الأرشيفثقافة وفن

جولة انطباعية خاطفة لبعض أفلام مهرجان عمان السينمائي الثاني/8-2021 – مهند النابلسي

*جولة انطباعية خاطفة لبعض أفلام مهرجان عمان السينمائي الثاني/8-2021:سينما وثائقية و”عائلية” بامتياز مع تحريك مبتكر ودراما روائية صادمة:اختيار تسعة أفلام عشوائية متفاوتة الطرح والرؤية!

*لكسل وقلة معرفة لجنة التحكيم في مهرجان عمان السينمائي فقد منحوا فيلما عاديا وثاءقيا جائزتين الجمهور ولجنة التحكيم والفيلم تقريري يتحدث عن الامية في المجتمع ولا يستحق كل هذا التبجيل المبالغ به فما بمثل هذا التكريم الغير موضوعي تتطور صناعة السينما الوثائقية في الاردن؟! وقد ابديت احتجاجي على ذلك طبعا راجيا ان لا يفسد اختلافي بالرأي للود قضية وسامحوني علما بأن منهجية معظم المهرجانات العالمية الاحترافية لا تسمح ابدا بمنح نفس الفيلم جائزتين وحرمان الأفلام الاخرى من التقديرا مشيرا لضعف مشهدية ونمطيةالفيلم الفائز ولميله للاسلوب التقريري الممل كما أن ثيمة الامية تم تداولها سابقا في الكثير من الأفلام ولم يتطرق مثلا لأنواع جديدة من الامية المعلوماتية التي أصبحت ملحة وتتطلب تثقيفا وتوعية وتنويه…والله حرام عليكم ولا يجوز تكرار ذلك مستقبلا… ويفضل جديا ان تسعوا لضمي الى لجنة التحكيم مستقبلا لأقوم بدور توجيهي توعوي مفقود حاليا متمنيا المزيد من التوفيق للمهرجان الريادي ودمتم سالمين. وقد شرحت وجهة نظري للمخرج الشهير محمد ملص الذي قابلته بالصدفة ووافقني تماما مشيرا لكراهيته لنمط هذه الأفلام “التقريري” البحت البعيد عن البعد الفني المشهدي الجاذب والمؤثر، والذي يظهر كتقرير صحفي لافت في مجلة اسبوعية وليس كشريط وثائقي سينمائي…وللأسف فقد حاولت “قبل ذلك” في ردهات سينما تاج أن أشرح وجهة نظري بالصدفة ايضا لفتاة “معاقة تستخدم عكازا” سبق وأن حصلت على جائزة مماثلة عن فيلمها منذ سنوات كما علمتـ، ولكنهاه صدتني بلؤوم وجفاء وتعالي “غير مسبوق” بالنسبة لي …وشعرت بالصد والاحباط وربما القرف من هذا التصرف الفظ …وأشعر ان الملكية للفلام بتسرعها “اللامهني” لتشجيع انصاف “الكفاءآت” هؤلاء فهي تساعد من غير قصد في حدوث “غرور وتعالي وشوفة حال” غير مبررة اطلاقا كما هذه الحالة “الغير استثنائية”، والحق يفضل ان يقال فيبدو أن جو “الشللية الانتقائية البغيض” هذا يسيطر على اجواء موظفي الملكية للأفلام عموما فقد حاولت عبثا منذ سنة تقريا اهداء كتابي الموسوم حول الخيال العلمي السينمائي ولكني واجهت صدا غريبا أيضا ولم استطع تفسيره!!

** يعرض اليوم على شاشة سينما تاج في تاج مول الفيلم المصري الوثائقي “ع السلم” من إخراج نسرين لطفي الزيات الساعة 5:30 مساءً

بعد أن حلمت والدتها بكابوس، تسافر نسرين من القاهرة (حيث قطنت منذ عام 2022!) إلى مسقط رأسها طما في الصعيد لمحاولة إنقاذ بيتهن القديم. تأخذنا المخرجة في رحلة بين عالمين لا تنتمي لأي منهما. تصارع نسرين فكرة بيع المنزل الذي يحمل بين جدرانه آخر ذكرياتها عن أبيها الحبيب. تحاول نسرين تنظيف وصيانة المنزل بلا جدوى، وتجد أشرطة قديمة مسجلة من لأبيها، وكميناً من الذكريات…لقد اعجبني هذا الشريط وطريقة الاخراج الحميمية وصدى الأغاني الجميلة القديمة/ وقد فاز بجائزة التنويه الخاص/…وقارنته بالفيلم التونسي البائس “مقرونة بالعربي” الذي يحفل بالتحيز والعنصرية والكراهية وعدم الانتماء حيث يتحدث عن ام المخرجة الابطالية الأصل والتي تزوجت من شاب جزائري في تونس، ولم تترك المخرجة المتعلقة بامها  “النرجسية” الراحلة أحدا من أقارب امها الكثر الا وقابلته ومعظمهم كما الام لم يتحدثوا بتعاطف عن الأب الراحل وعائلته ولا عن تونس البلد الذي استضافهم بأريحية وود، كما اشتممت رائحة استعمارية فوقية “كريهة” وحنين لتلك الفترة ونقد صارخ لنظام الحبيب بورقيبة في منتصف القرن الفائت، وبادرت بسؤال المخرجة أثناء انتهاء العرض: لماذا تكره وكرهت ابيها هكذا ؟ وما ذنبه؟ وقد كنت محقا فقد فتحت جروحها العائلية القديمة، وحاولت ان تقنعني بأن هذا الشريط هو نوع من التنفيس النفسي و”الترابي العلاجية” كما قالت … وكادت دموعها تنهمر متأثرة بما قلت  وكاني فتحت جرحا قديما ملتهبا لديها وربما كشعور جارف بالذنب تجاه والدها المتوفى المظلو من قبل والدتها “السيكوباث” المتغولة…ولكني لم أقتنع ابدا بتبريرها “الجاحد-المتخاذل” واعتبرت هذا الفيلم نتيجة طبيعية لكثرة الشحن والاحتقان الذي تمارسه الكثير من الامهات/والعربيات خصوصا/ضد شخصية الأب ومحاولة شيطنتها ظلما لكي يكره الأولاد ابيهم وعائلته ويقدسوا والدتهم وذويها بلا وجه حق…وهذه ظاهرة اجتماعية لم تأخذ ربما حقها من التحليل والدراسة!

***أما فيلمي التحريك اللافتين: “ولد في الفضاء” البلجيكي و” الاسباني جوسيب” فقد تميزا ببراعة فنتازية-صوتية/مشهدية وسذاجة سردية “كرتونية” طريفة للفيلم الأول، وهو بالحق فيلم تمثيلي وليس تحريكي وقد اطلقت عليه سمة التحريك مجازا، لكونه يتماهى تماما مع نمط هذه الأفلام من حيث الحبكة السطحية والشخصيات التلقائية والذروة المتوقعة في النهاية، فهذه حالة سينمائية خاصة لم ينتبه لها أحد غيري من النقاد… فيما تميز الفيلم الثاني بعكس ذلك تماما وببعده الدرامي  والمأساوي التاريخي للحرب الأهلية الاسبانية وتداعياتها الغير منسية بنمط تحريكي مشهدي لافت وقاتم ومعبر وجاذب مؤثر وكانه فيلم تمثيلي، فالبطل العجوز المريض “الكرتوني” المقعد في فراشه، الذي يروي هنا ذكرياته لحفيده يكاد يكون حقيقيا من لحم ودم ومع كم كبير من الايماءآت الانسانية الجاذبة والمعبرة بالرغم من انه ليس كذك:

تدور أحداث الفيلم في شهر شباط (فبراير) من عام 1939. يهرب الجمهوريون الإسبانيون من نظام فرانكو الديكتاتوري لفرنسا. تبني الحكومة الفرنسية معسكرات تجميع، حاجزة بداخلها اللاجئين الذين يصعب عليهم الحصول على الماء أو الطعام أو وسائل النظافة. في أحد تلك المخيمات، سيصبح رجلان مفرقان بسياج مشيّك أصدقاء. أحدهما حارس، والآخر الرسام الشهير جوسيپ بارتولي، المحارب ضد نظام فرانكو القمعي.

****فيلم “خط التماس”/الروائي القصير/ الذي يسترجع بمأساوية وحنين ذكرى احتلال يافا الحبيبة من قبل الصهاينة المحتلين الأوغاد، فقد كان بالحق رمزيا ومميزا ويستحق الفوز…وهو يتحدث عن عشق كرة  القدم  كفعالية نشاط  رياضي لافت تحديدا في يافا القديمة المتحضرة…لكن المخرج لم يظهر بصدق مظاهر الاحتلال الغاشمة ليافا المحتلة وحاول ان يظهر جنود الاحتلال بشكل حضاري متفهم وليس كمحتلين قساة كما كانوا في حقيقة الأمر المعروف…وهذه نقطة ضعف ألمسها بحق في معظم الأفلام الفلسطينية وغيرها التي تتحدث عن الاحتلال وربما مراعاة لجهات التمويل “المشبوهة” بمعظمها وهذا مؤسف وصادم وغير واقعي وتاريخي!

ضمن عروض #مهرجان_عمان_السينمائي_الدولي *****في دورته الثانية نعرض لكم في المسرح الخارجي للهيئة الملكية الأردنية للأفلام فيلم الدراما: #حريق_في_الجبال.

يحكي الفيلم قصة أم تعاني يوميا في القرية الجبلية لادخار الماء لتبني طريقاً تأخذ ابنها على الكرسي المتحرك فيه من قريتهم في جبال الهملايا لمعالج طبيعي ويتعرض الصبي المعاق دوما لتنمر رفاقه يوميا، ولكن زوجها المهووس “المتغول” مقتنع بأن طقوس الجاغار التقليدية “المتخلفة/الاسطورية” هي الحل، فيسرق المدخرات ويمضي قدما بمشروع خرافي لاحداث حريق مصطنع متزامن مع طقوس رقص وهلوسة “وثنية” هستيرية متصاعدة مع احتدام الحريق وتصاعد الدخان حيث يشارك فيها الجميع حتى الام ذاتها وصولا للصبي المعاق الذي يمشي وقد شفي أخيرا وركض فجأة ليعانق امه في نهاية الشريط الشيق اخراجا وتمثيلا: ولا اعرف حقيقة منح الجوائز العديدة لفيلم يعزز مفهوم الخرافة والاسطورة وكانه يشجع على تبني ذلك:

فقد حاز الفيلم على العديد من الجوائز منها جائزة السيدة هاريماجوادا الفضية لثاني أفضل فيلم وجائزة أفضل ممثل – مهرجان لاس بالماس دي غران كناريا السينمائي الدولي 2021؛ جائزة الجمهور لأفضل فيلم – مهرجان الفيلم الهندي في لوس أنجلوس 2021؛ جائزة أفضل مخرج – مهرجان نيو يورك للأفلام الهندية 2021؛ جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم – مهرجان أوراي السينمائي الدولي/كما نال الفيلم جائزة الجمهور المحلي هنا ايضا مع منحوتة السوسنة السوداء/.

 

******يتتبع الفيلم الوثائقي الأردني “فقط البحر بيننا” مخرجتين سوريتين من مخيم الزعتري في الأردن ومخرجتين من السكّان الأصليين من قبيلة الشيپيبو-كونيبو في ليما، بيرو تتراسلن من خلال تصوير يومياتهن عبر الحدود:

يروي الفيلم أربع قصص شخصية عميقة تتكلم عن الأمومة والهجرة وقوة المقاومة على الصعيدين الشخصي والمجتمعي: وقد وجدت هذا الشريط تافها وغير متناسق اطلاقا لعدم توافق مشاكل الطرفين “السوري والبيراوي”، حيث كل يغني على ليلاه مع اختلاف الثقافة والطقوس والعادات المجتمعية ما بين “ثقل ظل وتصنع” المخرجة السورية الساذجة وتلقائية المخرجات القبليات وجاذبية طقوس شعبهن الجاذبة…ولم يكن هناك ضمن الطرح أي قاسم مشترك سوى قصة الامومة مع اختلاف التفاصيل… وطبعا لا يمكن نسيان البعد السياسي الخفي للموضوع الذي يهدف لشيطنة السوري وتبريز النزوح الغير مبرر في احيان كثيرة ثم الوقوع في شرك المعاناة والشكوى والتوسل المذل!

“*******”نزال آخر” هو عنوان الفيلم المغربي والذي سيعرض اليوم الساعة 8 مساءً على المسرح الخارجي للهيئة الملكية الأردنية للأفلام:.

الفيلم من إخراج  كل من محمد فكران، وجوستافو كورتيس بوينو:

تدور قصة الفيلم حول رشيد الفتى المراهق اليتيم الذي يحلم بأن يصبح ملاكماً عالمياً. يلاكم رشيد مع صديقه اليتيم سالك كل يوم ليراهَن عليهم ويدخروا مبلغاً كافياً لتهريبهم لأوروبا، فرارا من حياتهم العصيبة في المغرب. ولكن ليصلا لحلمهما، على الولدين تحمل الاستغلال من البالغين وتخطي المحتالين. في نهاية المطاف، يصلا لطنجة في شمال المغرب، التي تبعد بضع كيلومترات من إسبانيا، ويتعرفا على إلي، صبي يحلم أن يصبح لاعب كرة قدم. يسعى الأولاد الثلاثة للوصول إلى إسبانياً معاً، ولكن طريقهم محفوف بالمخاطر الجمة والمغامرات والمخاطرات: وقد تكررت الأفلام المغاربية التي تعالج مشكلة هجرة الشباب واليافعين المغاربة لاوروبا، ويتميز هذا الشريط بطرحه الواقعي الجدلي وربما “الفلسفي نوعا ما” لفكرة الهجرة والمغادرة ولطريقة انتقاء ابطاله الشباب والصبيان بلا مغالاة وتكرار ونمطية. ولا اود ان انغمس  هنا بالسياسة والاقتصاد المجتمعي لأستفسر بحق عن مغزى تجاهل الحكومات المغاربية المتعاقبة لمعالجة هذه المشكلة المزمنة التي ترتبط بعناصر “الفقر والتشرد والبطالة والاهمال والبؤس الهائلي ونمط التربية ان وجد اصلا”؟ فيما تهرول الدولة المغاربية للتطبيع مع دولة الاحتلال والاجرام اسرائيل؟! أليس لشعبها البائس الأولوية والحق في “التنمية ومكافحة التشرد والبؤس والبطالة”؟ مجرد استفسار!

********شاهدت أخيرا في سينما تاج فيلما جزائريا وثائقيا شيقا بحضور المخرجة الشابة الموهوبة، الفيلم مهدي لروح جدها الذي صورته مع جدتها خلال أحداث حياتهما الأخيرة في فرنسا ، وهما الجزائريان المقيمان بفرنسا منذ عقود، ويتحدث عن كافة أشكال الحياة والمسرات والبؤس والذكريات، ويشير لتنكيل الاستعمار الفرنسي بالجزائريين أثناء عهد الاستعمار المقيت، وهو فيلم متقن وممتع ويتعرض لتفاصيل حياة الجدة “الكاريزمية” من ذكريات وحنين وطعام ورقص وفرح عكس زوجها الجد الصامت الجدي، والى انفصالهما الأخير بالرغم من التزامها بتجهيز الطعام له ومراعاة حالته وصحته…يقدم الشريط قصصا كثيرة حول نضال الجزائريين وصبرهم ومعاناتهم في فرنسا كما يشير لاستقرارهم ورغد العيش اخيرا، وهو عكس تماما الفيلم التونسي الذي شاهدته منذ أيام “مقرونة بالعربي” من حيث بثه للمحبة والود والتوازن عكس التونسي المنحاز تماما للام “الايطالية الأصل” والكارهة لزوجها الجزائري المسكين وعائلته/والمتسلطة على ابنتها “الضحية” بحيث ظهر الفيلم وكانه بيوغرافي متكامل لكل عائلة الام “المستقوية-الجامحة” كما تحدثت عنه في تلك الفقرة أعلاه: وقد اعتبرت هذا الشريط الجزائري هذا / ويدعى جزائرهم للمخرجة لينا سويلم/ تحفة وثائقية جميلة وربما متكاملة “سرديا ومشهديا وجماليا”وتتضمن انسياب لافت للأحداث ورؤيا فريدة في استعراض الحنين والذكريات والبيوغرافي المتوازن…وربما سأستغرب كثيرا ان لم تنل جائزة تقدير/لكنه بالحق فاز عن جدارة بجائزتي السوسنة السوداء وجائزة نقدية مجزية/!

*ملاحظة هامة فقد حاولت قدر الامكان عدم التركيز على أسماء طواقم الاخراج والتصوير والانتاج والتمثيل تفاديا للحرج من النقد البناء الصريح والثناء التلقائي الصحيح لهذه الأعمال فأرجو المعذرة وتقبل ملاحظاتي ونقدي بسعة صدر وأريحية.

 

**قريبا باذن الله وتوفيقه سأعالج كل هذا “الاقصاء والتهميش والنكران” باصدر كتاب سينمائي جديد غير مسبوق يتناول بشمولية وتفصيل شيق سينما المهرجانات في عمان خلال حوالي عقدين من الزمان…وأكيد انه سيسد نقصا كبيرا في المكتبة السينمائية العربية والمحلية وسيكون مرجعا أكاديميا رصينا…فانتظروني يا سادة يا كرام رعاكم الله وسدد على الدرب خطاكم…