الأرشيفوقفة عز

أنا ومستشفى الحكومي على مدخل مخيم عين الحلوة .. – نضال حمد

شيطنة الصبا في المخيم ..

لم تكن طفولتنا في المخيم تخلو من محطات مفرحة وأخرى مؤلمة، أما المؤلمة منها فقد تسببت بها الشيطنة الصبيانية وأشياء أخرى خارجة عن إرادتنا، مثل المرض أو الحرب.. للأسف فأنا لي سجل حافل بالمحطات الطفولية والصبيانية المضحكة وأيضاً المبكية. هناك واحدة من أكثر محطات طفولتي التراجيدية وهي حادثة حصلت معي يوم كان لي من العمر ربما 12 أو 13 عاماً. أحببت اليوم أن أتطرق لها، لأنني وأنا أنبش في خزان الذاكرة ظهر أمامي المستشفى الحكومي اللبناني، الموجود على المدخل الشمالي الشرقي للمخيم. والذي يعرف بمدخل مستشفى الحكومي على الشارع الفوقاني. تلك الحادثة التي سأتطرق لها الآن تركت أثرها على جسدي ولازال الأثر يظهر واضحاً على وجهي بالذات حين أقوم بحركة معينة.

كنت في شبابي دخلت المستشفى مرات عديدة لتفقد بعض المرضى أو لمشاهدة الشهداء والأموات في ثلاجة الموتى هناك. لكن أهم مرة وطأت فيها قدماي المستشفى كانت في اليوم المذكور الذي فجر “الكيلة” و”كربيدها” في وجهي، عقب انفجار عبوة محلية الصنع، صنعناها نحن الأطفال. ووضعناها في جورة بباحة بيتنا وتحت شباك دارنا الذي كان يطل على حاكورة عمتي علياء رحمها الله، وعلى دار ابنها الراحل أحمد خليل – أبو محمد-، الملقب ب “يصطفلوا” رحمه الله هو كذلك، هناك حفرنا جورة لإعداد عبوتنا من “الكربيد”.. تلك العبوة البدائية الصبيانية الشيطانية وهي عبارة عن “كيلة” وعاء معدني من التنك، مثل علبة الفول أو الحمص، التي تباع في الأسواق بإسم شتورا والدرة والوادي الأخضر والخ… تستخدم مادة “كربيد” والبعض يقول “كربيل” في تخمير الموز وهي مادة اسمها العلمي “كربيد”..

تصنيع العبوة كالتالي:

أولاً نقوم بحفر جورة صغيرة في التراب ونضع فيها بعض المياه والكربيد ثم نُحكم إغلاقها بعد أن نترك حفرة في “الكيلة” المقلوبة رأساً على عقب، وفيما بعد نقوم بإشعال ما في الكيلة عبر الثقب الصغير فيها، بشرط أن نبعد رؤوسنا وأيدينا وأجسادنا قدر الإمكان عن الكيلة.. بعد الاشعال بقليل تنفجر وتطير الكيلة إلى الأعلى محدثة صوت قوي..

كيف أصبت بالكيلة؟

عند إعداد العبوة أخذ أخي جمال وابن عمي طارق حمد يتدافعان بغية قيام أحدهما بإشعالها، فتسللت أنا من بينهما وقمت بسرعة البرق بمد رأسي فوق الكيلة وباشعالها بسرعة، لكنني تأخرت في سحب رأسي من فوقها فأنفجرت بوجهي محدثة جراحاً خطيرة بالأنف والحاجب وقرب العين. ولولا لطف الله لكانت طارت على الأقل عين واحدة من عيني. كان الدم ينزف من وجهي وأنفي حيث حملني جمال وطارق وعند زاروب بيتنا كانت الحاجة لطيفة أبو الكل – أم عصام هندية جارتنا، تغسل الطريق امام البيت فقامت بغسل وجهي ثم أخضرت حفنة من البن ووضعتها على الجرح والنزيف. ومع استمرار الدم بالنزف بشدة من وجهي اتجهنا الى المستشفى الحكومي… كنت أنا مصدوماً مما حصل وجمال وطارق والجميع كذلك. في مستشفى الحكومي تم علاجي وكان برفقتي بعض من الأهل والأقارب والجيران. أذكر أنه من صدمتي وربما خوفي حاول الطبيب أو الممرض أن يغرز إبرة الكزاز في يدي لكنها انكسرت فيها .. فصرخ علي أن أرخي أعصابي ولا أشد عضلي.. المهم انتهت العملية بغرزات كثيرة وتقطيب في وجهي. يجب هنا الاعتراف بأن الطبيب الذي عالجني كان ماهراً جداً إذ لا يوجد أثر ملحوظ وكبير للتقطيب والغرز في أنفي ووجهي.كانت تلك محطة سوداء في حياتي الطفولية والصبيانية والمخيمية لذا تنذكر وما تنعاد.

نضال حمد

16-11-2022