الأرشيفوقفة عز

الأستاذ سعيد قاسم – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

عندما نتحدث عن مخيم عين الحلوة وأساتذة المدارس فيه لا بد أن نأتي على ذكر الأستاذ المرحوم “سعيد قاسم نوفل” المعروف للعامة ولطلابه وطالباته بإسم “سعيد قاسم” أو “سعيد القاسم”. فقد كان أشهر من نار على علم. عرفناه وعرفته مدارس الوكالة في عين الحلوة وصيدا. كما عرف عنه قسوته مع الطلبة حيث كان يمارس عقابا شديداً على الذين لا يحفظون دروسهم أو يأتون الى الصف وشعرهم طويل أو مخالفون للقوانين المدرسية. لكنه بنفس الوقت كان حريصاً على تنشأة أجيال متعلمة وملك القدرة على الاعتذار من طلابه في بعض الحالات.

إمتدت رحلته التعليمية والتربوية طويلاً، بداية من مدرسة حطين للبنين ثم في مدرسة رفيديا –نابلس- للبنات. لا أعرف إن كان مارس مهنة التعليم في مدارس أخرى في لبنان. ربما أنه سافر في فترة ما للتعليم في الامارات العربية المتحدة (رأس الخيمة) حسبما قرأت في تعليق بمجموعة ذاكرة مخيم عين الحلوة وأهل الصفصاف، لإبن البلد الأخ احسان صبحة.

شخصياً تعرفت على الاستاذ سعيد أكثر عبر والدي المرحوم أبو جمال حمد عندما عملا معاً في مدرسة رفيديا (نابلس) للبنات في حي القناية بصيدا. كذلك من خلال تردده الى مخيّطة – مخترّة المرحوم عمي علي حمد “أبو حسين” في صيدا فوق مطعم البساط عند الإشارة.

كان سعيد القاسم أستاذاً مهاباً يهابه التلاميذ وتهابه التلميذات فقد فرض حضوره وسطوته على التلاميذ والتلميذات. في يوم من الأيام حضرت له طابور الصباح في مدرسة رفيديا وكن الفتيات، التلميذات يقفن في صف منضبط باستثناء واحدة منهن. نهرها الأستاذ سعيد بصوته المعهود ولهجته الصفورية المعروفة :

“إوقفي مليح حاجة واقفة مثل الخريّة المقشعرة”.

من يومها ما عاد طابور الصباح بحضور سعيد القاسم يشهد أي إعوجاج ولا إقشعرار.

كثيرون منا يجهلون أن الأستاذ سعيد من عائلة نوفل وأن اسمه الكامل هو سعيد قاسم نوفل. وهو شقيق زوجة الأستاذ الراحل محمد مفلح أي محمد نوفل. يقول مفلح نوفل ابن الأستاذ محمد نوفل أن الأستاذ سعيد قاسم يكون إبن عم جده لأبيه.

للأستاذ سعيد قاسم نوفل من الأبناء: الأستاذ محمد، المهندس محمود، المرحوم المهندس عبدالكريم الذي كان موظفاً عمل في وكالة ناسا الأمريكية، الدكتور وليد، المهندس أمين، المهندس هشام، المهندس مأمون. جميعهم لازالوا يعيشون في الولايات المتحدة الأمريكية منذ أنهوا دراساتهم الجامعية فيها. الأستاذ سعيد قاسم – أبو محمد- وزوجته أم محمد انتقلا الى رحمة الله.

أساتذة منهم سعيد قاسم الأول وقوفا من اليمين سنة 1963

الأخ مصطفى الآغا قال: المعلم الأستاذ سعيد قاسم كان أفضل من علمه تقطيع بيوت الشعر لمعرفة وزن البيت عروضيًا. أضاف الآغا: “كنت ذكيًّا جدًا في تقطيع بيوت الشعر. كنا في الصف الثالث تكميلي في مدرسة حطين، حيث كان يجلس بجواري زميلي سمير يلطشن -اختفت أخباره من زمن طويل- المهم أستدعاه الأستاذ إلى اللوح وكان بيت الشعر من البحر الطويل.. لكن سمير لم يوفق في الجواب. فرفعنا أصابعنا بقية التلاميذ كالعادة. اختارني أنا للجواب وأشار إليّ أن أذهب إلى اللوح. هو وقف ساندًا ظهره على الحائط الخلفي أي بعكس اللوح. وأنا شغال بتقطيع البيت وكان على البحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن) ويقطع هكذا: //0/0 //0/0/0 //0/0 //0/0/0.

فسألني على أي وزن: فأجبت (البحر الطويل)… الجواب صحيح ولكن ما كان من الأستاذ سعيد قاسم إلا أن صاح بي بأعلى صوته: وشعرك طويل! شعرك طويل! وأخذ بيدي بشدة وخرج ممسكًا بيده متوجهًا نحو المدير علي فرهود رحمه الله. كان المدير في مكتب الإدارة. الاستاذ سعيد طوال الطريق كان ينادي: أستاذ علي! أستاذ علي!… سمعه كل التلاميذ في الصفوف ومعلميهم وخرجوا جميعًا (وأنا الضحية بين يديه)… وهو يقول: هذا… قصده عني أنا، وغيره ممنوع يأتوا إلى المدرسة غدًا إلا إذا قصوا شعورهم. بالفعل ثاني يوم كان هناك حملة تفتيش على الشعر الطويل وكانت بداية ظهور الشعر الطويل (الخنافس)”…

 بعد تلك العلقة بسبب البحر الطويل والشعر الطويل بقي صاحبنا الآغا يحب تقطيع الشِعِر وصار بانتظام يقص الشَعَر. كما أنه ليس عاتباً او منزعجاً مما حصل معه على يدي الأستاذ ابو محمد فقد قال “أن ما فعله الأستاذ الله يرحمه يُحسب له وليس عليه. لأنه مارس علينا واجبه بكل أمانة وبكل أسلوب تربوي بمعنى الكلمة بغض النظر عن الأسلوب”..

يقول الأخ أحمد طافش علمني الأستاذ الكريم الفاضل سعيد قاسم اللغة العربيه في مدرسة حطين في التكميلي الثاني”. وأتذكر هذه القصة الطريفة: “ذات صباح كانت اللغة العربية المادة الأولى في البرنامج. دخل علينا الأستاذ الكريم سعيد قاسم وأول شيء طلب من التلميذ إبراهيم موعد أن يقول بيت شعر يبدأ بحرف السين، فما كان من إبراهيم أن قال وبسرعة:

سأرحل عن بلاد أنت فيها

ولو جار الزمان على الفقير.

فما كان من الأستاذ أن رد عليه: “إرحل للقرد”.

كان يقول للطلبة لتفسير ظاهرة الشيب التي غزت شعره مبكراً. فمعروف للجيمع تقريباً أن الشيب قد غزا رأس الأستاذ سعيد بالكامل وهو في الثلاثينيات من العمر. كان التلاميذ يظنون أنه كبير في العمر… ولما كانوا يتطفلون ويسألونه عن عمره كان يرد عليهم: “لا تنخدعوا بشعري الأبيض فأنا صغير بالعمر”.

عبدالله سرية: “الأستاذ سعيد قاسم مدرس اللغة العربية في مدرسة حطين التكملية، درس معظم الاجيال، كان أستاذا متمكنا ومخلصاً في تعليمه، شديد الهيبة ومعلق لادع. قليل من نجوا من تعليقاته. إلا أنه كان شديد الحرص على تنشئة أجيال ناجحة قوية محافظة على إرثها الاجتماعي والوطني.”.

صديقنا دياب العلي “أبو عمر” قال: “كان مدرساً قديراً في اللغة العربية خصوصاً القواعد والإعراب والنحو. في الصف الرابع تكميلي في مدرسة حطين وفي حصة القواعد سأل الأستاذ سعيد عن إعراب كلمة (قد). فلم يرفع أحد من الطلاب أصبعه وأنا لا أخفيكم القول كنت شبه نعسان حيث كانت الحصة الرابعة أي الأخيرة في الدوام الصباحي. ثم يأتي بعدها الغداء في البيت. لذلك كنت وكثير من الطلاب بين نعاس وتفكير بنوعية الطبخة في البيت. المهم اختار الأستاذ سعيد أحد الطلاب فلم يجب وفجأة صحوت من النعاس المفاجئ وأجبت دون أن أرفع أصبعي للإستئذان وقلت: “قد” هي حرف تحقيق وتقليل وتوقع. إلا أنه إنزعج من إجابتي دون أن أستأذن، فقصفني بتعليق مُدمر. لكنه اعتذر مني في اليوم التالي رحمه الله، لأنه شعر أنني أصبت بالإحباط ولم أهن عليه”.

محمد سعيد قاسم… الإبن الأكبر للأستاذ سعيد قاسم رحمه الله قال لنا أن والده كان أول من قام بكل المحاولات التنظيمية للشباب الفلسطيني. أولاً من خلال إنشاء الكشاف العربي الفلسطيني، الذي كان له صيتا وفعلية ضخمه علي كافة الٱراضي اللبنانيه. وانشطته التي عمت الجمهورية كلها بحيث لفتت انظار الٱونروا.. التي كانت عميلة الغرب في تلك الأيام.. والذين كانوا يتوجسون خيفة من الٱعمال التنظيمية للشباب الفلسطيني فقاموا بحله. ومن ثم قام الوالد ومعه الكثير من الأساتذة الٱفاضل بإنشاء مؤسسة الرياضة الفلسطينية والتي لمع صيتها وأنشطتها في كافة أراضي لبنان. مما دفع الٱونروا إلى إلغاء هذا النشاط أيضاً. لم يستكن الأستاذ سعيد والخال الفاضل سليم محمد عبد الغني أبو النجا… ولم يكن الٱخير من الٱساتذة بل كان من موظفي الٱونروا في التوزيع… ومن الٱساتذة الٱستاذ سليم ابو سالم وعلي رأسهم الٱستاذ الفاضل أحمد اليماني -أبو ماهر-… قاموا بإنشاء نادٍ أسموه النادي العربي الفلسطيني وكان يقع قرب الوادي خلف الجسر التحتاني… تحول إلى نادي القوميين العرب والذي إنبثقت منه الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.. والذي لم يستمر الٱستاذ سعيد معه. لأنه اعتبره حركة تقسيمية للشعب الفلسطيني عمله التنظيمي الكلي تجاه التحرير.

30-12-2021