بساط الريح

حماس تصارع من أجل البقاء – بقلم: بن كاسبيت – ترجمات من الصحافة الصهيونية

حماس تصارع من أجل البقاء – بقلم: بن كاسبيت – ترجمات من الصحافة الصهيونية
 

خلال 24 ساعة سيطفو احتمالان أساسيان وحازمان أمام الأجهزة الأمنية الإسرائيلية؛ الاحتمال الأول: ان ترتدع حماس وألا تغامر بالتصعيد وأن تكون معنية بالهدوء بأي ثمن، والاحتمال الثاني: يقضي بعدم جدوى اندلاع انتفاضة ثالثة في المناطق، لا وجود للطاقة السلبية، لا وجود لفتيل ملتهب قد يؤدي الى الانفجار في كل لحظة، المجتمع الفلسطيني، ووفق نفس الاحتمال، يسعى للهدوء، ويريد ان يواصل العمل على تقدم الحياة، ملّ من سنوات المواجهة الطويلة.

في يوم الأربعاء، قبيل الغروب في الثاني من يوليو، وفي محادثة لي مع مسئول أمني إسرائيلي كبير جداً، قال ما يلي: “لدينا دلالات أكيدة ان حماس لا تريد التصعيد في إطلاق الصواريخ، بل بالعكس نحن نتلقى ونعترض رسائل مماثلة على طول الجبهة، حماس في ورطة استراتيجية حقيقية، وآخر ما تريده حالياً هو جولة جديدة من العنف، انهم يبحثون عن الهدوء.

المحادثة مع المسئول الأمني تمت في ساعات ما بعد الظهر، عندما بدى ان المنطقة هادئة وان الصواريخ من غزة باتجاه مناطق الجنوب سكتت، والتقديرات في المستوى الأمني الإسرائيلي ان الهدوء سيسود وسيعود يوم الخميس.

ولكن جاء يوم الخميس وأطلق 33 صاروخاً على طول اليوم باتجاه سيديروت والمستوطنات الجنوبية الأخرى، المتحدثون باسم حماس الملثمون عقدوا مؤتمراً صحفياً أطلقوا فيه كعادتهم تهديداً جديداً لإسرائيل، وأصاب صاروخ مبنى سكني في سيديروت أثناء وجود امرأة وثلاثة من أطفالها بداخله، ولم يصب أحد بأذى، إذ نجوا بأعجوبة، وقد أصابت صواريخ أخرى عدداً من المنازل الأخرى، وحوالي مليون مواطن إسرائيلي دخلوا في حالة من الاستنفار المتواصل، للمرة الاولى منذ عملية “عامود السحاب” في نوفمبر 2012، فحماس نفسها أطلقت صواريخ وأعلنت مسئوليتها، وبدت كمن يجهز للحرب، والتقديرات الميدانية الإسرائيلية أوشكت على الانهيار.

في المقابل؛ ظهرت علامات الانهيار على تقديرات الموقف الثاني، تلك التي تقول بعدم توقع اندلاع انتفاضة ثالثة في المناطق، فقد اندلعت مواجهات عنيفة منذ ثلاثة أيام في القدس الشرقية بين الفتية الفلسطينيين وقوات الأمن الإسرائيلية.

وشرارة تلك المواجهات كان استشهاد الفتى العربي محمد أبو خضير ذو الـ 16 عاماً، والذي عثر على جثمانه في أحراش القدس، في صباح اليوم الذي تم العثور فيه على جثث الشبان الاسرائيليين الثلاثة، والذين خطفوا على أيدي رجال حماس قبل ثلاثة أسابيع.

والتقديرات الحالية فيما يتعلق بظروف استشهاد الفتى الفلسطيني هي انها جريمة عنصرية ارتكبت بأيدي قوميين يهود، فعلوا ذلك كرد على مقتل اليهود الثلاثة، هذا التقدير الغير نهائي أشعل الأرض، الجمهور الفلسطيني الذي عانى من قمع القوات الأمنية في الأسابيع الأخيرة انتفض دفعة واحدة، والمشاهد التي نسيتها الأعين الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، مشاهد مئات الفتية الفلسطينيين يلقون الحجارة وقنابل المولوتوف وإشعال الاطارات وتحطيم السيارات غطت وجه القدس.

جثمان أبو خضير شرح يوم الخميس، وسيشيع يوم الجمعة، أي بعد حوالي ساعة من كتابة هذا المقال، الجنازة التي ستجري في ساعات ذروة العنف المتفجر في أول جمعة من رمضان ستكون مصيرية؛ ففي حال عدم تدهور الأمور باتجاه مواجهات صعبة، فهناك أمل أن تنخفض مستوياتها في الأيام القادمة، وفي حال تدهورت الأمور لدرجة عنيفة من المواجهات فسيكون وضعاً جديداً جداً، للمرة الأولى في العقد الأخير سيتجدد الحديث عن الانتفاضة الثالثة؛ انتفاضة يمكنها ان تكون بمثابة القنبلة التي ستؤدي الى تصعيد كبير في المنطقة كلها، والى تغيير تقديرات الأوضاع للنماذج المختلفة التي ترتكز عليها تلكم التقديرات منذ سنين انتفاضة ستنهي حكم نتنياهو  في اسرائيل.

صحيح انه والى الآن يسود انطباع ان حماس معنية بوقف النار في غزة، حيث نشرت البي بي سي تقريراً الجمعة انه وفي اتصالات بين الأطراف توصلت حماس واسرائيل الى اتفاق لوقف إطلاق النار والأعمال العقابية بعده في ساعات ما بعد الظهر، وما الذي غير تصرفات حماس في الساعات التي بين يوم الاربعاء مساء وصباح الخميس؟

“تقديرنا هو، قال مسئول عسكري إسرائيلي، ان حماس نظرت في أحداث القدس، وفهمت مدى الغضب الذي ينتشر بين الجماهير الفلسطينية، فقررت ركوب الموجة بهدف ترقيع مكانتها الجماهيرية لدى الفلسطينيين”، وأضاف المسئول “حماس في أسوا حالاتها على الاطلاق، فهي مهشمة تماماً، فاقدة لكل الامكانيات الدولية خاصتها، أنفاق التهريب من مصر وإليها مغلقة تماماً، والضائقة في غزة تتزايد كل يوم، وأبو مازن يرفض ارسال مرتبات لعشرات الآلاف من موظفي حماس في غزة، منذ أكثر من شهرين والعالم العربي كله تقريباً يدير ظهره لحماس، وفجأة أمطرت إسرائيل بالصواريخ ليظهر في أوساط الفلسطينيين انها الجهة الوحيدة التي تقاتل من أجل كرامتهم، وترد الصاع صاعين لإسرائيل، حماس في وضعها الحالي ليس لديه الكثير من الخيارات، إنها خطوة يائسة، لذلك فهي خطيرة أيضاً”.

ومصدر أمني إسرائيلي آخر فصل أكثر وضع حماس فقال: “المصريون يفتحون معبر رفح مرتين في الأسبوع وبصعوبة، ويسمحون لحوالي 300 الى 400 من المواطنين للخروج من غزة، وفي الانتظار طوابير بالآلاف من الذين يريدون الفرار من جهنم غزة، ووفقاً للمعلومات التي تردنا؛ فإن أناس يدفعون آلاف الدولارات لكي ترد أسماءهم في أول الدور، الضغط والضائقة التي تعيشهما حماس في غزة حولتها الى تنظيم عاجز، حماس الآن في مرحلة نزاع، إنها تصارع من أجل البقاء، وفي وضع كهذا فإنها أكثر خطراً، وأكثر من ذلك فإنها لا تتصرف بمنطق، التنسيق بين قيادة حماس في الخارج خالد مشعل وبين قيادة الداخل والذراع العسكري وبين النشطاء الذين بقوا خارجاً في الضفة تقريباً غير موجودة، والانسان لوحده، انها الفوضى، الفوضى في أقصى حدودها”.

وعلى خلفية كل ما سبق؛ علقت إسرائيل في حرب سياسية عاصفة بين اليمين المتطرف، والذي يمثله وبنجاح الوزير نفتالي بينيت ورئيس حزب “البيت اليهودي”، وبين اليمين البرغماتي، والذي يمثله بنيامين نتنياهو، وبين المركز السياسي، والذي يقيم فيه يائير لبيد وتسيبي ليفني؛ هذه الحرب وقعت من قبيل التعبير في نقاشات الكابنيت الأمني الإسرائيلي، والتي كانت هذا الأسبوع غاية في التوتر والصعوبة وتبادل التهم بين الجميع.

ولقد تلقى بينيت غالبية الانتقادات، وهو الذي طلب خلال تلك النقاشات بالخروج الى تنفيذ خطوات عقابية واسعة في الضفة وغزة، وضرب حماس والفلسطينيين ضربات قاسية ومؤلمة بهدف استعادة الردع الاسرائيلي واستخراج الأرواح الشريرة من أشرعة الارهاب والاختطاف من الجانب الفلسطيني. بينيت تجاهل بوضوح اقتراحات المستوى العسكري برئاسة رئيس الأركان غانتس، وتلفظ ألفاظاً قاسية في حق زملائه الوزراء، ونشر على صفحته في الفيسبوك منشورات لاهبة.

مصادر أخرى من الكابنيت اتهمته بعدها، وفي نهاية الأسبوع، بتسميم الأجواء، ووصفت مصادر أخرى من الكابنيت تحدثت إليها وصفت بينيت بـ “الولد المراهق والانسان الغير مسئول، تصرفاته صبيانية، يحرض الجمهور ضد الجيش والحكومة”، وأحد المسئولين بالغ في الوصف وقال: “إذا كان مقتل الشاب العربي في القدس على خلفية قومية، فإن أناساً مثل بينيت هم من ساهموا في خلق الأجواء التي أدت الى مقتله”.

بينيت من ناحيته أجاب بحرب عاصفة، لم يتأثر ولم ينحنِ، فهذا جدل أيديولوجي وأيضاً معركة سياسية، نفتالي بينيت الذي كان رئيس مكتب نتنياهو قبل عدة سنوات، والذي ترك منصبه غاضباً وبفخر وشرف، يحاول الآن ان يسرق من نتنياهو ناخبيه اليمينيين والتحول الى زعيم اليمينيين، وبعدها رئيساً للحكومة، لا يبدو بينيت يمينياً ملتزماً، فهو رجل تقني أنيق كثير الابتسام عضو “المان” ذو لكنة تل أبيبية، حصل على 12 مقعداً في الانتخابات الأخيرة.

والحقيقة ان نتنياهو يرى فيه التهديد الأول والاكبر في طريقه الى فترة رئاسة حكومة جديدة، ولكن قبل بينيت على نتنياهو ان يعالج عدة مشاكل أكثر اشتعالاً؛ خطر اندلاع انتفاضة ثالثة في المناطق، والتصعيد المتسارع في غزة، فثماني سنوات من الهدوء النسبي لنتنياهو (خلال فتراته الثلاثة المتباعدة الى اليوم) تعيش الآن حالة من الخطر.

المونيتور

أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

اترك تعليقاً