وقفة عز

تلاميذ مدرسة الفساد الفلسطينية

 نضال حمد

 غريب أمر هؤلاء التلاميذ من مدرسة الفساد الفلسطينية التي استشرت في جسد منظمة التحرير الفلسطينية وفي بدن السلطة الفلسطينية. أصبحوا كالسوس الذي ينخر العظم من الداخل.. هؤلاء الذين تربوا في الخارج والداخل على المحسوبية والشللية والولاء للقائد الرمز حتى أخر دولار في جيبه أو جيوب مستشاريه ومن حوله من الدفيعة وأباطرة الثورة في عصر القرود، كهنة معبد المقاطعة

 رأيناهم يوم مات القائد الرمز كيف بدلوه بمن يسمونه رمزهم الوديع والذي ابتدع سلام الشجعان.. ورأيناهم كذلك وهم يغيرون ثوبهم وينزعون أقنعتهم…

كانوا ولازالوا كالثعابين يبدلون جلودهم حسب المناخ السياسي ووفق هبوب رياح الدولار في زمن سيطرة وهيمنة بلاد العم سام.. فيوم مات القائد الرمز مسموما بهم وبما جاءوا به من قبل شارون وبيريس ومن لف لفهم، سارعوا إلى حسم أمرهم فكان شورى بين بعضهم فقط لا غير، وأستعدوا وأعدوا العدة ثم جاءوا بمهندس أوسلو الذي كان اعتزل السياسة وترك حركة فتح لينصبوه ولياً على مدرسة وسلطة أوسلو بعد غياب أو تغييب الرئيس ياسر عرفات.

هنا بالذات ارتكب بعض قادة فتح ومنهم السيد القدومي غلطة العمر يوم بايعوا عباس عدوهم اللدود وصانع مآسي الشعب الفلسطيني في أوسلو وغيرها. وهنا نسأل أإلى هذا الحد كانت فتح عاجزة عن إيجاد بديل وطني حقيقي لعرفات؟

فإذا كانت فتح بعظمتها التفت حول محمود عباس بما يعنيه الاسم من منهاج سياسي ورؤية للحل والمواجهة، معنى هذا أن على فتح ومن فيها السلام

هناك نفر الكتاب الفلسطينيين والعرب وهم من الكتبة الذين يبيعون الكتابة ويعملون في سوق الخطابة، تارة يجعلون من أبو فلان أهم قائد ورمز في التاريخ الثوري الفصائلي الفلسطيني وتارة يسخطونه… فبقدرة كاتب ودعيّ ركب موجة أوسلو العقلانية الواقعية يصبح القائد فلن قائدا عظيما وثوريا أكثر من تشي جيفارا ونلسون منديلا، كل ذلك يتم بشخطة قلم ..

 نعم فهذا زمن الأسير الذي خرج وأصبح منظرا للاستسلام الجماعي وبيع الحقوق في جنيف وايلات. بشر من طينة أخرى مستسلمون لنهج الدولار الثوري، أسرى سابقون تحولوا بعد خروجهم لسماسرة وباعة وعملوا في أجهزة أمنية قمعية ونسقوا وينسقون أعمالهم مع أعداء شعبهم، بعضهم تباهى بذلك وكان محمياً من السلطة في زمن عرفات ولازال مسنودا منها في زمن عباس.. هذا البعض الخارج من زنازين الفئوية والانفصام في الشخصية تسلق سلم التاريخ وقداسة الحركة الأسيرة ليصبح مقاولا بإسم التاريخ والتجربة، وبائعا يبيع الأسرى وتاريخهم وحركتهم وأكثر من ذلك يمارس دورا ضاغطا على الحركة الأسيرة لكسر إرادتها في معركتها ضد الاحتلال وضد افرازات أوسلو. كما أن تلك الفئة من الأسرى السابقين والمتأوسلين أصبحت تتاجر بالوطن والمواطن بشكل علني..

نحن في زمن القدرة المطلقة، فبقدرة قلم مأجور ينشر في بعض الجرائد والصحف الصفراء يصبح فلن أبو فلان أو فلان ابن فلانة قائد عقلاني وواقعي حريص على التعايش بين الحيوانات الناطقة بالعبرية الدارجة والعربية الفصحى. ويصبح التعايش بين القرود والدواب والحمير والسعادين والذئاب والنعاج هدفا ساميا واستراتيجيا لكل حيوانات الغابة الشرق أوسطية

حكاية الخراب السياسي والتنظيمي والإداري والفساد والرشوة وتشريع الهزيمة وقوننة الاستسلام وتأليه الباعة من العاملين في أسواق أوسلو وشقيقتها أصبحت حكاية كل فلسطيني يريد أن يعود لبيته أو يسترجع حقه. فبعض قادة معسكر سلام الشجعان الذين جاءوا على ظهر حمير وبغال فلسطينية لا تأكل سوى العلف الأمريكي المستورد من كمب ديفيد وواي ريفير مع استثناء خاص فعلف شرم الشيخ معروف بجودته الأمريكية وإقبال العرب عليه بشكل جارف..

 هؤلاء الناس إن كانوا فعلا من بني آدم مثل كل الناس فلماذا يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، لماذا ضيعوا الختيار وليّ نعمتهم وحاميهم في السلم وفي الحرب، وورثوا مكانه ومن ثم اخذوا يتطاولون على قادة ورموز في العمل الوطني الفلسطيني مثل الأخ فاروق القدومي أبو اللطف وزير خارجية فلسطين ورئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية. فالقدومي صاحب موقف عقلاني وواقعي بالفعل، وهو يمثل الحس الوطني الوحدوي الحريص على الوحدة الوطنية وصيانة الحقوق الفلسطينية وهذا قد يفسر تأييده لترشيح عباس لوراثة عرفات في المنظمة والسلطة. بينما الذين يعادونه حريصون على جيوبهم ومنافعهم وتجارتهم ومناصبهم وملذاتهم وعلاقاتهم مع أعداء فلسطين ومع الأوروبيين أيضا حيث الدعم المادي بحجة بناء الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والخ.. فبعض الحكومات والأحزاب الاشتراكية الأوروبية التي تدعم حركة فتح وحزب فدا يعتقدون أن هؤلاء أصلح من غيرهم وإنهم القدوة في إقامة الديمقراطية والمجتمع المدني وتثبيت مبدأ ما يسمونه حقوق الفرد والسكان والإنسان… مساكين هؤلاء ومساكين أهل فلسطين كذلك لأنهم لازالوا يقبلون ببقاء مثل تلك الفئات التي تسرقهم حياتهم وتقبض ثمن ذلك بحجة البناء.

قرأت مؤخراً لكاتب دعيّ يسبح بحمد أوسلو وينتظر فرج كمب ديفيد أو شرم الشيخ، حيث اعتبر كاتبنا الثوري أن القدومي تجاوز الستين، وهذا الكاتب الثوري في عصر سلطة القرود وسلام السعادين يعتقد أن تجاوز أبو اللطف الستين يعني أن يذهب الرجل إلى بيته ويترك الساحة لأبي مازن ابن الثلاثين !! هذا منطق ورأي كاتبنا الذي ينطبق عليه المثل القائل صام صام وأفطر على بصلة..

تأتي تلك الكتابات من ناس امتهنوا العمل في بلاط الحكام والاستكلاب للسلطان بغية الحصول على شيء ما أو وظيفة أو مال أو جاه.. هؤلاء حفنة من المراهقين سياسيا وصحافيا وإعلاميا وكتابة، جندتهم سلطة أوسلو لمحاربة القدومي ومن معه، فتارة يقولون أن القدومي قد تخطى الستين وأن على جيل الشباب أن يستلم قيادة فتح، لكن أي شباب، شباب الأمن الوقائي “الكاينودم الثوري” رديف ال17 العتيد في بيروت وتونس، يعني جيل رشيد ورشيدة الأممي..

واضح أن المعركة داخل فتح تشتد وتحتدم بين عباس ومن يعارضه وعلى رأسهم القدومي، فها هم ينشرون الأخبار عن توزيع حقائب السفارات و يقولون أن هاني الحسن سيكون سفيرا في عمان، ليتضح من ذلك أن عباس وجماعته يبغون تشتيت المعارضة الفتحاوية وتصفيتها بتلك الطرق المبتكرة.. يشنون حربا علنية بغية تصفيتهم سياسيا وفتحاويا وداخل أطر م ت ف التي يريدونها أن تبقى ختما لتزوير وتمرير المؤامرات التي تشطب الحقوق والثوابت الوطنية الفلسطينية.

هؤلاء أنفسهم هم الذين باشروا تصفية العرفاتية في السلطة الفلسطينية بعدما كانوا مع الراحل عرفات قد صفوا منظمة التحرير الفلسطينية لتسهيل تمرير اتفاقياتهم، حيث يتجنبون سؤال ثمانية ملايين فلسطيني وبتلك الطريقة يمررون ما يريدون رغم أنف الشعب الفلسطيني كله. تلك الفئة المتأوسلة استطاعت أن تضم إلى جانبها مندوب المنظمة السابق في الأمم المتحدة ناصر القدوة واختارت تعيينه وزيرا للخارجية في سلطة أوسلو على أساس انه ابن أخت الشهيد الراحل أبو عمار. ولكي تحارب به السيد أبو اللطف إذ انه (ناصر القدوة) قريب عرفات وابن أخته. والمؤسف حقا أن الجرأة بناصر القدوة وصلت حد أنه رفض المشاركة في مؤتمر قمة الجزائر الأخير ما لم يخرج من القاعة الوزير القدومي رئيس حركة فتح، يعني رئيس القدوة وعباس وكل شخص ينضوي تحت لواء فتح، وإذا كان هناك  فتحاوي واحد ينفي ذلك، معناه لم يعد هناك فتح ولا ما يحزنون بل هناك جماعات عدة متصارعة على النفوذ وعلى السيطرة على ورثة وتركة عرفات وفتح.

فبحسب تقسيمات حركة فتح القدومي هو رئيس الحركة، إذن كيف يتطاول القدوة على رئيسه ورئيس رئيسه في السلطة؟؟

هذا يعني أنه مدعوم ومدفوع من رئيس السلطة ومدعوم من بعض الحكومات العربية الغاضبة على القدومي ومواقفه المعارضة لقمم شرم الشيخ وأخواتها ولمشاريع صهيونية أمريكية تطبيعيه مشبوهة طرحت مؤخرا من قبل بعض الدول العربية.

هؤلاء السلطويين المتأوسلين وجلهم من الفتحاويين المتهاوين، الصغار، ضعفاء النفوس، متسلقي قبور الشهداء وتضحيات الشعب، كانوا ولازالوا شلليين وعشائريين وفئويين وغير واقعيين، ولا هم من العقلانيين، وفي النهاية مستسلمين وبياعين يبيعون اللاجئ وحقه والفلسطيني ووطنه، همهم تعبئة الجيوب والحصول على المزيد من العملة والكسب بأية طريقة…

هؤلاء أنفسهم هم رموز الفساد فقد استطاعوا تدجين وزير المالية المجلوب بدعم أمريكي السيد سلام فياض. فبدلا من أن يبحث الوزير فياض عن ثراء القادة والرموز الأوسلويين غير المشروع، يقوم معاليه بوقف المساعدات عن عائلات الأسرى والشهداء والجرحى والتضييق على المؤسسات الاجتماعية والخيرية التي ليست ضمن المؤسسات المتأوسلة.

 على هؤلاء أن يعوا حقيقة أن الشعب الفلسطيني بالرغم من وضعه الحرج وحصاره وجوعه ومعاناته اليومية لا يرى فيهم سوى ما كتبناه أعلاه، وأن تهديداتهم ومحاولتهم إرهاب الناس بقطع أرزاقهم وطردهم من وظائفهم إن لم يصوتوا لقائمة فتح، التابعة للسلطة في انتخابات البلدية المقبلة في الضفة الغربية، وذلك خوفا من أن يصيبهم ما أصابهم في انتخابات قطاع غزة. هذه الأساليب لن ترهب أحداً من الوطنيين والشرفاء ولن تغير المعادلة الموجودة في الساحة الفلسطينية، حقوق وثوابت ومقاومة وانتفاضة في مواجهة أوسلو وشرم الشيخ وجنيف ونفايات المرحلة…

نقول لهؤلاء أنهم إلى زوال وشعب فلسطين لا بد سيستعمل مكنسته المصنوعة من بلان فلسطين لكنسهم ورميهم على مزبلة التاريخ.

 

نضال حمد

 

 02-05-2005