الأرشيفوقفة عز

رحلة لفيف الحلقة الثانية والأخيرة – نضال حمد

 منذ اليوم الأول لرحلتي الى لفيف بالقطار من مدينة كراكوف البولندية وحتى وصولي الى محطة قطارات لفيف المركزية، لاحظت خلال الحديث في القطار أن الاوكرانيين لطيفين وبسيطين وغير متصنعين وليسوا مدعين بل تلقائيين وعفويين وعاديين في أحاديثهم.

في محطة القطار التاريخية بمدينة لفيف كانت بانتظارنا الدكتورة ارينا مارتينياك من شعبة الاستشراق في جامعة لفيف. رحبت بنا وعبرت عن سعادتها بوصولنا. وكانت شديدة الحرص على استغلال الوقت كي نستطيع رؤية ومشاهدة المدينة، لذا رَفَضَتْ فكرة ركوب سيارة أجرة للتوجه الى الفندق. عرضت علينا الركوب في ترام رقم واحد أو ترام رقم تسعة وكلاهما يوصلنا الى وسط المدينة، فخلال الرحلة بالترام يمكننا مشاهدة معالم المدينة. راقت لي كثيرا فكرة ارينا وأعجبتني رغم الارهاق الذي نال مني خلال السفر وقبل ذلك النهوض باكرا في ذلك اليوم الطويل، حيث سافرت من “كراكوف” الى “جيشوف” ومنها الى مدينة “بشيميشل” مكان استبدالنا القطار البولندي بقطار أوكراني هو الذي أوصلنا الى لفيف.

يجب علي الاعتراف بأن القطار الأوكراني كان أفضل كثيرا من القطار البولندي وتوفرت فيه كل أسباب الراحة والاستمتاع بالسفر.

في محطة قطارات “بشيميشل” البولندية يوجد خط سكك حديدي خاص بالقطار المتجه الى اوكرانيا. وقبل الصعود الى القطار يقوم مفتش أوكراني بالتدقيق في البطاقة وكذلك في جواز السفر، ويدون على ورقة خاصة بلوائح المسافرين جنسيات المسافرين. يبدو لكي يسهل على الشرطة والجمارك معرفة جنسيات المسافرين وأماكن جلوسهم في المقطورات.

 

خلال السفرة وبعد مسير غير طويل وصلنا الى بلدة “موديكا” البولندية حيث نقطة الحدود بين البلدين. هناك صعد مفتشون من الشرطة والجمارك البولندية للتدقيق في الجوازات وكذلك في الحقائب. بعد انتهاء التدقيق البولندي جاء التدقيق الاوكراني.

التدقيق البولندي أثناء العودة من لفيف الى بولندا أشد من التدقيق الأوكراني لأن تلك الحدود تعتبر حدود الاتحاد الأوروبي.

رغم أن تعامل الحرس البولندي في المحطة في مدينة “بشيميشل” معي شخصيا كان تعاملا جيدا وسهلوا لي كل أسباب التنقل براحة ودونما عناء، إلا أنني لاحظت تكبرهم في التعامل مع الأوكرانيين. مثلا في المكان المخصص لعبور المعوقين نحو القطار وهو مكان يفتح عبر بوابة مؤدية الى أرصفة توقف القطارات في المحطة، استوقفني منظر قيام شرطي بولندي بايقاف شابة أوكرانية حاولت عبور البوابة الى القطار. وقيام الشرطي بتسجيل مخالفة مالية لها وربما أنه بايقافها تسبب في تأخرها عن اللحاق بالقطار، مما يعني تكبدها خسائر مالية إضافية. هو على حق من حيث تطبيق القانون لكن كان بامكانه الاكتفاء بتنبيهها وتركها تلتحق بالقطار، خاصة اننا عشنا يوم العودة من لفيف أوقاتا عصيبة بسبب تأخر القطار في الوصول، وخسارتنا لقطارنا الذي كان يجب أن يقلنا الى كراكوف، وانتظارنا وقتا اضافيا وكذلك وقوفنا في صف طويل لاستبدال تذاكرنا أو شراء تذاكر جديدة، في جو حار جدا وخانق.

 تحضرني الآن موظفة التذاكر البولندية التي كانت تراجع وتبيع الركاب التذاكر وتقول لهم انها تذاكر بلا أمكنة للجلوس حيث أن الأمكنة كلها محجوزة.

عندما جاء دوري وسددت ثمن تذكرتي قالت لي أنها تذكرة بلا مكان للجلوس في القطار أي على الواقف… قلت لها لا يمكن ذلك لأنني معاق ويجب أن تدبر لي مكان للجلوس وهذه مسؤوليتها لأنني لست السبب في ضياع قطاري ومكاني وحجزي لمقعد كنت سددت ثمنه مسبقاً.

بعد محاضرتي تلك سألتني ما هو نوع اعاقتي ومدى الاعاقة؟ … قلت لها وهل إن أجبتك سيغير هذا في شيء .. ألا ترين أنني أسير بعكازة…؟ وحتى في حال أن اعاقتي غير كبيرة فهل يمكنني الوقوف ثلاث ساعات في القطار؟..

في النهاية تدبرت لي مكان للجلوس مخصص بمقطورة للمعوقين. حين وصلت المقطورة كانت خالية إلا من شخصين ليسا معاقين،  شاب وشابة لطيفين، وضعا جهاز تلفاز في منتصف المقطورة مغلقين بذلك الطريق على الآخرين. اعتذرا مني عن ذلك، لكنني قلت لهما أن تلفازهما لا يزعجني فأنا أيضا أخطط غدا لشراء تلفاز كي يتسنى لي متابعة مباريات كأس العالم المقامة في روسيا. المهم خلت المقطورة من أي معاق آخر، وبقيت أماكنها فارغة من بشيميشل الى كراكوف.

 

مشاهدة لفيف عبر رحلة الترام

 

خلال سير الترام من محطة قطارات لفيف الى الفندق كنت أقوم بالتقاط الصور للمباني والأماكن والكنائس والميادين التي كانت تبرز أمامنا ولكننا سرعان ما كنا نتركها خلفنا. وفي غمرة انشغالي بالتصوير هنا وهناك من خلال نوافذ الترام، كانت “ارينا” تقوم بشرح سريع عن الأمكنة والميادين.

 

الفندق أو السكن الجامعي

 

وصلنا الفندق وهو سكن جامعي جميل يقع في وسط المدينة وقريبا من مركزها الرئيسي. كان حجزنا هناك يشمل فقط يوما الخميس والجمعة. فيما قررنا أنا ويوسف أن نبقى ليوم اضافي في المدينة كي نستطيع التفسح فيها والتمتع بمشاهدتها بعد انتهاء مهمة العمل في الجامعة. خشينا أن لا نجد غرفا فارغة يوم السبت. لكن ادارة الفندق ومديرته والعاملات فيه كن مرحبات ومتفهمات وساعدن كثيرا في توفير الغرفة ليوم إضافي وبنفس السعر.

كل شيء كان جميلا في الفندق باستثناء السرير كان صغيرا وضيقا. ولحسن الحظ انني كنت كل مساء أعود الى الفندق مرهقا ومتعبا مما ساعدني على نسيان السرير والنوم عميقا وبدون عناء. كما كان هناك شيئا ثانيا أيضا أزعجنا وهو نظام غلق أبواب السكن الجامعي عند الساعة الحادية عشرة ليلا. مما يعني أن علينا العودة الى السكن قبل هذا الوقت. وأيضا لحسن الحظ أن تجوالنا اليومي في المدينة وفي درجات حرارة عالية كان لا يسمح لنا بالبقاء طويلا في المدينة، وكنا بارادتنا نعود الى السكن حتى قبل العاشرة ليلا.

 

اللقاء مع مترجم القرآن الكريم …

 

في اليوم الأول لوصولنا الى لفيف شاءت الصدفة أن يكون المستشرق والمستعرب الأوكراني ميخائيلو يعقوبوفيتش في زيارة عمل الى المدينة. علم عبر صديقتنا ارينا بوجودنا في لفيف فطلب اللقاء بنا. ألتقينا واياه في مقهى غلوريا، وتبادلنا الحديث عن قضايا عديدة أهمها ترجمته للقرآن الكريم مباشرة عن النسخة العربية. ميخائيلو يعمل الآن على ترجمة صحيح البخاري. أهديناه انا ويوسف نسخا من كتبنا المطبوعة. وكذلك أهدينا بعضها للدكتورة ارينا. كما أنني بعد محاضرتي في شعبة الاستشراق بالجامعة قمت بتقديم هديتين رمزيتين للدكتورة ارينا ولشعبة الاستشراق وهما الشال والعلم الفلسطينيين.

 

في بلدة فيلكي لوبين قرب لفيف…

 

يوم السبت وهو آخر أيامنا في لفيف دعتنا الدكتورة ارينا الى منزل العائلة في بلدة “فيلكي لوبين”. البلدة وادعة، جميلة وهادئة، تعداد سكانها ٥٠٠٠ نسمة. فيها ثلاث كنائس جميلة لثلاث من الطوائف المسيحية وهي الأرثوذوكس، الكاتوليك والكنيسة اليونانية. كما يوجد فيها قصر قديم تم تحويله الى دار للايتام. تبعد البلدة عن لفيف حوالي ٢٥ كلم ويمكن الوصول الى هناك عبر السفر بالقطار أو بالميني باص. سافرنا بالباص الذي ينطلق من مكان قريب جدا من محطة القطار. كان الباص يتوقف في الطريق للركاب المسافرين الى قراهم ولاحظت أنهم يعرفون بعضهم ويعرفهم سائق الباص الذي تبادل الحديث طوال الطريق مع عددا منهم. وعند اقترابنا من فيليكي لوبن كان علينا النزول في ثاني محطة. سألنا المسافرين فساعدونا وأهتموا بنا كثيرا. حتى أن رجلا طاعنا في السن نزل معنا في نفس المحطة سألنا عن اسم العائلة التي جئنا اليها لكن قبل جوابنا وصلت ارينا ورافقناها الى منزل العائلة. في الطريق من المحطة الى المنزل اخذت تشرح لنا عن بلدتها وعن الاماكن والكنائس المنتشرة فيها.

في منزل العائلة قدمت لنا شراب “كومبوت” المحلي، المصنوع من ثمار فاكهة حديقة دارها. ثم تناولنا طعاما أوكرانيا شهيا صنعته لنا وهو عبارة عن أقراص من البطاطس والكوسا مقلية بالزيت ويتم تناولها مع اللبن. خلال الوقت في المنزل اكتشفنا أن ارينا عازفة بيانو جيدة وقامت بعزف مقطوعتين جميلتين.

 

يوم السفر من لفيف الى كراكوف

 

اتفقت وزميلي يوسف ليلة السبت وبعد قضاء المساء في السير في المدينة ومشاهدة معالمها القريبة من الفندق أن نلتقي تمام العاشرة صباح الأحد. ثم من هناك نتوجه فورا الى محطة القطارات كي نلحق بقطارنا وقبل ذلك لقاء الشاب الفلسطيني مأمون صبح المقيم في لفيف، الذي رغب بلقائنا بسبب عدم تواجده في لفيف أيام وجودنا هناك حيث كان مسافرا الى مدينة أخرى.

كانت المفاجئة ليوسف ولي قوية فهوعادة ينهض باكرا أما أنا فلا أفعل ذلك. قبل العاشرة بنصف ساعة طرق يوسف باب غرفتي ليخبرني بأن هناك سباق ماراثون في المدينة وأن كل وسائل النقل متوقفة والشوارع مغلقة حتى الساعة الثانية عشرة ظهرا. فيما موعد قطارنا الساعة 11.18 … هبطنا فورا الى الاستعلامات في الفندق حيث كانت تعمل سيدة في العقد السادس من عمرها. ابلغناها بأننا يجب أن نسافر ونلحق بقطارنا وبأنني بسبب وضعي الصحي واعاقتي لا أستطيع السير مسافة كبيرة. قلنا لها أنه علينا ايجاد وسيلة للوصول الى المحطة. فقامت بالاتصالات مع سيارات الاجرة وشركات التاكسي دونما نتيجة. ثم اتصلت بالاسعاف وبالشرطة حيث بعد عناء امتد حوالي الساعة حصلت على تصريح من الشرطة لسيارة اجرة كي تنقلنا. لكن سيارات الاجرة رفضت المجيء. وكان التأثر واضحا وظاهرا على المرأة التي انفعلت كثيرا و فعلت كل شيء ممكن وكل ما بوسعها لمساعدتنا. وعندما عجزت عن تأمين وسيلة لنقلنا قامت بالاتصال بنجلها الذي حضر بسيارته وأقلنا الى محطة قطارات لفيف. شكرناها كثيرا وكذلك شكرنا كثيرا نجلها، الشاب البشوش الذي أوصلنا بسيارته الخاصة الى المحطة. وقمت أيضا بتقديم مبلغ من المال له كشكر على ما فعله لأجلنا. ودعناه وحملناه شكرنا وتقديرنا لما فعلته والدته. ثم دخلنا الى محطة القطارات حيث التقينا مع مأمون الذي كان في انتظارنا هناك.

 

نضال حمد

 

لفيف – كراكوف 06-2018

 

هنا ر ابط الحلقة الأولى :

لأول مرة في لفيف الاوكرانية – نضال حمد

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.

Zdjęcie użytkownika ‎Foto av Nidal Hamad سفر في صور‎.