الأرشيفوقفة عز

فيلم غزة مونامور رسالة حب وحرية وحياة من غزة المحاصرة – نضال حمد

غزة مونامور فيلم للإخوين ناصر في مهرجان أوف كاميرا العالمي

رسالة حب وحرية وحياة من غزة المحاصرة الى العالم أجمع.

يبدأ الفيلم مع مشهد يظهر فيه بطل الفيلم الممثل القدير سليم ضو وهو يبحث على الطريق قرب الميناء وبين عناصر الشرطة المنتشرين في المكان على غير عادة بحسب قوله، لايجاد مكان للتبول، فقد كان محشوراً حد الانفجار، مثله مثل كل فلسطيني، محشور في سجن كبير، يعيش تحت الاحتلال والحصار في غزة والضفة الغربية، وحتى في مخيم عين الحلوة بلبنان، المخيم الفلسطيني الأكبر هناك والمغلق بجدار عازل أخوي لا يختلف عن جدار الأعداء في فلسطين المحتلة. قبل أن تنفجر “ماسورة” صياد السمك الغزاوي عيسى ناصر يلجأ الى البحر حيث يتبول، وحيث يصطاد السمك يومياً ضمن مساحة لا تتخطى ال 3 ميل حددها الاحتلال الصهيوني لصيادي غزة الفلسطينيين. فتخطي تلك المساحة يعني الاعتقال أو الموت.

يقع الصياد عيسى ناصر في شباك الحب وهو رجل ستيني لازال عازباً حيث لم يتزوج بالرغم من تقدمه في العمر، يقع في حب أرملة تدعى سهام وتعمل في محل خياطة بالسوق وهي الممثلة القديرة هيام عباس، التي أتقنت دورها بدقة كما سليم ضو. لكن ذات رحلة صيد بدلاً من صيد السمك اصطاد عيسى ناصر تمثال أثري إغريقي للاله اوبولو. ويبدو أن اله الاغريق كان في لحظة نحث التمثال لازال في حالة انتشاء جنسي حيث بدا عضوه التناسلي منتصباً.

قام عيسى ناصر بسحب التمثال وأخذه الى بيته وإخفاؤه في خزانة بالبيت. لكن خلال عملية نقله يقع التمثال فينكسر العضو التناسلي. فيأخذه سليم ضو الى محل مجوهرات لسؤال البائع عن سعره ولتقييمه، لكن البائع يحاول النصب عليه ويعرض عليه مبلغاً من المال مقابل شراؤه. يرفض عيسى ناصر ذلك ويغادر المكان. في الليل تداهم منزله الشرطة وتصادر التمثال وتعتقله وترمي به وهو في روب النوم مع المساجين. واثناء نومه يحلم بمضاجعة حبيبته فتتسخ ملابسه. يسمح له بالاستحمام وبعد ذلك يقوم بالتوقيع على تعهد بعدم تكرار ذلك. لكن تبقى “حمامة” أوبولو لدى عيسى ناصر. تحاول الشرطة أو السلطة بيع التمثال للاستفادة من سعره في ظل حالة الحصار التي يعيشها القطاع منذ سنوات طويلة. عند ذلك وبعد المراسلات يدركون انهم بحاجة لاستعادة “حمامة” اوبولو. فيداهمون منزل عيسى مرة أخرى ويصادرون الحمامة ويعتقلونه من جديد. بسبب التمثال والحمامة والاعتقال تتخربط مواعيده، التي كان يخطط لها للالتقاء بالحبيبة والبوح لها بما يدور في قلبه وعقله. قبل الاعتقال كان التقاها في موقف السيارات العامة ورجاها أن تقوم بتقصير سراويله، ووافقت على ذلك. فهي أيضاً ربما بدأت تشعر بشيء ما اتجاهه.

في ذلك الوقت تقوم شقيقة الصياد عيسى بالبحث له عن عروسة رغم رفضه لمقترحها ومطالبتها بالابتعاد عن الموضوع. لكنها امرأة تقليدية تظهر عاداتها وتحفظ تقاليد عائلتها، فتحضر له مجموعة نساء الى البيت لالقاء نظرة عليهم. لكن عيسى وهب قلبه لسهام وكان يخفق لقلب تلك الارملة الخياطة. التي تعيش مع ابنتها المطلقة والمتحررة، الطالبة في الجامعة، التي تساعد والدتها في الخياطة لتأمين لقمة العيش، ولا ترتدي حجاباً على رأسها ولا لباساً تقليدياً كما نساء القطاع عامة. نتيجة الحصار والأزمة الخانقة في القطاع يقوم صاحب محل الملبوسات بتخفيض راتب سهام وبتسريح عدد آخر من العمال. أما عيسى ناصر فند استلامه السراويل بعد تقصيرها بدا المشهد مضحكا وفكاهياً حتى لسهام وابنتها، فقد كانت السراويل قصيرة ومضحكة فيما عيسى كان يردد بهبل وسذاجة انها جيدة ومناسبة والخ.

تظهر في الفيلم طريقة تعامل رجال الشرطة وموظفيها مع الناس وهي طريقة جلفة لكنها عادية لأن هؤلاء كانوا مقاتلين وفجأة تحولوا لرجال شرطة. كما تظهر في الفيلم لقطة لصواريخ كتائب القسام وفرحة شاب فلسطيني غزاوي سائق سيارة بها. وتظهر أيضاً لقطة لغارة صيهونية على القطاع. وفي لقطة أخرى اطلاق رصاص وتحذير لعيسى وسهام خلال وجودهما في لحظات حب وانسجام حيث تخطى زورقهما الثلاثة أميال بحرية.

قبل ذلك كان عيسى استجمع كل قواه وتهندم وتوجه الى منزل سهام وطرق بابها، وحين فتحت الباب باغتها بالسؤال هل تتزوجينني؟ ..

ساد صمت للحظة وترافق ذلك مع عودة ابنتها الى البيت، التي وجدتهما واقفين أمام الباب، ففهمت الأمر وأخذت تضحك وتضحك ثم فعلت ذلك والدتها وأيضاً عيسى ناصر حيث ضحكوا طويلا وشاركهم جمهور المشاهدين في صالة العرض، الضحك بصوت مسموع.

الفيلم حمل رسائل كثيرة أهمها رسالة الحب في زمن الحصار. وقدم قصة حقيقية عن تمثال أثري إغريقي للإله أبولو الذي كان عثر عليه مقابل دير البلح سنة 2014 أحد صيادي غزة ويدعى “جودة أبو غراب”. كما أظهر  حالة القلق والعجز والعوز في القطاع وتفكير بعض الشباب بالهجرة الى أوروبا كما فعل صاحب الدكان صديق الصياد عيسى ناصر. الشخص الذي دفع للمهربين كل ما ذخره من أموال من أجل الهجرة.

الفيلم قدم الحياة اليومية ومعاناة السكان في القطاع المخنوق والمغلق والمحاصر كما هي وبدون رتوش، ابتعد عن المعتاد عليه من خلال تقديم الفلسطيني كضحية وإظهار الدمار والقصف والقتل والغارات والخ. أذ إراد تقديم المعاناة برؤية مغايرة وبشكل مختلف. ربما هذا يكون مفهوماً لمن يعرف بشكل جيد معاناة الشعب الفلسطيني منذ النكبة حتى ظهور الفيلم. لكنه قد لا يكون مفهوماً بشكل كامل بالنسبة للمشاهد الأوروبي وبالذات الذي لا يعرف شيئاً أو لا يعرف الكثير عن القضية الفلسطينية، أو يخضع للدعاية المضادة وللتزييف والنفاق الذي تمارسه واسئل الاعلام في بلده كما هو الحال مع وسائل الاعلام البولندية، حيث عرض الفيلم يوم أمس الاربعاء 8-09-2021 في مهرجان “أوف كاميرا” العالمي في مدينة كراكوف البولندية. لكن الفيلم الذي أضاف  إليه الاخوين ناصر، عنصر الكوميديا ليمتزج بالتراجيديا الفلسطينية اليومية، هو بشكل عام فيلم رائع ورسالته رائعة وكذلك التمثيل والاخراج والتصوير والديكور وخفة دم وحضور المخرجين الشقيقين.

بعد انتهاء عرض الفيلم الذي قدم قصة حب رومانسية تدور أحداثها في غزة وعلى ما أعتقد بمخيم الشاطئ أو معسكر الشاطئ بلهجة أهل غزة. دار حديث وحوار بين المخرجين وبعض المشاهدين من الجمهور الذين اهتموا بالفيلم ومنهن سيدة ضليعة بالسينما والفن على ما يبدو، وتبين بين بعد الحديث معها أنها من سلوفاكيا جارة بولندا. بدت عليها وعلى لهجتها وحديثها ملامح التضامن العالي مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

شاركت أنا في الحوار ووضحت باللغة البولندية للجمهور حقائق عن الاحتلال والحصار والعدوانات على غزة وخنق أهلها بسبب الحصار وعن تشتت الفلسطينيين بعد النكبة سنة 1948. أنا متأكد أنهم لا يعرفون شيئاً عن ذلك، لأن الاعلام البولندي بغالبيته إعلام منحاز للرواية الصهيونية ويقدمها بشكل دائم للجمهور. كما شرحت لهم مأساة الشعب الفلسطيني وتوزعنا وتشتتنا الجغرافي كلاجئين في كل العالم بسبب الاحتلال (الاسرائيلي) الاستعماري لفلسطين كاملة. وتكلمت عن اشكالية جواز السفر للفلسطينيين لاجئين وغير لاجئين، موزعين داخل وخارج الوطن المحتل وفي كل الدنيا.

في معرض حديثهما  وفي ختام الحوارأكد الأخوين عرب وطرزان ناصر على أن كل عذابات شعبنا سببها الاحتلال الصهيوني.

نال الفيلم وأبطاله مجموعة من الجوائز في مهرجانات عديدة. كما نال سليم ضو جائزة أفضل ممثل من مهرجان أفلام عالمي في تركيا. أما أنا سأبقى أستحضر لقطات عديدة من الفيلم للحسناء هيام عباس التي أنارت المكان بالرغم من انقطاع التيار الكهربائي. كذلك للصياد عيسى ناصر الذي بالفعل أبدع خلالها. فسليم ضو تألق تمثيلاً وظهوراً في لقطات عديدة بالفيلم، لكن مشهد قليّ السمك والاستماع للإغنية الرومانسية الاسبانية والرقص على أنغامها بدقة عالية سيبقى محفوراً في الذاكرة. كذلك مقطع استماعه للفنان عبد الحليم حافظ وهو ينشد رائعته “أني أغرق أغرق أغرق”… فيا أهل غزة سوف يغرق الاحتلال ولن تغرق غزة لأنها عاصمة مقاومة شعب فلسطين.

نضال حمد

كاتب من فلسطين مقيم في اوسلو

9-09-2021