الأرشيفعربي وعالمي

قضاة رهائن عند عامر الفاخوري – عبدالله قمح

 في إحدى غرف الطابق “إكس” في مبنى الجامعة الأميركية في بيروت يقبع العميل الإسرائيلي الموقوف عامر الفاخوري بحصانةِ أرفعِ سلطةٍ سياسيةٍ أميركية في واشنطن. في دوائر النيابة العامة العسكرية في بيروت تدور المعركة الطاحنة بين القضاة عنوانها “من يتجرّأ على محاكمة الفاخوري”.

 

في الحقيقة، من يتمتع بالقدرة على جلب الفاخوري إلى قوس المتحف ومحاكمته يكون “خاله أبو زيد”. واقعٌ، جعلَ من القضاة رهائن عند الفاخوري لا العكس، تتحكم بتصرفاتهم “لعنة” ليس لهم قدرة على معاندتها أو تجاوزها.

 

لقد مرَّ على توقيفِ “جزار الخيام” أكثر من 6 أشهر قضاها متنقلًا بين غرفِ مستشفى الجامعة الأميركية تحت رعاية فريق من الوكلاء القانو-سياسيين المعتمدين من قبل الدولة التي يحوز على جنسيتها، لم يستطع معها أعتى أصحاب القانون في لبنان وجهابذة السياسة من سوق المتهم إلى قوس العدالة، ما أحال جميع الترجيحات لتصب في خانة تمييع القضية للوصول إلى زمن إطلاق السراح تماشيًا مع الذريعة القائلة بإصابتهِ بمرض سرطان الدم.

 

العوامل كلها تقريبًا باتت شبه ناجزة لإطلاق سراح الفاخوري “من دون قيد أو شرط”.

 

واشنطن تلوح برزمةٍ مستحدثة من العقوبات المالية الاقتصادية المنبثقة عن تشريعات الكونغرس الاميركي تطاول كل من تثبت إدانته بالضلوع في ملف الفاخوري، من سياسيين وقضاة ورجال قانون وغيرهم، وبين ربوع واشنطن ينشط “لوبي” تقوده السيناتور عن ولاية نيو هامبشير جين شاهين وإلى جانبها حشد من المتطوعين من أصحاب النيافة والنيابة والقانون.

 

وفي بيروت، ثمة حركة تقودها السفارة الأميركية و “خوّيفة” يخشون من الاجراءات الاميركية ويجدون أن الجلوس على قمة الجبل في مثل هكذا حالات أسلم، يرضخون سريعًا للضغوطات الاميركية وتظهر عليهم عوارض المرض وقلّة الحال، فتصبح عندهم مواضيع العمالة وترّهات الاستقلالية القضائية المستخدمة دائماً بمثابة أمور هامشية قابلة للنظر ما دام العمّ سام هو مصدرُ الطرح والخطر.

 

في واشنطن هناك إستعداد لاعادة تعليل وتفعيل مدرجات قانون العقوبات الاميركي بحق تركيا الذي صدر على هامش توقيفِ أنقرة للقس الأميركي البروتستانتي أندرو برونسون بتهمةِ التجسس وإسقاطه على حالة لبنان في مسألة الفاخوري، أي بمعنى أصح معاقبة كل ما له صلة بملف العميل اللبناني – الأميركي كمجرم والتلويح بتنفيذ مزيدٍ من الإجراءات العقابية ذات النفس المالي بحق لبنان.

 

على ما يُسرب، يتضمن مشروع القانون قيام الإدارة الأميركية بفرض عقوباتٍ على كبار المسؤولين اللبنانيين المشتبه بتورطهم في “إعتقالات” تسمى “غير مشروعة” لمواطني الولايات المتحدة، تشمل منع هؤلاء المسؤولين من السفر إلى الولايات المتحدة وتجميد أي أصول يمتلكونها فيها ووضعهم على اللائحة السوداء ما يعني افتقادهم مناعة الحماية من أي إتهام أميركي لاحق يُمكن تلبيسه لهم، وهي البنود نفسها التي عقب على إثرها بعض المسؤولين الأتراك الذين قيل أنهم ضالعين بإعتقال القس.

 

معلومات وضعَ “ليبانون ديبايت” يده عليها، تشير إلى أن معظم الساسة، سواء في القضاء أو خارجه في بيروت، ابلغوا بنتائج الفحوصات الأميركية وما عليهم سوى التنفيذ.

 

أسلوبٌ أميركيٌّ يرمي كالعادة إلى محاولة إخضاع الدول وإبتزازها من أجل تصريف مطالب أميركية حصرية خالصة والرضوخ إليها حتى وإن كان تساوي في بعض الأحيان هز سيادة دول وابتزازها، لا يهم ما دامت المصالح الاميركية تفوق كل إعتبار.

 

المشكلة أن في بيروت قضاةً وجدوا أن من مصلحتهم عدم إغضاب واشنطن فلجأ قسم منهم إلى الفرار من وجه الضغوطات الأميركية وتقديم التصريحات التي تثبت عدم الخوض في القضية كمبرر للرحمة استباقًا لأية إجراءاتٍ أميركية مقبلة، وهناك قسمٌ آخر لا يستطيع التعامل مع الضغوطات اللبنانية النابعة من أحزاب صريحة في المواقف والمبادئ تريد محاكمة الفاخوري على أفعاله، لكن المصيبة ان لا قدرة لهؤلاء على أخذ القرار، إما خشية من غضب أميركي أو لفقدان القدرة على الخوض في مسارٍ شائكٍ ومعقدٍ كهذا.

 

بين هذه وتلك وأمام هذا الواقع تشير معلومات “ليبانون ديبايت” إلى تبلور توجهٍ لدى قضاة المحكمة العسكرية الدائمة من أجل التنحي بالإجماع عن تولي قضية محاكمة العميل عامر الفاخوري، وهو ما أُبلغت به صراحةً أطراف سياسية عدة على صلة بالقضية.

 

أمرٌ مرفوضٌ وفيه نوع من أنواع المراوغة والتحاجج والتخلي عن المسؤولية أو الفرار من المسؤولية وتحويل عميل برتبة مدان إلى موقوفٍ بإخلاء سبيل مع وقفِ التنفيذ صادر عن سلطة سياسية غير لبنانية أخضعَت هذه الاخيرة إليه.

 

شيء من هذا القبيل له تداعيات وخيمة على صعيد العلاقة والنظرة إلى القضاء خصوصاً مع بروز مؤشراتِ رفضٍ شعبيٍّ واسعة قد ترتقي لاحقاً إلى التحرك في الشارع في حال تطوّر التوجّه القضائي من إطار التهديد إلى التنفيذ.

 

في الواقع، إنّ السرطان الحقيقي الذي أصيبَ به الفاخوري كما الجزء الواسع من سادة القانون والسياسة في لبنان اسمه “السرطان السياسي الأميركي” الذي له القدرة على نخر الجسد اللبناني والتحكم به وما هي إلا فترة قصيرة حتى يسقط الجسد بين ربوعه.

 

 

 

 

 

ليبانون ديبايت”