الأرشيفالجاليات والشتات

شهادة أم غازي حمد عن مجزرة قرية الصفصاف اكتوبر 1948

اعداد وعرض نضال حمد – شهادة خاصة بموقع الصفصاف
أجريت المقابلة سنة 2008 في منزلها بمخيم عين الحلوة
زهيا قاسم اسماعيل حمد مواليد الصفصاف – قضاء صفد – الجليل الأعلى – فلسطين سنة 1939 . أم لشهيدين : عبد محمد حمد استشهد في معركة التصدي للدبابات الصهيونية التي كانت تحاول اقتحام مخيم عين الحلوة في حزيران / يونيو سنة 1982 .
طارق محمد حمد اغتاله مجهول في مخيم عين الحلوة سنة 1991
ابنة شهيد: استشهد والدها في مجزرة الصفصاف سنة 1948 و قصة استشهاد والدها محزنة واصبحت محطة هامة في حياة أم غازي حمد
تسكن منذ النكبة في مخيم عين الحلوة
أنا أم غازي حمد من بلدة الصفصاف ، بدي أحكي عن مجزرة الصفصاف التي حدثت في فلسطين .. لم يكن هناك اعلام في المنطقة ولا أحد علم بالمجزرة .. و لا أحد تكلم عنها .. صارت مجزرة كبيرة و راح شباب كثيرين من عندنا .. حدثت قبل ذلك معركة المرج شرقي الصفصاف ، شارك فيها جنود من جيش الانقاذ و شباب من “جماعتنا” اي من البلدة .. وظلوا يتناوشوا هم و اليهود كثيرا من عصر أول يوم حتى ثاني يوم صباحاً والمعركة كانت ماشية .. خسر اليهود كثيراً في معركة المرج .. (يوم 28/10/1948 )…
لم تستطع قوات اليهود دخول البلدة من تلك الناحية فألتفت عليها من جهة اليمين والغرب من قرب بلدة ميرون و بالضبط من عند كرم النجار و في الصباح عند الفجر دخل اليهود البلدة فصار الرجال كبار السن من أهل البلدة يقولوا للناس لا تخافوا هذه نجدة قادمة لكن ما حسينا إلا واليهود بيننا في البلدة. كانوا يحكوا و يرطموا ( للتعبير عن الحديث بالعبرية ) .. عندها عرفنا أنهم دخلوا البلدة. عندما دخلوا كنا نحن النساء والأطفال والعجزة في قبو شيخ البلدة اسماعيل الناصر (زغموت) .. كما كان قسم آخر من الناس في دار البيك ( أحمد شريدي ) ..عندما دخل اليهود البلدة اخرجونا من القبو الذي كنا نجلس فيه ، كنا هناك نساء وأطفال و رجال تجمعنا هناك … اخرجونا الى الحديقة الكبيرة التابعة لبيت الشيخ اسماعيل الناصر و قاموا بفصل الرجال عن النساء ، احتجت النسوة على هذا العمل وسألوا لماذا يفصلون بينهم ؟ وماذا تريدون من هؤلاء الرجال ، فهم لم يحاربوا ولم يقاتلوا ، كانوا هنا معنا طوال الوقت ..مثلنا مثلهم .. رد اليهودي قائلاً : لا .. لا .. نريد أن نحكي معهم كلمتين وكل بيرجع هون .. المهم الرجال كبار السن مثل أبو حمد ، فارس ، رشيد و عاطف ابنه ..هؤلاء الذين كانت اعمارهم من الستين و فوق تركوهم ..لم يأخذوهم مع الشباب ثم قاموا بصف الشباب و قالوا لنا انتم ادخلوا الى الدار .. دار اسماعيل الناصر كانت تتألف من دارين .. يوجد جدار فاصل بين الدارين ، ادخلوا الشباب الى الدار الثانية وأطلقوا النار عليهم.
أم غازي التي كانت طفلة صغيرة في ذلك الوقت عندما سألناها عن عدد الذين سقطوا شهداء في المجزرة قالت لا أدري لكن يقال أنهم أكثر من 100 شخص.للأسف ما كان في أحد يحكي ولا تلفزيون ولا اعلام ولا شيء ..
بعدما قتلوهم بقينا في البيت ولم نعد نجرؤ على الخروج من الدار .. بعضهن خرجن بالسر لمعرفة مصير اولادهن الذين اطلقت النار عليهم في الدار المجاورة .. فقد كانت هناك بوابة عادية للدخول الى الدار التي فيها الشهداء ، ذهبت فاطمة المحمد زوجة أبو ظاهر يونس لرؤية ابنها أحمد الذي كان ضمن الشباب .. دخلت البيت فعرفها والدي الذي كان مازال جريحاً وعلى قيد الحياة.
سألها يا حجة هل أمي وزوجتي واولادي مازالوا احياء ؟
أجابته نعم مازالوا احياء ..
و كلنا مازلن في القبو المجاور لهذه الدار ..بخير لم يعتدوا على النساء في دار اسماعيل الناصر
قال لها : قولي لأمي و لزوجتي أنني جريح وعطشان و بعدني عايش و ريقي ناشف و بدي أشرب ماء ، لو بيقدروا يدبروا لي شوية مية ..
عادت فاطمة المحمد (يونس) و قالت لنا ان والدي جريح و مازال حياً وبحاجة لشربة ماء لأنه عطشان وريقه ناشف .. و إذا كان فيكم تدبروا له شوية ماء ..
قالت (ستي) جدتي أم والدي و كذلك أمي :


اذهبي الى دار ” نعيم الكُلْ ” هناك في خوابي ماء ، ابحثي عن أي شيء و خذي فيه ماء لأبيك …
خرجت من الدار ، شاهدت مجنزرة لليهود واقفة غير بعيد عن الدار وكان هناك جنديان يحملان السلاح .. مررت من قربهما .. كنت صغيرة و لم أكن أعرف شيء .. يبدو انهما كانا يراقبانني .. تابعت طريقي وتسلقت شباكين صغيرين من جهة الغرب و دخلت بيت ” نعيم الكُلْ ” فوجدت ركوة قهوة ، غرفت فيها ماء من الخابية و نزلت عبر الشباكين .. كان اليهوديان يراقبانني ويرصدان تحركاتي .. تابعت طريقي نحو الدار التي فيها الشهداء وأبي الجريح ، فتحت الباب فرأيت والدي يجلس و وجهه الى جهة الغرب ، طبعاً قمت بالمشي بين جثث الشهداء والقفز من فوقها حتى وصلت الى أبي .. كانت الدار مليئة بالجثث هنا رأس وهناك أرجل وأيدي و دماء ….الخ ..
رآني أبي :
فقال لي أنا هنا يابا (يا أبنتي ) ..تعالي الى هنا ..
قلت له يابا ( يا أبي ) احضرت لك الماء ، أجلس حتى أسقيك ..
قال لي يا ابنتي :
أنا مصاب باليدين والرجلين ولا استطيع التحرك .. أسقيني وانا بهذه الوضعية .. ..
أمسكت بالركوة و بدأت أدير الماء شوية ، شوية في فمه .. شرب معظم ما كان في الركوة .. و صار يسألني :
يا ابنتي ! أمك و ستك (الجدة ) وأخوك طيبين (أحياء) وما حدا (أحد) جاء صوبكم ؟
قلت له : لأ يابا … لم يقتلوا اي امرأة .. فقط قتلوا الرجال ..

المرحومة أم غازي حمد

قال لي : قولي لهم لعلهم في الليل يستطيعون تحييدنا وإخراجنا من هنا .. أنا جريح ومصاب فقط بيدي و رجلي .. وأضاف هنا أيضاً يوجد هذا الشاب جريح ، أشار أبي نحوه .. فرأيته بين القتلى .. ذاك الشاب كان من بلدة “بيريا” فعندما سقطت صفد جاء هؤلاء الى الصفصاف احتموا فيها و ظلوا هنا وعلقوا معنا .. كان شاباً يبلغ نحو عشرون سنة من العمر ، نظرت نحوه ففتح عيناه و نظر نحوي .. تركت له ركوة القهوة وما بقي فيها من ماء
قلت لأبي حين اعود سوف أخبرهم علهم يحيدونكما ..
زهيا قاسم اسماعيل حمد – أم غازي مواليد 1939 ، سكان مخيم عين الحلوة
ما أن خرجت من الباب الذي دخلت منه حتى رأيت اليهودي يقف خلف الباب ، أمسكني من كتفي وكان يحمل بارودة وأمشطة عسكرية على جانبيه و صدره ..
قال لي بنفر :
أنت وين بيكون ؟
قلت :
كنت أقضي حاجتي ..
قال :
لأ أنت عربي ما بيحكي مضبوط ..
(كان يتكلم العربية بشكل مكسر )
قال لي :
أنت كنت عند شخص جريح لازم بيموت ..
وألله الشهيد هكذا قال لي وبهذه اللهجة ..
أنت كنت عند شخص جريح لازم بيموت ..
لا ولن أنسى تلك الواقعة ..
اثناء صراخه وحديثه معي خرجت أمي وجدتي وأخذتا ترجوانه أن يتركني وقالتا أنني طفلة غبية وصغيرة لا تفهم ولا تعقل …
قال لهما : يا الله .. أنتم ” فاكين” يا الله أنتم كلكم ما بيحكي مضبوط ..
وأضاف : نحن (اليهود) نقتل الشخص بالرصاص أما أنتم ( العرب ) تذبحونه ذبحاَ ..
قال كل بيدخل البيت .. أدخلنا الى البيت .. وطرق الباب خلفنا بقوة .. ثم أطلق رصاصة في الهواء وأخذ يشتمنا بعبارات نابية جداً. وهددنا قائلاً : أي وحدة منكن بتخرج سوف أفعل واترك فيها .. وتهديدات وشتائم أشكال والوان .. بعد ذلك لم نجرأ على الخروج من البيت /القبو. ثم ذهب وأجهز بالرصاص على الجريحين ، ابي و الشاب الذي معه.
لم نخرج من البيت إلا بعد يومين .. فقد جعنا وعطشنا.

حاورها نضال حمد في مخيم عين الحلوة – صيف 2008