأن مجموعة أخرى تنطلق من فهم للهوية في سياق التطور الموضوعي في الواقع، غير الجامد والثابت، فهم الهوية في سياق التشكيلة الاقتصادية – الاجتماعية، ودرجة تطورها في مرحلة تاريخية محددة، انطلاقاً من كون الهوية منتج إجتماعي يتطور مع تطور المجتمع ذاته، وليس شكلاً ثابتاً ولا معطىً ثابتاً.

يتركز  الحوار السائد اليوم، وفي معظمه بين صفوف النخب بشكلٍ أساسي، حول الهوية على بعدها النظري والاكاديمي المثالي ، أي حول المفاهيم والمصطلحات، ماذا يخدم هذا النقاش على هذه الصيغة.

أن أهمية الحوار حول هذا الموضوع، بعيداً عن التخندق والتعصب والأوهام الموروثة، يجب أن يتم عل أرضية منهج التحليل العلمي، وبما يخدم الهدف من طرحه، بحيث يأخذ بنظر الإعتبار أهمية ووظيفة هذا الحوار في سياق المشروع الوطني ذاته:

مفهوم الهوية في سياق مشروع النضال، بل هو موضوع نضال في سياق مشروع،

وليس موضوع توافق أو اختلاف حول المصطلح والعنوان .

أين يقع موضوع الحوار حول الهوية ضمن مشروع التحرر الوطني؟.

الهدف الرئيس من مشروع التحرر الوطني هو إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية، من أجل:

  • فتح الآفاق أمام التطور الطبيعي للمجتمع، أي كسر القيود والمعوقات أمام تطور قوى الإنتاج الوطني، وتحقيق التحول نحو الإنتاج على كافة الصعد: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية…الخ.

  • دمج المجاميع الماقبل الرأسمالية، المجاميع البدائية: قبلية، عشائرية، أثنية، مذهبية طائفية،…الخ في مجتمع موحد ومنتج، وهوية اجتماعية واحدة منتجة، من خلال كسر التبعية للمركز الرأسمالي المهيمن، وتحقيق التنمية الوطنية المتحورة حول الذات.

بالمقابل يعمل المركز الرأسمالي وعلى كافة المستويات والصعد: الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من أجل ضمان إستمرار التبعية: الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وفي مقدمتها الحفاظ على بنية وهوية المجتمع الماقبل الرأسمالي، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية، بصفتها البنية السلبية الخانعة والمتناحرة فيما بينها، القابلة لاستمرار الاستغلال، بما يخدم مخططات ضمان استمرار هيمنة المركز.

النظرة إلى الهوية في الواقع الأردني:

كانت جغرافيا شرق نهرالأردن كما هي جغرافيا غربه، تشكل الوطن القومي الموعود لليهود،  وعد بلفور، ونتيجة لمصالح الدولة الاستعمارية البريطانية أنذاك، وبناء على رؤيا استراتيجية، تم استثناء شرق النهر من هذا الوعد عام 1920 وتقرر تشكيل إمارة شرق الأردن، عام 1921، لخدمة إنفاذ مشروع ” سايكس – بيكو” تقسيم المشرق العربي إلى مناطق نفوذ واستغلال بين قطبي الرأسمالية القومية أنذاك: البريطانية والفرنسية، وتهيئة منطقة شرق النهر لتكون الحاضنة لعمليات التهجير القسري المبرمج للشعب الفلسطيني، من جهة، ومن جهة ثانية حاضنة لإستقبال لاجئين آخرين من دول المشرق العربي نتيجة حالة التشظي والانفجارات المخطط لها مسبقاً في المنطقة، وهوما نعيشه اليوم، هذا السبب الحقيقي الذي يقف خلف إبقاء التشكيلة الأجتماعية البدائية هي السائدة عبر كل هذه العقود، أي منع تشكل المجتمع الحديث المنتج، ولذلك أستمر الخطاب الرسمي بوصف المجتمع بكافة المنابت والأصول، أي مجاميع وليس مجتمع.

كان المجتمع في تلك المرحلة ينقسم إلى مجموعتين رئستين، مجموعة البدو التي تعتمد الرعي والغزو نمط انتاج، مقابل مجموعة فلاحين وحضر تعتمد الزراعة والتجارة والحرف، انماط انتاج بدائية ، وكانت البنية العشائرية هي المهيمنة على المجموعتين، العشائر البدوية والعشائر الفلاحية، وسادت علاقة التوتر والحروب والغزو فيما بينها، أنه المجتمع الماقبل الرأسمالي.

المرحلة الثانية: فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، وخصوصاً بعد ضم ما تبقى من فلسطين ” الضفة الغربية” وتأسيس  المملكة الأردنية الهاشمية، نشأ شكل مجاميع جديدة، مجموعة من الأجئين شرق النهر، لا تنتمي لأي من المجموعتين السابقتين، ومدن وقرى غرب النهر مدنية وفلاحية. خلال فترة قصيرة تمكنت القوى الوطنية الأردنية، التي تشكلت أثر إندماج التشكيلات السياسية والأيدولوجية المتماثلة، من بناء الأطر الجماهيرية: العمالية والفلاحية والنسائية والطلابية والشبيبية، والأندية الثقافية والرياضية والأجتماعية، التي ساهمت في إندماج المجاميع إلى حدٍ ما، ظاهرياً، كما وساهمت مؤسسات الدولة المختلفة ، وخاصة الجيش في عملية الإندماج هذه.

المرحلة الثالثة : مرحلة ما بعد أيلول عام 1970 حيث ظهر الشرخ الأقليمي وتعمق على مدى عقدين، كشرخ رئيس، مقابل تضائل أشكال الشروخ السابقة.

المرحلة الرابعة : مرحلة ما بعد إنفاذ “توافقات واشنطن ” ورفع يد الدولة عن رعاية المجتمع، والتي كانت بالأساس في الحدود الدنيا ، فعادت حروب المجاميع البدائية العشائرية إلى الظهور في المدن والقرى والجامعات، كشروخ رئيسة، بالإضافة التي تفسخ العلاقات والعادات الأجتماعية وانفلاتها.

بسبب التبعية بقيت السمة الرئيسة السائدة، طيلة عمر الدولة الأردنية، الإمارة والمملكة، سمة المجاميع الماقبل الرأسمالية : العشائرية والأقليمية الطائفية الجهوية والأثنية،

والهوية القطرية هي هوية تجميع، وليس دمج، هويات المجاميع الماقبل الرأسمالية.

وبسبب قانون التبعية فرض ما يسمى بالهوية القطرية على الأردن، وكافة الدول العربية، أي هوية المجاميع الماقبل الرأسمالية، نتيجة لحجز تطورها الطبيعي ، حجز التنمية الوطنية المتمحورة حول الذات في هذه المنطقة، وإبقائها دول ومجتمعات مستهلكة.

أحد المهمات الرئيسة لحركة التحرر الوطني: إحداث “الإندماج المجتمعي” ادماج المجاميع الماقبل الرأسمالية لتشكيل المجتمع المنتج الحديث والهوية الوطنية المنتجة، فالإندماج الوطني هي الخطوة الأولى والشرط الرئيس لتحقيق هدف وحدة الأمة العربية، عبر أندماج مكوناتها بعد نضوج شروطها، فتجربة الوحدة المصرية السورية وأنهيارها في قمة النهوض ” القومي” مثالاً، وإنفراط العقد الإجتماعي في العراق، والعودة إلى المجاميع الماقبل الرأسمالية بعد الغزو الأمريكي مثالاً، وتقسيم السودان مثالاً آخراً  وتفكيك ليبيا مثالاً، وتفخيخ اليمن وتفتيت الصومال، …الخ.

المطلوب الوعي بعملية تزييف الوعي التي تمت طيلة الفترة السابقة، بخصوص إحداث تماهي  ما بين :

الهوية القطرية، هوية المجاميع الماقبل رأسمالية،

مع الهوية الوطنية، هوية ادماج هذه المجاميع في مجتمع موحد منتج حديث.

 

خلاصة

المشكلة هي حالة العصاب السائدة في مناقشة موضوع الهوية، حيث يتم استقطاب وهمي وساذج ، على أرضية الهوية القطرية والهوية ” القومية ” استقطاب تزييف الوعي.

الاستقطاب الحقيقي يجب أن يكون حول بناء الهوية الوطنية الحديثة المنتجة كخطوة أولى في سبيل الهوية العروبية الجامعة الموحدة المنتجة.

مهمة بناء الهوية الوطنية المنتجة خطوة أولى شرطية، من أجل بناء الهوية العروبية الموحدة الجامعة، هي مهمة نضالية أساسية من مهمات مرحلة التحرر الوطني العربي.

شرط إنجاز هذه المهمة، وهي ليست سهلة، إنفاذ مشروع التحرر الوطني العربي، وبناء الحامل الإجتماعي لهذا المشروع، وتحديداً من الشرائح الوطنية الكادحة والمنتجة، من أجل بناء الهوية الوطنية المنتجة كخطوة أولى رئيس لبناء هوية الأمة الموحدة المنتجة.

وإنجاز هذه المهمة يشترط بناء الأطر الممثلة لهذه الشرائح: العمالية والفلاحية والصناعية والاتحادات الجماهيرية والأندية … الخ وتحرير ما وجد منها من قبضة قوى التبعية المحلية،  وتفعيلها في مجرى النضال اليومي، لكي تشكل الحامل الأجتماعي لمشروع التحرر الوطني، وبناء الهوية الوطنية المنتجة مقدمة لبناء هوية الأمة الموحدة المنتجة.

إحترام قوانين الصراع العلمي، وفي مقدمتها قانون  التراكم وفي كافة المجالات: النضالية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية شرط إنجاز الثورة الوطنية الديموقراطية.

 

إنجاز الهوية الوطنية المنتجة مقدمة شرطية لإنجاز هوية الأمة الموحدة المنتجة

” كلكم للوطن والوطن لكم”

● ● ●

“كنعان” تتابع نشر كتاب “ظلال يهو/صهيو/تروتسكية في المحافظية الجديدة”

تأليف د. عادل سمارة

 

تتمة المقدمة

 

الحزب

 

“… مفهوم تروتسكي للحزب الثوري لم يكن متماسكا بل متعدداً حسب مراحل تاريخية مختلفة. ففي الوقت الحالي توجد بعض المجموعات التروتسكية التي تنتمي إلى فكر تروتسكي في فترة شبابه، (قبل 1917)، أي في نقده للشكل اللينيني الصارم للأسس المركزية في الحزب، حيث ترى هذه المجموعات الحزب على انه منظمة واسعة وفضفاضة”.

 

سنرى لاحقاً، أن هذا الفهم للحزب هو الذي أفشل تجربته في كولومبيا حيث كانت المجموعات الغوارية مكشوفة للجماهير وتحركها معها ضد النظام مما ألحق بالجماهير ضربات ماحقة.

” في معارضته ل لينين جادل تروتسكي بأن الحزب يمكن أن يكون بديلا للطبقة العاملة”

 

بين أن يكون الحزب منفلشاً وبين ان ينوب عن الجماهير مسافة واسعة يتذبذب الحزب التروتسكي فيها. فالحزب الذي ينوب عن الجماهير لا يمكن أن يتقن هذا الدور إن كان سائبا وفضفاضا بل يجب أن يكون لينينيا ومركزيا في مبناه على النهج اللينيني من جهة، مع أن لينين لم يكن مع نيابة الحزب عن الجماهير بمعنى أن الحزب جماهيري وهو طليعة الجماهير وليس مقاول شغل نيابة عنها. ربما يُرد هذا التذبذب التروتسكي فيما يخص هذا التذبذب ه نتاج خبرة خطاب وليست خبرة تجربة نضالية ميدانية

 

عسكرة النقابات

 

لا يتوقف بالطبع موقف التعالي التروتسكي عند لينين، بل ينتقل وبشراسة ثأرية أكثر ضد ستالين.

“… لا يعترف التروتسكيون بأن موقع ستالين كان اي شيء سوى تدمير الثورة. إنهم يتصرفون كما ” لو كانوا على حق”،  بأنهم قرروا اقتلاع ستالين  ومؤيديه من السلطة من أجل تغيير سياسة روسياـ ووقف التصنيع  والمزارع الجماعية، وإرجاع التطورات إلى الديمقراطية في روسيا داخليا وخارجيا”

كما اشرنا، في ديسمبر 1919 اقترح تروتسكي  “عسكرة الحياة الاقتصادية”  ورغب في تحريك العمال مستخدما اساليب طبقها  في قيادة الجيش. وبهذا التوجه فإن عمال سكك الحديد قد اضطروا للعمل بنظام عسكري. وهذا قاد الى موجة احتجاج في الحركة النقابية. وحينها اعلن لينين بأن تروتسكي اقترف اخطاء  تهدد ديكتاتورية البروليتاريا: بسبب من الأذى البيروقراطي ضد اتحاد العمال، فهو يخاطر بفصل الحزب عن الجماهير . هذا ناهيك عن قيامه بإعطاء الجيش أوامر قصف كوميونة كرونشطادت بالمدفعية حيث كانت مجموعات من الأنارخيين يسيطرون عليها وهو الأمر الذي أدانه لينين كذلك.

 

أكتوبر قرار لا إنجرار

 

حتى قرار الانتفاضة الثورية طرحه تروتسكي بشكل هزيل وكاريكاتوري حيث بدا كانجرار مُحرَج وخائف وراء موقف أحد العمال، وهو ما كرره أتباعه فيما بعد في  تبسيط وتسطيح مقصود بهما تبرير الطعن في الثورة واسسها والسياسات الاقتصادية البلشفية وإجراء الثورة في بلد واحد . وهو ما دفع ستالين للرد على تروتسكي بكراس خاص: “تروتسكية أم لينينية”.  كتب ستالين:

“… بداية فيما يخص انتفاضة أكتوبر، فقد راجت أقاويل كثيرة بين أعضاء الحزب بأن اللجنة المركزية بأجمعها كانت ضد انتفاضة في شهر اكتوبر 1917. إن القصة  بأنه في  10 اكتوبر ، حينما ناقشت اللجنة المركزية قرار تنظيم انتفاضة في 10 اكتوبر  فإن أكثرية اللجنة المركزية تبنت في البداية  خيار عدم الانتفاضة، ولكن وخلال مجرى النقاش برز عامل في اجتماع   اللجنة المركزية وقال:

“… لقد قررتم موقفاً ضد الانتفاضة، ولكنني أقول لكم بأن انتفاضة ستحصل في الوقت نفسه، رغم كل شيء… وعليه، فإنه بعد هذا التهديد سارت الأمور، فاللجنة المركزية التي ٍيُزعم أنها خُوِّفت عادت وطرحت مسألة الانتفاضة وتبنت قرار تنظيمها”.

 

هذا ليس مجرد إشاعة ايها الرفاق. إنه متعلق بكتاب جون ريد المعروف “عشرة ايام”. كان ريد بعيدا عن حزبنا، وبالطبع، لا يمكنه ان يعرف تاريخ جلستنا السرية في 10 أكتوبر، وبالنتيجة، فقد تاثر بالأقاويل والدسائس التي راجت من قبل أُناس مثل سوخانوف. وهذه القصة تم تمريرها لاحقاً وتكررت في كثير من الكراسات التي كتبها تروتسكيون، بمن فيهم أحد الكراريس الأخيرة عن أكتوبر كتبه سيركين. هذه الإشاعات قد تم دعمها في الادعاءات المثبتة في مزاعم تروتسكي الأخيرة.

 

وفي أعقاب مزاعم تروتسكي الأخيرة، لم يعد ممكنا تجاهل هذه الافتراءات، نظراً لأنها صيغت كي تؤثر على شبابنا ، ولسوء الحظ، فإنها حصدت  بعض النتائج في هذا السياق.

 

في طبعة دار التقدم لكتاب جون ريد نفسه، الترجمة العربية يؤكد المترجم ما كتبه ستالين: ” …فالقرار بالعصيان المسلح  اتخذ في جلسة سرية للجنة المركزية  في 23 (10) اكتوبر تشرين الأول  1917 ، حضرها لينين ولوبنوف ودزرجينسكي وزينوفييف وكامينييف وكولنتاي ولوموف وسفردلوف وسوكولنيكوف  وستالين وتروتسكي واوريتسكي. وقد صوت ضد اقتراح لينين زينوفييف وكامينييف، وبعد ستة ايام ، في 29 (16) تشرين الأول اكتوبر، عقد اجتماع موسع للجنة المركزية حضره ممثلو اللجنة التنفيذية  للجنة المركزية الفرعية في بتروغراد والمنظمة العسكرية  وسوفييت بتروغراد والنقابات  ولجان المعامل والمصانع وعمال السكك الحديدية ولجنة الحزب في منظمة بتروغراد  وفي هذه الجلسة تلا لينين  القرار المتخذ في الجلسة السابقة  للجنة المركزية. ونوه لينين في كلمته  بأن الوضع السياسي الموضوعي ، سواء أفي روسيا ام في اوروبا، يملي ضرورة انتهاج سياسة العصيان المسلح،. واقترح لينين على الاجتماع قرارا يرحب بقرار اللجنة المركزية عن العصيان ويؤيده. (انظر المؤلفات المجلد 26 ص 165 ) وأقر القرار ب 19 مقابل 2 وامتناع 4.  من جديد صوت زينوفييف وكامينييف ضد قرار اللجنة المركزية”ز المحرر.

 

ولعل هذا التورط الإقصائي لا يزال سمة بارزة تطغى على مواقف التروتسكيين من مختلف القوى وفي مختلف الثورات بمعنى زعم امتلاك الحقيقة الماركسية تحديداً. بل هو منحى تورَّم أكثر ليتخذ اشكالا انتهازية. فرغم مواقف تروتسكي ضد سياسات البلاشفة وضد لينين نفسه، حاول أتباعه لاحقاً الزعم بأن تروتسكي كان “اللينيني الأول”. ورغم وقوف التروتسكية ضد الثورة في بلدان الميط ومنها الثورة الكوبية وخاصة نقدهم لنظرية البؤرة الثورية (أنظر لاحقاً،  التروتسكية في امريكا اللاتينية) ، نجد أنها بعد استشهاد جيفارا بعقود تحاول السطو على تراثه بشكل انتهازي. مثلا: قيل بأنه وُجد في جعبته كتاب الثورة الدائمة؟ يلا سلام! اي إثبات؟ هل من عجب أن يقرأ جيفارا لهذا أو ذاك؟. هذا ناهيك عن وقوف التروتسكيين حالياً ضد مختلف اشكال حرب الغوار. (أنظر لاحقا موقف التروتسكيين من  حرب الغوار في الهند) ووقوفهم في مصر مع الإخوان المسلمين وفي سوريا مع الثورة المضادة حتى بعد انكشاف دور قطر والسعودية والولايات المتحدة وتركيا والكيان الصهيوني والغرب الراسمالي الرسمي عموما!.

 

لقد قادت النزعة القصوية والانحصارية في الطبقة العاملة قادت التروتسكيين إلى عدم الاصطفاف ضد الفاشية: كتب تولياتي:

“…رفض الحزب الاشتراكي في الولايات المتحدة المساهمة في اية حركة معادية للفاشية وذلك تحت تأثير التروتسكيين  الذين تسللوا  الى صفوفه واستحوذوا على قيادته. وفد كست القيادة رفضها  هذا بقناع  من الديماغوجية بأن النضال  كان نصال “طبقة ضد طبقة” وكما كان متوقعا ، لم تعترض الطبقة الحاكمة  على مثل هذه اللفظية الخطابية لا سيما وان مثل هذه الديماغوجية اليسارية كانت عاملا في شق القوى التي كانت لديها المقدرة على ايقاف مساعي راس المال الاحتكاري الرامية الى اقامة  دكتاتوريته السافرة الخاصة به. ان شعار طبقة ضد طبقة  لم يكن سياسة لصالح الطبقة العاملة  ولا كان ضارا بمصالح الطبقة الراسمالية. لقد كان لفظية فارغة الا انه كان شعارا انشقاقيا”.

 

الموقف من القومية

 

يختلف موقف تروتسكي وأتباعه من القومية مع كل من ماركس ولينين وستالين وماو على حد سواء.

كتب ماركس،

“…رغم انه في الجوهر بل وحتى  في الشكل، تناضل البروليتاريا نضالاً مع البرجوازية يكون في البداية نضالاً قومياً. ان على بروليتاريا كل بلد ، بالطبع، ان تحل بداية وفي المقام الأول المسائل مع برجوازيتها”

ويضيف،

“… يُوبَّخ الشيوعيون على رغبتهم في الغاء الأوطان والقومية. فلا وطن للعمال. لا يمكننا ان ننتزع منهم ما لا يملكون. وطالما ان على البروليتاريا بداية ان تحقق التفوق السياسي، فإن عليها ان تكون الطبقة القائدة في الأمة، يجب ان تشكل هي بنفسها الأمة. وعليه فهي نفسها قومية، ولكن  ليس بالمعنى البرجوازي للكلمة”

 

لقد اثبتت التجربة في الوطن العربي أن المسألة القومية هي مسألة طبقية في التحليل العملي والأخير. فقومية الطبقات البرجوازية هي قومية تجزيئية قطرية تابعة ومساومة للاستعمار وغير وحدوية وبالطبع معادية للاشتراكية، هذه هي القومية الحاكمة. أما قومية الطبقات الشعبية فهي القومية الكامنة وهي وحدوية وتقدمية واشتراكية.

 

وكتب لينين: “… النمط الأول هو البلدان المتقدمة في غرب أوروبا (وأمريكا) حيث الحركات القومية شيئا من الماضي. والنمط الثاني أوروبا الشرقية، حيث هي مسألة الحاضر، والنمط الثالث، اي البلدان شبه المستعمرة والمستعمرات، فهي مسألة المستقبل”

وكتب ستالين:

“…إن الأهمية العظيمة لثورة اكتوبر على صعيد عالمي مجسدة في حقيقة أنها:

  1. وسعت منظور المسألة القومية وحولتها من مسألة محددة للنضال في مواجهة القمع القومي في اوروبا إلى مسألة عامة لتحرر الشعوب المضطهَدة، والمستعمرات وشبه المستعمرات، من الإمبريالية.

  2. لقد فتحت إمكانات واسعة لتحررها وفتحت السبل الصحيحة باتجاه ذلك، وبهذا سهلت إلى حد عظيم مبدأ تحرر   الشعوب المضطَهَدة في الغرب والشرق، ووجهتهم باتجاه التيار العام للنضالات المنتصرة ضد الإمبريالية.

  3. وبناء على ذلك أقامت جسراً بين الغرب الاشتراكي والشرق المستعبد ، خالقة جبهة جديدة للثورة ضد عالم الإمبريالية، ممتدة من بروليتاريا الغرب وصولا إلى الثورة الروسية إلى الشعوب المضطهَدة في الشرق”

أما تفسير تروتسكي وأتباعه، فترتكز على النزعة الاقتصادوية البحتة مهملة المستوى السياسي القومي للأمم المضطَهَدة:

 

“…قال بياتاموف، بات هذا الشكل من الدولة القومية يقيد تطور قوى الإنتاج. كما تم تبني موقفا مشابها من قبل  بوخارين وتروتسكي . وهكذا فقد ساد اعتقاد واسع بأن دولا جديدة ذات السيادة  لن تبزغ. حتى ان المستعمرات، في ظل الراسمالية  لن تحصل على الاستقلال- في هذه الفترة الجديدة  من الحضور الأممي الامبريالي الراسمالي. كان لينين بشكل بارز ضد  هؤلاء  وهي الحالة التي اسماها الإمبريالية الإقتصادية”  لأنها جوهريا لاحظت فقط   الخاصية  الاقتصادية للحقبة الجديدة للإمبريالية  فاقدين القدرة على رؤية خواصها ومتطلباتها السياسية  وكتب ردا على بوخارين: : “… نفس الخطأ الأساسي القديم  لنفس الاقتصادوية القديمة: العجز عن مواجهة القضايا السياسية”

 

“… تروتسكي الذي لم يكن صديقا لستالين  وصف ” الماركسية والمسألة القومية: بأنها العمل النظري …الوحيد لستالين. وبشكل حاسد اضطر للإذعان حيث وصف المؤلف بأنه يستحق الاعتراف  كمنظِّر هام” . لكن تروتسكي  تسرع وأضاف  رأيه  (الذي لم يُقبل على نطاق واسع)  بأن كل المقالة من إيحاء لينين  وبأنها كتبت بإشرافه  وحررت من قبله  سطرا سطرا”

 

نظرية النخبة

 

كتب نيكوس بولنتزاس عن مشكلة نظرية النخبة:

“…بوسعنا الآن إجراء اختبار صارم لجهاز الدولة. ففي النظرية الماركسية بالطبع. تركز هذا النقاش حول مشكلة البيروقراطية. فعلى الرغم من  أن هذا واحد فقط، إن لم يكن الأكثر أهمية، لمظاهر جهاز الدولة. وابعد من ذلك، فقد تم تحوير وتحريف البحث العلمي بشكل واسع نظراً أو بسبب أخطاء تحليل تروتسكي، وبشكل خاص بسبب الروث الإيديولوجي الذي يلوكه أتباعه”

يبدو أن بولنتزاس  طفح به الكيل من تذبذبات تروتسكي. فتروتسكي تارة مع التصنيع اللينيني وتارة مع المناشفة في تبطيىء الثورة والتأميمات. وتارة ضد تحالف العمال مع الفلاحين في الحزب وتارة يقترب قليلا من ذلك. وتارة يطالب بالدفاع عن الاتحاد السوفييتي ضد الغزو الأجنبي، وطوراً يجري اتصالاات مع الإمبرياليات؟ طريف موقفه الأخير هذا، ويبدو أن تروتسكيي سوريا والعالم اليوم على نفس النهج. يزعمون بأنهم ضد التدخل الأجنبي في سوريا، وفي الوقت نفسه:

  • يلومون الإمبريالية على عدم اتخاذ موقف داعم ” لما يسمونه برايهم “ثورة” .

  • ويهاجمون دول الريع النفطي الخليجي ومع ذلك يقفون مع “ثورة وهابية إخوانية” يقدم لها حاكمي الخليج المال والسلاح والمجندين! ( أنظر لاحقا ما كتبه جلبير اشقر(صلاح جابر).

وبالطبع، فإن بولنتزاس يبدو اشد قرفاً من ورثة تروتسكي، ولا شك أنه محق، لأن تروتسكي، رغم توررطاته يبقى مفكر لديه ما يقوله.

 

أما يانغ فيضع اصبعه قريبا من الجرح:

“… كانت اساطير بيضاء منتجا من منتجات الاختلاف مع اليسار الرسمي وغير الرسمي في الغرب، اي مع الماركسة التقليدية التي يمثلها الحزب الشيوعي بشكل مؤسسي، وكذلك مع الجماعات التروتسكية العديدة مثل “عصبة العمال الاشتراكيين” والاشتراكيون الدوليون، التي ظلت كل منها شديدة التقليدية بطرق مختلفة، وكانت تعمل رعم النزاعات  الحزبية مثل بعضها في نفس الإطار الأبستمولوجي ، حيث ترفض الأشكال المعاصرة  الخاصة بالعالم الثالث ومشروعية الحركات السياسية مثل الاشتراكية  الإفريقية . وربما اختلفت تلك الجماعات  حول كيفية إحداث الثورة في العالم، ولكن العالم الذي تراه- وحدود ذلك العالم- كان واحدا في المقام الأول”

 

لعل اساس رفض الأشكال المعاصرة الخاصة بالعالم الثالث والاشتراكية الإفريقية أو غيرها هو حق فكري في الإدلاء بالرأي. ولكن ما يقصده يانغ هو الأستذة كما يبدو. فالتروتسكيين اعتادوا على توزيع التوجيهات وإعطاء علامات الصح والخطا والنجاح والرسوب بل قلما نجح برايهم غيرهم هم أنفسهم.

ولكي لا يكون البحث مشوباً بشيطنة جميع التروتسكيين، ربما من المفيد إيراد ما يلي من يانغ:

 

“… ومن الجدير بالذكر ان جماعة “إما الاشتراكية او البربرية”  التروتسكية التي يعد كورنيلوس كاستريادس  وجان فرانسوا ليوتارد  من بين اعضائها، كانت واحدة من الجماعات القليلة من اليسار الراديكالي في فرنسا التي ايدت استقلال الجزائر اثناء الكفاح من اجل الاستقلال، وكانت الجماعة الرئيسة الأخرى هي اللامبرتيون والأغلبية الساحقة من الحزب الشيوعي الدولي  المنقسم في ذلك الوقت  الذي ارتكب خطأ تأييد حركة التحرير الجزائرية بدلا من  جبهة التحرير الوطنية. وفيما بعد كان التروتسكيون  -في بريطانيا الجماعة الماركسية  IMG  بقيادة طارق علي والاشتراكيون الدوليون (وهذه المنظمة تحظى بقدر كبير من تأييد اليسار الأكاديمي  الماركسي، بمن في ذلك  المنظرون ما بعد الكولنياليين البارزون فيما بعد) ، وفي باريس الشباب الشيوعي JCR  بقيادة آلان كريفين هما الذين قادوا مع الماويين المعارضة الأساسية لحرب فيتنام في الشوارع وهي الحملة التي ولدت قدرا كبيرا من قوة الدفع لأحداث  1968 “.

 

لكن المفارقة أن يانغ العميق والموضوعي يتورط الآن وعلى يد نفس التروتسكيين ومن بينهم طارق علي فيؤيد ثورة الإرهاب العالمي بقيادة الإمبريالية وأنظمة الريع النفطي ضد سوريا! ترى هل المسألة هي الافتقار للمعرفة والمعلومة، أم الدعاية الطاغية للتروتسكيين في اوساط المثقفين غير الميدانيين، أي غير المشتبكين أم هي استذة الأبيض على غير الأايض؟

 

التصنيع؟

 

لعل مقتل التروتسكيين كامن في تورطهم ما بين الجملة الثورية سياسياً، والإصلاحية الاقتصادية ميدانياً. وقد تجلى هذا في الخلاف مع ستالين الذي كان يمثل الاستمرار الاقتصادي لموقف لينين من الثورة بمعنى أنها “التصنيع وكهربة البلاد”.

ما يلي أحد الردود ضد مواقف التروتسكيين

“…وحيث لا يمكنهم كسب الجماهير بسياسة، “تدمير الذات”، كان يجب ان يتم المناورة على الجماهير  لتقوم بذلك. “إن التركيز الظاهر لتدمير الصناعة مقصود به تقويض الثقة بالحكومة”. هذه الأنشطة الشيطانية من التروتسكيين تسير جنبا إلى جنب مع محاولات عملاء  الألمان واليابانيين… لقد اقام ليون تروتسكي…صلات مع السلطات الألمانية واليابانية لشن حرب نهائية “

بينما ينحو دانييل سنجر منحى مختلفا عن ما كتب كثيرون ووثقوا،  فيصف تروتسكي بأنه تصنيعي  جدا super industrialist  ،ويقول:

” ليس هنا مكان المجادلة، ولكن من الأصح أن بوخارين  كان يدافع عن التصنيع البطيء جدا بطء الحلزون كي لا يُنفِّر الفلاحين ، بينما تروتسكي كان مع التصنيع السريع”

خطاب التروتسكيين مقدمة لنهاية التاريخ

 

كتب أرثور هيرش:

:…صحيفة  “الاشتراكية او البربرية” لمجموعة تحمل نفس الإسم  وعاشت من 1949 الى 1965 ،

وكان اشهر محرريها كورنيليوس كستريادس وكلود ليفورت وهما تروتسكيين سابقين… حينما التقيا 1946 وجدا تلاقيا بينهما على معارضة التوجه السياسي العام  للتروتسكية . وهي صحيفة غامضة…والمجموعة  لم يكن لها حضوراً  تنظيمياً باستثناء جلسة كل شهر تضم 30-40 شخصا…

اعتبر كاستريادس ان الشيوعية هي التحول المتطور للراسمالية  في معارضة لما كتبه تروتسكي بأن الستالينية هي  التحول المشوه للاشتراكية”

 

واضح أن كاستريادس وليفورت قد خرجا من الأطر التروتسكية ومن الانتماء لأطروحات التروتسكيين، ولكن غموض الصحيفة (أطروحاتها اي أطروحاتهم) بقيت في نفس مسار البحث عن التطرف وتعليم الآخرين تماماً كما هي مشكلة التروتسكية عموماً. فهما يذهبان في رفضهما ليس للطريق السوفييتي في عهد ستالين بل يذهبان إلى حشر الشيوعية في خانة كونها أحد أطوار الراسمالية. ولست أدري إن كانا يقصدان شيوعية الاتحاد السوفييتي أم الفكرة أو النظرية الشيوعية نفسها. فالمصدر لم يوضح وليس لدي مصدراً آخر.  إن  كان قصدهم الشيوعية نفسها، فكأنهما أغلقا باب التاريخ ومهدا ل “نهاية التريخ والإنسان الأخير” لدى فوكوياما.

 

“كاستريادس وليفورت: “… لم يوافقا رأي تروتسكي في الاتحاد السوفييتي بأنه دولة انحطاط عمالي وان خلاصه ممكنا اذا ما تم استبدال بروقراطية ستالين ببيروقراطية تروتسكي واتباعه”

 

هنا يؤكدان تحررهما من ستالين وتروتسكي معاً، ويؤكدان أن تروتسكي هو بيروقراطي ايضاً، وهذا الإقرار لا يتم من التروتسكيين إلا بعد أن يغادرا هذا المربع!.

 

صحيح أن الانتقال  من بيروقراطية إلى أخرى ليس خلاصاً، ولكن بالطبع كما راينا، فإن الخلاص من بيروقراطية السوفييت كان تحول شرق أوروبا إلى التبعية للمركز الرأسمالي وانتقال روسيا من حكم البرجوازية المافيوية والتخادم للإمبريالية في حكم يلتسين إلى البرجوازية القومية ذات التوجه الاستقلالي والإنتاجي في عهد بوتين مدفيدف، أي لم تذهب للاشتراكية التي تحدث عنها معظم التروتسكيين ولا إلى تقوبة دور العمال ولا إلى المجهول الذي وصل إلى أعتابه كاستريادس وليفورت.

 

“… حلَّلا، كاستريادس وليفورت،  انتفاضة  عمال المانيا الشرقية  1953  والثورات البولندية والمجرية 1956 من وجهة نظر ماركسية في الصراع الطبقي.  وتم تفسيرها كثورات بروليتارية  ضد الطبقة البيروقراطية الحاكمة. وبأن تشكيل مجالس عمال  في المجر خلال عصيان 1956  نموذج ثوري جديد  لبناء سلطة العمال في ظل الاشتراكية”

 

لا يسعنا ، وهذه الانتفاضات قُمعت، القطع فيما إذا كانت حقيقة ذات طابع بروليتاري تقودها قوة عمالية بمفهوم الوعي السياسي الطبقي في صراع طبقي. وربما كان هذا صحيحاً في حقبة لم تفقد الاشتراكية وهجها بعد. ولكن قياساً على ما حصل بعد تفكك الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية، فإن النتائج، فيما يخص قوة الطبقة العاملة ناهيك عن الاشتراكية، كانت كارثية.

 

في نهايات طرحهما يزعم كاستريادس وليفورت، بعد أن لم يناصرهم احداً  لا “الستالينيين” ولا التروتسكيين ولا من اليسار المتطرف، لذا كتبا ” … نعتقد بأننا نمثل  استمرار الماركسية الحية في المجتمع المعاصر”

لا أعتقد أن هناك تياراً أو مفكراً ماركسياً لم يقل بأنه هو النهج الماركسي الصحيح. وقد تكون مصداقية اي طرف في واحدة من إثنتين أو كليهما معاً:

  • بقاء وديمومة طرحه وموقفه النظري او تحليله على الأقل

  • أو تحقيق انجازات ثورية على الأرض.

 

وينتهي كاستريادس وليفورت إلى القول:

“… جرت خيانة ماركس من اتباعه الحقيقيين ولكن فات الوقت على انقاذ ماركس النقي. تميل  جميع الاكتشافات  النظرية والنظريات الكبرى  الى  تحويل نفسها الى اساطير  طالما ترمي إلى التحول الى انظمة، والماركسية  ليست اقل من غيرها”

 

وبهذا يختتمان موقفهما بنفس النغمة التروتسكية وهي المفاخرة برفض كل شيء وصولا إلى عدم الإنجاز، وربما لوم الظروف والاخرين. ربما كان الدفاع عن حيوية الماركسية على الأقل المادية التاريخية صعباً، كان صعباً في فترة ستالين واصعب في فترة خروتشوف وشبه مستحيل في فترة بريجينف. ولكن ماذا يقول هؤلاء وكثيرون غيرهم فيما يحدث اليوم إثر  وحشية وفاشية الرأسمالية الاحتكارية الممولنة من جهة، واتضاح فعالية خطاب و أدوات التحليل الماركسي من جهة ثانية؟ ماذا عن ازمة فيض الإنتاج وتدني معدل الاستهلاك والتوحش التسليحي والحرب لراس المال وماذا عن حلول المضاربات محل الإنتاج وتكدس التريليونات الكسولة دون أفق استثمار؟ وماذا عن تهالك الأحزاب الشيوعية بأنواعها رغم نضج ملموس للظرف الموضوعي…الخ.

غير عمليانية

 

ربما يتفق كثيرون على استنتاجنا بأن التروتسكية هي تيار غير عملياني. فالقطيعة شبه التامة بين تنظيراتهم  من جهة وبين عدم إنجازهم  اي مشروع ثوري  عملي تسمح بالاستنتاج بأت التروتسكييةحالة وسطى بين الفرد غير الحزبي حقاً وبين الحزب غير العملي حقاً. وهذا ما يُفسح فرصة أو مسافة للانحراف والسقوط حتى في تواطؤ مع الإمبريالية.

 

نورد في  التالي  استنتاج بوتومور:

 

” فالأممية الرابعة التي اسسها تروتسكي لم تثبت فعاليتها كأداة لحفز الثورة، لكنها لعبت دورا ملموساً في تشجيع حوار على صعيد عالمي في العقائد السياسية للتروتسكية،  وفي خلق تعدد من المجموعات التروتسكية الباحثة عن استرايجية صحيحة للثورة في العصر الحالي”

 

وبالطبع، فما يقوله بوتومور فيه مستوى من دقة الاستنتاج ومستوى آخر من عدم النقد. فالماركسية هي فلسفة العمل أو الواقع أو البراكسيس كما يقول غرامشي. في المستوى العملي لم يحقق هذا التيار شيئاً. فلو كانت التروتسكية مدرسة نظرية بحتة لكان استنتاج بوتومور صحيحاً، اي كمدرسة فرانكفورت. وتجدر الإشارة أن كتاب بوتومور  صدر عام 1983 اي قبل انكشاف علاقة  التورط اتروتسكي مع المحافظين الجدد.

هل السبب أن بوتومور أميل إلى تروتسكي منه إلى ستالين؟.

 

أما أن تستهدف التروتسكية مختلف القوى والتيارات الماركسية العمليانية دون أن تحقق شيئاً في هذا المستوى، أي برغم عجزها، فهذا موقف يبين بأنها تيار يتشاغل كثيرا بالخطاب السياسي . وربما هذا أحد أسباب الخلافات واختلافات حتى داخل التيار التروتسكي نفسه.

 

تعيدنا هذه المعضلة التروتسكية إلى موضوع البحث مجدداً، بمعنى أنها وجدت طريقها العملياني في ارتباطها بالمركز الإمبريالي اي بالمحافظية الجديدة حيث تورط هذا الجناح منها بأممية  الإمبريالية وراس المال في أقصى شبقها المالي والعدواني والدموي.

______

 

تابعوا مجلة “كنعان” الفصلية على الرابط التالي:

http://kanaanonline.org/quarterly

 

تابعوا “كنعان اون لاين” Kana’an Online على:

  • “كنعان” بالعربية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-ar

  • “كنعان” بالانكليزية:

http://kanaanonline.org/ebulletin-en

  • “فيس بوك” Facebook:

http://www.facebook.com/pages/Kanaan-Online/189869417733076?sk=wall

  • “تويتر” Twitter:

http://twitter.com/#!/kanaanonline

 

  • موقع “كنعان” من عام 2001 الى 2008:

http://www.kanaanonline.org/ebulletin.php

  • الآراء الواردة في المقالات تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع أو محرري “كنعان”.

  • عند الاقتباس أو إعادة النشر، يرجى الاشارة الى “كنعان”.

  • يرجى ارسال كافة المراسلات والمقالات الى عنوان “كنعان” الالكتروني: mail@kanaanonline.org

 

 

كنعان النشرة الإلكترونية

Kana’an – The e-Bulletin

السنة الخامسة عشر ◘ العدد 3748

11 شباط (فبراير) 2015

في هذا العدد:

اترك تعليقاً