الأرشيفوقفة عز

الأستاذ علي جبر -أبو أشرف- من قديثا بدأت الحكاية

إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

كنت في طفولتي وصغري وصباي أراه كل يوم تقريباً عندما يمر من أمام بيتنا وفي حارتنا التي تقع بين الشارعين الفوقاني والتحتاني، يعني في المنتصف ومقابل بستان اليهودي (مانو) سابقاً، الذي جرفه اليهود الصهاينة الغزاة أنفسهم سنة 1982، كي يكون المخيم مكشوفاً أمام دباباتهم وجنودهم وخوفاً من الأعمال الفدائية. فيما يخص الاحتلال تم دحره عن أرض البستان وعن صيدا ومخيم عين الحلوة، أما البستان وصاحبه اليهودي “مانو” فقد أصبحا في خبر كانَ. تحولت أرض البستان بعد ذلك مباشرة الى حيٍ سكنيٍ وتجاريٍ عامر، لينضم الى أحياء المخيم السابقة. نفس الشيء حصل مع منطقة “السور” مقابل البستان على الشارع الفوقاني التي أصبحت حياً سكنياً عامراً انضم لحي البركسات في المخيم. الذي يقع مقابل مجمع المدارس، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، حيث كان يقوم بالتعليم والتدريس الأستاذ الراحل علي جبر في مدارس البنات.

ولد الأستاذ علي جبر سنة 1943 في بلدة “قديثا” الجليلية جارة بلدة الصفصاف عند جبل الجرمق على مقربة من مدينة صفد عروس الجليل الفلسطيني الأعلى. أجبرهم الارهاب الذي مارسته العصابات اليهودية الصهيونية المسلحة على مغادرة فلسطين سنة 1948 واللجوء الى لبنان.

في مخيم عين الحلوة اختارت عائلته الإقامة في حارة كانت ولازالت تقطنها أيضاً عائلات عديدة من أهالي الصفصاف. لذا كان بيتهم غير بعيد عن بيتنا، كما كانت هناك صلة قرابة تجمع جدتي “الشاويشية” فاطمة على اليوسف رحمها الله بعائلته، فهي أيضاً من “قديثا” ووالدها كان شاويشاً معروفاً بالبلدة الجليلية.

تعلم الأستاذ علي جبر في مخيم عين الحلوة في لبنان وبحسب سعاد ابنة شقيقه العم محمود جبر “أبو فاروق”: “كان يراجع دروسه على ضوء الشمعة أو يصحى مع الفجر ويذهب ليراجعها عند خط سكك الحديد في المخيم، تحت لمبة اضاءة السكة الحديدية، لعدم وجود كهرباء في بيوت المخيم”. على فكرة فإن معظم التلاميذ والتلميذات والطلاب والطالبات في المخيم في ذلك الزمن كانوا وكن يدرسون ويدرسن على ضوء الشمعة أو السراج أو اللوكس في مرحلة لاحقة. حتى أنا نفسي عشت نهايات تلك الأيام حيث درست أيضا على ضوء السراج واللوكس.

أكمل دراسته الجامعية والعليا في مصر وفرنسا ولا أعرف في أي السنوات درس هناك. فقد كان يتحدث الفرنسية بطلاقة وقام بتعليمها وتدريسها للتلاميذ والطلبة في مدارس عديدة. مثل مدرسة الصخرة التي أصبح مديرها في وقت لاحق. هذه المدرسة كانت تقع خلف مدرسة الاتحاد للصفصافي المرحوم أبو وائل سعدة. كثيرين منكم يتذكرون الاتحاد التي تحولت سنة غززو لبنان صيف 1982 الى مأوى للاجئي مخيم عين الحلوة، الذين دمرت بيوتهم وهجروا منها.

كان الاستاذ علي جبر مدرساً للغة الفرنسية وللتاريخ والجغرافيا والتربية في مدارس الانروا. ثم بعد سنوات لا أذكر متى ولا في أي سنة تم الغاء تدريس الفرنسية في مدارس الانروا. أستاذنا المرحوم كان درس في مدرسة “الصخرة” وفي مدرسة “مرج ابن عامر” للبنات… وأصبح بحسب ابنة اخيه سعاد “مديراً للمدرستين في مرحلتين مختلفتين”. وأنا لا أدري في أي المدارس أيضاً قام الأستاذ علي جبر بالتدريس.

بمناسبة الحديث عن ذلك وتلك الحقبة التعليمية من زمن المخيم الفلسطيني في لبنان بتوقيت الوكالة – الإنروا-، أتذكر عندما كنت طفلاً صغيراً وعندما كانت شقيقتي الكبيرة في المدرسة في “مرج ابن عامر” كانت الانروا لازالت تعلم بمدارسها اللغة الفرنسية. أكدت لي ذلك اليوم إبنة العم الأستاذة المتقاعدة من مدارس الانروا، نايفة حمد، التي درست في مدارس الانروا بمخيم عين الحلوة، كما كان حال جارتها وجارتنا وبنت بلدتنا المعلمة سمحية أبو الكل، التي هي أيضاً تقاعدت من التدريس والوكالة.

عند سؤال الأستاذ الصفصافي المتقاعد منذ سنين وهو ابن عمتي وزوج شقيقتي، محمود خليل – أبو علاء- عن الأستاذ علي جبر أكد لي أنه درس الفرنسية في مدرستي الصخرة ومرج ابن عامر. فقد كان معلماً في المدرسة الفرنسية المختلطة بمدينة صيدا اللبنانية ونائباً لمديرها الأستاذ عبد القادر السبع ثم مديراً لها. تلك المدرسة كانت تابعة للانروا وفي ذلك الوقت كانت الصفوف لازالت مختلطة بين الذكور والإناث.

تقول سعاد محمود جبر ابنة شقيقه أن عمها الاستاذ علي جبر –أبو أشرف-: “من خلال تعامله الحضاري والاخلاقي والتربوي نال ثقة الإدارة والطلبة فأحبوه واحترموه وكان الطلاب يقدرونه في الاحتفالات بعيد المعلم”.

في مدرسة مرج ابن عامر استطاع الأستاذ علي جبر المساعدة في ضبط المدرسة وأصبح مديرها لكنني شخصياً لا أعرف في أي سنة. ربما من القراء وأهل المخيم وبناته وطالباته هناك من سيوافينا وتوافينا بمعلومات أكثر عن تلك الحقبة من حياته. تجدر الإشارة إلى أن أستاذنا كان من النوعية السهلة الممتنعة. انسان طيب وخلوق ومهذب ومتسامح لكنه بنفس الوقت صاحب شخصية وحاسم في الأوقات التي تتطلب ذلك.

في استحضارها لوالدها ذكرت لنا ابنته عن أهم أصحابه في تلك الفتره وهم الأستاذ عبد القادر السبع والأستاذ أحمد عقل والأستاذ رجا والمعلمة نعمت. كانت تربطهم علاقة زماله مميزه. ومن أبرز من رافقه في رحلة حياته كان الأستاذ عمر طه والأستاذ ابراهيم رحال وهو ابن خالته وكان مديراً لمعهد سبلين، والأستاذ محمود حمزه الذي كانت تربطه به علاقة قرابه، وكان الأخير مُفتشاً لمدارس الانروا في الجنوب.

فيما قالت ابنة شقيقه الأخت نجاة أحمد جبر -أم خليل حمد-: “كان يتميز بشخصية قوية، صاحب هيبه وإذا تقربت منه فهوه انسان لطيف المعامله، متواضع وليّن وصاحب ابتسامه لا تخفي هيبته. شخص مضياف وضيوفه لم يكونوا فقط من المعلمين. بل كانوا من كل فئات المجتمع”.

أما سعاد محمود جبر فأضافت: “كان بيته مفتوحاً لكل من يطرق بابه. عمل على صلة الرحم فكان يزور بنات العائله في كل المناسبات. كما قام بفريضة الحج وأدى العمرة مرات عديدة. كان أيضاً من وجهاء المخيم المُحبب وجوده في جميع المناسبات داخل المخيم وخارجه وذلك لقوة حضوره وثقافته وطلاقة لسانه”.

المعلمة نسرين محمد أيوب قالت: الأستاذ علي جبر ترك بصمة في مدرسة مرج ابن عامر لا تمحى من خلال أدائه الراقي. وقد كان لي شرف ادارتها ابتداء من ٢٤ آب ١٩٩٨، بعدما كان هو مدير بالوكالة بعد تقاعد المدير خالد الحسين رحمه الله.تميز الأستاذ علي بدقته الشديدة في اعداد ملفات وزارة التربية وضبط اسماء الطالبات بدقة شديدة ، ولازالت العديد من الملفات مكتوبة بخط يده.أصبح مديرا لمدرسة الصخرة في سنة ١٩٩٨، وهو فعلا أجاد اللغة بطلاقة شديدة مما جعله يتكلم ثلاث لغات – العربية والفرنسية والإنجليزية-.

أما ثائر ميعاري فقال: أضيف على ما ذكرته الأستاذة الكريمة نسرين أيوب. أنه كان يذهب إلى المدرسة أيام العُطَل وينظم الملفات، كما كان يزرع الورود والأشجار داخل مدرسة مرج بن عامر السابقة، وفي بعض الأحيان كنت أرافقه وقد كان محباً لعمله كثيراً. رحم الله الخال علي أبو أشرف.

كان الأستاذ علي جبر من جيل المعلمين الفلسطينيين الرفاق ضمن صفوف حركة القوميين العرب ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث انتمى في مطلع شبابه للجبهة وكان من نشطائها السياسيين وضمن اتحاد المعلمين الفلسطينيين. فالأستاذ علي كما غالبية أبناء جيله والذين كانوا بعمره أو رفاقه الأساتذة الأكبر منه سناً مثل محمد يوسف اليوسف، صلاح محمد حمد، أحمد سعيد شريدي، محمد مفلح –نوفل-، خالد العينا –غنوم- وعبد رجا –أبو نزار- وابراهيم حسين وغيرهم كثيرين. انتسب في صفوف الشعبية واتحاد المعلمين الفلسطينيين وفي فترة من الفترات انتخب رئيساً للاتحاد.

كان المرحوم الأستاذ أبو أشرف جبر من رواد مخيطة ومخترة ومضافة عمي أبو حسين حمد في صيدا.  توقف عن التردد الى المخيطة بعد تدهور حالته الصحية. وكان قبل سنوات من وفاته كان أجرى عملية القلب المفتوح ثم أصيب بالسكري وبقي يعاني منه ومن أعراضه حتى وافته المنيه. توفي في 17-10-2017 ودفن في مقبرة المخيم. رحمه الله وغفر له وطيب ثراه.

إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

16-01-2022