الأرشيفعربي وعالمي

محاولات إعدام كتابي الفكر السياسي الفلسطيني من 1963- 1988 – د غازي حسين


محاولات إعدام كتابي الفكر السياسي الفلسطيني من 1963- 1988 – د غازي حسين

عندما أنجزت كتابة مخطوط الفكر السياسي الفلسطيني من1963 الى عام1988 وذلك بداية عام 1993لم ينصحني احد بطباعته حفاظاًعلى حياتي من التصفية .

ولكن عدالة قضية فلسطين وقدسيتها المغروسة في عقلي وقلبي ووجداني ويومياتي وعذابات عائلتي وأبناء شعبي وأمتي وعشتها منذ الطفولة في منزلنا وقريتنا سلمة يافا جنة الله والفلسطيني على كوكب الارض والتي أعيشها يوميا هي التي جعلتني أقرر طباعة الكتاب مهما كلف الأمر لكشف بداية انحراف ياسر عرفات حفاظاًعلى ثوابت الشعب والامةوأملا في قيام قيادات الفصائل بردعه عن السير في ركاب السياسة الأميركية لتصفية قضية فلسطين والاعتراف بالكيان الصهيوني وباغتصابه لفلسطين , كما حدث بعد المجلس الوطني في الجزائر غام 1988واتفاق الإذعان في دهاليز أوسلو المظلمة والظالمة ومن وراء ظهر الشعب الفلسطيني ومؤسساته عام 1993.

ولكنني فوجئت بعدم موافقة العديد من دور النشر على طباعته خوفاًمن عرفات , فقررت طباعته على نفقتي الخاصة عام 1993 , ولم ير كتابي النور حتى اليوم بسبب نفوذ ياسر عرفات وأجهزته وأمواله وجماعته والقوى العربية والاقليمية التي تؤيده, إلى أن وصل نفوذه إلى الموزع الذي كلفته بتوزيع الكتاب وتلقى كمية من الدولارات لقاء عدم توزيعه.

تراكمت لدي معلمات هائلة بحكم عملي كمستشار سابق في القصر الجمهوري بدمشق , وكمعاون رئيس الدائرة السياسية في منظمة الصاعقة , وكسفير لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الحكومة النمساوية في فيينا , ولدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية , ومنظمة التنمية الصناعية التابعة للأمم المتحدة (يونيدو) , وكمستشار قانوني للدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية بدمشق وكباحث عن توجه ياسر عرفات نحو التسوية الأميركية وموافقته على الانخراط فيها , وساعدني في الحصول على تلك المعلومات علاقاتي الجيدة مع القيادات والكوادر الفلسطينية ومنها بعض قيادات وكوادر كثيرة في فتح , وعلاقاتي مع المستشار النمساوي برونو كرايسكي ومع ياسر عرفات نفسه وزهير محسن وغيرهم.لذلك قررت ان أكون أول من يواجه إنحرافه لوأده.

قدمت المخطوط إلى دار الوسيم في مخيم اليرموك لتنضيده على نفقتي بناء على رأي صديقي المرحوم صابر محيي الدين عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية. فوجئت بأن نبيل المصري (مالك الدار ومديرها المسؤول وهو من كوادر الجبهة الشعبية من أتباع عرفات وضابط من ضباط الامن في غزة فيما بعد حيث إلتحق بعرفات و صعق عندما رأى ان عنوان الكتاب يحمل اسم عرفات فناقشني ساعات طويلة وعدة مرات كي لا أضع اسم عرفات على صفحة الغلاف , وبالفعل ارتأيت أن أغير عنوان الكتاب وأصبح يحمل العنوان التالي : الفكر السياسي الفلسطيني من 1963 – 1988 .

كانت لدي نسخة واحدة فقط وهي النسخة التي سلمتها إلى دار وسيم للطباعة . وعندما بدأت بتدقيق المخطوط بعد تنضيده , اكتشفت بأنهم أضاعوا(سرقوا) العديد من الصفحات وخربطوا ترقيم العديد منها , لدرجة انتابتني حالة من اليأس واستحالة تصحيحه وتدقيقه .

طرحت على نفسي السؤال التالي: لماذا حدث معي ذلك؟ وأجبت على سؤالي بان مؤيدي عرفات وأنصاره ومنهم صاحب الدارلا يريدون للكتاب أن يرى النور وقررت مواجهة التحدي مهما كلفني الأمر .

كتبت من جديد الصفحات الضائعة وصححتها , وكلفت مدققين اثنين لتدقيقه . وطبعت الكتاب بعد تنضيده في دار رانية للطباعة والنشر . ودفعت تكاليفه الباهظة للدار على الفور قبل استلامه . واتفقت مع إحدى دور التوزيع الدمشقيةعلى أن تستلمه من المطبعة وتقوم بتوزيعه .

فوجئت بعد أكثر من عام على استلام دار التوزيع للكتاب بلقاء ضابط كبير من جهاز ال17 (الأمن الرئاسي لدى عرفات ومن مواليد طولكرم ) في بوابة الصالحية بدمشق, وقابلني في منتهى اللطف على الرغم من انه قد ابلغني سابقاً قبل عدة سنوات بتهديد عنيف على لسان ياسر عرفات من أقذر ما سمعت في حياتي بسبب كتاباتي النقدية في الصحف والمجلات عن انحراف عرفات عن ثوابت الحقوق الوطنية ولكنه فاجئني وقال لي حرفيا :”( كنا نعتقد بأنك تتجنى على ياسر عرفات , ولكن ثبت لدينا بأنه أسوأ بكثير مما كنت تكتب عنه . ,لقد توجهت إلى الدار التي توزع كتابك وأعطيتها مبلغا من الدولارات وطلبت منها عدم توزيعه ).

تركته على الفور ثم توجهت إلى دار التوزيع ولم أجد نسخة واحدة في صالة العرض الخاصة بالدار . سألت صاحبها والذي اعرفه جيدا أين نسخ الكتاب ؟ فتش عنها ولم يجد منها ولا نسخة على الإطلاق فقال لي : لقد نفذت النسخ الموجودة في الصالة , وسأحضر البعض منها من المستودع في جرمانا.

طلبت منه غاضباً ان يرسل معي على الفور إلى المستودع احد العاملين في الدار لأنني قررت سحب جميع نسخ الكتاب . وتوجهت إلى المستودع فوجدت جميع النسخ موضوعة على حالها كما احضروها من المطبعة . وكانت دار رانية التي قامت بطباعته قد أخبرتني بأنه جاء إليها احد الأشخاص وسأل عن الدار التي توزع الكتاب وارتابت دار رانية بأمره جراء الأسئلة التي طرحها .

ووضعت نسخ الكتاب في منزلي منذ عام 1993 . ولا تزال موجودة حتى اليوم .

نهاية منظمة التحرير وفتح 1993

وهكذا لم يرى كتابي النور , هذا الكتاب الذي كرست حوالي سنتين من عمري في كتابته عن أهم مرحلة مر فيها النضال الفلسطيني , وكشفت فيه بداية انحراف قيادة فتح كي تمنع القيادات الفلسطينية الاخرى تمرير هذا الانحراف عن الخط الوطني وتحول دون انهيار المشروع الوطني .

ولا بد لي أن أؤكد بأنني لم أتلق أي معلومة من القيادات الفلسطينية أو أي مساعدة لوضع هذا الكتاب , في الوقت الذي كان العديد منهم يتسابق في إفشاء الأسرار وتقديم المعلومات للصحفيات وخاصة الشقراوات منهن وللصحفيين الأجانب ولاجهزة الامن الصديقة والمعادية.

وكانت القيادات الفلسطينية تعتبر أن الوثائق والأسرار والمعلومات التي بحوزتها عن منظمة التحرير ملك لها وليست للمنظمة حتى أن خالد الحسن رحمه الله قال لي مرة ان محاضر اللجنة التنفيذيةلعقد السبعينات موجودة في منزلي. ومات معظمهم وماتت معهم حقائق كثيرة كان يمكن لها أن تخدم النضال الفلسطيني . ومات عشرات القادة الكبار , وذهبت ما لديهم من وثائق ومعلومات أدراج الرياح وربما في أيدي جهات أمنية معادية أي في عهدة أجهزة أمنية عربية وإقليمية ودولية.

كان الهدف من تأليفي هذا الكتاب قبل توقيع اتفاق الإذعان في أوسلو هو رغبتي ان تعرف القيادات والكوادر والجماهير الفلسطينية والعربية والإسلامية إلى أين يتجه عرفات والى أين تسير قيادة فتح كي يعملون على منعه ووأد إنحرافه, ولكن القيادات إما أنها لم تكن على مستوى القيادة أو كانت مشاركة معه او صامتة عليه جراء الأموال والمناصب والامتيازات التي كان يغدقها عليها والدعم العربي والدولي .

قررت نشره رغم المخاطر والمضايقات التي تعرضت لها , لأنني أؤمن بان مصلحة فلسطين أهم من حياتي , وان فلسطين فوق القيادات والفصائل الفلسطينية . ووفاء مني لشهدائها الأبرار ولحركة فتح الانتفاضة أكثر حركة ثورية ظلمت في تاريخنا المعاصر.وسأكرر نشره في جوجل . ولم يتناول إلا القليل من الباحثين وبشكل موجز جدا وأهمهم محمد دلبح هذه المرحلة الهامة من النضال الفلسطيني في تلك المرحلةالتي ربما ستقود إلى توقيع فتح وحماس بتدخل سعودي مصري للحل النهائي وإنجاح رؤية الدولتين وشطب حق العودة وحكم ذاتي على غرار الحكم الذاتي الذي أقامته المانيا النازية لليهود في تيريزيانشتدات وتصفية قضية فلسطين وإنهاء الصراع وإقامة “اسرائيل” العظمى الاقتصادية كقائد ومركز للشرق الاوسط الجديد.

المــــؤلف

د.غازي حســــين

دمشق في22/8/2022