بساط الريح

حكومة مُتنقِّلة ! – عبداللطيف مهنا

يقال إن عجائب الدنيا سبع، ويعددونها عادةً وفقما هو المتعارف عليه. بيد أن عجائب الأوسلويين الفلسطينيين ومن يرعاهم من العرب تظل من ذاك النوع الذي يكاد يصعب تعداده ولا يسهل حصره، إذ هى المتواترة تواتر مستمر لامعقولية التغريبة التسووية الكارثية المستمرة خياراً ونهجاً، والتي في ظل استمرارية اندلاق اصحابها التفريطي المزمن يستحيل عدم توقع المزيد من غرائب مستجدها. لعل آخرها هو قرار حكومة توافق اللاتوافق لسلطة الحكم الذاتي الإداري المحدود تحت الاحتلال الارتحال متنقِّلةً بإذن من الاحتلال بين كلٍ من رام الله وغزة لتداوم مجتمعةً في كلٍ منهما اسبوعاً تنتقل بعده إلى الأخرى تباعاً وهكذا…الهدف من تجشُّم عناء هذا الترحُّل الأسبوعي وفقما تقوله  هذه الحكومة هو “رأب الصدع الوطني” و”إنهاء الانقسام”، بل والشروع في حل كافة متراكم المشاكل المتأتية عنهما جملة وتفصيلا…وزيادةً، فإن مكرمة هذا التنقُّل الحكومي التصالحي المفاجىء قد تزامن مع لفتة تصالحية أخرى موازية، وهى حملة اعتقالات واسعة في نابلس شملت قيادات وصحافيين ممن يراد إنهاء الانقسام معهم في غزة!

…الجديد الوحيد في كل ما تنتويه حكومة السلطة بلا سلطة وتوافق اللاتوافق وفي ظل الاحتلال، هو مداورة الارتحال الأسبوعي المتواتر اسبوعياً بين رام الله المحتلة وغزة  المحاصرة عبر معابر الاحتلال على الجانبين وبإذن منه فحسب ، ماعدا ذلك، مما ورد من هذا المعلن ازماعه، هو كلام في كلام يقال ولطالما سمعنا مثله، لكنما اوسلوية الواقع الفلسطيني ما زكته يوماً وليس من شأنها الآن تزكيته…إذن، ما الهدف من مثل هذه الصرعة الوحدوية الأوسلوية؟!

إذا ما استثنينا المناكفات بين رام الله وغزة، ومعتاد التكاذب التصالحي المزمن بين الطرفين الذي اعتادته ومجَّته الساحة الفلسطينية، فإنه ما من تفسير مضاف ممكن لهكذا خطوة تنقُّلية إلا بإلحاقها بسواها من الفهلوات التكتيكية التي تنتهجها عقلية اوسلوستان لاستدرار سبل العودة لطاولة المفاوضات وبعث رميم المرحومة “المسيرة التسووية” من تحت تراب نتنياهو الذي تهيله جرافاته التهويدية يومياً عليها. أي التلويح بالتصالح بلا مصالحة، مثله مثل التلويح بإيقاف التنسيق الأمني مع المحتل دون المس بمقدسه المعادل للبقاء الأوسلوي نفسه، والانضمام لمحكمة الجنايات الدوليه مع التلكوء في اللجوء لعدالتها، والهروب المتعثر الى محاولة تدويل “حل الدولتين” مع ادراكهم أن استشراء التهويد قد جعله مستحيلاً…وسائر ما يتيسَّر لهم مما يلوَّحون به كفزَّاعات لاتفزع نتنياهو ولايقبضها الراعي  الأميركي.

لكن دون أن نغفل للحظة أن الحمدلله ما كان له أن يقدم على ارتحالات حكومته الأسبوعية هذه بين رام الله المحتلة وغزة المحاصرة دون رضى المحتل، الذي لم يفرج عن أموال ضرائب سلطته إلا لمنع انهيارها وما يترتب عليه من  خسارة للتنسيق الأمني معها، ولم يسمح له بالتنقُّل بين المحتل والمحاصر إلا لخشية من أن الوضع في غزة ما عاد بالإمكان احتماله.

ولأن الوضع لم يعد محتملاً لافي غزة ولا في الضفة أيضاً، فلابد إذن من حركة اوسلوية وتسهيلات صهيونية، وحبذا لو توفَّر إلى جانبها حديث تسووي يوهم بحلول مرتجاة، أو كل ما يسهم في تأجيل شبح انتفاضة يخشى منها في الضفة وانفجار متوقَّع، بل بات يلوح، في غزة. وعليه، جاءت رسائل أبو مازن عبر الإعلام الصهيوني : “انا على استعداد للقاء نتنياهو واستئناف العملية (التفاوضية) مع اسرائيل”. وإذ لم يعد يطرح شروطاً لاستئناف هذه العملية، بل وفي شبه استجداء للتفاوض، ذكَّر نتنياهو بأن “مبادرة السلام العربية” “افضل هدية لأسرائيل”، لافتاً نظره الى أنها قد “وفَّرت حلاً ذكياً لقضية اللاجئين، يقوم على المرجعية الدولية والضمير العالمي”… بمعنى شطبها، فهو أول من يعلم أن “المرجعية الدولية” هى من صادقت على اغتصاب فلسطين وأسهمت في افتعال الكيان الصهيوني، وأن “الضمير العالمي” كان غائباً حيال نكبة لاجئيها طيلة 66 عاماً وليس لديه مشكلةً في أن يظل غائباً!

إذن، لن تذهب حكومة اوسلوستان الى غزة لفك حصارها، إذ لم يعد أحداً يتذكَّر الآن “المفاوضات غير المباشرة”عبر “الوسيط ” المصري لفكه. لأن الواقع الغزي المريع راهناً هو تماماً ما يريده الصهاينة لهذه القلعة المقاومة، لكنما مع تحسُّب ما لعواقبه احتواءً لاحلاً، يرفدهم موضوعياً واقع عربي وأوسلوي بات المتواطىء في استمراره … استمرار يعني أن الحرب على غزة قد فشلت لكنما التآمر عليها قد نجح، وفي ظله يذهب الحمدالله اليوم ليمارس على طريقته رأب الصدع!

…لقد قلنا دائماً أن الانقسام في الساحة الفلسطينية هوحالة موضوعية ناجمة عن منتج اوسلوي، ونتيجة منطقية لمسار تفريطي وخيارات تصفوية…منتج وخيارات ونتيجة، لم توجد انقساماً بين رام الله المحتلة وغزة المحاصرة فحسب، وإنما بين رام الله والقدس المستباحة والمنكَّل بها تهويداً وبطشاً على مرمى حجرمنها، وفصل بين هاتين، المحتلة والمحاصرة، وباقي فلسطينيينا في المحتل في العام 1948، وبين كل من هاته وتلك وهؤلاء والشتات الفلسطيني…أي أنه، وفي ظل هكذا حالة، لامن مصالحة ولا من رأب لصدع، بل هذان موضوعياً أمران مستحيلان، إذا ما كنا نتحدث عمن يفترض أنهما نقيضان واحدهما يستسلم والآخر يقاوم، اللهم إلا بالتحاق الأخير ببرنامج الأول…و ما يعني أيضاً، أنه لا من إعادة اعمار لغزة، ولا فك لحصارها، ولافتح لمعابرها، لا مع المحتل ولا مع الشقيق، مادامت فيها مقاومة …أو إذا ما ظل الواقع العربي والفلسطيني على ماهو عليه…

اترك تعليقاً