ثقافة وفن

الذكرى 68 لاستشهاد الشاعر المقاوم والفدائي والقائد الشهيد عبد الرحم محمود

بتاريخ 13 / 7 / 1948
بقلم : أكرم عبيد
لاشك أن الأدب الفلسطيني المقاوم كان وما زال له الأثر الكبير في تعريف العالم بقدرة الفلسطيني على الإبداع بعدما شكلت القضية الفلسطينية التحدي الأكبر للأمة بعد أعظم كارثة حلت بالشعب الفلسطيني لم يشهد التاريخ الحديث مثيلا لها في العالم بعدما انتقل من احتلال إلى احتلال بعدما سلم الاحتلال البريطاني بلادنا للاحتلال الصهيوني دون أي فرصة ليلتقط أنفاسه ويقرر مصيره بنفسه .
وقد تميزت هذه المرحلة بإبداع الأديب الفلسطيني الذي كرس إبداعه لعمل وطني يمجد ثورات شعبه وانتفاضاته المتتالية في مواجهة المحتل مفتخرا بتضحياته الجسام من اجل دحر الاحتلال واستعادة كامل حقوقه الوطنية المغتصبة في فلسطين .
وقد اثبتت هذه المرحلة أن الأدب المقاوم كان السمة الأساسية من سمات عصر الثورات ضد الغزاة المستعمرين في مرحلة التحرر الوطني التي أكدت على أهمية العلاقة الجدلية بين الأدب والسياسة وخاصة الشعر الذي لعب دورا تحريضيا مميزا في تحريض الجماهير على الثورة لمواجهة المستعمرين ومقاومتهم بكل الأشكال والوسائل الكفاحية وفي مقدمتها الكفاح الشعبي المسلح
من أهم أدباء هذه المرحلة في فلسطين الأديب والشاعر الكبير إبراهيم طوقان وتلميذه النجيب الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود وزيتونة فلسطين أبو سلمى
أما الشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود فقد امتطى صهوة القلم والبندقية في آن معاً ولفت الأنظار ونال الإعجاب بين أبناء وطنه وأمته وكل أحرار العالم لما قدمه لبلاده من شعر حماسي يزخر بمعاني المقاومة والبطولة والصمود مترجما هذا الشعر لفعل ميداني ليشكل المثل والعبرة والنموذج النضالي الأرقى حين قدم نفسه قرباناً على مذبح الوطن بعد أن اختار الكفاح المسلح الشكل الرئيسي لمقاومة المحتل إلى جانب أشكل النضال الأخرى وفي مقدمتها الكلمة الحرة التي قد تكون في بعض الأحيان بقوة الطلقة الفدائية الشجاعة المصوبة نحو العدو الصهيوني .
ولد الشهيد القائد عبد الرحيم محمود عام 1913 لأسرة فلاحيه فلسطينية مناضلة في بلدة عنبتا قضاء طولكرم في فلسطين تعلم في مدارسها الابتدائية وانتقل إلى مدينة طولكرم لاستكمال دراسته الإعدادية ثم انتقل إلى مدينة نابلس للدراسة الثانوية بمدرسة النجاح الوطنية من عام 1928م حتى 1933م (التي أصبحت فيما بعد جامعة النجاح الوطنية ) وتتلمذ في هذه المدرسة على يد الأستاذ والشاعر والاديب الفلسطيني الكبير إبراهيم طوقان والأستاذ د. محمد فروخ، وأنيس الخولي، وقدري طوقان .
وبعد تخرجه من المدرسة التحق في مدرسة البوليس الفلسطيني لمدة عام ثم استقال من الخدمة رافضا أن يكون تحت أمرة مدير البوليس البريطاني المحتل وعاد إلى مدينة نابلس عام 1933 ليدرس اللغة العربية وآدابها في مدرسة النجاح وبقي معلما في هذه المدرسة حتى انطلاقة الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 التي اسس لها الشهيد القائد عز الدين القسام .
وتميز الشاعر الشهيد بنبوغه الشعري الفطري المبكر في طفولته فأحاطه والده الشيخ عبد الحليم محمود بالرعاية لأنه كان محبا للشعر ذواقا لمعانيه الخلاقة وشجعه على تنمية هذه الموهبة الفطرية التي أبدع فيها وأصبح شاعرا مقاوما من أهم شعراء فلسطين والوطن العربي الكبير .
في 14 آب 1935م زار قرية عنبتا الأمير سعود ولي عهد المملكة العربية السعودية (الملك سعود فيما بعد)، فألقى عبد الرحيم بين يديه قصيدة وكان عمره اثنين وعشرين عامًا قال فيها:
يا ذا الأمير أمام عَيْنِـك شاعرٌ
ضُمَّت على الشَّكوى المريرة أَضْلُعُهْ
المَسجد الأقصى أَجِئْتَ تَزُورُه؟‍
أم جئـت من قِبَلِ الضِّبَـاع تُوَدِّعُهْ؟

وهنا يتضح بُعْدُ نظر الشاعر الشاب ورؤيته الواقعية للظروف العربية شعوبًا وحكامًا.
وبعد اسْتُشْهِاد الشيخ المجاهد عزالدين القسام يوم 20 نوفمبر 1935م أصبح الشيخ القَسَّام مثلاً أعلى للمقاومة وإرهاصًا للثورة التي بدأت بإضراب يوم 20 أبريل 1936م انضم عبد الرحيم محمود لصفوف الثورة كان له الشرف في المشاركة في صفوف كتائب الجهاد المقدس بقيادة المجاهد عبد الرحيم حاج محمد وعَبَّر عن دوره وموقعه المقاوم وعرف عن نفسه في الميدان وقال :
نحن لم نحمل المشاعل للحريق ولكن للهدى والتنوير
نحن لم نحمل السيوف للهدر بل لإحقاق ضائع مهدور
أمتي إن تجر عليك الزعامات فلا تيأسي ذريها وسيري
رتلي سورة السلام على الأرض وغني أنشودة التحرير
كما قال محرضا شعبه على الثورة ومقاومة الغزاة المحتلين
واغصب حقوقك في الحياة قط لا تستجديها
إن الألى سلبوا الحقوق لئام
هذي طريقتك في الحياة فلا تحد
قد سارها من قبلك القسام
كما قال في أروع روائعه
يا أيها الشعب العظيم أجدت للمجد الطلاب
من عاش ما بين الوحوش يكن له ظفر وناب
وكذلك قال :
أتينا الحياة فلي نصيب كما لك أنت في الدنيا نصيب
فلم تعدو وتغصبني حقوقي وتطلب أن يسالمك الغصيب.
ولما خمدت الثورة عام 1939م لم يحتمل البقاء في فلسطين بعد ملاحقته من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي والعصابات الصهيونية فغادر إلى دمشق ومنها إلى العراق وظل ثلاث سنوات عمل خلالها مدرسًا للغة العربية والتحق بالكلية الحربية ببغداد بين عامي 1939 و 1942 وتخرج ضابطًا برتبة الملازم أيام الملك غازي بن فيصل بن الحسين أسهم في ثورة رشيد عالي الكيلاني ضد البريطانيين، وكان له جولات في مجال الأدب مع شعراء العراق الأعلام كالرصافي والجواهري، أما القصائد التي أرسلها فكانت تزخر بحنينه واشتياقه للوطن، وأشهرها :
تلك أوطاني وهذا رسمها
في سويداء فؤادي محتفر
يتراءى لي على بهجتها
حيثما قلبت في الكون النظر
وتعرف أثناء وجوده في العراق على المجاهد القائد عبد القادر الحسيني والقائد الجماهيري فؤاد نصار وتأثر بفكره اليساري الاجتماعي ودعا العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين لتقدم الصفوف في الثورة ومقاومة الغزاة المحتلين البريطانيين والعصابات الصهيونية المستوردة من كل أصقاع العالم وقال
يا أيها الشعب العظيم أجدت للمجد الطلاب
من عاش ما بين الوحوش يكن له ظفر وناب
وعندما هدأت الأوضاع في فلسطين لانشغال إنجلترا بالحرب العالمية الثانية وخمدت نيران الثورة العراقية عاد المقاوم عبد الرحيم خمود إلى فلسطين وعمل مدرساً بمدرسة النجاح الوطنية مرة ثانية في نابلس وواصل مسيرته الكفاحية ضد الزحف الصهيوني وتميزت هذه الأعوام من حياته بغزارة عطائه الشعري وكتب معظم قصائده بين الأعوام 1935 و1948 بين فلسطين والعراق والشام .
وتزوج من ابنة خاله ورزق منها فيما بعد بطفلين وبنت هما الطيب وشقيقه طلال ورقية وبسبب الظروف الصعبة وتضيق الخناق عليه اضطر للخروج إلى بيروت والانضمام إلى جيش الإنقاذ وانتقل إلى سورية لتلقي المزيد من التدريبات ليعود إلى فلسطين بعد صدور قرار التقسيم عام 1947 مقاتلاً صلباً وشارك في معركة بيار عدس في فوج حطين كما شارك في معركة رأس العين وكان مقاتلاً باسلاً وجسوراً وبسبب شجاعته وانضباطه في المعارك التي خاضها في مواجهة العصابات الصهيونية وقطعان الاحتلال البريطاني تم تعينه آمراً للانضباط في مدينة طولكرم ثم نائباً لآمر فوج الناصرة وشارك في الناصرة بمعارك عدة في مواجهة الغزاة والتي توجها في بطولة قل نظيرها في معركة الشجرة بتاريخ 13تموز عام 1948 التي أصيب فيها إصابة قاتلة فاستشهد وقد شيع نفسه قبيل استشهاده في هذه المعركة المشرفة عندما قال لرفاقه المقاتلين :
احملوني احملوني
واحذروا أن تتركوني
وخذوني لا تخافوا
وإذا مت ادفنوني
لقد استشهد الشاعر الشهيد دفاعاً عن الأرض والشعب والحقوق الوطنية في ريعان شبابه وأوج عطائه وتم دفن جثمانه الطاهر في مدينة الناصرة التي أحبها وأحبته
وتميز الشاعر الشهيد في الأعوام الأخيرة من حياته الكريمة بنشاطه على الصعيدين السياسي والادبي حتى استشهاده ومنذ ذلك اليوم تفرد بين أبناء شعبه من الشعراء المبدعين بلقب الشاعر الشهيد بعدما جمع بين الاثنتين وأصبحت قصائده وشعره الوطني نموذجا مميزاً يحتذي به ومدرسة تنهل منها الأجيال المتعاقبة في المدارس والمنتديات والجامعات والمجتمعات المقاومة بعدما ترجم القول إلى فعل ميداني عندما قال في قصيدته المشهور ة بعنوان ” الشهيد “
سأَحْمِلُ رُوحِي عَلَى راحَتِي
وأُلْقِي بها في مَهاوِي الرَّدَى
فإما حياةٌ تَسُـُّر الصَّـديْقَ
وإمَّـا مَمـاتٌ يَغِيْـظُ العِدا
لقد تميز الشهيد المقاوم عبد الرحيم محمود بشعره المقاوم المستند لفكره اليساري ببعد قسامي اسلامي ثوري مقاوم الى جانب القائد عبد القادر الحسيني ليؤكد للأجيال من بعده ان المقاومة بكل اشكالها وفي مقدمتها الكفاح الشعبي المسلح هي الطريق الوحيد لمواجهة المحتلين حتى دحر الغزاة واستعادة فلسطين كل فلسطين وتطهيرها من رجس الغزاة المحتلين .

اترك تعليقاً