الأرشيفوقفة عز

بسام باقٍ في القلب فهو مثل الشمس والقمر إن غابا هنا سرعان ما يظهران هناك.

تكريما للاعلامي الفلسطيني الكبير، الصديق الحبيب، الر احل الدكتور بسام رجا أقيمت يوم أمس في دمشق ندوة تكريمية حضرها جمهور من المثقفين والاعلاميين والمهتمين.
بسام باقٍ في القلب فهو مثل الشمس والقمر إن غابا هنا سرعان ما يظهران هناك.
بسام رجا فارس الكلمة وحارس الثوابت – بقلم نضال حمد
صباحكم ومساؤكم بلا غزاة هكذا أصبحكم اليوم، مثلما كان المثقف الفلسطيني النبيل بسام رجا يردد يوميا “صباحكم بلا غزاة، مساؤكم بلا غُزاة”.. شعار اختاره الاعلامي والأديب الراحل الدكتور بسام رجا ليفتتح وينهي فيه تغريداته اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي.
اليوم ونحن نودع فارس الكلمة وحارس الثوابت نردد شعاره “صباحكم ومساؤكم بلا غُزاة”.. وليكن بلا عملاء وأعوان للغزاة. بلا محايدين وبلا مطبعين وبلا مستسلمين وعراة في زمنٍ عرّى فيه ترامب ونتنياهو كل الصغار من حكام البلاد العربية.
“مساؤك بلا غُزاة”..
يا بسام الجميل مساؤك بلا قرفٍ تطبيعيّ عربيّ وبلا هبلٍ وتراجعٍ فلسطيني.
مساؤك بلا غُزاة وبلا خَونة وبلا مُنافقين .. مساؤك مع الشهداء والأوفياء والصادقين، هناك في العالم الآخر… ربما الأجمل.
يوم الاثنين الثامن والعشرون من أيلول 2020 وهو أيضا نفس اليوم الذي رحل فيه زعيمنا العربي الخالد جمال عبد الناصر سنة 1970، دفن من تربى قومياً ووطنياً وثورياً على نهج ناصر القومي العربي. دفن بسام رجا في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك قرب دمشق.
الدكتور بسام رجا كان الابن البار للمخيمات، خزانات ومنابع الفدائيين ومعاقلهم وقلاع نضالهم حتى التحرير والعودة. كان أيضاً محامياً وفياً عن مخيم اليرموك ومحامياً عروبياً قومياً عن سوريا العربية وجيشها العربيّ الأبيّ، الذي صمد وحرر غالبية الأراضي السورية ورد هجمات الارهاب العالمي المنظم وسوف ينهي على ما تبقى منها في البلاد.
بسام العاشق لسوريا كما عشقه لفلسطين قال منتقدا من قلب دمشق ومن على شاشة التلفزيون الرسمي السوري الذي كان يبث البرنامج مباشرة… قال كلاماً واضحاً عما كان البعض (الرسمي في بلدية العاصمة دمشق) يعده ويحيكه لإزالة بعض أحياء المخيم، التي دمرتها المعارك. ووجه رسالته مباشرة وعبر الاثير الى الرئيس السوري الصامد الصابر بشار الأسد. فأتت رسالته أتوها وتوقفت أعمال البلدية. لقد قال الاعلامي الفدائي بسام رجا ما عجزت قوى وقيادات عن قوله. لكنه قال ذلك من منطلق الحرص على سوريا وفلسطين. قال كلامه بشجاعة فارس عربيّ فلسطينيّ ينتمي لبلاد الشام ولجنوبها الفلسطيني.
يا صديقي بسام
لقد تركت خلفك إرثاً مشرفاً من العمل الميداني الاعلامي والأعمال الأدبية والثقافية. عرفتك الميادين الاعلامية وساحات العمل الاعلامي صحافيا واعلاميا ومحاورا وسياسيا محللاً وناقداً ومثوراً. شاهدناك على مر السنوات العشر الأخيرة على الفضائيات ومنها فضائية الميادين. كنت تنطق بالحق في زمن النفاق والكذب والدجل وغسل العقول والأدمغة وشراء الضمائر والذمم.
كنت رفيقاً لي في زمن الدراسة والجامعة في أوروبا.. كنت رفيقاً وأخاً، نضالاً ومخيمات ومنفى وعودة وثقافة مقاومة. كنت رفيق المعسكر والمخيم والقلم والكلمة والنضال الطويل. واللقاءات الودية والجميلة التي كانت تجمعنا في مخيم اليرموك ودمشق، في أحياءها ومقاهيها ومراكزها ونواديها ومؤسساتها الثقافية والاعلامية. فلا زيارة لي الى الشام تمت دون أن نلتقي تقريبا يوميا.
خلال تلك اللقاءات الكثيرة كان بسام شديد الحرص على إعادة الحياة لتجربته البولندية وللغته البولندية التي كان لازال يحافط عليها بالرغم من مرور عشرات السنين على مغادرته بولندا.
أخبرني عن سر ذلك إذ باح لي ذات ليلٍ في مخيم اليرموك أنه يشاهد البرامج البولندية التلفزيونية ويقرأ المواقع الالكترونية البولندية ويستمع للأغاني البولندية. فأنا أعرف بأنه كان عاشقاً لأغاني الفنان والشاعر البولندي الراحل “غريخوتا”. وأجزم يا أبن قرية “إجزم” قضاء حيفا في فلسطين المحتلة، أنك كنت صاحب ذوقٍ شاعريّ وموسيقيّ. فالفنان الراحل “غريخوتا” كان شاعراً مرهفاً وفنانا كبيراً ومغنياً صاحب صوت جميل وموسيقى عذبة.
أنشد لك الآن مع غريخوتا أغنية الفصول الأربعة:
“اليوم صباحا فجأة قرعت بابي
أبكر مما توقعت هلّت الأيام الدافئة
نزعت عنها المعطف البارد ووضعته مقابلي
فاحت منه رائحة أضاءت الربيع،
هذا أنت،
الربيع، الربيع، الربيع هذا أنت…”
الراحل الدكتور بسام رجا درس الاعلام والصحافة في جامعة مدينة لوبلين البولندية وأكمل من هناك تخرجه ثم حصوله على شهادة الدكتوراة في الاعلام والصحافة من جامعة ماري كوري سكودوفسكي. بعد ذلك عاد الى سوريا ومخيم اليرموك ليواصل رحلة الحياة مقاومة وتعبئة قومية وتثوير للأجيال الشابة.
عرفناه اعلاميا ومحاورا بارزا من خلال العديد من البرامج الأساسية والإذاعية في سوريا وأولها برنامجه الشهير “عين الحقيقة” من “راديو القدس” في الشام. كنت ظهرت معه مرات كثيرة في هذا البرنامج سواء مباشرة من دمشق أو عبر الهاتف من أوسلو وأوروبا.
كتب ونشر بسام مقالاته في عدد من الصحف العربية وكان في السنوات الأخيرة يكتب باستمرار في موقع فضائية الميادين. كما كان كتب ونشر في موقع الصفصاف الالكتروني، الذي فتح أبوابه لبسام منذ بداياته الأولى قبل أكثر من عشرين عاماً. فبسام ظل حتى وفاته قامة من قامات مشروع الصفصاف التثويري التنويري الملتزم بثقافة المقاومة.
لقد رحل جسد بسام في الشام لكن روحه بقيت محلقة في سماء سوريا وفلسطين. لأنه كان ابنا باراً لفلسطين كل فلسطين. وكما تعلمون فإنه جغرافياً وقبل سايكس وبيكو كانت فلسطين جنوب سوريا الطبيعية التاريخية.
أنشد لك الآن مع غريخوتا أغنية الفصول الأربعة:
“من أشعتك الساخنة احترقت أوراق الشجر
من الاخضرار الى الاحمرار دار أسد يشبه الحلم
سحابة صغيرة فوق جبهتها
دمعة صغيرة مالحة الطعم
أصبح خريف غامق رمادي ..
آه هذا هو الخريف
الخريف، الخريف هذا أنت.”.
في أول أسبوع خريفي هذا العام مضى بسام رجا الى حيث لا عودة.
مضى الاعلامي الشجاع رفيق الدرب والقلب.
الصادقون لا يموتون يا بسام.
وداعا صديقي … وأعيدها بلغة البلاد التي جمعتنا في المنفى والدراسة الجامعية وكليات الصحافة والاعلام والعلوم السياسية، الاجتماعية قبل أكثر من ٣٠ سنة: “جيغناي بشياشِلو” Żegnaj przyjacielu
نشر يوم 29-11-2020 وكتبه نضال حمد في 30-09-2020