وقفة عز

تقبيل اليد عادة في طريقها للانقراض – نضال حمد

تصبحت اليوم في فيسبوك بأحد الأصدقاء وقد نشر صورة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وهو ينحني ويقبل يد ليا رابين أرملة شريكه في (سلام الشجعان) اسحق رابين. الصورة معروفة منذ ان التقطت قبل سنوات وبعد اغتيال رابين على يد إرهابي يهودي صهيوني متطرف جدا. علقت عليها بالقول انها عادة بولندية مستمرة حتى يومنا هذا حسب معرفتي بعادات الشعب البولندي. ربما أن الرئيس عرفات تعلمها خلال زياراته الى بولندا… وخطر على بالي فورا أنه ربما لزوجة رابين أصول بولندية، حيث أن يهود بولندا ومتصهينيها وأغبياءها يتفاخرون بأن يهود بولندا أسسوا دولتين هما ( إسرائيل) و ( هوليود في أمريكا) .. لست أدري فعلا هل ليا رابين هي ذات أصل بولندي ام لا لكن زوجها رابين اصوله بيلوروسية سلافية، يعني جيران بولندا حيث علاقات النسب والجوار بينهما عميقة وتاريخية.. لا أعرف لماذا فعل عرفات ذلك لأنه في بلادنا وعاداتنا العربية والإسلامية تقبل يد كبار السن احتراما وتبجيلا، فيما تقبل يد الملك رضوخاً واحتراما..

كان الراحل ياسر عرفات يحب القُبَل أذكر ذلك منذ زمن الثورة الفلسطينية في لبنان ومن أيام كنت شبلا صغيرا في مخيماته. هناك نكات كثيرة كانت ولازالت تطلق بين الفلسطينيين وآخرين حول هذه العادة التي يمكننا تسميتها بالعادة العرفاتية نسبة لشخص الرئيس الراحل ياسر عرفات.

لاحظت أن بعض المعلقين الفلسطينيين لم يعجبهم ما كتبته في فيسبوك وعلقوا على الموضوع بشكل دفاعي عن عرفات. أحدهم وهو صديق عزيز من الذين درسوا في بولندا ولازالوا يقيمون هناك كتب يذكرني بأننا نحن أيضا نفعل ذلك. يا صديقي العزيز نحن نعيش في أوروبا وبولندا منذ أكثر من 35 سنة.. بالرغم من ذلك أنا شخصيا نادرا ما فعلت ذ لك ليس لشيء سوى لأنني لا أحب هذه العادة… وبالمناسبة نحن لسنا ياسر عرفات الزعيم والقائد والرئيس والخ.. نحن مجرد شخصين عاديين من عامة الشعب… كما أن من عاداتنا في بلادنا العربية، التي اذكرها في طفولتي هي تقبيل أيدي كبار السن من الأهل والعائلة، كما كان البعض يقوم بتقبيل أيدي بعض رجال الدين ووضعها على الجبين وأنا لم أفعل ذلك حتى في طفولتي إلا في مناسبات نادرة … بالمناسبة يا صديقي: الله لا يرحم لا ليا ولا رابين..

أضيف الى ذلك أن هناك صورة لإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس وهو يقبل يد الشيخ يوسف القرضاوي أحد قادة حركة الإخوان المسلمين المقيم في مشيخة قطر. هذا الشيخ الذي دعا الى تدمير سوريا وليبيا خلال الربيع العربي. وطلب مساعدة أمريكا في ذلك. وساهم بشكل فظ ومقزز هو وأمثاله في تأجيج الصراع المذهبي بين المسلمين سنة وشيعة.

أثناء فترة اقامتي في مخيم للاجئين في أوسلو في الفترة ما بين 1992 – 1993 لفت انتباهي بعض الأطفال من مسلمي إقليم كوسوفو الألبان إذ أنهم كانوا يقبلون يد الكبار ويضعونها على الجبين أو ينحنون امامهم احتراما وتبجيلا. أعتقد انها عادات ورثها الألبان عن الطورانيين الأتراك. في تركيا أو إندونيسيا وبعض الدول الإسلامية مثل هذه القبلة هي طريقة للترحيب بكبار السن من الجنسين. أما في المملكة المغربية حيث كان على الناس الانحناء وتقبيل يد الملك وولي عهده ألغى الملك سنة 2008 عادة تقبيل اليد. سبقه الى ذلك الملك عبدالله بن عبد العزيز الذي ألغاها في السعودية سنة 2005.. في ايران يقبل البعض يد الامام الخامنئي كما يظهر في صورة مرفقة الرئيس الاسبق نجاد وهو يقبل يد الامام. 

عندما كنت صبياً في بداية سنوات التكوين والنشأة في مخيمنا عين الحلوة ارتكبت الكثير من الحماقات. كما أعترف انني لم أكن فتى هادئا ولا مطيعا، إذ تسببت بالكثير من العذاب والمشاكل لوالديّ، بسبب عدم انضباطي وسماعي لتعاليمهما. لطالما عاقبني الوالد رحمه الله بأشكال مختلفة على مخالفاتي ومشاكساتي وصبيانيتي.

أذكر في احدى المرات واثناء عودتي من السباحة في بحر صيدا المدينة اللبنانية العريقة مدينة مخيمي وطفولتي، أراد والدي معاقبتي لأنني تجاهلت إنذاره لي بعدم الذهاب الى البحر. اعتقدت انني سأعود الى البيت ويكون هو لازال في العمل. لكن لسوء حظي وجدته ينتظرني في المنزل. قرر ضربي عملا بالعادة العربية واثناء ذلك دخلت البيت امراة عمي وهي بمقام والدتي، تدخلت يبدو لمنع ضربي، صرخت بي ماذا تفعل اذهب وقبل يد والدك. فعلا توجهت الى والدي وقبلت يده لكن هذا لم يشف غيظه من تصرفاتي فوجه لي ضربة واحدة تقبلتها بصدر رحب لأنني كنت أتوقع فلقة أو أكثر من ذلك بكثير.

تعود عادة التقبيل في اليد إلى العصور الوسطى عندما كان الناس يقبلون أيادي الملوك. كان ذلك يعتبر رمزا للخضوع والاحترام. تلك العادة تسللت بسرعة إلى الحياة في أوساط الأرستقراطية الأوروبية، حيث قبل الرجال أيدي السيدات كعلامة على التحية والاحترام. في تلك الفترة من الزمن انتشرت أيضا عادة تقبيل اليد في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا ثم وصلت الى بولندا.

يقول آدم يارشنسكي مدير الأكاديمية البولندية للبروتوكول والآداب:

” يرتبط هذا التقليد ببولندا ولكنه يحدث أيضا في شرق وغرب أوروبا. لطالما شاهدت هذا النوع من الترحيب في فرنسا أو بريطانيا العظمى بنفسي، ولكن عليك تقييم الوضع وأن تأخذ بعض الوقت قبل اتخاذ قرار التقبيل، وقد تعتبر العديد من السيدات من الدول الغربية أن هذه الإيماءة ليست براقة للغاية وتتجاوز الخط المسموح به “.

قرأت في الموقع الالكتروني ( وارسو مدينتنا ) مقالة عن عادة تقبيل اليد نشرت يوم 20 آذار 2015 جاء فيها : “أقبّل يدك، مدام، أحلم أنه فمك، أنحني لك، سيدتي، لأنني أريد نغمة جيدة (…) “- أنشد هذه الكلمات في عام 1928

Mieczysław Fogg

ميشسلاف فوغ.

لكن منذ ذلك الوقت تغير الكثير فيما يتعلق بتقبيل أيدي السيدات. هذه العادة تختفي ببطء ولكن لا يزال هناك من يحافظ عليها ويؤمن بها”.

أما الآن في زمن وباء كورونا سوف لن نجد من يقبل اليد طواعية أو حبا بتلك العادة لا في الشرق ولا في الغرب. ولعل الملوك والمسنين ورجال الدين وكل الذين يهوون تلك العادة سوف يقلعون عنها خوفا على سلامتهم وصحتهم. كما ينطبق الأمر نفسه على النساء اللواتي لازلن يعشقنها.

نضال حمد في 10-06-2020

 

Szwedzka księżna Wiktoria i były prezydent Niemiec Walter Scheel
/MAURIZIO GAMBARINI /PAP/EPA

الرئيس الالماني الأسبق والتر شيل يقبل يد الاميرة السويدية

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يقبل يد طفل فلسطيني

الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يقبل يد ليا رابين زوجة رئيس الوزراء الصهيوني الجنرال اسحق رابين

الرئيس الايراني نجاد يقبل يد الامام الخامنئي

رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اساعيل هنية يقبل يد القرضاوي