الأخبارالأرشيف

قارب وجنازة…ومن دفنهم قبل دفنه! –

  عبد اللطيف مهنا

في قاموس الصراع…صراع الوجود لا الحدود، الموصوف بذي الطبيعة التناحرية، بمعنى إما نحن أو هم، هذا الذي عجز عن فهمه البعض، فلسطينيين وعرباً، لكنما ادركه وتمثله وطبَّقه عدونا وظل يذكّرِنا به يومياً عبر سياسات عدوانية خادمة لذات استراتيجية استعمارية استيطانية احلالية دائمة ولن تتغير…في هذا القاموس، لا محل للإعراب للقوننة والدسترة والشرعنة، وسائر هكذا مصطلحات، تلوكها سلطة بلا سلطة وتحت احتلال، وهي بذاتها لا محل لها من الإعراب عند محتلها إلا كأداة أمنية في خدمته، الأمر الذي هي بنفسها من يُثبته يومياً ومن يحرص عليه وبات بالنسبة لها خارج النقاش.

وهى إذ يطلق معارضوها على سدنتها صفة “القيادة المتنفذة”، فلعل في هذا تزيداً منهم، لأنها ليست بالمُتنفِّذة حتى على نفسها، وما تنفُّذها الملصق بها، إلا المعادل الموضوعي لعجز من يعارضها، مع وجوب التنبيه إلى أن المعارض في قواميس الساحة الفلسطينية هو غير المواجه، وهذا النوع الأخير، ومن أسف، هو في كل من ساحتينا الفلسطينية والعربية في صعيدهما الرسمي إن لم يك نادرفجد قليل.

أما إذا عدنا لاستخدام المصطلحات النحوية بعد أن اجزنا لأنفسنا استخدامها بدايةً، فإن هذه المتنفذة ليست إلا في محل المجرور الملحق بجار هو المحتل، ذلكم عبر استجابتها الدونية لإملاءاته، وإدمانها التخادم معه، باعتبار ذلك عندها، ليس قدر مهزوم في داخله وحسب، بل ديدن مستمرء للهزيمة وموطَّناُ لها في نفسه لتستوطنه مذ باتت عنده سبيل بقاء ووسيلة ارتزاق…أوليس هذا هو حال السلطة؟! أوليس هو السر في شعار “المفاوضات حياة”؟!

مبرر حديثنا هذا هو هذه الزعبرة التي تثار هذه الأيام حول الانتخابات المحلية في كنف الاحتلال من قبل مخلوقات ذات أسماء مجلجلة، لكنها تظل من افرازات أوسلو متسمة بتشوهاتها، من مثل: محكمة العدل العليا، والمحكمة الدستورية، ولجنة الانتخابات العليا…الخ هذه العلياوات في راهن هذا المنحدر الذي سُحبت القضية إلى هاويته…يعلن عن الانتخابات على أمل أن لا يقبلها الآخر فيما يعرف ب”الانقسام”، فلما سارع  هذا إلى قبولها، يُقضى بلا شرعيتها، بتعلة عدم مشاركة القدس التي لم تشارك يوماً في انتخابات، ولا شرعية محاكم غزة، ويتم تعليقها، لتعود محكمة العدل العليا لتقضي بوجوب عقدها، وهذه المرة بلا القدس وغزة معاً، لتسارع حكومة السلطة لتأجيلها لشهرين قادمين، وهكذا..!!

ألا يسألن أحد نفسه من هؤلاء، ومن هو الشرعي في مثل هكذا طوشة ، حتى بالمفهوم الأوسلوستاني الصرف، وليس بمفهومنا الحاسم بلا مشروعية في ظل احتلال: أهو رئيس السلطة المنتهية ولايته منذ أمد ليس بالقليل، أم حكومته التي لم يقرها مجلس اوسلوستانه التشريعي ممنوع الانعقاد…هذا إذا لم نذهب بعيداً فنستحضر المنظمة المنقرضة ولجنتها الهرمة ومجلسها الوطني الموميائي، وميثاقها الوطني المغدور والمعبوث به…إلخ ؟؟!!

تخدم هذه الزعبرة، أو يراد منها، التغطية على مفارقة تمثلت في مشهدين فارقين نقيضين تلازما: السفينة زيتونة، أو وإنصافا للواقع، القارب الصغير، لكنه الكبير الكبير بمغزاه وهدفه، والذي تستقله قبضة من نسوة هن ولا الرجال الرجال، يبحر بعناد صوب غزة لكسر حصارها، وهو يعلم أنهم لن يسمحوا له بالوصول اليها، وهو ما فعلوه، بمعنى أن حرائره كن يدركن سلفاً أن قاربهن لن يكسر حصاراً، إلا أن المحاولة بحد ذاتها، عندهن وعند المحاصرين، لا تقل شأناً عن الهدف…واربعة، هم رئيس السلطة وثلاثة من حوارييه، يتهافتون للمشاركة في جنازة…وجنازة من؟ بيريز…شريكهم في هندسة أوسلو، أو هذه التي سبق وأن دفنها ودفنهم معها قبل دفنه…

…أحد عتاة ودهاة مجرمي الحرب الصهاينة الحاصلين على نوبل للسلام! والمسالم الذي جرائمه لا تختصر فحسب في ابوَّته لمفاعل ديمونا النووي، ومجزرة قانا الرهيبة، ولا أبوَّته لما يعرف ب”الاستيطان”، ولا في بداياته في “الهاغناه”، أو صورته الموسادية المتخفية في زي بدوي يمتطي جملاً في النقب قبل النكبة، وإنما في كونه آخر المؤسسين لهذه النكبة المتواصلة جنباً إلى جنب مع معلمه وكبير مجرميهم بن غوريون…وأخيراً الصهيوني الأشر والأمهر في صب سمومه الزعاف في كأس معسول كلامة الدائم عن سلامه الزائف وبيد دُفنت وهى ملطخة بدماء الفلسطينيين والعرب.

زيتونة، حاولت وصلاً مع غزة المحاصرة، باسم بقايا الإنسانية في عالمنا كله. أما الأربعة، البررة فذرف رئيسهم دموعه باسم الضحية على جلادها، وصدح واحد من صحبه معزياً قتلتها: شالوم!!!

…وزيتونة، مثلها مثل غزة، لم تجد من يقف إلى جانبها والقراصنة يسحبونها إلى اسدود المحتلة…حالوا دونها والوصول إلى التي لن يُرفع الحصار عنها مالم تلقي بندقية مقاومة آلت على نفسها ودمها أن لا تلقيها. أما المعزون بقاتلهم فيجدون دائماً في الخارج من يقف ورائهم ويشد على أياديهم المرتجفة، وفي الداخل من يفتي ويبرر ويدافع عن فعلتهم…أمثلة:

أفتى علاَّمتهم محمد الهباش بأن محمداً صلوات الله عليه لو كان حياً لشارك في جنازة بيريز،  الذي وصفه يحيى رباح بأنه “رجل سلام ويحظى باحترام الفلسطينيين”، وكتب ثالث منهم مادحاً موقعة التعزية وبطلهاً: “ذهب الفدائي الأنضج رئيس دولة فلسطين غازياً المجتمع الصهيوني”!!!

ستتلاشى زوبعة الانتخابات في فنجان اوسلوستان المثلوم، والمعزون ببيريز سبق وأن دفنهم فقيدهم قبل دفنه، أما زيتونة فوصلت غزة وإن لم تصلها، وطوَّبت غزة العناد الأسطوري المقاوم حرائر زيتونة أيقونات يتلألأن في وجدان الشعب الفلسطيني.

اترك تعليقاً