الأرشيفوقفة عز

الشهيدة فاطمة الصغير “غادة” – نضال حمد

في 17-7-1981 أغارت الطائرات الحربية الصهيونية على المقر المركزي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في حي الفاكهاني بالعاصمة اللبنانية بيروت. بالنسبة لحي الفاكهاني فقد كان في الزمن الفلسطيني بالتوقيت الثوري اللبناني يعتبر عاصمة الثورة الفلسطينية في بيروت الغربية. من المعروف أيضاً أن غالبية مقرات ومنازل القيادات الفلسطينية كانت تقع في هذا الحي الذي يقع بالقرب من مخيمي صبرا و شاتيلا والمدينة الرياضية والملعب البلدي والطريق الجديدة وبالقرب من حيي الدنا والسبيل وجسر الكولا. وفيه مبنى الجامعة العربية.

في تلك الغارة الهمجية استشهد عشرات المدنيين والعسكريين الفلسطينيين واللبنانيين ومنهم الرفيقة اللبنانية غادة في جبهة التحرير الفلسطينية، صاحبة القلب العربي الفلسطيني، الذي كان ينبض لفلسطين مثلما كان جنينها في بطنها وحملها يتوق الى المجيء للحياة لأجل فلسطين. الرفيقة الشهيدة فاطمة الصغير – غادة – زوجة الرفيق المناضل نجيب الحلبي، الكادر المتقدم آنذاك في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية بزعامة الرفيق القائد الراحل طلعت يعقوب الأمين العام للجبهة.

غادة الشهيدة التي كانت تنتظر وضع جنينها في وقت لاحق لم تكن تدري أنه يومها الأخير في حياة قصيرة تكللت بالعطاء والنضال. في ذلك الوقت كنا في خضم الصراع مع العدو الصهيوني وفي آتون حرب عنيفة جداً عرفت بإسم حرب الجسور، قام خلالها الطيران الصهيوني بقصف الجسور في كل لبنان العربي المتحرر من سيطرة عصابات بشير الجميل الفاشية الارهابية العنصرية. حرب الجسور تلك صيف سنة 1981 كانت تمهيداً لغوز صيف سنة 1982.

ربما أن الرفيقة غادة ماكانت تدرك أن يوم السابع عشر من تموز هو يومها الأخير وهو أيضاً اليوم الأول في حياة طفلتها “فاطمة فلسطين” التي ولدت قبل نياعد ولادتها، وفي نفس اللحظة التي استشهدت فيها أمها. إذ لم تكن غادة في مستشفى توليد ولا احتاجت لطبيب أو قابلة قانونية لاجراء عملية الولادة. لقد ولدت فاطمة بفعل شظايا الصاروخ الصهيوني الذي مزق جسد والدتها غادة، فشقت الشظايا بطنها وقذفت بفاطمة خارجه مصابة بجراح، حيث كانت الدماء تسيل من قدمها المهشمة. لقد استشهدت غادة التي كانت حاملاً وفي فترة متقدمة من حملها متأثرة بما أصابها من جراح وشظايا مزقت جسدها وقذفت بجنينها خارج بطنها. استشهدت غادة لتحيا فاطمة لبنان الفلسطينية ولتحيا معها فلسطين.

عقب انتهاء الغارات الصهيونية على العمارات السكنية في الفاكهاني دخلت فرق الاسعاف التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني والصليب الأحمر اللبناني الى المباني المقصوفة، لإنتشال جثث الشهداء ولإنقاذ المصابين والمصابات بجراح. كانت غادة من بين الجريحات والشهيدات العالقات في أحد طوابق العمارة. لقد كان من المستحيل الوصول اليها لأن الدرج كان مدمراً. فيما هي كانت على ما يبدو تعرضت لاصابات خطيرة شوهت جسدها وشقت بطنها وقذفت بجنينها الى جانبها. كانت بين الركام والأنقاض، فيما كانت المولودة الصغيرة تصرخ بجوار جثمان والدتها، فهي أيضاً كانت جريحة. في الختام تمكن المسعفون من انقاذ الطفلة وايصالها الى أحد المستشفيات البيروتية.

أثر استشهاد غادة على رفيقها وزوجها وعلى رفاقها ورفيقاتها في جبهة التحرير الفلسطينية خاصة انه كان استشهاداً مميزاً، إذ فقدنا غادة واستقبلنا طفلتها فاطمة تحت الأنقاض وفي جحيم الغارات الصهيونية التي استهدفت الشعبين الفلسطيني واللبناني في الفاكهاني. فأستشهدت غادة اللبنانية الفلسطينية وولدت فاطمة الفلسطينية اللبنانية.

طلعت يعقوب Talaat Yacoub

عندما علم الراحل أبو عمار رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح والقائد العام للثورة الفلسطينية آنذاك بخبر ولادة فاطمة واستشهاد غادة، توجه الى المستشفى حيث كانت الطفلة فاطمة زارها وعادها وأطلق عليها اسم “فاطمة فلسطين”. أذكر تلك الزيارة ومادار فيها وذلك اليوم الحزين حيث كنا هناك أيضاً برفقة القائد الشهيد طلعت يعقوب أمين عام جبهة التحرير الفلسطينية. ففي ذلك اليوم سقط مئات الشهداء والجرحى من المدنيين والعسكريين في الغارات المذكورة. في لحظة حدوث الغارات واستشهاد غادة كانت لديها أيضا إبنة  طفلة لا أذكر كم كانت تبلغ من العمر ونسيت اسمها، لكن لحسن الحظ فإنها في تلك الساعة كانت مع خالتها خارج البيت وهكذا نجت من الغارة الصهيونية. كذلك الرفيق نجيب الحلبي الذي لم يكن يومها متواجداً في المنزل ربما كان في مكان عمله في مقر قيادة اقليم لبنان للجبهة بالقرب من الملعب البلدي وغير بعيد عن مكان الغارة واستشهاد غادة وولادة فاطمة.

ستبقى الشهيدة فاطمة الصغير – غادة – وابنتها فاطمة عنواناً للنضال ضد ارهاب العصابات الصهيونية وكيانها اللقيط في فلسطين المحتلة. وسنبقى على العهد أوفياء للشهيدة ولكل شهداء قضيتنا وشعبنا وأمتنا.

نضال حمد

18-4-2021