وقفة عز

بين غولدستون اليهودي وبعض الفلسطينيين

نضال حمد

قال لي أحد أصدقاء شعبنا

الويل لشعب فلسطين من السلطة الفلسطينية وجماعتها من مغتصبي القرار الوطني الفلسطيني ومختطفي منظمة التحرير الفلسطينية، التي من المفترض بها أن تكون كما كانت سابقاً البيت الجامع للفلسطينيين بكل أنواعهم وأشكالهم السياسية والعقائدية والفكرية ..

قلت له: والويل لهذه المجموعة من غضب شعب فلسطين لأنها تتكون من قادة مصادفة، وفقدت الحياء ولم تعد تخجل من القيام بأي عمل حتى لو كان ضد مصلحة شعبها وفي مصلحة الأعداء.

 لم تتصرف السلطة كما تصرفت مع تقرير غولدستون إلا لأنها أصبحت تشعر أن لا أحد من الفصائل الفلسطينية فكر أو يفكر، وحاول أو يحاول محاسبتها بجدية ومعاقبتها بشكل يليق بشعب فلسطين، الذي عاقب على مر سنوات نضاله الطويل مجموعة كبيرة من العملاء والخونة والجواسيس الصغار والكبار. ومن هؤلاء العملاء والخونة من قامت نفس تلك القيادة التي تختطف وتهيمن على المؤسسات الشرعية الفلسطينية بنعيه شهيداً وتقديمه من قادة العمل الوطني في فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية. أذكر أنه بعد إعدام أحد العملاء الكبار في فلسطين المحتلة شاهدنا بعد أيام على غلاف أحدث أعداد مجلة (فلسطين الثورة) الناطقة باسم فتح صورة كبيرة للعميل المقتول من قبل المقاومة، ونعيا باسم منظمة التحرير الفلسطينية. في تلك الفترة قال بعض الفلسطينيين أنهم مجرمون، يسيطرون على مقدرات الثورة والشعب… ثم سألوا وتساءلوا: كيف يمكن للشعب الفلسطيني الخلاص منهم ومن مدرستهم الفاسدة المفسدة؟؟ ..

للأسف الشديد مضت السنون وبدلاً من التخلص منهم تم التخلص من الشرفاء والأبطال والثوار الحقيقيين لتصبح الساحة الفلسطينية خالية لأشباه القادة والرجال. فقاد هؤلاء القطار ومضوا به الى مهاوي الردى، فأردوا الصديق والشقيق فيما جهدوا لأجل صيانة وحماية حياة وأمن الأعداء ..

*

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لكلِّ دين خُلُق، وخُلُق الاسلام الحياء) ..

وقال أيضاً: ( الحياء لا يأتي إلا بخير) .. من الجامع الصغير للسيوطي ..

غولدستون القاضي اليهودي الجنوب افريقي الذي يحب “اسرائيل” كما يقول ويعمل كي يحميها .. لم يسمح له حياؤه الانساني أن يقبل بتمرير جرائم حرب ارتكبتها “اسرائيل” ضد الانسانية في قطاع غزة .. فجاء تقريره ليقول أنها ارتكبت جرائم ضد الانسانية .. وأنه لا بد من محاسبة المجرمين. سافر التقرير إلى مجلس حقوق الانسان العالمي، وهناك كانت المفاحئة التي هزت فلسطين وبلاد الشرق والغرب وكل العالم. حين وقف شخص اسمه ابراهيم خريشة و صفته “سفير فلسطين أو الأصح سلطة عباس”… وقف السفير الذي تربى في مدرسة الاستسلام والفساد والذي بالتأكيد بلا انتماء وطني،  وبدون حياء ليطلب بإسم فلسطين (الضحيّة) تأجيل دراسة التقرير لمدة ستة أشهر .. أوقفه دفاعاً عن المجرمين والقتلة .. تصرف السفير خريشة كخادم مطيع لأسياده في السلطة والاحتلال … فهل هذا الانسان الذي بلا حياء، والذي يعمل سفيراً لرأس سلطة هو أيضاً بلا حياء، وبلا ضمير، وبلا مسؤولية حقيقية.  إذ يتضح من تصرفه الخياني أنه ليس أكثر من سفير تابع لموظف لدى الاحتلال برتبة رئيس سلطة.

*

الحياء جامع لفصال الخير كلها في نفس الانسان ومانع من معاقرة خصال الشَّرّ كلها ..

إذا أردنا تطبيق هذه النظرية على قيادة السلطة الأوسلوية ومنظمة التحرير الفلسطينية سوف نجد أنها لا تنطبق عليهم للأسباب التالية :

أقدموا على مغامرة أوسلو التي جلبت الويلات والمآسي والدمار على الشعب والقضية كل ذلك دونما الرجوع الى رأي الشعب الفلسطيني. وبعد سنوات عجاف من المغامرة التي جاءت بالجدار والمزيد من المستوطنات والحواجز والحصارات والاجتياحات، وكذلك المزيد من التبعية والتنسيق الأمني والانقسام والانفصال والتخلي عن العمق العربي، وبمزيد من الأسرى والمعتقلين، وبمئات الجرائم ضد الانسانية، وبالاغتيالات المنظمة والمنسقة في جزء منها مع أمن السلطة.. بعدما ارتهنوا ورهنوا حياة الشعب والمواقف في المسائل المصيرية بأموال الولايات المتحدة الأمريكية والدول المانحة.. وبعدما ساهموا وتاجروا وقبلوا بافشال مهام اللجان الدولية التي تقصت عن جرائم الحرب الصهيونية ضد الانسانية في فلسطين. وعن قرارات دولية ومصيرية هامة مثل قرار محكمة لاهاي بحق الجدار العازل المقام على الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية. وكذلك لم يقوموا بواجبهم الوطني اتجاه ما يجري من تهويد وقمع وحصار للقدس المحتلة. وأربكوا ولازالوا يربكون عمل المناصرين والمتضامنين مع الشعب الفلسطيني في كل العالم. كما أنهم دمروا منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وأختطفوا ما تبقى منها ليمارسوا عملية سطو سياسي وتنظيمي على قرار الشعب الفلسطيني. ووقفوا عائقاً أمام أي وحدة وطنية حقيقية من خلال التزامهم بما حددته الصهيونية العالمية والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول العربية المستسلمة من شروط للتعامل مع الأطر الوطنية الفلسطينية المنتخبة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ممثلة بفوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية. ثم ساهموا مساهمة فعالة في حصار قطاع غزة. وبعد ذلك ساهموا معنوياً واعلامياً وأمنيا و سياسياً في العدوان الأخير الذي تعرض له الشعب الفلسطيني المحاصر في القطاع. فتصريحاتهم قبل وأثناء وبعد العدوان على غزة تشهد على ذلك.

ثم تدميرهم لحركة فتح وتحويلها من حركة وطنية ثورية رائدة وفاعلة الى حركة سلطة مهمتها حماية وجود موظفي الاحتلال في السلطة الفلسطينية. هذه السلطة التي تغلبت في خنوعها وتنسيقها مع الاحتلال على كافة الأطر العميلة السابقة مثل (روابط القرى) وغيرها … كذلك دعوتهم لعقد جلسة غير قانونية للمجلس الوطني الفلسطيني الذي أكل عليه الدهر وشرب. بغية إضافة أعضاء من قافلة أوسلو للجنة التنفيذية فاقدة الصلاحية والشرعية. حتى يتمكنوا في المستقبل القريب من التجديد لرئيس السلطة الذي لم يعد رئيساً منذ انتهت فترة رئاسته.

كما أنهم عطلوا الحوار الوطني الفلسطيني وجعلوه حواراً بينهم في المرآة ثم مع حركة حماس متجاهلين الآخرين بغض النظر عن مدى قوة هؤلاء وتأثيرهم في الساحة الفلسطينية والقرار الفلسطيني. لا يجب أن يغب عن البال شقهم لكافة الفصائل الفلسطينية بلا استثناء، واعتقالهم لقادة وكوادر بعض تلك الفصائل وتسليم بعضهم للاحتلال. وكذلك حمايتهم ورعايتهم لجولات أمنية استطلاعية يقوم بها قادة أمن الاحتلال في الضفة الغربية كما حصل مؤخراً في جولة يت لحم.

الأهم الآن جريمتهم الكبرى التي لا يمكن أن تغتفر وهي قيام سفير السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية في جنيف ابراهيم خريشة بايعاز  من رئيسه عباس الطلب من مؤتمر مجلس حقوق الانسان العالمي عدم مناقشة تقرير لجنة غولدستون., هذا التقرير الذي اتهم الكيان الصهيوني بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية اثناء عدوانه الأخير على قطاع غزة.

سفير سلطة أوسلو ومنظمتها لم يتصرف من تلقاء نفسه فقد أكدت كافة الأخبار والتقارير ومصادر رسمية عربية وفلسطينية واسلامية أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس هو الذي أوعز لسفيره القيام بمثل هذا العمل الخطير والشنيع.

إن امتثال السفير لطلب عباس يؤكد ما كنا مراراً تحدثنا عنه أن سفراء المنظمة والسلطة في كل العالم لا يمثلون شعب فلسطين. وبهذه المناسبة نقول أنه أصبح الآن من المناسب والمُلِح أكثر من أي وقت مضى تعزيز مبدأ مقاطعة السفارات والمكاتب الفلسطينية في العالم . وعزلها وعدم الاعتراف بها جماهيرياً، وإن دعت الحاجة السيطرة عليها سلمياً من قبل أبناء الشعب الفلسطيني. وفرض قرار ورأي الشعب على السلطة والمنظمة لكي يتم اختيار السفير أو الممثل المناسب لفلسطين في تلك السفارات والمكاتب، ووفق التصور الجماهيري والجاليوي، الذي يعرف البلاد أكثر من الذين يقومون بتعيين السفراء حسب الواسطة والمحسوبية ونسبة القربى و علاقة الصداقة، وطبيعة الولاء والاستزلام . . . فرأي الجماهير والجاليات هو الذي ييجب أن يُسمع ويُحترم ويكون عاملاً مساعداً في تحديد طبيعة السفير والسفارة في كل البلاد. إذ لا يمكن أن تكون السفارات ناطقة باسم الشعب وقت التنازل والمؤامرات والردة بينما لا يراها الشعب وقت الأزمات والشدة، وفي الساعات الحالكة. في حين نجد أن سفارات الاحتلال الصهيوني تعمل كخلايا النحل بلا تعب وبلا ملل.

 *

الحياء المفقود لدى قادة السلطة والمنظمة وفتح نجده كذلك هنا في افعالهم واقوالهم

أبو مازن :

القرار أتخذ بالتفاهم مع الدول العربية ..

وقال أيضاً :

 إن فلسطين ليست عضواً في مجلس حقوق الانسان ..

محمد دحلان الذي اتضح اليوم أنه التقى سراً برفقة مسؤول “اسرائيليي ” رفيع “ديسكين” مع رئيس السلطة محمود عباس في رام الله نفس يوم التصويت، كان قبل أيام نفى عبر قناة العربية علمه واللجنة المركزية لفتح بقرار التأجيل ..

صائب عريقات :

ينفي من واشنطن ” حيث يتابع حياته مفاوضات ” أي توجه لدى السلطة لسحب تقرير غولدستون ويؤكد أن فلسطين عضو مراقب في مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة ..

ابراهيم خريشة :

 الجانب الفلسطيني لم يطلب التأجيل على القرار!

نمر حماد :

في رده على تصريح أوغلو أمين عام المؤتمر الاسلامي حول قرار السلطة تأجيل عرض تقرير غولدستون في مجلس حقوق الانسان قال لقناة الجزيرة نشرة السبت  :

أوغلو لا يعرف الحقيقة

الحقيقة أن نمر حماد يعرف الحقيقة لذا يقول أن أوغلو لا يعرفها .. ولدى حماد حقائق كثيرة لأنه جزء من نهج أوسلو العدمي، الاستسلامي المتآمر على قضية الشعب الفلسطيني.  ..

*

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُثني على من عرف بالحياء وتميَّز به من أصحابه ثناء الحاضَّ على الاقتداء بهذا الخلق المرغّب فيه ..

والآن نقول لقادة فتح والمنظمة والسلطة وبالذات للذين عرفنا في بعضهم الحياء الذي لا يأتي إلا بالخير ..

أين أنتم من جريمة رأس السلطة والمنظمة ومن الأفعال المتتابعة الشنيعة التي يقوم بها هو وأركانه من قادة “الأوسلة” في فلسطين ؟؟

هل بعد هذا الذي حدث في قضية تقرير غولدستون مازال هناك مجالات للمناورة والدفاع عن قيادة السلطة والمنظمة وفتح ؟؟؟

هل من المعقول أن لا تقام لجنة تحقيق من غير موظفي سلطة ومنظمة رأس السلطة؟؟؟

وكيف يمكن لموظف يعتاش على مص دماء الشعب التحقيق في قضية تخلت فيها سلطته عن دماء الآلاف من أبناء هذا الشعب ؟؟

هل هناك مصطلح آخر غير الخيانة ينطبق على هؤلاء بعد جريمة تأجيل الفرصة التاريخية لمحاسبة كيان الصهاينة على جرائمه الارهابية ضد الشعب الفلسطيني؟

وهل يمكن للشعب الفلسطيني أن يقبل بخونة يقودوه وكيانه الوطني منظمة التحرير الفلسطينية؟

وهل يقبل شعب فلسطين أن تتم المساومة على دماء وتضحيات أبناؤه مقابل حفنة من الدولات من الدول المانحة؟

الآن أصبحت الأمور جلية وواضحة أكثر من أي وقت مضى .. إذ بانت الخيانة بشكل واضح، واتضحت التوجهات الرئيسية والأساسية للسياسة السلطوية .. ولم يعد هناك أي جامع يجمع باعة القضية بشعب فلسطين، الذي يقدم التضحيات يومياً على مذبح المقاومة من أجل التحرير والاستقلال وطرد الاحتلال، وعودة اللاجئين وتحرير الاسرى وفك الحصار واجتثات المستوطنين والمستوطنات..

الآن أصبحت الفرصة مؤاتية لمحاسبة نهج أوسلو على جرائمه بحق الشعب الفلسطيني والقضية الوطنية الفلسطينية. فإذا لم يتحرك الشعب ويحرك قواه الوطنية والثورية والمقاومة لوضع يدها على قرار الشعب الفلسطيني نستطيع القول أن على قضية فلسطين السلام ..

 

بين غولدستون اليهودي وبعض الفلسطينيين

نضال حمد

09/10/2009

 

Bilderesultat for ‫تقرير غولدستون في اليونسكو‬‎

Bilderesultat for ‫تقرير غولدستون في اليونسكو‬‎