الأرشيفوقفة عز

تارانت تشيرش مثل برايفك النرويج – نضال حمد

الأسترالي برينتون تارانت مخطّط ومنفّذ مجزرة مسجدي نيوزيلندا ليس غبياً ولا هو مختل عقلياً. بل هو شخص يعرف ماذا يريد ولماذا قام بجريمته البشعة. فقد أعدّ كل شيء وجهّز نفسه جيّداً لهذا اليوم منذ سنوات طويلة. أما هدفه فقد اختاره بعناية ليكون مسجد مدينة تشيرش في نيوزيلندا.

تارانت تشيرش مثل برايفك النرويج

حرص ترانت على نشر المذبحة وتصويرها وبثّها على الهواء مباشرة، كي يعمّم الجريمة وينشرها، ولكي تصبح رسالة إلى كل اليمينيين والمتطرّفين والعنصريين والمُعادين للمسلمين في الغرب، من أجل أن يحذوا حذوه، ويسلكوا دربه، ويرتكبوا مثل جريمته. ومن أجل أن يتمثّلوا به، وبمَن سبقه من المجرمين السفّاحين أمثال الأسترالي دينيس مايكل روهان الذي قام في النصف الثاني من شهر أغسطس – آب من سنة 1968 بإحراق المسجد الأقصى. كذلك بالإرهابي اليهودي الأسترالي هاري غولدمان، هذا المجرم بدوره كان قد أطلق النار على مصلّى قبّة الصخرة، في أبريل من العام 1982 فقتل إثنين من المصلّين وجرح ستيناً. وكذلك المجرم اليهودي الصهيوني الأميركي غولدشتاين، منفّذ مذبحة الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل الفلسطينية المحتلة نهاية شهر شباط – فبراير 1994. وليس انتهاء بالسفّاح النرويجي الشهير، الإرهابي بريفيك، منفّذ ومخطّط مذبحة جزيرة أوت أويه النرويجية يوم 22 تموز – يوليو 2011، والتي قتل فيها أكثر من 70 شاباً وصبية من منظمة الشبيبة العمالية النرويجية، أكبر منظمة شبابية نرويجية يسارية مؤيّدة ومُناصرة للقضية الفلسطينية، وكذلك للتنوّع الثقافي في النرويج، وللمهاجرين واللاجئين الأجانب والمسلمين في بلاد الفايكنغ، وفي أوروبا بشكل عام.

أراد سفّاح نيوزيلندا أن يرسل رسالة لأشباهه ولأمثاله من العنصريين السفّاحين يحثّهم عبرها على العمل بنفس طريقته، لمكافحة الهجرة والحد منها، ولمنع تواصلها، ومن أجل الحفاظ على ما يعتبره القومية البيضاء، أرقى الأعراق حسب تصوّر كل فاشيي وعنصريي ومتطرّفي اليمين الأوروبي والغربي، وكذلك المرضى “الصليبيين” التابعين للأحزاب الفاشية، العنصرية، الدينية المتطرّفة، المُعادية للمسلمين، ولغير ” الصليبيين”، المتصهينة، والمناصرة بقوّة لليهودية الصهيونية.

إذا أردتم معرفة منابع ومصادر الإرهاب العالمي ابحثوا وفتّشوا عن الكيان الصهيوني وأعوانه في الولايات المتحدة الأميركية. فكل الإرهابيين والعنصريين وجماعة الإسلاموفوبيا يعملون بحسب تصوّر مركزهم الأساسي ومنبعهم الإجرامي، وملهمهم الإرهابي الأول، أي الفكر اليهودي الصهيوني وقاعدته كيان الاحتلال الصهيوني – إسرائيل – في فلسطيننا المحتلة. وظهره المتين في بيت أميركا الأبيض.

لطالما حرصت الإدارات الأميركية على ذلك، فدائماً وقفت سنداً للإرهاب، والآن بالذات في عهد الرئيس ترامب، العنصري، المتطرّف، المُعادي للمسلمين والمُناصِر للإرهاب اليميني المتطرّف وللإرهاب الصهيوني الأكثر تطرّفاً. تقف إدارة ورئاسة أميركا على رأس داعمي ومساندي أرهابيي العالم.

مثلما أظهر بريفيك سفّاح النرويج في كتاباته إعجابه الشديد بمجرمي الحرب الصهاينة وقادة الكيان (الإسرائيلي)، أظهر ترانت سفّاح تشيرش في نيوزيلندا إعجابه بتطرّف ترامب وعدائه للمهاجرين وللمسلمين. فوصول شخص عنصري وعدواني ومتطرّف يميني مثلما هو ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة، وقبله وصول عدد كبير من المتطرّفين اليمينيين العنصريين لسدّة الحُكم في أوروبا، وتواصل حُكم المتطرّفين الصهاينة في كيان العدو وقيامه بكل أشكال الجرائم والمذابح دونما حساب. كل هذه الأسباب شجّعت كثيراً على انتشار خطاب الكراهية والعنصرية ومُعاداة العرب والمسلمين والمهاجرين الأجانب ونشر بدعة الإسلاموفوبيا.

إن بروز شعار القومية البيضاء في الغرب ربما يكون أكثر خطورة من بروز شعار خلافة داعش وأعلامها كما أفعالها السوداء في الشرق. فالقومية البيضاء لها أتباعها في كل أوروبا والعالم الغربي، صحيح أنهم ليسوا الأكثرية بين شعوب أوروبا والغرب، حيث يتواجد ملايين المناصرين والمؤيّدين للحريات والتعدّدية وللتنوّع الثقافي والتسامُح الديني. ولكن العنصريين والمتطرّفين أصبحوا أقوى وأكثر من ذي قبل بكثير، ووصلوا بأعداد كبيرة الى البرلمانات الأوروبية، ومنهم من يشارك في الحكومات. ومنهم أيضاً مَن يتحدّث عن ذلك علانية ويكتب في مواقع التواصل الاجتماعي والأنترنت عن كراهيته وعنصريته مثلما في الفيديو الذي شاهدناه مع السناتور الأسترالي الفاشي والعنصري الذي برّر المجزرة.

بعد وقوع المجزرة قرأت تعليقات عنصرية مقيتة تنبض كراهية وعداء للمسلمين وللمهاجرين. مثل ” يستحقّون الموت لأنهم قتلة ..” … أو ” تارنت رجل محترم عمل اللازم ” أو ” لننظّف بلادنا من الإرهابيين المسلمين”… ولكنني بنفس الوقت قرأت أكثر تعليقات أهم لآخرين أدانوا وندّدوا بالجريمة وبالعنصرية وبخطاب الكراهية وبجماعة الإسلاموفوبيا، وبالمُعلّقين تأييداً للجريمة أو تبريراً لها.

في بيانه المؤلّف من 79 صفحة والذي نشره قبل تنفيذ الجريمة، قال الإرهابي برايتون ترانت صاحب ال 28 عاماً بأنه “رجل أبيض عادي من عائلة عادية، وقرّر النهوض من أجل ضمان مستقبل أبناء جِلدته.”

وأضاف أنه في الفترة الأخيرة انخرط في أعمال “إزالة الكباب”، وهو مصطلح دارج على الإنترنت يرمز لنشاط “منع الإسلام من غزو أوروبا.”

وهذا المصطلح يذكّرني أيضاً بشعار عنصري رفعه عنصريو بولندا ” شراء الكباب يساعد في استيطان الأعراب”.

كما يُعيدنا إلى بيان ” مانفستو” الألف وخمسمائة صفحة للإرهابي النرويجي السفّاح بريفك. والذي نشره على الإنترنت أيضاً قبل تنفيذ مجزرة الجزيرة وتفجير مقر مجلس الوزراء النرويجي في أوسلو. فبرايفك أيضاً أراد الحصول على فرصة لشرح دوافعه الوحشية كما أقرّ بنفسه. تلك الدوافع التي وصفها بالضرورية لوقف أسلَمة أوروبا. إذ اعتقد هذا الإرهابي ” الصليبي العاشق لفرسان مالطة وللصهاينة ” أن ردع وقتل أنصار المهاجرين الأجانب والتنوّع الثقافي والعرقي والديني في النرويج وأوروبا سيفي بالغرض.

لا يعرف الكثير من القرّاء والناس بأن ضحايا مجزرة بريفيك كانوا قبل يومين من وقوع المذبحة يناقشون وبحضور وزير الخارجية النرويجي آنذاك، يوناس غاهر ستوره، إعلان إقامة الدولة الفلسطينية المُزمَع في أيلول- سبتمبر 2011. وطالبوا الحكومة ووزير الخارجية الاعتراف بالدولة الفلسطينية وكذلك دعوا إلى مقاطعة الكيان الصهيوني. وجدير بالذكر أن الشبيبة شاركت وتشارك في حملة مقاطعة(إسرائيل) في النرويج.

وكانت يافطة كبيرة تعلو بوابة المخيم كُتِب عليها بالخط العريض باللغة النرويجية (بويكوت إسرائيل) أي قاطعوا (إسرائيل).

واضح أن الإرهابيين والسفّاحين والعنصريين وأصحاب بدعة الإسلاموفوبيا لهم منبع واحد وهدف واحد، محاربة أو حتى إبادة المسلمين والمهاجرين، وتحقيق حلم القومية البيضاء التي تعتبر ( إسرائيل) الصهيونية نفسها ممثلاً لقِيَمها، وواجهتها وقاعدتها الأولى في الشرق العربي.

نشرت في الميادين نت

كتبت في 19-03-2019 ونشرت في الميادين نت يوم 23-03-2019