وقفة عز

“إمّا ضم وإمّا تطبيع”… شعار سفير القطيع – نضال حمد

“إمّا ضم وإمّا تطبيع”

عنوان مقالة وشعار سياسي سخيف وأقل من سكر خفيف أطلقه سفير الامارات العربية المتحدة في الولايات المتحدة الأمريكية. عرف عن هذا السفير علاقاته الممتازة مع الصهاينة وصداقته مع سفير الكيان الصهيوني في واشنطن. كما أنه أحد السفراء العرب الثلاثة في واشنطن الذين حضروا مؤتمر ترامب للاعلان عن صفقة القرن حيث صفقوا له مجتمعين هو وسفير عُمان وسفير البحرين.

السياسة الامارتية ليست سياسة صبيانية ولا عشوائية بل هي سياسة رسمية اعتمدتها الامارات منذ وضعت كل بيضها في سلة أمريكا و(اسرائيل).. الشعار المعلن “إما ضم وإما تطبيع” هو فعلا شعار يليق بسياسة تطبيع القطيع. شعار يجيء مراً ليزيد من مرارة الشعب العربي الفلسطيني بسبب خيانات الحكومات العربية تباعاً وبالذات الخليجية منها بعد مصر والأردن وسلطة العار الفلسطينية.

الشعار الامارتي يجيء مسموماً ولذر رماد التطبيع والتنسيق المستمر مع الصهاينة في عيون العرب والفلسطينيين لأنه كذب ورياء ونفاق واستهتار بعقول العرب أولا وبعقول الفلسطينيين والامارتيين ثانياً.. الشعب الامارتي كما كل الشعوب العربية سوف لن يقبل بالتطبيع وسيأتي يوم يعلن فيه رفضه لسياسات حكامه وتبعيتهم للمحتلين الصهاينة وللأمريكان..

حتى أنتِ يا دبي …

عنوان مقالة كنت كتبتها في  18-09-2003 جاء في مطلعها:

” ستنال دبي خيبتها بعد زمن طويل من الاستقلالية والتألق،هذه الخيبة جاء بها العلم الجديد الذي يرفرف للمرة الأولى في سماء الامارة العربية الجميلة، حيث لم يكن أي إماراتي يحلم بما رأته عيناه في المكان، الذي ستقام به اجتماعات البنك الدولي وصندوق النقض الدولي، التي تنظم في الامارات العربية المتحدة وتحديدا في دبي، يومي الثلاثاء والأربعاء في 23 و24 أيلول”..

كما ترون بداية التطبيع العلني مع الصهاينة ليست وليدة اليوم بل هي سياسة تراكمية ونهج اتبعته الامارات منذ سنوات طويلة لكن بالتقسيط المريح. لذا لا تلتفت الامارات للنقد ومواقف الرافضين لسياساتها التطبيعية والعدوانية. حيث بكل وقاحة تحط الطائرات الامارتية في مطار اللد الفلسطيني المحتل، المسمى مطار بنغريون. بحجة شحنها مساعدات للفلسطينيين. يقول الفلسطينيون انه لا علم لهم بها ولا يريدونها عبر تل ابيب والكيان الصهيوني. فيما يقول المراقبون أنها تفرغ ما تقول عنه مساعدات لتحمل الاسلحة والذحائر الى جماعة حفتر في ليبيا. كما كتب الأديب الفلسطيني الكبير رشاد أبوشاور في مقالة له بعنوان (وأفتضح سر المساعدات الامارتية) نشرت مؤخرا..

للعلم قبل شهور قرأت تصريحات لوزير خارجية حفتر عن عدم ممانعة حفتر التطبيع مع الكيان الصهيوني. فيما قبل أيام ورد في وكالات الانباء كلام مشابه لرئيس وزراء محمية حفتر عن الاستعداد لاقامة علاقات مع الصهاينة. هذا لا يعني أن جماعة طرابلس التي مرجعيتها اردوغان وقطر اخوان أفضل من جماعة حفتر التي مرجعيتها السعودية ومصر والامارات. هذه الدول كلها من خليفة اسطنبول الى حكام السعودية والامارات شاركت وتشارك في دمار الوطن العربي..  هم من اسباب استمرار ازمة ليبيا التي قسموها وخربوها.. يتصارعون في ليبيا والبلاد العربية على من يقدم ما تبقى من الكعكة العربية للأمريكان والصهاينة. كلهم بالنهاية حلفاء أمريكا وأصدقاء “اسرائيل”.

ما كتبه السفير العتيبة بلسان خيانة واضح، ولسان استسلام ونفاق لا يقل نفاقا عن نفاق ترامب ونتنياهو ليس مجرد مقالة لأنها في حقيقة الأمر ترجمة صريحة وعلانية لتوجهات الامارات التحالفية مع الكيان الصهيوني، على حساب قضية وحقوق شعب فلسطين.. فحين يذكر أن بلاده صنفت “حزب الله” منظمة ارهابية وشجبت تحريض “حماس”، يعني هذا أن بلاده تعتبر “المقاومة” ارهاباً وتعتبر الكفاح العربي والفلسطيني ضد العدو الصهيوني اجراماً وعملاً ارهابيا خارجا عن القانون.. أقصد قانون أمريكا والكيان الصهيوني ..

حين يرى وزير وسفير الامارات أن هناك امكانية لعلاقات أكثر حرارة بين الامارات والكيان الصهيوني.. فإن هذا كله يعني أن الامارات دخلت اسطبل الاستسلام وزريبة السلام الصهيوني… وأنها ماضية بلا التفات لخطورة ما تفعله على العرب والفلسطينيين وعلى مستقبل شعب الامارات أيضا..

بدأت الامارات منذ فترة تلعب دورا خطيرا على حساب القضية الفلسطينية وحقوق شعب فلسطين… هو دور خليجي عام كانت قد تسيدته قطر وسلطة عمان ثم البحرين والآن جاء دور السعودية والامارات مع اعطاء الامارات حاليا الدور الأهم في عملية التطبيع وتشييد التحالف مع الكيان الصهيوني على حساب أمتنا العربية وقضيتها المركزية فلسطين.

تلعب الامارات دور عراب التطبيع من خلال النشاطات العلنية واستضافة الوفود الصهيونية في أبو ظبي ودبي بدون خجل ولا حياء. كذلك عبر مشاركتها في حروب ارهابية تدميرية في سوريا وليبيا واليمن والعراق بالتنسيق مع (اسرائيل)، لتفتيت وتدمير الدول الوطنية والقومية العربية، تلك الدول التي طالما احتضنت الحركة الوطنية الفلسطينية وثورة شعب فلسطين وقوى التحرر العربية..

في جنوب لبنان واثناء الوجود الفلسطيني منتصف ونهاية سبعينات القرن الفائت كانت قواعد الفلسطينيين تعج بالمناضلين العرب من المحيط الى الخليج. ومنهم الرفيق أبو مرزوق ابن الامارات.. يا ريت يا رفيق أبو مرزوق يا فدائي .. يا ابن الامارات الذي قاتل لأجل فلسطين بالسلاح وبالدم في المعارك ضد الصهاينة في جنوب لبنان أن تكون حياً… وأن يكون أمثالك من أبناء وبنات الامارات كثيرون وكثيرات. فنحن نؤمن بالشعوب وبأنها لا تضيع البوصلة كما يفعل حكامها.

سفير ووزير الامارات يريد مستقبلا أفضل للصهاينة ..

لذا ينصحهم “إمّا ضم وإمّا تطبيع”… زمان كانت نصائح الجامعة العربية “اما دولة في الضفة والقطاع وإما تطبيع”… كل ما تقوم به أنظمة التطبيع العربي معادي لأمن ومصالح ومستقبل أمتنا العربية ولقضية فلسطين خاصة..

ثم إن أخذ سلام أو استسلام السلطة الفلسطينية كحجة للتطبيع هو فعلا وقاحة عربية.. خيانة أسوأ وأوقح من خيانة التطبيع سواء بالسر كما في حالة بعض الأنظمة العربية أم علانية كما تفعل الامارات وقطر وعمان والبحرين والسعودية وقبلهم مصر والأردن. اذ سبق النظامان في مصر والاردن هؤلاء الى الاستسلام والتطبيع مع الصهاينة حيث أقاما معاهدات واتفاقيات سلام مع العدو وتطبيع علاقات دبلوماسية وأمنية وسياسية واقتصادية والخ ..

خيانات الانظمة العربية لا تحصى ولا تعد ولا تغتفر … قطر التي تحاول فضح الامارات والسعودية عبر فضائيتها الجزيرة كانت أول دولة خليجية تطبع مع الصهاينة ويجول ويصول فيها “الاسرائيليون” من أصغر صهيوني الى شمعون بيريز واستقباله الحار في أسواق الدوحة ..

خصصت مشيخة قطر برامج فضائية الجزيرة للتطبيع مع الصهاينة وأفرزت طوابير من المتصهينين العرب مثقفين ومفكرين وصحافيين واعلاميين وسياسيين، هؤلاء الذين استخدموا لتمرير التطبيع ونهج الاستسلام العربي وتدمير البلاد في ربيع صهيون. هؤلاء الذين أساءوا ولازالوا يسيئون لفلسطين وللأمة يفعلون ذلك مقابل حماية عروشهم وكروشهم وقروشهم.. من أجل مستقبل أفضل وأمتن “لاسرائيل” الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين…

وكالات الأنباء العربية والعالمية ذكرت مؤخراً  نقلا عن صحيفة “يديعوت أحرونوت الإسرائيلية” أن مقالة وزير الدولة وسفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة التي نشرها في الصحيفة الجمعة الفائت، والتي دعا فيها “إسرائيل” إلى الامتناع عن الضم المقترب والمخطط له في شهر تموز القادم، لقيت أصداء دولية واسعة. انها ببساطة خدمات مجانية للمشروع الصهيوني.

بعد مشاورات وتوصيات وتدخلات وتعديلات على النص ومضمونه بما يرضي الصهاينة، وافق العيتبة على نصائح المختصين اليهود الصهاينة في امريكا وفي الكيان الصهيوني. فنشر مقالته التي عنونها “إمّا ضم وإمّا تطبيع”: “من مبادراتنا تجاه “إسرائيل” أننا صنّفنا حزب الله منظمة إرهابية وشجبنا تحريض حماس”، ورأى أن “هناك إمكانية ضخمة في علاقات أكثر حرارة بين أبو ظبي وتل أبيب”.

هذه لغة خيانية واضحة ولا تحتاج لترجمة أو لشرح .. هي نفس اللغة التي جعلت من ايران عدوا ومن الكيان الصهيوني صديقا وشقيقا… وهي اللغة التي يمليها الصهاينة على قطعان المستسلمين والمطبعين العرب والمسلمين. وهذه اللغة ليست وليدة اليوم بل منذ ما قبل رفع العلم الصهيوني في دبي سنة 2003.

نعيش في عصر أنظمة تبتكر أحدث أساليب الانحطاط في السقوط والخنوع والخيانة. قادتها يرتضون بيع ضمائرهم وأنفسهم مقابل بقاءهم على عروش من ورق .. لكنهم يجهلون إما يتجاهلون حقيقة مفادها أن الشعوب حين تهب ستنتصر وهي كالنار ستحرق كل من يقف في طريقها.

 

نضال حمد في 15-06-2020