بساط الريح

نيتنياهو على حافة الهاوية – رجب أبو سرية

لأن لكل شيء نهاية , فقد يبدو للبعض بأن لحظة الصعود إلى القمة , إنما هي لحظة بدء الهبوط نحو القاع , في الوقت نفسه , ويبدو أن هذا ما يحدث _ الآن _ بالضبط لرئيس الحكومة الإسرائيلية , زعيم حزب الليكود بنيامين نيتنياهو , فقد تحقق ما توقعناه , في مقالين سابقين , هنا بالأيام , بعد ظهور نتائج انتخابات الكنيست العشرين مباشرة , ومن ثم بعد ذلك بأسبوعين , ومفاده أن فوز الليكود ونيتنياهو المفاجيء والكاسح في الانتخابات لا يعني بان الطريق أمامه بات ممهدا , بل إن ذلك قد يشبه السقوط في بحر العسل , وأن تسريب المفاوضات الائتلافية بين شركاء الحكم المفترضين أظهرت بان الحفاظ على القمة أصعب كثيرا من الوصول إليها .

أسوأ السيناريوهات لم تكن تتوقع أن يضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية المكلف , إلى تشكيلها بأغلبية صوت برلماني واحد , أي بأغلبية 61 من أصل 120 , أعضاء كنيست , ذلك انه إضافة لأعضاء الليكود الفائزين بعضوية الكنيست العشرين وعددهم 30 نائبا , فاز سبعة وثلاثون آخرون من ممثلي الأحزاب اليمينية والدينية , وكان يبدو لحظة إعلان نتائج الانتخابات , بأن نيتنياهو سيكون في موقع ” تفاوضي ” مريح , فهو سيختار إما تشكيل حكومة وحدة وطنية مع المعسكر الصهيوني , لترميم العلاقة مع الولايات المتحدة ومع العالم الخارجي , أو حكومة يمين بأغلبية 67 مقعدا , بما يبرر ذهابه أصلا للانتخابات المبكرة , وانه لم يخسر , هذا إن لم يكن قد حقق ما هو أفضل مما كان عليه حال حكومته الثالثة السابقة .

لكن ما حدث ومنذ اللحظة الأولى لبدء المفاوضات بين شركاء الحكم , أظهر بان الأمر على قدر من التعقيد , فقد بدأ التنافس بين كل من أفيغدور ليبرمان ونفتالي بينت زعيمي كل من إسرائيل بيتنا والبيت اليهودي , على وزارة الخارجية أو الجيش , مما أدخل نيتنياهو في مفاوضات عسيرة , ولأنه يتقن اللعب على الحبال جيدا , فقد توصل لاتفاقيات مع الأحزاب الدينية , كل من شاس ويهوديت هتوراة أولا , وكذلك كولانو , ومن ثم بدا أن المشكلة تلخصت في بينت , بعد أن فضل نيتنياهو منح الخارجية لليبرمان , واحتفاظ الليكود بوزارة الأمن .

مشكلة نيتنياهو انه قد حرق ورقة تفاوضية مهمة منذ أيام دعايته الانتخابية , وتمثلت في إعلانه رفضه خيار حكومة الوحدة الوطنية , ربما ليبرر قراره بتبكير الانتخابات , لذا فقد وجد نفسه محشورا بن ليبرمان وبينت , ولم يدر في خلده للحظة ما يضمره له شريكه السابق , ليبرمان , الذي كان قد ذهب معه إلى انتخابات الكنيست التاسع عشر بقائمة موحدة لمواجهة ” كاديما ” في ذلك الوقت , حيث نجح بتشكيل حكومته الثالثة , رغم أن تحالفه مع ليبرمان قد حاز على 27 مقعدا مقابل 28 لكاديما _ تسيفي ليفني .

في اللحظة الأخيرة , ورغم منحه الخارجية , على الرغم من أن حزبه حاز على ستة مقاعد , مقابل ثمانية للبيت اليهودي , أعلن ليبرمان قبل ساعات من انتهاء المهلة القانونية لتشكيل الحكومة , بأنه ذاهب للمعارضة , وانه قد حشر نتينياهو في الزاوية , مع بينت طامع وشره , ومع نصل الوقت على رقبة بنيامين !
طبعا ادعاءات ليبرمان الأخلاقية كسبب لهذا الموقف لا تقنع أحدا , ولكن لابد من البحث فعلا عن السبب الحقيقي لهذا الموقف , ولماذا خدع ليبرمان نيتنياهو كل هذا الوقت , أي وقت المهلة المحددة للمفاوضات الائتلافية , حيث كان يمكنه أن ينصح رئيس الدولة بتكليف اسحق هيرتسوغ , مثلا , أو أن يعلن عن عدم التوصل للاتفاق مع نيتنياهو مبكرا , لكن من الواضح انه تعمد حشر رئيس الحكومة المكلف في الزاوية , وان يوجه له الطعنة في اللحظة المناسبة .

هل هناك حقد شخصي بين الرجلين , وهل هناك ثأر مبيت بينهما , أم هي الانتهازية السياسية التي تتسم بها السياسة الإسرائيلية والتي يتصف بها السياسيون الإسرائيليون ؟ لابد هنا من تذكر الطموح الشخصي لأفيغدور ليبرمان , الذي كان قد فاز في انتخابات الكنيست الثامن عشر بالمرتبة الثالثة , حين قال , بأنه اليوم الرجل الثاني ( وزير الخارجية ) في الحكومة , لكنه سيكون رئيس الحكومة في المرة القادمة .

ويبدو أن ليبرمان , لم ينس طموحه ويريد أن يحقق شيئا بعد تراجع قوته في الانتخابات الأخيرة , بما يعني بأنه لم يغلق الباب تماما , وربما انه يسعى ليضع حزبه ونفسه على رأس تيار الوسط , بعد ظهور حزب العمل مجددا كمحور يسار , وبعد خروج لبيد من هذه المنطقة , بل وكذلك عدم إقدام موشيه كحلون لشغل هذه الخانة , وبالطبع بعد تلاشي كاديما !

في المدى المنظور , ليبرمان في المعارضة , لكنه لن يكون حليفا للعمل ويوجد مستقبل وميرتس والعرب بالطبع , وربما كان ليبرمان بعد خبرة حققها خلال السنوات الماضية , عرف خلالها تفاصيل وألاعيب ودهاليز السياسة الإسرائيلية , يرى بان برنامج اليمين قد أستنفذ تماما , وانه يقود إسرائيل لصدام كبير مع واشنطن حتى بعد انتخابات الرئاسة الأمريكية بعد نحو عام ونصف , والتي يمكن أن تأتي برئيس جمهوري , وعودة الفاعلية لليسار ( العمل ) والوسط وتنامي قوة العرب تأكيد على ذلك , لذا فضّل مغادرة مركب اليمين الذاهب للغرق .

أما نيتنياهو , فقد سارع لعدم إفلات فرصة تشكيل الحكومة , وأبقى على خيارات باتت صعبة ومحدودة أمامه , فبعد أن ينتهي من معركة توزيع ما تبقى من حقائب وزارية على أمراء الليكود ,وبعد أن أعلن عن إبقاء الخارجية بيده , لأنه منح البيت اليهودي , بدلا منها كل ما طالبه به , باستثناء التعهد بعدم الذهاب لحكومة وحدة مع المعسكر الصهيوني , مما يعني بأنه على استعداد لمنحها لليبرمان في حالة عاد صاغرا لحكومة اليمين , وهذا مستبعد , كذلك مستبعد ما لم تضغط واشنطن , إقدامه على منح الخارجية لهيرتسوغ , فلا يبقى أمامه سوى محاولة شق بعض أحزاب المعارضة , وليس أمامه سوى حزب ليبرمان , وهذا سيكون أثيرا عنده لرد الدين , أو المعسكر أو يوجد مستقبل , وهذا أصعب بدرجة ما , وإلا أن يحكم بأغلبية مقعد واحد تذكر بحكومة رابين / بيريس ( 92 _ 96 ) , والتي ربما لا تصمد أكثر من عام , أي حتى إجراء انتخابات الرئاسة الأمريكية .

Rajab22@hotmail.com

جريدة الأيام

8 / 5 / 2015

اترك تعليقاً