الأرشيفثقافة وفن

الشاعر ماهر رجا في ذكرى رحيل شقيقه بسام

صباح اليوم تذكرت أنني أحتفظ بصورة مؤطرة لك مخبأة في مكان ما من البيت، الصورة التي وضعها صديقك محمد آغا بين يدي بعد أيام من رحيلك وهو يحاول أن يتغلب على دموعه. بقيت الصورة في مكانها عامين. كنت أهرب منها ولم أعلق “البرواز” قرب طاولتي خوفاً من أن أعتاد على أنك قد أصبحت صورة الغائب..أنت تعرف كيف أفكر، فلطالما أوحت لي صور الغائبين في البيوت برغبة الناس الدفينة بالنسيان، وكثيراً ما تصبح الصورة شيئاً من الأشياء، كغصن الماضي اليابس، كالملل من نداء الجرح القديم، وكالجدار الصامت الذي علقت عليه فعكس عليها لونه وحياده.
في ظهيرة يوم كهذا اليوم قبل عامين، تحدث إلي بسام، بعد صراع أسبوعين مع المرض، بصوت صاف بلا أثر لتعب أو شحوب أصفر في الكلمات فاطمأن قلبي ولم أنتبه إلى أنه كان يخطو كالسائر في نومه نحو عالم أثيري لا يرى. وبعد بضع ساعات مساء 26 أيلول أغمض عينيه الجميلتين بهدوء للمرة الأخيرة..
قبل تلك اللحظة لم أكن أعرف المعنى الحقيقي لذلك الكائن الشوكي المبهم العينين الذي يدعى الوحدة.. وحيد بدونك وسأبقى كذلك، لكنني أتوقع أن تطرق باب الخاطر في كل لحظة.. دائماً أراك تسير الى جانبي في أوقات الوحشة والغربة القاسية. أتحدث إليك ومعك كأنك لم تذهب وأتخيل ما ستقول لو اخبرتك بأمر او تعب أو طرفة أو أي شيء آخر، وأسمعك تضحك أو تغضب أو أراك تسند وجنتك على يدك وتتأمل بما حولك… وحين أفكر أحياناً بأن الموت ليس مخيفاً كما يتخيله أكثر الناس، تسارع لتظهر لي من نافذة الخاطرة وتهمس محذراً “إياك أن تأتي الآن! .. لست مشتاقاً إليك”.. لكنك تقول العبارة الأخيرة وعلى وجهك كل حنان الدنيا.
عمت مساء يا حبيبي..أو كما كنت تكتب “مساؤك وصباحك بلا غزاة”.. العبارة التي قلت عنها بأنها بالنسبة إليك مثل تعويذة.. رقية وأمنية لحماية الفرح والحب.. أن يأتي الصباح أو المساء بلا غزاة هي عناد الروح والمخيلة أمام القتلة وفي وجه ما يشوه الصورة الرائعة التي ينبغي ان تكون الحياة عليها.
لا أريد أن تقلقك هواجسي هذا المساء.. أريدك أن تنام. لكن كل خاطرة تمر بي تترك لك مقعداً خالياً في ردهتها، فتلتبس علي فكرة الوقت كأنك رحلت يوم أمس!

26-9-2022