الأرشيففلسطين

استشهاد الشيخ خضر عدنان هل سيقود إلى مرحلة جذرية في الوعي والمقاومة؟!

 رشاد ابوشاور

استشهد الشيخ خضر عدنان القيادي في الجهاد الإسلامي، في فجر يوم  2 أيّار، اليوم السادس والثمانين لإضرابه عن الطعام، ورفضه تناول المدعمات.

في كل مرّة كان يعتقل فيها كان يبلغ سجانيه  ومنذ اللحظة الأولى لاعتقاله بأنه مضرب عن الطعام، لأنه يرفض السجن الإداري التعسفي، السجن الذي لا يعرف فيه السجين لماذا هو مسجون، وكم هي مدّة سجنه، لأنه سجن بلا تهمة محددة يبلّغ بها السجين، وهي قابلة للتمديد ودون تحديد.

في مرّات سجنه السابقة، والتي توجت بالإفراج عنه، كان الشيخ خضر أكثر قوة جسدية، وأكثر شبابا، ولكنه مع التقدم في العمر، وعدم قدرة الجسد على التحمل كما في المرّات السابقة، وبعد 86 يوما من الجوع والمعاناة، وإصراره على مواصلة الإضراب رحل في فجر يوم 2 أيّار، ولعل التوقيت الذي غادرت روحه فيه جسده وصعودها إلى الباري جلّت قدرته فيه معنى خاص به، يكرمه، ويلهم شعبه، ففجر صعود روح الشيخ يبشّر شعب فلسطين بفجره الآتي بالتضحيات حتما، والذي لا حرية ولا تحرير لفلسطين بدون التضحيات الموجعة للشعب الفلسطيني المضحي الصبور الذي لم ولن ينكسر، رغم أنه وحيد في الميدان، ولا شريك له سولا حزب الله، وبعض الدعم من شرفاء الأمة، بمواقفهم المنحازة والمؤيدة في زمن (التطبيع) والتخلّي عن جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني ومن يدعمه ويسلحه ويموله: أمريكا، والمجرمة بريطانيا التي لم تتخل يوما عن دورها الشرير في التآمر على فلسطين وشعبها، وعلى كل قضايا التحرر العربي ( هل ننسى دورها في العدوان الثلاثي على مصر الناصرية عام 1956)..وجرائم أخرى كثيرة.

لقد رفض القضاء الصهيوني، قضاء الاحتلال، الإفراج بكفالة عن الشيخ خضر عدنان مرتين، وقضاته يعرفون أنه في حالة خطر، أي أنهم غطّوا وبرروا جريمة قتله، فهم مثلهم مثل بن كبير ومودريتش، وعتاة الصهاينة الذين أنكروا وينكرون عروبة فلسطين، وشعب فلسطين العريق في أرضه، بل ويعملون على إلغائه، وتغييبه من الوجود، يغطيهم  من تنصلوا من عروبة فلسطين، وفلسطنوها، أي أقلموها، ثم طبّعوا وتخطوا شعب فلسطين ومقاومته، وتركوا الفلسطينيين في الميدان وحدهم، انطلاقا من مصالحهم كحكام لدول لا هوية ولا انتماء لها، حتى وهم يرون ضعف المشروع الصهيوني، وتصارع تجمع الكيان الصهيوني، وبدء تفكك الكيان الصهيوني، وعجزه عن ضمان حاضره ومستقبله، فما بالك بضمان أمن ( دولهم)؟!

ولأننا لسنا متفرجين على قضيتنا وشعبنا، فإننا نفكر ليل نهار بالأسرى، وبمقاومة شعبنا والمعوقات التي تعترض هذه المقاومة، وبالحصار الخانق على شعبنا، وبكل ما يتيح للعدو الصهيوني الاستفراد بأهلنا في داخل فلسطين التاريخية والجغرافية فإننا ونحن نثق بما يختزنه شعبنا من خبرات ثورية، وما راكمه من تجارب تلهم وتحّض وتضئ الطريق الصعب، نرى ونلمس أن شعبنا ما عادت تنطلي عليه أكاذيب (مسيرة السلام)، فالأرض تطوى من تحت الأقدام، والمناطق ج تسرق يوميا ويحرم الفلسطينيون من البناء عليها، ومناطق الأغوار تنهب أرضا وماء، وهو ما يدفع جيل الشباب للمقاومة في منطقة أريحا، وتحديدا في مخيم عقبة جبر أكبر مخيمات الأغوار، فهم يرون أنهم يطوقون ويعزلون ويحاصرون، وهم في منطقة أريحا بوابة فلسطين الشرقية، ويلمسون أن ما يفعله الاحتلال هو وضع وتنفيذ مخططات المعازل الخانقة لفلسطين، ولذا يقاومونه بضراوة. وهكذا تنضم أريحا ومخيماتها لجنين ومخيماتها، ولنابلس ومخيماتها، وللخليل ومخيماتها، وبيت لحم ومخيماتها، وبهذا التكامل تثور الضفّة الفلسطينية، ولثورتها ما بعدها امتدادا، وتحولا في الوعي والخطاب فمع الكيان الصهيوني لا سلام مخادع يسرق الوقت من الفلسطينيين بالتخدير وجرجرتهم بالسير وراء سراب سلام افتضح أمره على امتداد ثلاثة عقود منذ التوقيع في حدائق البيت الأبيض في أيلول 1993، والسير وراء (وسطاء الخداع) الأميركان رعاة الكيان الصهيوني وحّماته ومموليه ومسلحيه وجر المطبعين العرب لمعانقة الصهاينة والتخلي عن عروبة فلسطين وشعب فلسطين الذي يخوض معركة الدفاع عن الأمة كلها على أرض فلسطين. 

قتل الشيخ عدنان، وتركه يموت في السجن، جريمة نتنياهو وحلفائه الصهاينة المتدينين، وهي ليست جديدة، فمن قبل استشهد كثيرون تحت التعذيب في سجون الاحتلال، وتُرك كثيرون ليموتوا دون تلقي العلاج وبإشراف أطباء صهاينة مثلهم مثل قضاة محاكم الاحتلال، وكلهم مجرمون وقتلة، ونحن كفلسطينيين آن أن نرتقي بالوعي الثوري إلى حيث يأخذنا للقول بوضوح: هذا كيان احتلالي مجرم لا سلام معه، فهو يحتل كل أرضنا، ورغم تنازل بعض القادة الفلسطينيين، وتوقيع اتفاقات أوسلو، فإنه مارس الخداع برعاية أمريكية وغربية، وقتل من وقع معه وصافحه (أبوعمار) بالسم، وهو يهدم البيوت، ولا يكف عن نهب الأرض والماء والإقتصاد، ولا يردعه رادع، فلا رأي عام عالمي، ولا قرارات شرعية دولية تهمه، ولن تردعه سوى مقاومة جذرية شاملة في كل فلسطين، ويخوضها كل الفلسطينيين حيثما تواجدوا بكل ما يستطيعون، ومعهم كل المخلصين بغض النظر عن القناعات العقائدية، إسلامية أو قومية عربية أو يسارية.

 آن أن تنتهي حقبة الرهانات السياسية القاصرة النظر التي خسّرت قضيتنا، وأربكت شعبنا، وأدخلت الخلافات بين صفوفنا، وضيعت الكثير من وقتنا في الصراع على السلطة، ومكنت الانتهازيين من التلاعب في الوعي الفلسطيني، وغطّت (خيانات) المطبعين.

لروح الشهيد الشيخ الصلب خضر عدنان الرحمة وجنة الخلود. تضحيته لن تذهب سدى فهو سيسهم في تجديد الوعي وتعميق الصراع مع الكيان الصهيوني، و..لا بُدّ أن يُقرّب بين كل من يؤمنون بأن صراعنا مع الكيان الصهيوني هو صراع وجود لا صراع حدود.