من هنا وهناك

قانون متابعة مواقع التواصل الاجتماعي بين اعتبارات الآمن القومي والحريات

قانون متابعة مواقع التواصل الاجتماعي بين اعتبارات الآمن القومي والحريات

الدكتور عادل عامر

الجريمة الالكترونية التي انتشرت مؤخرا بشكل واسع في جميع أنحاء الكرة الأرضية ، وأثرت بشكل مباشر وغير مباشر على حياتنا واستقرارنا وقد يتساءل البعض عن ماهية الجريمة الالكترونية ؟ وكيف تحدث ؟ ونتائجها على الإنسان والمجتمع. فـ (الجريمة الالكترونية ) ( السيبر كرايم – Cyber Crime ) ، أو جرائم أصحاب الياقات البيضاء White Collar ، ظاهرة إجرامية مستجدة نسبيا تقرع في جنباتها أجراس الخطر لتنبه مجتمعات العصر الراهن لحجم المخاطر وهول الخسائر الناجمة عنها ،باعتبارها تستهدف الاعتداء على المعطيات بدلالتها التقنية الواسعة،بيانات ومعلومات وبرامج بكافة أنواعها).

 فهي جريمة تقنية تنشأ في الخفاء يقترفها مجرمون أذكياء يمتلكون أدوات المعرفة التقنية و هي نوع من الجرائم التي ظهرت مؤخرا مع الانتشار التكنولوجي وهي مرتبطة بجهاز الحاسب الآلي وأداة الجريمة هي شبكه الانترنيت . يتميز هذا النوع من الجرائم بأنها غير تقليدية، غياب الدليل المرئي الذي يمكن فهمه بالقراءة وصعوبة الوصول إلى الدليل بسبب استخدام وسائل الحماية وسهوله إتلافه وتدميره بوقت قياسي.

 أن الجرائم التي ترتكب من خلال الانترنيت عديدة ولا محدودة وأولها على الإطلاق ما يسمى باختراق الشبكات وأجهزه الحاسب الآلي التي ترتبط بشبكه الانترنيت حيث يقوم الشخص أو جهة ما باختراق نظام الأمن بالشبكة والدخول الى الجهاز والكشف عن محتوياته .

أولا: التخريب أو الإتلاف حيث يكون هذا الأمر بعد اختراق الشبكة وقيام الشخص بمسح البيانات أو تشويها أو تعطيل البرامج المخزنة وجعلها غير قابلة للاستخدام.

ثانيا: التحريف والتزوير: ويقصد به التلاعب بالمعلومات المخزنة في الجهاز أو اعتراض المعلومات المرسلة بين أجهزه الحاسب الآلي المرتبطة بالشبكة وذلك لغرض التضليل عن طريق تغيرها وتحريفها وتزويرها.

ثالثا: مايسمى بالسرقة والاختلاس وقد نظن انه السرقة قاصرة على الأشياء العادية كالأموال والأملاك لكن السرقة طالت أيضا المعلومات الالكترونية المخزنة بالاجهزه والمرسلة عبر الشبكات .

رابعا: بث مواد وأفكار ذات اتجاهات هادمة ومعادية للدين وهي من وجهه نظريا خطر أنواع الجرائم الالكترونية التي تواجه العالم الإسلامي حيث تقوم بعض الجهات المتطرفة والمعادية ببث مواد ومعلومات تخالف الدين والثقافة الاسلاميه وتشكك فيهما وتزرع بعقول الأجيال الجديدة أفكار مشوه تزعزع إيمانهم وتضعفه .

 ولا ننسى تأثير المواد على الأخلاق والعادات والقيم خاصة مع انتشار الصور الجنسية الفاضحة والمقالات المغرضة والأفلام والدعايات والمواقع المخلة للآداب كل هذا له تأثير كبير على المتصفح. بالإضافة إلى ذلك فإنها تنشر بعض المعلومات التي تمثل خطر على الأمن الشخصي مثل تعليم كيفية صناعة المتفجرات بالمنزل مثلا

 خامسا: بعض الأشخاص تسئ استخدام البريد الالكتروني وهذا ما نلاحظه بالونه الاخيره حيث إرسال الفيروسات والرسائل الجنسية وتبادل المعلومات التي تمس الأخلاق والأمن عبر البريد الالكتروني وهذا بحد ذاته جريمة لا يستهان بها .

أن النظام المستحدث لا يتعارض مع الحريات أو الخصوصية، أنه من غير المنطقي أن تسعى أجهزة وزارة الداخلية، بعد ثورتين عظيمتين أعادتا الشرطة إلى أحضان الشعب مرة أخرى إلى تقييد الحريات، « ان هدف الوزارة ا اصطياد من يقومون بتصنيع المتفجرات التى تستهدف الأبرياء، ولا نسعى للتدخل في خصوصية أى أحد»، أن تطبيق النظام الجديد يعتمد على البحث عن مصطلحات ومفردات بعينها، بعد تزويد النظام بها،وأن كراسة الشروط الخاصة بالنظام توضح قدرته على التعامل مع اللغة العربية العامية، والفصحى ولغة (الفرانكو آراب)،بكل مفرداتها، إضافة إلى اللغة الإنكليزية،وإمكانية تزويده بأي لغة أخرى،وهو ما أعتبره الكثيرون قمع للحريات وعودة للدولة البوليسية مرة أخرى.

فالرقابة على هذا النوع الأخير أمر طبيعي لا مشاكل قانونية فيه، “يتماثل مع متابعة الصحف والقنوات التليفزيونية، حيث يخضع كل ما ينشر في الصحف من سب أو قذف أو تحريض لطائلة القانون، ويجوز لأي شخص متضرر منه أن يشكو ضد مرتكب هذه الأفعال باعتبارها ارتكبت على الملأ وكأنها في ميدان عام، والمطالبة بتحرك قضائي إزاءه”.أما الرقابة على النوع الأول، أنه “يتناقض صراحة مع الدستور والقانون، لأن الصفحات الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي والبريد الإلكتروني وحتى الحساب الخاص على “تويتر” لا تعتبر وسائل اتصال عامة، بل منابر اتصال خاصة تجمع المواطن مع مجموعة محدودة من الأشخاص يتحكم هو في اختيارهم، حيث تتيح له هذه المواقع اختيار أصدقائه وتحديد ما إذا كان يرغب في جعل ما ينشره عاماً أو مخصصاً لا يطلع عليه غير من اختارهم”.

 أن “هناك شعرة دقيقة تفرق بين الأمرين، تتمثل في إطار الرسالة التي يوجهها الشخص، والذي يختاره هو بنفسه، فإما يكون هذا على الملأ بإفصاح جهير مما يخضعه للقانون، أو يكون على صفحات التواصل الاجتماعي المغلقة غير المفتوحة للعامة، والتي ينطبق عليها أحكام الدستور بشأن المساكن الخاصة، فلا يجوز مراقبتها ولا تفتيشها إلاّ بأمر قضائي مسبب”.

 أن “المشرع المصري عندما أراد تصنيف وتعريف جريمة السب والقذف في المادة 171 من قانون العقوبات، كان حريصاً على أن تتوافر في الواقعة المجرمة شروط العلنية وإمكانية أن يدرك أي شخص من العامة هذه الواقعة، أما ما يقال في الغرف المغلقة الحقيقية أو الافتراضية أو المراسلات الشخصية، فلا يتوافر فيه شرط العلنية، ويحظر الرقابة عليه بأية صورة”.وليس من الواضح بعد ما إذا كانت وزارة الداخلية تسعى إلي فرض رقابة على المواقع والصفحات الخاصة من خلال النظام الجديد، أم أن نشاطها سيقتصر على رصد مساهمات المستخدمين التي تكون مفتوحة للعامة. إن ما ستقوم به الوزارة من مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي يتم وفقا للقانون، وإنها لن تخالف القانون ولن تدخل على أي صفحات دون إذن من النيابة العامة. أن “الوزارة لا تراقب صفحة مستخدم على الفيس بوك أو تويتر إلا عند ورود تحريات مؤكدة عن قيام صاحب الصفحة بارتكاب عمليات إرهابية أو تحريضية”.وتتضمن مواقع التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر ويوتيوب مشاركات عامة يمكن لأي مستخدم أن يطلع عليها، وأخرى خاصة لا يمكن الاطلاع عليها إلا من خلال اختراق الحساب الشخصي أو من خلال قائمة الأصدقاء التي يتحكم فيها المستخدم.

إلا أن كراسة الشروط التي طرحتها وزارة الداخلية تضمنت أيضا الإشارة إلي شبكات اجتماعية مغلقة لا يمكن متابعتها إلا عن طريق الاختراق، إذ نصت على أنه “سيتم مراعاة العروض الفنية المقدمة والمتضمنة الارتباط بشبكات اجتماعية إضافية كـ«الإنستجرام، لينكيد إن، جوجل، فايبر، واتس أب»… إلخ.”

أن خطة المراقبة تستهدف “رصد المخاطر الأمنية لشبكات التواصل الاجتماعي من خلال عمليات البحث الموسعة عبر الشبكات المختلفة عن كل ما هو من شأنه مخالفة القانون وبث أفكار هدامة تساعد على إشاعة الفوضى ونشر الفتن والإفساد في المجتمع” وأوردت بعض صور هذه المخاطر مثل “ازدراء الأديان والتشكيك فيها، وتحريف الحقائق بسوء نية، وتلفيق التهم، والتشهير والإساءة للسمعة، والسخرية المهينة واللاذعة، والقذف والسب، والدعوة إلى الخروج على الثوابت المجتمعية، وتشجيع التطرف، والعنف والتمرد، والحشد للتظاهر والاعتصام، والإضراب  غير القانوني، والإباحية والانحلال، والفسق والفجور، والتعريف بطرق تصنيع المتفجرات، وبتكتيكات الاعتداء، وإثارة القلاقل وأعمال الشغب، والدعوة للتطبيع مع الأعداء، والالتفاف على إستراتيجية الدولة في هذا الخصوص، وتصيد الزلات”.هذه الأمور جميعاً تندرج قانوناً في إطار ما يسمى “الحفاظ على النظام العام والأمن القومي” إنه “لا يوجد في التشريعات المصرية كافة ما يسمح بإقامة نظام مراقبة كهذا، وأن أي نظام يقام بهذا الشكل سيكون شبيهاً بنظام مراقبة الاتصالات الذي كانت تتبناه بعض الجهات في نهاية الستينيات من القرن الماضي”.

أن التشريع المصري الوحيد الذي أتاح التحكم في وسائل الاتصال ومراقبتها هي المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية، والتي اشترطت صدور أمر قضائي مسبب من قاضي التحقيق في واقعة معينة ولمدة لا تزيد على 30 يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة. وتشمل عملية الرقابة في هذه المادة “ضبط جميع الخطابات والرسائل والجرائد والمطبوعات والطرود لدي مكاتب البريد وجميع البرقيات لدي مكاتب البرق ومراقبة المحادثات السلكية واللاسلكية أو إجراء تسجيلات لأحاديث جرت في مكان خاص متى كان لذلك فائدة في ظهور الحقيقة فى جناية أو جنحة معاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر”.

 أن “المبادئ القضائية تواترت على أن دواعي حماية الأمن القومي لا تغني عن ضرورة الحصول على أمر قضائي قبل اتخاذ هذه الإجراءات، على أن يصدر أمر في كل حالة على حدة، باعتبار أن الدستور يحظر صراحة كل اعتداء على الحرية الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة”. أن يتم تنفيذ هذا النظام “لأن جميع التصرفات التي ستنشأ عنه ستكون باطلة، سواء التحريات أو محاضر المراقبة لأي موقع إلكتروني أو بريد خاص أو برنامج على هاتف محمول” ً أن “المحاكم لا يمكنها الاعتداد بمثل هذه الإجراءات طالما لم تحصل الشرطة على إذن صريح من النيابة العامة أو قاضي التحقيق”.وهذا المشروع الجديد ليس المحاولة الأولى في مصر منذ الإطاحة بحكم الإخوان لبسط نفوذ الشرطة على وسائل التواصل الاجتماعي. فمنذ عدة أشهر، أقرت الحكومة المصرية عبر لجنة مشتركة من وزارتي الداخلية والعدل مشروع قانون لتنظيم إجراءات مكافحة الإرهاب، نص على أنه “يجوز لمأموري الضبط القضائي (الشرطة) استصدار أمر مسبب من النيابة لمراقبة وتسجيل المحادثات والرسائل التي ترد على وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية، وتسجيل وتصوير ما يجري في الأماكن الخاصة أو عبر الشبكات أو المواقع الإلكترونية، وضبط المكاتبات والرسائل العادية والإلكترونية والمطبوعات والطرود والبرقيات بأنواعها”.

إلاّ أن قسم التشريع بمجلس الدولة اعترض على هذه الصياغة المطاطة التي تسمح باستمرار المراقبة لفترات مفتوحة، وأوصى بأن يسري الإذن لمدة 30 يوماً فقط لكل حالة على حدة، وأن يكون مد الإذن بأمر النيابة أيضاً. إنه “يجوز لأي شخص يتضرر من نظام المراقبة حال إقراره، أو تصله معلومات عن استهدافه به، أن يطعن عليه أمام محكمة القضاء الإداري باعتباره قراراً إدارياً خالف صراحة أحكام الدستور”.

أن “الاعتبار الوحيد الذي ينظره القضاء في مثل هذه الوقائع هو مدى توافر الشروط القانونية للرقابة، والمذكورة حصرياً في المادة 95 من قانون الإجراءات الجنائية، وفي حالة عدم توافرها تعتبر شرعيتها ساقطة، ومنعدمة”. كان هذا حصر لأنواع الجرائم الالكترونية التي ترتكب بشبكه الانترنيت وقد قامت الجهود لمحاربتها لكن لتميز هذه الجرائم وعدم تقليديتها فانه من الصعب الكشف عنها وتحديد الدليل المادي الذي يدين مرتكبها، لذلك فاني أظن أن هذا النوع من الجرائم سيستمر ويطغى على ساحة الإجرام بشكل كبير وسيتطور مع مرور الوقت إلى ما هو اخطر واعقد، لذلك فان وجود استراتيجيه فعاله لدى الدول تحارب هذه الجرائم الوسيلة الأضمن لتقليلها ومحاولة التحكم بها ولا ننسى دور الإفراد في محاربتها عن طريقه توعيتهم بايجابيات وسلبيات استخدام شبكه الانترنت وحث الشركات المتخصصة على إنتاج البرامج التي تحمي البرامج وتحمي المتصفح.

 

 

 

    كاتب المقال
    دكتور في الحقوق و خبيرفي القانون العام

ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية

 عضو  والخبير بالمعهد العربي الاوروبي للدراسات الاستراتيجية والسياسية بجامعة الدول العربية

اترك تعليقاً