بساط الريح

في ذكري يوم الارض …. فلسطين عربية – المستشار رشيد موعد

الكبار يموتون، والصغار ينسون، هكذا راهن العدو الصهيوني على الشعب العربي الفلسطيني، وقد ثبت العكس بأن الصغار أشد عزيمة وشكيمة وإصراراً وانتماء لوطنهم وأرضهم.

في الثلاثين من شهر آذار عام 1976 هبّ شعب بأكمله في فلسطين المحتلة تنفيذاً لإضراب عام، ونضال شعبي مشروع دفاعاً عن أرضه في وجه مخطط تهويد ومصادرة مساحات واسعة من أرضه العربية، وذلك لإسكان الصهاينة، وبهدف تغيير الطبيعة الديمغرافية لمنطقة الجليل الفلسطينية المأهولة بسكانه الأصليين من أبناء الشعب العربي الفلسطيني.

كان التحرك الشعبي العربي في فلسطين المحتلة سلمياً، هدفه إسماع صرخة احتجاج على هذه المؤامرة الجديدة، وفي الوقت ذاته كان تعبيراً عن تمسك الانسان العربي بحقه في الحياة على أرض آبائه وأجداده، وفي وطنه الذي لا وطن له سواه، إلا أن سلطة الاحتلال الصهيوني، وبأسلوب همجي، قررت تحويل هذا اليوم إلى يومٍ دامٍ.. هدفها من ذلك إرهاب المحتجين العرب حتى تواصل مخططاتها، فسقط في الثلاثين من آذار ستة شهداء في منطقة الجليل والمثلث والشهداء هم:

-خير ياسين من قرية عرابة

-رجا أبو ريا من قرية سخنين

– رأفت الزهيري من قرية عين شمس

– خضر خلايله من قرية سخنين

-حسن طه من قرية كفر كنا

-خديجة شواهنة من قرية سخنين

اضافة إلى مئات الجرحى والمصابين والمعتقلين، وعرف اليوم بـ “يوم الأرض”.

الأرض هي الوطن والكيان والوجود ، كان هذا دائماً مفهوم الأرض بالنسبة إلى الشعب العربي الفلسطيني، لذا دافع عنها وناضل من أجل المحافظة عليها من بداية القرن العشرين ومازال حتى يومنا هذا.

وبعد فرض الانتداب البريطاني عام 1922 على فلسطين، استفحلت هجمة الاستيطان الصهيوني للاستيلاء على الأرض في فلسطين معتمدة على مساعدة الانتداب البريطاني، وقوانين الأرض العثمانية التي بقيت سارية المفعول، والتي جعلت مالك الأرض ليس الذي يفلحها ويزرعها ويعيش فيها وإنما الذي سجلت على اسمه في سجل القيد العقاري.

ومن هنا نرى أن هدم القرى العربية، وتشريد سكانها انتشر مع بداية الانتداب البريطاني، ويجب التأكيد أن الفلاحين العرب الفلسطينيين تمسكوا بأراضيهم، ورفضوا بيعها لمؤسسات صهيونية، بل دافعوا عن هذه الأرض وعن حقوقهم فيها والاستمرار في فلاحتها والعيش فيها.

وكان الإضراب الشامل الذي أعلنه العرب الفلسطينيون المقيمون في ظل الاحتلال الصهيوني بتاريخ 30/3/1976 احتجاجاً على سياسة التهويد ومصادرة الأراضي تأكيداً على عزم الجماهير العربية على النضال من دون هوادة والدفاع عن حقوقها القومية والوطنية ومنها حقها الاحتفاظ بأرضها، أرض آبائها وأجدادها.

إن الدماء التي سفكت في “يوم الأرض” ما تزال تصرخ: (اقبضوا على الفاعل.. اقبضوا على القاتل والسارق).

ولقد استعمل الكيان الصهيوني شتى الوسائل لمنع الإضراب أو إحباطه، استخدم التهديد والوعيد، وقام بعرض عضلات وإدخال قوات مسلحة إلى قرانا العربية، وخصوصاً إلى مدينة الناصرة العربية، ومارس أشد الضغوط على رؤساء المجالس المحلية العربية الذين جمعهم في مدينة شفا عمرو العربية المحتلة عشية يوم الإضراب بتاريخ 25/3/1976، و لم تجدِ تهديدات سلطة الاحتلال وأسالبيها الإرهابية، فكانت نتائج الإضراب مذهلة على الرغم من سقوط الشهداء الستة والعديد من الجرحى برصاص جنود الاحتلال، وعلى الرغم من وسائل القمع الهمجية.

لقد هز الإضراب الرأي العام العالمي و عبّر عن وحدة الجماهير العربية الفلسطينية وتصميمها على مقاومة سياسة مصادرة الأراضي، والتمييز القومي الذي تمارسه السلطات منذ قيام الكيان، كما عبر عن المطالبة باحترم الكيان القومي للعرب الفلسطينيين المقيمين تحت سلطة الكيان الصهيوني والاعتراف بكيانهم وحقوقهم القومية وعلى رأسها وقف سياسة مصادرة الأراضي.

وعلى الرغم من افتضاح أكذوبة “التطوير” التي ابتدعها الكيان الصهيوني والتي يخفي وراءها مخططات تهويد الأرض العربية، كما جاء في مشروع “بريفر” الذي كان مخططاً له إزالة 40 قرية في النقب من الوجود، و تشريد ونزوح حوالي 40 ألف نسمة هم سكان تلك القرى..

وعلى الرغم من المعارضة الشاملة التي أبداها الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة فقد أعلن الكيان الصهيوني عزمه على المضي في سياسة المصادرة والتهويد، كما رفض هذا الكيان تشكيل لجنة تحقيق للكشف عن المسؤولين عن إراقة الدماء في يوم الأرض، وقد أصدرت لجنة الدفاع عن الأراضي بياناً في أعقاب يوم الأرض حذرت فيه الرأي العام بأن سياسة مصادرة الأراضي العربية هي أبرز معالم سياسة التمييز القومي الجائرة حيث لم يبق للعرب المقيمين في الأرض المحتلة أكثر من نصف مليون دونم بعد كل ما صادره الكيان الصهيوني.

إن العدوان الدموي الذي وقع على الجماهير العربية في “يوم الأرض” لا ينفصل عن سياسة التمييز والاضطهاد التي مارستها حكومات الكيان الصهيوني منذ قيامه، بل هو نتيجة لهذه السياسة.

ولذلك فإن أحداث يوم الأرض التي جرت يوم 30/3/1976 ليست إلا فصلاً  دموياً من فصول مأساة استمرت خلال 28 عاماً مضت قبل عام 1976 وهو عام يوم الأرض، وتستمر حتى اليوم، ولم تنته انتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في 30 آذار عام 1976 بل هي مستمرة حتى زوال الاحتلال،  فكل الأيام الفلسطينية هي “يوم الأرض”.

لقد كانت انتفاضة عام 1976، بإجماع عالمي، حدثاً تاريخياً مهماً، ومنعطفاً سياسياً مضيئاً في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني وكفاحه ضد الاحتلال، وكانت صرخة شعبية تجاوزت الحدود الفلسطينية والعربية، صرخة لأحرار العالم المساندين لنضاله وحقوقه.

واليوم تحل ذكرى يوم الأرض على الفلسطينيين بأكبر قدر من الأسى والمرارة، في ظل تواصل الانقسام والتباعد بين الفلسطينيين، وفي ظل وضع عربي رديء ومرير وغريب لا يبشر بخير للقضية الفلسطينية حسب الواقع الذي نعيشه.

المستشار رشيد موعد
قاضي محكمة الجنايات السورية سابقاً

اترك تعليقاً