facebook

علي فودة شاعر الرصيف الثوري – يوسف شرقاوي

علي فودة قرأ رثائه وابتسم ، فمات واستراح الى الأبد ….

كطائر ” السنونو ” كان يوزع جريدته ” الرصيف ” على المقاتلين والمارة من فلسطينيين ولبنانيين ،وكان هذا العنوان ” الرصيف ” قد اتفقا عليه معا هو والكاتب رسمي ابو علي

 

 علي فودة، كان يعلم ان شظايا قذيفة تنظره امام كل متراس وخلف كل منعطف ، لتمزق جسده  اربا، وتنثره على احد الأرصفة .

كان  سابقا يتحدى  طلقات القنص، في الشياح ورأس النبع، حيث كان مشاكسا لافتا بشعره الأشيب “المقطقط” وسترته العسكرية الخضراء والتي ربما لايملك سواها، فقط كان كادحا بكل ما للكلمة من معنى.

وكان لايأبه لا لصوت القذائف ،ولا لأزيز الرصاص ،لأن مواقفه كانت اعلى من صوت القذائف ،وأوضح من  لون الرصاص “الخطاط” في سماء بيروت محلوكة الظلام ليلا

كان يروق له ان يناديني “ادهم” وكان يصر ان نتمشى سويا لأنه يعرف ان هوايتي المفضلة هي المشي، وكنت اتجاهل   عن قصد لماذا يحب ان يتمشى في ذلك الشارع الفرعي الهادئ من بيروت وكأنه يبحث عن شيء لايستطيع البوح به 

علي فودة كان شجاعا وحادا كالسيف، الا انه كان خجولا ودمثا ،لايقوى الا ان يختلس نظرة  واحدة من تلك المرأة لتي احب وكان ويقول  فرحا  عندما يرها في هذ لشارع الفرعي من المدينة” هذه المرأة ربما تحميني من مطر الشتاء بمطرها

 

ماكنت اتبادل معه اطراف الحديث عن “المثقفين العضويين” الا ليبدأ بالحديث عن غسان كنفني وابنة شقيقته لميس وكيف مزقت جثتيهما انفجار سيارة على مقربة من احد ارصفة ” الحازمية ” في بيروت الشرقية ،وكأنه كان يتنبأ انه سيلاقي حتفه على احد ارصفة بيروت ممزق جراء  سقوط قذيفة  قربه

وللمصادفة تمزقت قبله  جثة غسان ولميس بالقرب من رصيف، وبعده سقط صديقه “حنا مقبل” قبل ان يصل احد  ارصفة نيقوسيا ،وكذلك صنوه في المشاكسة “ناجي العلي” سقط  قرب احد ارصفة لندن. وكذلك سقط على احد ارصفة عمان بعد عشرات السنين من كان قد رثاه وهو يرقد في المستشفى وقرأ عليا هذا الرثاء “ناهض حتر” وكان هذا هو ربما الرثاء الأخير  الذي قرأه قبل ن يموت، وربما سيقضي بعدهم الكثير الكثير من لكتاب والمثقفين  المشاكسين العرب الأحرار.

علي استيقظ من الموت وقرأ رثاء الأصدقاء ابتسم بعينيه لأن شظايا القذيفة استطاعت ان تنال من فمه ، ولم يستسلم وكيف يستسلم صاحب الضحكة العالية العذبة  ؟كيف يستسلم هذا البسيط العفوي طيب الفلب؟

 

الطيبة تجلت في كلمات “علي”  عن الوطن التي غناها الفنان اللبناني لملتزم “مارسيل خليفة”

اني اخترتك يا وطني حبا وطواعية ،اني اخترتك ي اوطني سرا وعلانية ، وكان “علي” صادقا  في هذا الاختيار، لأن  من عرف “عليا” عن قرب او عن بعد ،عرف ان “عليا” لو صُوّب مسدسا الى رأسه لن يبدل خياراته المقتنع بها، فقال   “فليتنكر لي زمني، مادمت ستذكرني، يا وطني الرائع يا وطني” فصدقه الوطني وحبه لفلسطين،  جعله لا يتنكر للبنان الذي آواه، بعد ن ضقت به المنافي، وكان يقول لأصدقائه اللبنانيين بكل صدق “نحب لبنان هذا الوطن والمنفى الجميل في آن معا ،لكن لنا وطننا ولكم وطنكم ،وهذا ليس من باب التنكر لكم  أو لوطنكم ، بل من باب حبكم وحب لبنان، كما انتم احببتم فلسطين وشعب فلسطين

   سلاما لروحك يا علي وثق ان الأجيال القادمة ، لن تنسى جثتك هناك في المنفى وستنقل رفاتك حتما الى “قنير” حيفا  حيث حيفا  هي عشق جميع الفلسطينيين