الأرشيفعربي وعالمي

قرار ضم الجولان للكيان الصهيوني .. باطل ومخالف للقانون – المستشار رشيد موعد

أسفر العدوان الصهيوني يوم 5 حزيران عام 1967 عن احتلال هضبة الجولان السورية، وتشريد أكثر من 150 ألف نسمة من أصل 165 ألفاً من المواطنين العرب السوريين هم سكان الإقليم الذي وقع تحت الاحتلال، والذي تقدر مساحته بحوالي 1250 كيلومتراً مربعاً، وقد توزع من بقي منهم في الجولان بعد احتلاله على خمس قرى هي: مجدل شمس، ومسعدة، وبقعاتا، وعين قينية، والغجر.

وتتمثّل أهمية هضبة الجولان في موقعها الاستراتيجي من جهة، ومن جهة ثانية فإن الجولان مصدر مهم للمياه، وقد ارتبطت المياه في شمال فلسطين، والجولان بمعظم المخططات الاقتصادية “الإسرائيلية”، ذلك أن الجولان غني بمصادر المياه لوقوعه عند سفوح جبل الشيخ، حيث تغذي الأمطار، ومياه الثلوج الذائبة تلك المصادر.

إن الاحتلال “الإسرائيلي” للجولان، وبقية الأراضي العربية، قد تم بعد أن قام هذا العدو بغزو مسلّح لتلك الأراضي، منتهكاً بذلك قواعد القانون الدولي التي تحظر استعمال القوة المسلّحة في غير حالة الدفاع المشروع.

وقد نجحت الجمعية العامة للأمم المتحدة في تعريف العدوان بعد مرور خمسين عاماً من المحاولات بقرارها رقم 3314 تاريخ 14/12/1974 الذي اعتبر بمثابة شرح لنصوص الميثاق، وجاء تعريف العدوان في المادة الأولى من هذا القرار كما يلي:

«العدوان هو استخدام القوة المسلّحة من قبل دولة ما ضد سيادة دولة أخرى، أو سلامتها الإقليمية، أو استقلالها السياسي، أو أية صورة أخرى تتنافى مع ميثاق الأمم المتحدة وفقاً لنص هذا التعريف».

كما نصّت المادة الثالثة من هذا القرار على ما يلي:

تنطبق صفة العمل العدواني على أي من الأعمال الآتية، سواء بإعلان الحرب، أو دونه، وذلك من غير الإخلال بأحكام المادة الثانية، وطبقاً لها:

«قيام القوات المسلّحة لدولة ما بغزو إقليم دولة أخرى، أو الهجوم عليه، أو أي احتلال عسكري، ولو كان مؤقتاً، ينجم عن هذا الغزو، أو الهجوم، أو أي ضم لإقليم دولة أخرى، أو لجزء منه باستخدام القوة». وأكدت المادة الخامسة من القرار المذكور أنه «ليس هناك ما يبرر هذا العدوان».

نخلص مما تقدم إلى أن الكيان الصهيوني، بإقدامه على غزو، ثم احتلال الجولان، وبقية الأراضي العربية، يكون قد ارتكب عملين من أعمال العدوان:1- الغزو.2- الاحتلال.

وحرب العدوان هي الجريمة ضد السلام العالمي، الأمر الذي يرتّب المسؤولية الدولية على المعتدي جرّاء قيامه بهذا العدوان.

اتبعت “إسرائيل” في عدوانها هذا سياسة الاستيطان في الجولان، وبقية الأراضي العربية المحتلة، وذلك بإنشاء المستوطنات، ونقل، وتهجير الصهاينة للإقامة فيها، خلافاً لأحكام المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة الصادرة عام 1949 التي تحظر على سلطات الاحتلال نقل، أو تهجير قسم من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها.

لكن “إسرائيل”، ورغم كل هذه النصوص الصادرة عن الأمم المتحدة، تجاهلت ما قامت به، متجاوزة القوانين الدولية، وأصدرت قراراً بتاريخ 14/12/1981 يقضي بضم أراضي الجولان السوري المحتل لسيادتها، وذلك بفرض قوانينها، وولايتها، وإدارتها على هذه الأراضي.

ما إن سمع أهالي الجولان بقرار الضم هذا حتى أعلنوا الإضراب العام، ونظّموا المظاهرات اليومية في قراهم، معلنين رفضهم القاطع لهذا القرار، وكان رد السلطات الصهيونية أن قامت باعتقال عشرات المواطنين، وأعلنت مصادرة ممتلكات عدد من المناضلين ضد الاحتلال، علاوة على سلسلة من الإجراءات القمعية التي لم تزد أهالي الجولان العرب السوريين إلا إصراراً على مقاومة قرار الضم، واعتباراً من تاريخ 2/3/1982 حظرت سلطات الاحتلال على سكان الجولان المحتل استخدام آلياتهم الزراعية، وسياراتهم الخاصة ما لم يحمل أصحابها بطاقة الهوية “الإسرائيلية” التي فرضتها عليهم وفقاً لقرار الضم.

وجاء موقف القانون الدولي من قرار ضم الكيان الصهيوني للجولان العربي السوري المحتل بأن أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً تحت رقم 497 تاريخ 17/12/1981، دعا فيه “إسرائيل” إلى إلغاء قرارها بفرض قوانينها، وولايتها، وإدارتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، واعتبر إجراء الضم “الإسرائيلي” باطلاً، ولاغياً، وخالياً من أي مفعول دولي، كما تضمن القرار توصيات بتطبيق التدابير الدولية المناسبة ضد “إسرائيل” في حال عدم امتثالها لقرار مجلس الأمن المذكور، لكن هذا القرار واجه الفيتو الأمريكي، ونتيجة لذلك عقدت الجمعية العامة للأمم المتحدة دورة استثنائية طارئة بتاريخ 5/2/1982 وأصدرت القرار رقم 9/1 الذي أكد على ما يلي:

1- الإعلان بأن الإجراء “الإسرائيلي” هو عمل عدواني بموجب المادة 39 من الميثاق (الفصل السابع)، وبموجب القرار الخاص بتعريف العدوان «قرار الجمعية العامة رقم 3144 (د-29)».

2- التأكيد بأن تلغي “إسرائيل”، السلطة القائمة بالاحتلال، قرارها بفرض قوانينها، وولايتها، وإدارتها على الجولان.

3- شجب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن الذي منع المجلس من أن يتخذ ضد “إسرائيل” التدابير المناسبة التي أشير إليها في قرار المجلس رقم 497 لعام 1981.

4- إعادة التأكيد على الضرورة القصوى لانسحاب “إسرائيل” انسحاباً كاملاً من جميع الأراضي المحتلة منذ عام 1967 كشرط أساسي لإقامة سلم عادل.

5- التأكيد على أن سجل “إسرائيل”، وإجراءاتها تثبت أنها ليست عضواً محباً للسلام، وأنها تمعن في انتهاك المبادىء الواردة في الميثاق.

6- مطالبة الدول بتطبيق عدد من التدابير ضد التعامل مع إسرائيل، بما فيها قطع العلاقات الدبلوماسية.

هذا وقد أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة لاحقاً قرارات عديدة تؤكد على بطلان قرار ضم الجولان للكيان الصهيوني، ومنها القرار رقم 44 تاريخ 4/12/1989 الذي جاء تحت عنوان: «الحالة في الشرق الأوسط والجولان».

تعتبر “إسرائيل” نفسها فوق القانون، فهي دائماً متمردة عليه، ولا تنفذ أياً من قراراته، لكننا سنبقى متمسكين بحقوقنا، ونعتبر الاحتلال حالة طارئة، وينتج عنه أثران:
الأول: لا ينقل السيادة إلى قوة الاحتلال نتيجة مبدأ استمرار الدولة.

الثاني: لا يجيز ضم الأراضي المحتلة إلى قوة الاحتلال، لاسيما أن الحروب التي تشنها “إسرائيل” هي حروب عدوان، وتوسّع.

المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات سابقاً

اترك تعليقاً