وقفة عز

كيف نحافظ على مناصري قضايانا في أوروبا؟

بقلم : نضال حمد

 هناك في أوروبا آلاف من الشخصيات السياسية والفنية والإعلامية والفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والبرلمانية والنقابية والروحية و الرياضية، التي تهتم بقضية فلسطين وتناصرها وتؤيدها وترفع راياتها .. هذه الشخصيات تنتشر من النرويج حتى اسبانيا مروراً ببولندا وتركيا واليونان … ترى هل يوجد لدى الفلسطينيين سواء في رام الله وغزة ودمشق دليل أو أجندة يحفظون فيها أسماء وصفات وعناوين وأرقام هواتف هؤلاء؟

 الجواب المحتمل هو لا …

لإن الذي لا يوجد لديه دليل للفلسطينيين العاملين في أوروبا لأجل قضيتهم سوف لن يكون لديه دليل آخر للأجانب الذي عملوا ويعملون لأجل حرية وطن الفلسطينيين.

مضى على وجودي في النرويج 17 عاماً لا اذكر خلالها أن أي مؤسسة فلسطينية أو فصيل فلسطيني كان مهتماً بجمع وتدوين أسماء وصفات وعناوين وأرقام هواتف والبريد الالكتروني أو الموقع الالكتروني لهؤلاء المتضامنين في النرويج. ولا حتى تم البحث في سيرتهم الذاتية لا من ناحية أخلاقية ولا مهنية. لقد توفي بعضهم ورحل عن عالمنا قبل أن يتمكن شعب فلسطين من تكريمه في حياته. لذا من واجب الفلسطينيين في النرويج أن يكرموا أصدقاء قضيتهم بأنفسهم وأن لا ينتظروا مساعدة أو مساهمة من أي جهة فلسطينية لا من هنا ولا من هناك أو حتى هنالك

من نكرم في النرويج؟

من هؤلاء الذين نرى أن تكريمهم ضروري وملح، الراحل شيل بيغستاد الذي يعتبر الأب الروحي لحركة التضامن النرويجية مع الشعب الفلسطيني. لقد مرت قبل أيام في أغسطس – آب المنصرم الذكرى الأولى لرحيله. لمعرفة المزيد عن شيل بيغستاد بإمكان القارئ العودة لمقالنا في أرشيف مقالات نضال حمد بموقع الصفصاف ” شيل بيغستاد قائد نرويجي فلسطيني سيذكره التاريخ..” 

  الحديث عن النرويج يمتد طويلاً ففي هذا البلد هناك نسبة كبيرة من النخب النرويجية تتعاطف مع الفلسطينيين وتؤيد وتناصر قضيتهم العادلة.

 من هؤلاء أيضاً أحد القادة التاريخيين لحزب هويرا اليميني النرويجي ورئيس وزراء النرويج الأسبق كوري فيللوخ، الذي تجاوز عمره الثمانين عاماً. ولهذا الرجل قصة طريفة أذ كان يعرف عنه يوم كان وزيراً للخارجية النرويجية مناصرته الشديدة للكيان الصهيوني. لكن زيارة قام بها نهاية السبعينات من القرن الماضي الى مخيمات الضفة الغربية، ثم لقاء مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، جعلاه يبدل قناعاته ومواقفه. ليصبح فيما بعد من أكبر وأشجع المؤيدين للقضية الفلسطينية في النرويج. وهو بالمناسبة شخصية وطنية نرويجية مرموقة ولها احترام كبير في الشارع النرويجي ولدى الشعب عامة.

في الفترة الأخيرة شنت الحركة الصهيونية واللوبي اليهودي في النرويج هجمات عديدة على شخص فيللوخ وصلت لحد اتهامه علانية وعبر الأثير في برنامج تلفزيوني حواري بأنه معادٍ للسامية ويكن الحقد والكراهية لليهود.

هذه الاتهامات جاءت من قبل كاتبة وفنانة نرويجية يهودية معروفة . لكن فيللوخ الذي زادته تلك الاتهامات شعبية واحتراماً لدى النرويجيين، لم يأبه لذلك وواصل انتقاداته الحادة للسياستين الأمريكية و(الإسرائيلية).

 كذلك كرستن هلفرشون وزيرة المال في الحكومة الحالية وزعيمة حزب اليسار الاشتراكي النرويجي، التي كانت في بداية تسلمها الوزارة دعت لمقاطعة الكيان الصهيوني مما أثار ضدها حملة صهيونية واسعة..

أيضاً هناك الزعيمة السابقة لنقابات عمال النرويج ” غريد فالا ” وهي من قادة حزب العمل الحاكم، صديقة حميمة لشعب فلسطين ومناصرة لا تكل ولا تتعب، كان لها دور كبير في تحويل نقابات العمال من نقابة صديقة للهستدروت الصهيوني الى نقابة تعرف الآن بنقابة فلسطين..

 هناك أيضاً المنتج الموسيقي النرويجي أريك هيلستاد الذي أنتج وينتج البومات الفنانة الفلسطينية ريم بنا.

كذلك لدينا الفنانة الشهيرة كاري بريمنيس التي شاركت وريم بنا في عرض مسرحيات غنائية عن الجدار ومعاناة الشعب الفلسطيني.

ولا ننسى السيدة ألبيورغ هولتت من مؤسسي لجنة فلسطين النرويجية ومديرة القدس بوتيك وسفريات القدس.

البروفسورة هيلده هنريكسن فوغه مديرة معهد أبحاث السلام الدولي النرويجي “بريو “، مقره في العاصمة أوسلو. وهي بالمناسبة صاحبة كتاب ” تفسير قناة أوسلو السرية .. الماضي السياسي للنرويج في الشرق الأوسط ” .. وكنت كتبت عنها مقالة في القدس العربي بعنوان ” باحثة نرويجية تتهم نشطاء بلادها .. ” نشرت في 13-05-2004 .

 كذلك هناك الباحث آري هوفديناك وزوجته الكاتبة والناشطة نورا انغدال، بالمناسبة كنت أيضاً كتبت عنهما مقالة بعنوان ” كتاب نرويجي عن مسار جدار الفصل العنصري ..” .نشرت في جريدة القدس العربي بتاريخ 13-09-2005. وكنت ايضا أجريت معها حوارا مطولا بعد عودتها من قطاع غزة سنة نشر في 19-09-2004 في موقع الصفصاف وسرقته صحيفة القدس المقدسية ونشرته بدون وجود حتى إسمي ونسبته لمراسلها الثقافي في أوسلو.

كما يجب أن لا يغيب عن بالنا دور البرفسوران أريك فوسه ومادس غيلبيرت اللذان فضحا جرائم الاحتلال مباشرة من قطاع غزة أبان العدوان الصهيوني الأخير على القطاع. وكنت أيضاً كتبت عنهما مقالة طويلة بعنوان ” النرويجيّان غيلبيرت وفوسه: كلّ شيء لغزّة ” نشرت في جريدة الاخبار اللبنانية في العدد الصادر يوم الاثنين ٢٣ شباط ٢٠٠٩ .

للعلم فقد نالا مؤخراً جائزة تاهيتي حيث حصل كل منهما على مبلغ من المال، تبرعا به لمستشفى الشفاء في غزة ولمشاريع لجنة فلسطين النرويجية. كما زارا قبل فترة بسيطة غزة بصحبة وفد نرويجي سلما خلال الزيارة مبلغ مليوني كراونة نرويجية هي حصيلة تبرعات لصالح مركز صناعة الأطراف في غزة.

  كما هناك الأكاديمي ينس بوتنشين أحد مؤسسي مجموعة فلسطين النرويجية ومؤلف كتاب هام عن فلسطين ورئيس معهد حقوق الانسان..

والقس ” كريمه ” من مدينة ستافنغر وهو من مؤسسي نفس المجموعة ومن قادة حزب العمل الحاكم في النرويج وعضو البرلمان النرويجي

 بالإضافة لأسماء هامة كثيرة من الجيل القديم ومن الجيل الجديد الشاب مثل لينا الخطيب رئيسة لجنة فلسطين النرويجية، وانغريد بالتزيرسن نائب رئيس حزب التحالف الأحمر الشيوعي، والفنانة المسرحية الشابة كايا فوريود التي مثلت مسرحية راشيل كوري. والجيل الذي يفصل بينهما.

كذلك تكريم مجموعة كبيرة من النشطاء الذين عملوا ومازالوا يعملون في منظمات التضامن والمناصرة مثل المنظمة النرويجية الموحدة لأجل فلسطين، لجنة فلسطين النرويجية، مجموعة فلسطين النرويجية، الشبيبة الحرّة لأجل فلسطين … وآخرين ..

  فتكريم هؤلاء يعتبر تكريماً لكل مناضل ومتضامن مع الشعب الفلسطيني في النرويج وأوروبا والعالم .

 شخصياً لا اعرف أسماء كل المتضامنين النرويجيين مع شعبنا، فهناك بالتأكيد أسماء أخرى تستحق التكريم، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي داخل النرويج للمتضامنين مع قضية فلسطين، فهم منتشرون من أوسلو حتى ترومسو في اقصى شمال البلاد الشاسعة.

التكريم والتسجيل يجب أن لا يقتصران على النرويج بل أن يشمل كل أماكن تواجد الفلسطينيين في أوروبا والعالم. لأن حقيقة الأمر تقول أن قلائل منا نحن العرب وبالذات أهل فلسطين، كانوا يعرفون أي شيء مثلاً عن الصحفي السويدي دونالد بوستروم، الذي نشر  مؤخراً مقالته / القنبلة  في صحيفة أفتونبلاده اليومية الشعبية الواسعة الانتشار في السويد، والتي كشف فيها قيام الصهاينة بانتزاع أعضاء بشرية من الشهداء الفلسطينيين وبيعها في الأسواق العالمية. مقالته أثارت ضجة كبيرة وصنعت أزمة بين حكومتي السويد والكيان الصهيوني. فالحكومة السويدية بررت موقفها بدفاعها عن حرية الصحافة، بينما الصهاينة شهروا سيف معاداة السامية المسلط على رؤوس كل المؤيدين والمناصرين للقضية الفلسطينية في أوروبا. هذا السيف محفوظ لديهم ويتم استخدامه في هذه المواجهات مع الشخصيات الصادقة ذات التأثير في مجتمعاتها. إذ أن نفس السيف المذكور هاجم آخرين في النرويج وهولندا وألمانيا وبولندا واسبانيا  وتركيا وايرلندا واسكوتلندا وأماكن أخرى مختلفة من العالم. وبنفس هذا السيف يحاولون تغيير المناهج الدراسية للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، عبر ادخال موضوع الهولكوست لتدريسه للأطفال الفلسطينيين، متجاهلين دور ضحايا أبناء وأحفاد يهود الهولكسوت في انشاء كيان الصهاينة على أرض وفوق جماجم وعظام أبناء فلسطين…

يجب أن نُعرف العالم بالحقيقة وأن نواجهه ونجابهه بها، وهي أن الذين سرقوا ويسرقون أعضاء الضحايا الفلسطينيين هم من هؤلاء  المحتلين والمحرضين ضد كل صاحب رأي حر وشريف … وقتلة الأطفال والذين يعدمون الشباب الفلسطيني بدون أي سبب ورمياً بالرصاص هم أيضاً من هؤلاء ..

والذين اطلقوا القنابل الغازية الحارقة الخانقة على مُقعدٍ فلسطيني وهو على عربته المتحركة في تظاهرة بلعين قبل أيام هم أيضاً من هؤلاء.

والذين ارتكبوا مئات المجازر والمذابح بحق الفلسطينيين والعرب في فلسطين والأردن ومصر وسوريا ولبنان وفي المخيمات الفلسطينية هناك.. هم أيضا من هؤلاء. ..

والذين يسجنون ويعتقلون آلاف الفلسطينيين ويرفضون اطلاق سراح المرضى منهم بأمراض مميتة، ويستمرون في اعتقال النسوة والأطفال والرُضَع هم أيضا من هؤلاء ..

كيف يحافظ أهل فلسطين على أنصارهم في أوروبا والعالم؟

  سؤال كبير وإجابته صغيرة وقصيرة:

 بوحدتهم أولاً وبإشعار هؤلاء الأصدقاء بأن الفلسطينيين مازالوا متمسكين بقضيتهم وبحقوقهم الثابتة والعادلة وبأنهم غير معنيين بالمواقف مدفوعة الثمن والأجر من قبل الدول المانحة، التي يتخذها بعض السياسيين الفلسطينيين، غير المرغوبين من قبل شعبهم، والذين لا يستشيرون هذا الشعب لا في صغيرة ولا في كبيرة.

 التمسك بالحقوق لا يلغي دعم من يريد أن يدعم شعب فلسطين. أما الرهان على أموال الدول المانحة فهو الذي يجلب التنازلات والمصائب والويلات للقضية الفلسطينية. فكيف يراهن أي فلسطيني عاقل على شخص مثل وزير خارجية إيطاليا فرانكو فراتيني وهو متصهين ومنحاز للصهاينة ظالمين أم مظلومين. وأمثال فرانتيني نجدهم في كل أوروبا، لأن النظام الرسمي الأوروبي منحاز ضد الفلسطينيين فهذه أيضا حقيقة مكشوفة ومعروفة.

يحافظ شعب فلسطين على أصدقائه عبر التواصل معهم وتزوديهم بكل جديد ومدهم بالقوة المعنوية والمادية إن امكن ذلك. وبالوقوف معهم أو خلفهم أو قبلهم في معركة فلسطين الإعلامية، معركة مقاطعة الكيان الصهيوني وكسب الرأي العام الأوروبي، الدائرة رحاها في أوروبا. وكذلك عبر تكريم هؤلاء بشكل دوري، يبدأ بالأموات منهم ولا ينتهي هناك بل يصل أيضا الى الأحياء، الذين مازالوا يناضلون على كافة خطوط التماس لأجل نصرة الشعب الفلسطيني. فلهؤلاء الفضل في مواجهة الصهيونية أوروبيا وتغيير الرأي العام الأوروبي وفرض مبدأ مقاطعة الكيان الصهيوني وتحريك الناس لأجل تحقيق ذلك. وهم أيضاً من غَيّر قليلاً في أساليب  تعامل وسائل الاعلام الأوروبية مع القضية الفلسطينية. فمنهم كتاب وإعلاميون وأدباء وشعراء وفنانون ومثقفون وناس عاديون يحملون راية فلسطين..

هؤلاء أولاً ومن بعدهم بسنوات كثيرة أصبح لتأثير الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية دوراً في المعركة السياسية و الإعلامية في أوروبا.

 

07/09/2009

 

 * مدير موقع الصفصاف

www.safsaf.org