الجاليات والشتاتوقفة عز

مؤتمر “بوخارستان” لجماعة “اوسلوستان”… – نضال حمد

حرصت حركة فتح منذ عرفناها على الاستحواذ بالأكثرية في أي مؤسسة أو لجنة فلسطينية أينما كان هناك تواجد فلسطيني. بدأ ذلك الاستحواذ الفتحاوي على منظمة التحرير الفلسطينية وكافة مؤسساتها ولجانها واتحاداتها، بعد الاطاحة بالقائد المؤسس الراحل أحمد الشقيري والاستيلاء على المنظمة. وكان يحصل ذلك مقابل لامبالة أو عجز الفصائل الأخرى وبالذات اليسارية والقومية الكبيرة عن اعاقة ذلك أو لجمه.

بقي الحال مستمراً على ما هو عليه حتى وفاة فتح نتيجة اصابتها في اوسلو بجلطة استسلامية، تخلت عبرها عن كل ثوابت القضية الفلسطينية. إذ جاءت سلطة اوسلوستان بعملاء مكان الشرفاء، وبمقاولين مكان المناضلين، وعينت رئيساً لها ليست من همومه الأولى والمقدسة قضية فلسطين. وصارت السلطة مفتوحة على كل شيء وبكل الاتجاهات. ومن أهم انجازاتها الحداثة والتحديث، فبدلاً من أي يتلقى المقاتل أو العضو في المنظمة مرتبه باليد، صار يحمل فيزا كارت ويذهب لسحب المرتب كل آخر شهر من الصراف الآلي المربوط بامريكا مباشرة.

هذا الشخص الذي أتت به الأوسلة السياسية والفذلكة التنظيمية والأموال الفلسطينية المسطو عليها باسم الأكثرية والشرعية، أمسك بمساعدة وكلاء الاحتلال وعبر تقديم الخدمات لاعداء القضية بما تبقى من حركة فتح المشلولة والميتة سريرياً، التي عجزت عن ايجاد قائد فتحاوي وطني يتحمل المسؤولية ويقبل التضحية.

أمسك كذلك بما تبقى من الممثل الشرعي والوحيد، منظمة التحرير الفلسطينية حيث حالها مثل حال فتح… أي المنظمة المغتصبة من قبله هو ومن معه من أخوات الحركة الباصمات، مقابل المناصب والدولارات.

فيا أيها الفلسطينيون من الخطأ الاعتقاد أن فتح وحدها مريضة وأصابها الشلل، بل في حقيقة الأمر فإن مرضها معدي، يعني وباء، مثل الجرب أو نقص المناعة بحيث أنه انتقل منها الى اخواتها في بقية الفصائل، لنصبح أمام فصائل فلسطينية تنقصها المناعة الوطنية والشعبية. هذا أيضا انتقل الى الشتات الفلسطيني المنقسم على نفسه نتيجة الانقسام السياسي في الوطن وانعدام بوادر الوحدة والاتفاق بين المنقسمين.

أمسك من يسمى رئيسا لفلسطين أيضا بالسلطة الفلسطينية المولودة لخدمة الاستيطان والاحتلال. وعمل مع الأعداء على افراغها مما تبقى فيها من أي نفس وطني. فهذا النفس كان موجودا في بعض الشباب الوطنيين من صغار السن وعلى الأقل لدى بعض عناصر الأجهزة الأمنية، التي عمل الامريكان والصهاينة على تربيتها تربية معادية للمقاومة. فالانتماء الى معسكر الأعداء يتطلب ذلك. ورئيس محمية “اوسلوستان” الأمين على تنفيذ كل ما يطلبه المتآمرون والأعداء، حفاظا عليهم وعلى نفسه هو وزبانيته يمارس كل ذلك وسط تصفيق ومبايعة من قطيعه السياسي والتنظيمي.

بعد افراغ المنظمة ومؤسساتها من أي صوت حقيقي كان يقف ضده.. وعبر التنسيق الأمني مع الاحتلال الذي أدى لاعتقال بعض الأصوات التي تعارضه في اللجنة التنفيذية للمنظمة، مثلما حصل سابقا ويحصل دائما مع المناضلة خالدة جرار، التي ما تكاد أن تخرج من المعتقل الصهيوني حتى تعود اليه مرة أخرى. بهذه الطريقة يرتاح عباس من خصومه الأساسيين في اللجنة التنفيذية للمنظمة.

بعد أن أصبح هو الآمر والناهي، وبعد أن تضايق كثيرا من مواقف الفلسطينيين في أوروبا والشتات. ولما لم تستطع الحركة المنقسمة والمتصارعة والمتناحرة فيما بينها أن تؤسس جالية واحدة متماسكة وناجحة بين فلسطينيي أوروبا.. وبعد أن وقفت الغالبية الساحقة من الجاليات والاتحادات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في أوروبا والشتات ضد سياسة لصوص الوطن والمنفى الاستسلامية والعدمية. أسست الزمرة التي تغتصب وتختطف منظمة التحرير الفلسطينية دائرة المغتربين وهي دائرة طالب بتأسيسها الصهاينة في تفاهمات أوسلو الاستسلامية، التصفوية، ومن أجل الغاء دائرة اللاجئين فيما بعد ولانهاء حق العودة، ولتحويل اللاجئين الى مغتربين.

هناك سؤال رددته كثيرا:

لماذا وافقت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن يكون عضوا في مكتبها السياسي رئيسا للدائرة، وسفيرا بين الجاليات لتبرير وجودها ومحاولة احتواء الجاليات تحت مظلتها؟..

ففي فينا سنة 2009 حيث عقد مؤتمر اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات والشخصيات الفلسطينية في أوروبا والشتات، انفرط عقد المؤتمر بسبب تدخلات رئيس دائرة المغتربين وتبني البعض لطروحاته، وأيضا بسبب سوء الإدارة والتنظيم من قبل رئاسة وقيادة الاتحاد. تبنى طروحاته الأعضاء في المؤتمر من المحسوبين على فصيله، بحيث وقفوا مع رئيس دائرة المغتربين واعتبروها دائرة وطنية مما تسبب في شق صفوف الاتحاد ومن ثم ولادة اتحادهم الحالي، وكذلك ولادة ما يعرف باتحاد فتح والسلطة، الذي توحد مع اتحاد الجاليات المستقل ومقره برشلونة ويوتيبوري في السويد.

أما الآن وعندما أصبح محمود عباس نفسه رئيسا للدائرة وتم سحبها بالقوة من ممثلهم، اتخذ اتحادهم الوليد من انشاق مؤتمر فيينا موقفا حادا من الدائرة ووكيلها نبيل شعث. شعث مبعوث عباس الذي عمل مخلصا لاحتواء الجاليات تحت مظلة عباس والسلطة، عبر باب المنظمة المسماة الممثل الشرعي والوحيد، هذا الممثل الفاشل، الذي تنازل ويتنازل في كل يوم عن ثابتة من ثوابت شعب فلسطين.

عملت السلطة على احتواء أو تقسيم وشق الاتحادات والجاليات في كل بقعة من العالم. وعززت تشتتها وانقسامها وتشرذمها وأكثر من ذلك دعمت جهات محسوبة عليها ضد جهات تعارضها، عبر محاولات احتواء الجاليات والاتحادات وتقسيمها بين الفصائل، تماما كما تقسيمة منظمة التحرير الفلسطينية، يعني على طريقة قسمة الممثل الشرعي والوحيد.. يعني حصص ونِسَب لفتح وأخواتها الباقيات في غرف الانعاش والمتنفسات عبر دولارات الدول المانحة.

في بوخارست بدلا من استنبول وبعد خلافات فتحاوية فتحاوية عقد شعث مؤتمرا شكليّا لشكليّين في رومانيا، ادعى فيه هو ومن معه من الفتحاويين ومن سار خلفهم أو معهم أنه مؤتمر لتوحيد الجاليات والعمل الوطني الفلسطيني.

لا يا جماعة أهل الكهف، هو لم يكن أكثر من لقاء فتحاوي أو لقاء يشبه لقاءات ما يعرف باسم فصائل منظمة التحرير الفلسطينية الشبه منقرضة، وطبخة عاجلة، مسلوقة سلق، لبت رغبات فتح الجائعة، الباحثة عن عودة لمرحلة انتهت ولن تعد ابداً.. السلطة وحركتها التي تفتش عن مكان لها بين الجاليات والاتحادات وتحت غيم وشمس أوروبا. كذلك لتحقيق بعض رغبات من لفظتهم اتحاداتهم أو الآخرين من الذين اختاورا استبدال اتحاداتهم لأسباب لا أعرفها شخصياً… وهناك من استبدل القطار رغبة منه في البقاء تحت الضوء وفي الاستمرار بأي شكل كان. لكن فات هؤلاء أن تبديل أو استبدتال القطار قد يعني تبديل المسار وهنا يكمن الخطر ومن هنا يأتي العار.

اللقاء الذي شهدته بوخارست لم يكن أكثر من تجمع تعارفي بين مغتربين من داخل فلسطين لفظهم شعبهم ومغتربين من الخارج يبحثون عن أدوار لهم حتى لو كلفتهم سمعتهم وتاريخهم وحاضرهم مستقبلهم.

لقاء بين فلسطينيين محسوبين على السلطة الفلسطينية وآخرين نقلوا مكانهم من معارضة لفظية ووهمية للسلطة، وصلت في بياناتها حد تخوينها وتخوين القائمين عليها، الى وحدة (وطنية) بين الطرفين، وتبريكات وتهليلات ومبايعات لعباس ونهجه السياسي العدمي، التصفوي، الاستسلامي، الذي لا يوجد عار أكثر عارا منه في تاريخ فلسطين منذ الأزل.

من شاركوا في لقاء بوخارست من غير الفتحاويين، وبعضهم من المحسوبين على فصائل بالية تتبع قرارات وتوجهات عباس وسياساته، يمكن القول أنهم ثلة صغيرة من الفلسطينيين. منهم من تم استغلاله وهو أصلا لم يكن ولا يعرف مآرب من دعاه. ومنهم من ذهب للسياحة وللتسلية وتغيير الجو.. ومنهم من ذهب بنفسه الى المقصلة وهو يعلم أنه يقوم بالانتحار السياسي. ورغم ذلك أصر المنتحرون على انجاز مهمتهم الانتحارية. بالنسبة لي البعض انتحر في بوخارست والبعض الآخر ازاح في الختام آخر أقنعته وبان على حقيقته. والعمل الوطني لا يتوقف على شخص أو لقاء هنا أو هناك، أو على وفرة وكثرة البيانات والتصريحات، لأنه حسب فهمي هذا العمل أساسه الالتزام والتضحية والانتماء والقناعات.

في الختام على جماعة “اوسلوستان” و”بوخارستان” أن تعرفان أن المال لا يؤسس لاتحادات، وأن السلطة الفلسطينية ليس همها جاليات ولاجئين يتمسكون بحق العودة وبتحرير فلسطين. بل همها احتواء الملايين من الفلسطينيين الرافضين لسياساتهم التصفوية، الاستسلامية والعدمية، سياسة تدمير وبيع وتصفية القضية الفلسطينية.

مؤتمر “بوخارستان” لجماعة “اوسلوستان”…

 

نضال حمد في 25-11-2019