الأرشيفوقفة عز

 محمد الشرعان فخر شهداء مخيم عين الحلوة – نضال حمد

الشهيد محمد راجي الشرعان – وائل – استشهد في 11-03-1978 في عملية الساحل

بطل عملية كمال عدوان برفقة الشهيدة دلال المغربي،

 محمد الشرعان فخر شهداء مخيم عين الحلوة – بقلم نضال حمد

ولد الشهيد محمد راجي الشرعان في مخيم عين الحلوة حيث عاش طفولته في حي الجميزة على الشارع التحتاني في المخيم الأكبر ضمن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. ففي ذلك الحي تواجدت وسكنت ولازالت هناك عائلات من بلدات لوبية وحطين وصفورية وعرب غوير وغيرها من قرى شمال فلسطين المحتلة، التي لجأ سكانها خلال النكبة سنة 1948 الى المخيمات في لبنان. تاركين خلفهم أعز ما كانوا يملكون، بيوتهم وممتكلاتهم وقبور أهاليهم وبلداتهم ووطنهم المقدس وجذروهم الضاربة عميقاً ومنذ آلاف السنين في تلك الأرض المقدسة.

في المخيم الذي قال عنه الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش أنه “ينجبُ زعتراً ومقاتلين”، ولد الطفل محمد سنة 1960 وترعرع هناك حتى شب وتصلب عوده.. في معسكر أشبال فتح مع بنات وأبناء جيله الفدائي، المخيمي، تدرب على السلاح والكفاح منذ سنة 1974، حيث كان له من العمر 14 سنة كما قال لنا صديقه في المخيم وحارة الجميزة وفي مدرسة الفالوجة وفي معسكر الأشبال الأخ علي شبايطة.

في سنة 1977 تم فرز البطل محمد راجي الشرعان الى قوات البحرية التابعة لفتح. ليقوم في العام التالي بتنفيذ العملية البطلوية برفقة الشهيدة دلال المغربي ورفاق واخوة آخرين منهم مجموعة من الأبطال اليمنيين. استشهدوا جميعهم في العملية البطولية التي حملت اسم الشهيد القائد كمال عدوان وجرت أحداثها على شاطئ فلسطين المحتلة وصولاً الى مشارف يافا.

اذا سألنا أي انسان في مخيم عين الحلوة خاصة من مواليد الستينيات والسبعينيات والثمانييات من القرن الفائت، عن الشهيد محمد راجي الشرعان (الراجي)، سيكون الجواب أنه بطل عملية كمال عدوان البحرية برفقة الشهيدة الخالدة دلال المغربي يوم 11-3-1978 على ساحل فلسطين المحتلة قرب يافا. كما سيتذكرونه بصوته الجميل ومع الأغاني الوطنية لفنان المخيمات، الأستاذ أسعد كعوش ومنها “يا عين الحلوة اشتقنالك واشتقنا للشمس إلي قبالك” وكذلك “عين الحلوة غراد، الزينكو بوجه طيارة… والارادة الصلبة، ما تلين بألف غارة” و “مارون الرأس بعثت أول برقية .. راية التحرير كل فدائي رافعها”…

عملية دلال المغربي ومحمد الشرعان ويحيى سكاف ورفاقهم كانت عملية فدائية عظيمة، بطولية، مميزة، استثنائية، موجعة للعدو، نفذتها مجموعة من فدائيي حركة فتح وحملت اسم الشهيد القائد كمال عدوان. تلك العملية الأشهر لفتح نفذت يوم كانت لازالت فتح فتحاً مبيناً وتؤمن بسيف الحق وبندقية الثائر بالرغم من محاولات بعضها في ذلك الوقت الانتقال الى لغة أغصان الزيتون وحمامات السلام. في النهاية انتقلوا الى حيث انتهوا ونُسِيوا تماماً.

الشهيد محمد الشرعان أبن عائلة مناضلة وكان عمه الشهيد سعيد الشرعان – أبو جمال من مؤسسي حركة فتح حسب أقوال بعض فتحاويي عين الحلوة. وكان الشهيد محمد راجي الشرعان متحمساً ومندفعاً بشدة نحو فلسطين، مؤمناً ايماناً مطلقاً بأن بنادق الفدائيين وأشبال المخيمات سوف تحرر فلسطين من رجس الاحتلال الصهيوني. لذا انطلق من حارة الجميزة في عين الحلوة الى شاطئ يافا حاملاً معه راية المقاومة وتحرير الأرض والانسان. مقتنعاً بأن الثورة التي ستستمر حتى النصر تحتاج للمؤمنين بالتضحية والشهادة وتحقيق ذلك بالمقاومة لا بالمساومة.

في هذا الصدد يقول صديقه ورفيق صباه الرفيق سابقاً والشيخ لاحقاً أخي جمال – أبو محمد حمد -: “رحمه الله وغفر له ورفع درجته. كان رفيق الصبا والمدرسة وحارات المخيم … كان طيباً، لطيفاً، شهماً وعزيزا … بطل من أبطال مخيم عين الحلوة ومن أبطال فلسطين … أصحاب الهمة والارادة التي لا تلين … كانوا هو ومن معه وأمثالهم كثيرين من صفوة الأمة … واقتحموا مقبلين غير مدبرين … وعبدوا بأجسادهم الطريق للشرفاء الذين سيأتون يوما ما من بعدهم للوصول الى القمة”.

الشهيد محمد راجي الشرعان

أصيب الشهيد محمد راجي الشرعان خلال العملية في بطنه واستشهد متأثرا بإصابته تلك، التي لم تعقه لبعض الوقت عن مواصلة الاشتباك مع العدو. قاوم حتى سقط شهيدا على أرض المعركة فوق تراب فلسطين الطاهر، على طريق العودة الى موطن عائلته في لوبية الفلسطينية المحتلة.

يقول أحد رفاقه الذي كان أُسِر في العملية ولكنه تحرر فيما بعد بعملية تبادل الأسرى التي أجرتها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة سنة 1985، أن الشهيد “وائل” أي محمد راجي الشرعان كان دائم الابتسامة. هو بالفعل كان كذلك ويعرف هذا الشيء كل من عرفه وعاش معه في مخيمنا عين الحلوة. أذكر ويذكر أبناء جيلي من المخيم أن الشهيد كان يملك صوتاً غنائياً عذباً، جميلاً، كما كان من محبي الطرب والغناء والموسيقى. كما كان على ما أعتقد يشارك في بعض الحفلات بالعزف، خاصة على الطبلة – الدربكة – وبالغناء أيضاً. كان نشطاً وعاشقاً للفن وصاحب أذن موسيقية ربما يعرف أكثر عن ذلك الفنان والموسيقار الفلسطيني المعروف الصديق نصر ابو النصر. كما كان الشهيد (الرجي) صاحب نزعة فدائية استشهادية أنهاها باستشهاده في قلب فلسطين المحتلة.

بعض شهداء العملية ومنهم دلال ومحمد

قرأت في مواقع عديدة وخلال سنوات كثيرة عن العملية البطولية عن ابتسامة وتفاؤل الشهيد الشرعان، ابن مخيم عين الحلوة وزواريبه، فمن عرف الشهيد اثناء حياته في المخيم يعرف أنه بالفعل كان دائم الابتسامة وكثير الفرح بالرغم من كل العذاب والعيشة الصعبة في المخيمات واللجوء. أما الذي أعرفه كذلك وأتذكره عنه فقد كان دائم الابتسامة، فرحاً كطفل صغير، متحركاً كفراشة ومتنقلاً كما العصافير ومزهراً كما الربيع، ومتمايلاً مع الريح كما شعره الطويل، الذي كان يصل حتى كتفيه ويتدلى عليهما. هكذا كان محمد راجي الشرعان في مخيم عين الحلوة.. وهكذا ربما استشهد على شاطئ يافا، باسماً، متماسكاً، قابضاً على زناد بندقيته، عيناه تنظران باتجاه بلدته “لوبية” ودمه ببطء كان يمتزج بتربة أرض فلسطين الطاهرة.

أتذكر شهيدنا من أيام المخيم حيث كان يكبرني سناً بثلاث سنوات، لكن في زمن الفدائيين والأشبال والمقاتلين والثورة والثوريين في المخيمات، لم يكن عامل السن المتفاوت قليلاً، يلعب دوراً كبيرا بين الرفاق والأخوة وفي علاقات الصداقة. فشعارنا كان كلنا فدائيين وكلنا أحياء وشهداء لأجل فلسطين. هكذا كبرنا وناضلنا واستشهد وجُرح وأُسر الكثيرون منا في معارك الفداء والتضحية والدفاع عن الثورة والشعب والمخيمات وعلى طريق العودة والتحرير.

اختطفت مجموعة “دير ياسين” الفدائية، حافلتين لجنود صهاينة كانتا متوجهيتن من حيفا إلى يافا وهما تقلّانُ جنوداً صهاينة اقتادوهم رهائن بعدما وضعوهم في باص واحد. خلال الاشتباكات التي استمرت لساعات وعلى مدى مساحات واسعة بين حيفا ويافا، وانتهت على مشارف يافا، قتلوا 67 صهيونياً وجرحوا أكثر من ثمانين آخرين بحسب اعترافات العدو الصهيوني قبل أن يستشهد معظم أفراد المجموعة، التي تألفت من الشهيدة دلال المغربي ومعها 12 فدائيا فلسطينياً وعربياً، استشهد منهم 10 وأسر اثنان خالد أبو أصبع وحسن ابراهيم فياض، فيما فقد آخر هو اللبناني يحيى سكاف ابن منطقة “المنية” في مدينة طرابلس شمالي لبنان، قبطان الزورق المطاطي نوع زودياك.

الأخ الأسير المحرر حسين فياض قال يوم اطلاق سراح عميد الأسرى العرب سمير القنطار :” أنا والأخ خالد أبو اصبع الوحيدين اللذين بقينا أحياء من منفذي عملية كمال عدوان، التي قادتها عروس فلسطين الشهيدة دلال المغربي في العام ١٩٧٨. لقد أُسِرنَا من قبل قوات الاحتلال (الاسرائيلي) بعد أن قامت قوات الاحتلال بضرب الباص الذي كنا نحتجز فيه الرهائن… وبعد مسير إمتد لأكثر من 100 كم بقذيفة من طائرة مروحية، وعلى أبواب (تل ابيب)، لقد بقينا في سجون الاحتلال مدة سبع سنوات وشهرين وأفرج عنا بعملية التبادل التي جرت في العام 1985 واطلق عليها اسم عملية ” النورس” اليوم سنلتقي برفيقنا عميد الأسرى العرب الأسير سمير القنطار، هذا المناضل الصلب الذي قدم من أجل فلسطين زهرة شبابه.

دلال المغربي ويحيى سكاف

    في نفس الحوار مع الاعلامي عصام الحلبي في مخيم عين الحلوة بشهر تموز – يوليو 2008،  بطلا عملية كمال عدوان، اللذين بقيا على قيد الحياة. قال خالد أبو أصبع عن البطل العربي اللبناني يحيى سكاف: “يحيى سكاف استشهد وقد رأيته بعد أن استشهد داخل الباص، الذي احتجزنا الركاب الصهاينة فيه، ومن ثم رأيت جثمانه في البراد عندما أخذني المحققون (الاسرائيليون) للتعرف على جثامنين الشهداء “. كما أضاف الأسير أبو أصبع: “كان الهدف من عملية الشهيد كمال عدوان أسر (اسرائليين)، كما كان الهدف هو الوصول الى عمق عاصمتهم وكسر التبجح (الاسرائيلي) بأن منظموته الأمنية والعسكرية لا يمكن أن تخرق.

هناك قصة حصلت في أثناء العملية وعند الوصول الى شاطئ حيفا. كان بحسب الراوي الأسير المحرر خالد أبو أصبع شهيدنا “الراجي” واحداً من أبطالها. فعند الاقتراب من الشاطئ مقابل حيفا كان الجو عاصفاً والأمواج عاتية فأنقلب الزورق الذي كان فيه الشهيد “وائل” محمد راجي الشرعان ومعه آخرين. غرق الشهيدان عبد السلام اليمني وعبد السلام الفلسطيني وفقد وائل الوعي. ظن الآخرين أنه أيضا توفي غرقاً وقرروا أن يتركوه مع الشهيدين الآخرين. لكن أحد أفراد المجموعة وكان صديقاً حميماً لوائل، رفض تقبل ذلك، حمل وائل وسار به وكان فاقداً الوعي. بعد وصولهم الى الشاطئ وعندما استولوا هناك على الباص الأول وضعه في الباص بالقرب منه. بقي محمد الشرعان فاقداً للوعي لفترة من الوقت لكنه وكما يقول الأسير  المحررخالد أبو أصبع ” فجأة رأيت وائل وقد نهض وحمل سلاح كلاشنكوف وأخذ يطلق النار على الصهاينة ويتعامل معهم ويشارك في الاشتباك. وبقي كذلك حتى استشهد”.

أسماء أبطال المجموعة الفدائية:

1- دلال سعيد المغربي – اسمها الحركي جهاد – المفوض السياسي للمجموعة وقائدة المجموعة – فلسطين

2- محمود علي ابو منيف – ابو هزاع- قائد الدورية – فلسطين

3- يحيى محمد سكاف – ابو جلال – شمال طرابلس لبنان- قبطان الزورق المطاطي نوع زودياك .

4- حسين ابراهيم فياض – فياض – فلسطين اْسير

5- خالد محمد ابراهيم أبو أصبع – أبو صلاح – فلسطين اْسير

6- خالد عبد الفتاح يوسف – عبد السلام – فلسطين- استشهد غرقا

7- محمد حسين الشمري – الشمري – من اليمن

8- عبد الرؤوف عبد السلام علي – عبد السلام – من اليمن- استشهد غرقا

9- علي حسين مراد -اسامه- من لبنان ( شبل )

10- محمد راجي شرعان – وائل – من لوبية فلسطين

11- محمد فضل أسعد – أبو الرمز – فلسطين

12- عامر أحمد عامرية – عامر – شمال طرابلس – لبنان

13- محمد مسامح – شويكة فلسطين

دلال واخوتها الشهداء والأبطال

نشرت فتح ووسائل الاعلام تعليمات القائد الشهيد أبو جهاد الوزير لأفراد المجموعة الأبطال وهي :

الهدف تحرير أبطالنا الأسرى من جميع السجون “الاسرائيلية”.

نضرب مثلا بالشجاعة والبطولة لكل ثوار العالم.

ان نكون يدا واحدة في عملية التنفيذ متحلين بروح التعاون والمودة والمحبة.

ان ينتصر الوجه الحضاري لثورتنا من خلال تعاوننا وتعاملنا مع الرهائن فلا نقتل أحدا منهم..

اذا كان هناك نساء وأطفال ان نعاملهم معاملة حسنة.

أن نرفع علم فلسطين فوق أرض فلسطين.

من يقع أسيرا في أيدي العدوعليه أن يكون بشموخ جبال الجليل..

أن تجعلوا مناحيم بيغن يبكي كما أبكانا في دير ياسين.

المجد والخلود للشهداء ونحن على العهد وعلينا مواصلة الدرب وتحقيق الوعد والوفاء.

نضال حمد في 11-3-2021