صهيونيات

«الشرق الأوسط … عواصف على الطريق»

كتب يعقوب عميدرور في صحيفة «إسرائيل اليوم» العبريّة:

أحداث الاحتجاج في إيران هامة جداً لأنها تشير إلى فشل قيادة إيران في المجال الاقتصادي وإلى أنه في اعقاب هذا الفشل، ينظر مواطنون إيرانيون غير قليلين بغضب إلى الاستثمارات الإيرانية في دول بعيدة كلبنان وسورية، احساسه هو أن هذا يأتي على حسابهم.

من كل التقارير يصعب ان نعرف اذا كان لهذه الاحتجاجات تأثير حقيقي على النشاط الإيراني وعلى مهام الحرس الثوري، ولكن يبدو أن الجواب على ذلك سلبي. كما أن الإشاعات عن إخلاء قوات الحرس الثوري في صالح قمع الاضطرابات في إيران تبدو مبكرة وغير دقيقة، إذ في هذه الايام بالذات يجري قتال حقيقي في منطقة إدلب، بدأ بمبادرة الحكم السوري وحلفائه الروس والإيرانيين.

الاحتجاج، كما يبدو في تقارير وسائل التواصل الاجتماعي كان على ما يبدو تعبيراً عن خيبة أمل الطبقات الوسطى والشباب: فقد جذبت الآلاف ولكن ليس الملايين، أقل بكثير مما كان عشية الثورة في 1979 بل واقل من عدد المتظاهرين في 2009. أما النظام الذي تمكن من التغلب على الموجة التي كانت أعلى بكثير وجارفة قبل ثماني سنوات، طوّر منذئذ ادوات القمع لديه، ويبدو أنه نجح في التغلب على الموجة الحالية.

وجاء بيان الحرس الثوري بأنه انتهت مهامتهم ليكون على ما يبدو مبكراً ومتفائلاً أكثر مما ينبغي. ولكن إذا لم يطرأ تغيير مفاجئ فليس هذا هو الحدث الذي عليه سيسقط النظام.

سؤال مشوق هو هل مثلما قبل تسع سنوات الاضطرابات في إيران هي بداية سياق شرق أوسطي، الاضطرابات في إيران في 2009 كانت مثابة مقدمة للربيع العربي الذي اندلع في تونس. هل احساس خيبة الامل في الدول العربية، والذي هو ليس اقل من احساس الخيبة لدى الشباب الإيراني، سيجد تعبيره في احتجاج شعبي غاضب في الزمن القريب القادم؟

في نظرة إلى الوراء، يكاد يكون بعد عقد من التسونامي الشرق أوسطي، الذي اجتاح الدكتاتوريات التي بدت وكأنها صامدة في وجه رياح التغيير، لا يمكن الا نشعر بخيبة الامل السائدة في المنطقة.

الإيرانيون ليسوا وحيدين، إذ ان الوضع الاقتصادي للمواطنين في مصر لم يصبح افضل بعد سقوط مبارك، وبالتأكيد حياة الليبيين لم تصبح اكثر راحة بعد أن تخلصوا من القذافي، ويمكن التقدير ان معظم سكان سورية ليسوا سعداء اكثر بعد سبع سنوات من الحرب. لم يصبح الشرق الأوسط مكاناً آمناً أكثر للجيل الشاب، ولا حتى في تونس التي بدت للحظة كمكان أجرت فيه الثورة تغييراً مباركاً.

يتبين انه من اجل احداث التغيير، من اجل ان تحظى الاضطرابات ضد الحكم بالفعل وعن حق باللقب الملزم «الربيع»، هناك حاجة لأكثر من جماهير في الميادين وحاكم مطاح به. هناك حاجة لتغيير ثقافي، وهذا هدف اصعب بكثير على التحقيق. هل إيران أو أيّ دولة عربية اصبحت اقل فساداً في اعقاب الثورة؟ يبدو أن لا.

هل في أي من الدول اصبح المجتمع منفتحاً أكثر، والاقتصاد أقل ارتباطاً بالروابط العائلية والصداقات مع الحكام؟ من شبه المؤكد أن لا. باختصار، في افضل الاحوال أدت الثورات إلى تغيير الحكام ـ ولكن ليس إلى تغيير حقيقي، في اسوأ الاحوال استبدلت الدكتاتورية بالفوضى، وليس مؤكداً ما هو الافضل.

الاستنتاج من هذه الامور محزن، ولكن يجدر العمل في ضوئه: فعذابات سكان دول المنطقة لم تنته. وعليه فيمكن التقدير أن العواصف التالية على الطريق، وحتى لو تغلب الحكم عليها وربما حتى منعت اندلاعها، ينبغي الاعتراف في أنه من تحت السطح الوضع متوتر ومن شأنه أن يتفجر.

لا سبيل لأن نعرف ما الذي سيشعل النار. الحكام على وعي بذلك. ولهذا فهم يحاولون تأجيل كل مواجهة، واعداد ادوات افضل كي يكون في وسعهم التصدي للظاهرة التي لم ينجحوا في التصدي لها في العقد الاخير: جموع غاضبة من الناس، مستعدون لأن يضحوا بأرواحهم وأن يسجنوا. وفي مثل هذه المواجهات لا يكفي الجيش، حتى لو أراد، وهو لا يريد دوماً.

في هوامش الأمور يجدر الذكر أنّ كل المتحدثين عن «مظالم الاحتلال» يتجاهلون الاحاسيس السائدة بالتأكيد في أوساط الفلسطينيين، اي ان الاحتلال صعب ولكن حياة اخواننا العرب والمسلمين غير المحتلين أصعب منا بكثير، نحن «المحتلين». يحتمل ان يكون إلى جانب أسباب اخرى هذا هو السبب الذي لا يجعل الانتفاضة الثالثة تندلع: الفلسطينيون، الذين صعب عليهم حقاً، تعلموا أن كل شيء نسبي، بما في ذلك معانياتهم.

البناء