وقفة عز

باريس على خطى فيينا

نضال حمد

الأولى كرمت هرتسل والثانية تكرم ” بن غريون ” صاحبا نظرية التطهير العرقي في فلسطين المحتلة

في خبر مر سريعا عبر وكالات الأنباء قال رئيس بلدية باريس برتران ديلانويه أن البلدية الفرنسية ستطلق اسم الشاعر الفلسطيني الكبير الراحل محمود درويش على احدى ساحاتها، وهي ساحة اعتاد الراحل أن يتردد عليها كلما حضر الى باريس. وتقع تلك الساحة في الدائرة السادسة من العاصمة الفرنسية. الى هنا كل شيء اعتيادي وجميل، لكن الخبر الأكثر سوءا جاء مكملا لتصريحات رئيس بلدية باريس، حيث أنه سيتم في العاصمة الفرنسية كذلك تدشين حديقة باسم “بن غوريون” وذلك في الرابع عشر من نيسان / ابريل الجاري، على نهر السان، وبحضور رمز صهيوني آخر يذكرنا حضوره بالدماء العربية والفلسطينية التي سفكت في فلسطين المحتلة وفي لبنان العربي، بالذات مجزرة قانا الأولى الشهيرة سنة 1996 . وهذا الشخص هو أحد أنجب تلاميذ بن غريون وأكثرهم وفاءا لنظرياته العنصرية ضد الفلسطينيين .. انه شيمون بيريز صاحب فكرة المشروع النووي “الاسرائيلي” ومشروع الشرق الأوسط الجديد ، الذي يغوص الآن في بحاره سلام فياض رئيس وزراء سلطة رام الله.

مشروع تدشين تلك الحديقة اثار حفيظة قوى التضامن الفرنسية مع الشعب الفلسطيني، وكذلك الحزب الشيوعي الفرنسي، الذي أعرب عن ذهوله .. يحق للشيوعيين والمتضامنين الفرنسيين أن يذهلوا من هذا الجنون الفرنسي، متمثلاً بإستهتار كبير بمشاعر ملايين الفلسطينيين والعرب، الذين وقعوا ولازالوا يقعون ضحايا نظريات بن غريون العنصرية الاستعلائية الصهيونية. فهو بلا أدنى شك مسؤول شخصياً عن نكبة الشعب الفلسطيني سنة 1948 وعن مئات المجازر والمذابح الكبيرة والمتوسطة والصغيرة الحجم، التي حدثت في فلسطين المحتلة إبان حملة التطهير العرقي، التي قامت بها العصابات الصهيونية المسلحة ضد الشعب الفلسطيني الأعزل في مدنه وبلداته وقراه. ونتيجة لسياسة بن غريون وحركته الصهيونية الغريبة عن كل الشرق الأوسط ، القادمة من وراء البحار والمحيطات.

تم احتلال كل فلسطين التاريخية وانشاء ما يسمى كيان (اسرائيل) على أنقاض كل المدن والبلدات والقرى الفلسطينية. أما التي بقيت سالمة فقد سيطر عليها المهاجرون اليهود وأحتلوها وسطوا على كل شيء كان فيها. فيما قتل وجرح وشرد نحو مليون فلسطيني.

ليست بلدية باريس هي الأولى التي تكرم رموز الحركة الصهيونية العالمية مثل ثيودور هرتسل و بن غريون .. فقد سبقتها قبل عدة سنوات الى ذلك بلدية فيينا العاصمة النمساوية، التي افتتحت في وسط العاصمة وبالقرب من القنصلية الأمريكية ميدان لتخليد ذكرى هرتسل، واضع نظرية ابادة شعب ووضع شعب آخر مكانه .. الأب الروحي لقتلة أطفال ونساء وعجزة شعب فلسطين.. زعيم الذين يحتلون بلد الشعب الفلسطيني بعدما قاموا بتطهيره عرقياً. فمدينة “هرتسليا” اليهودية في فلسطين المحتلة مقامة على أنقاض بلدة فلسطينية تم تهجير سكانها الفلسطينيين وتشريدهم منها واحلال يهود أوروبيين مكانهم، وهي نسبة لإسم هرتسل الذي كرمته وخلدته سلطات وبلدية فيينا.

يوم افتتاح الميدان في فيينا جرت تظاهرات مناوئة لذلك لكن السلطات النمساوية وبالذات بلدية باريس وحزبها الاشتراكي، يقومون بعمل كل ما يخدم الصهيونية العالمية وصنيعتها المحلية “اسرائيل”.  فتدفع وتسدد بلدية فيينا سنوياً نفقات مهرجانات يهودية وصهيونية دعائية ضخمة تجري على ضفاف نهر الدانوب في العاصمة الشهيرة والجميلة. فتصرف مبالغ بالملايين لتغطية ذلك .. في المقابل  يستلم العرب ومعهم المسلمين والفلسطينيين فتات أو لا شيء يستحق الذكر .. لأنهم ضعفاء الحضور والتنظيم وتنقصهم الحنكة كما الخبرة والوحدة والتنظيم السليم والبرنامج الواضح. بينما لليهود وجود تاريخي منظم في النمسا كما في كل أوروبا.

 أي زائر يمر قرب القنصلية الأمريكية في فيينا سوف يرى نصباً يرتفع هناك حيث كتب عليه باللغة الألمانية نصب ثيو دور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية العالمية. يوجد هذا النصب للأسف وبالرغم من أن الصهيونية صنفت في الأمم المتحدة شكل من أشكال العنصرية. لكن نتيجة الضغط الأمريكي والتواطؤ الأوروبي والغربي والضعف العربي قامت الأمم المتحدة قبل عدة سنوات بالغاء هذا القرار الأممي.

في الوقت الذي تقيم فيه عواصم أوروبية ميادين وحدائق لقادة الفكر الصهيوني العنصري الاستئصالي الاحلالي، نجد أن سلطة رام الله الفلسطينية تعجز عن فتح ميدان بإسم الشهيدة الفلسطينية المناضلة الكبيرة دلال المغربي، رمز الفدائيات الفلسطينيات وجيل التحرير … بنفس الوقت نجد فتح وسلطتها أضعف من أن يرفعوا لوحة فوق شارع ويقولون انه شارع دلال المغربي. فقد أجبرهم الاحتلال على التراجع عن افتتاح الميدان الذي يحمل اسم واحدة من أنجب بنات فلسطين. لم يكتف الاحتلال بذلك فقد أصدرت حكومته وبالذات مكتب رئيس وزراءها نتنياهو يوم الثامن من أبريل – نيسان الجاري  بيانا أعلنت فيه رفضها افتتاح شارع في بلدة البيرة قرب رام الله المحتلة يحمل اسم الشيهد الكبير يحيى عياش، مهندس العمليات الاستشهادية الحمساوية، الذي اغتالته المخابرات (الاسرائيلية) في غزة سنة 1996 .

جدير بالذكر أن مجلس بلدية البيرة يتألف من 6 أعضاء للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين و6 اعضاء لفتح و3 لحماس. وجاء قرار التسمية تخليداً لذكرى أبطال شعب فلسطين المقاوم. لكن الاحتلال برفضه ذلك يريد أن يوجه رسالة للفلسطينيين مفادها أننا نحن من يقرر أي شيء تريدون القيام به، فأنتم لازلتم وستبقون رهائن لدى الاحتلال. فلا تظنوا أن لكم سلطة أو دولة أو استقلال .. ليس لكم أي شيء من هذا أو ذاك.

بين باريس وفيينا وفلسطين المحتلة يبقى أن نستعد لجولات جديدة من الصراع الاعلامي والثقافي والسياسي والأمني والكفاحي .. فلا تتغير نظرة العالم للضعيف إذا ظل ضعيفاً .. ولا تتبدل إلا إذا فرض هذا الضعيف ايقاعه المقاوم على الأقوياء. هؤلاء الذين لا يحترمون الضعفاء .. فطريق تغيير السياسة الأوروبية في التعاطي مع القضية الفلسطينية تمر عبر العواصم العربية، لأن وقف التطبيع العربي مع الاحتلال الصهيوني أمر لا بد من تحقيقه. ومنع توجه العرب الى فلسطين المحتلة أمر يجب العمل من أجل تحقيقه، كما أن لجم وردع الجهات والشخصيات الفلسطينية التي تقوم بتوجيه الدعوات للعرب سواء الرياضية أو الثقافية أو الدينية، مثل حضور منتخب البحرين الى القدس للعب مباراة ودية مع منتخب فلسطين، أو قدوم الشيخ السعودي “العريفي” لاعداد حلقة من حلقات برنامجه “اقرأ ” من القدس مباشرة .. كل هذا تطبيع بتطبيع .. يجب وقفه وردعه بكل الطرق الممكنة ..

 على أية حال هذا الزحف التطبيعي العربي المعيب والجبان لا بد سيشجع باريس وفيينا وكل العواصم الغربية على القيام بافتتاح حدائق وميادين جديدة تخلد قادة الحركة الصهيونية. وعلى القارئ أن لا يستغرب إذا ماقامت أي دولة عربية بنفس الشيء. فالذين استحوا ماتوا كما يقول المثل العربي.

* مدير موقع الصفصاف

www.safsaf.org

04/2010

نشرت في صحيفة القدس العربي، صفحة مدارات، عدد الجمعة 09/04/2010