من هنا وهناك

نحو تصعيد التظاهرات المطلبية السلمية صوب التأسيس للحلول الجذرية !!!

: د.عامر صالح

مع إشتداد وتفاقم الأزمة الخانقة في العراق والتي ارتبطت أصلا في الاخفاق التام والكامل في حل المعضلات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية, والتي كان يفترض ان تكون بدائلها هو التأسيس لبنية تحتية تكنولوجية ـ اقتصادية جديدة, اشتدت وتائر التظاهرات المطلبية المشروعة وذات الطابع الحقوقي الدستوري, وعلى خلفية انعدام الخدمات الاساسية, من كهرباء وماء وصحة وتعليم وأمن وانتشار للامراض والاوبئة المختلفة ونقص هائل في كل مرافق الحياة, متزامنا مع تمترس الفساد الاداري والمالي وسرقة المال العام والتدهور القيمي والاخلاقي العام, حتى اصبحت ثقافة الفساد بديلا مقبولا على مضض عن ثقافة النزاهة والاخلاص والامانة والحفاظ على المال العام, في وضع اصبح فيه السارق والفاسد قاضي حاجات وحلال للمشاكل وبنفس الوقت سياسي كبير ورجل سلطة ترتبط به مصائر الاخرين في الترغيب والترهيب !!!.

منذ اكثر من عقد من الزمن وبعد سقوط النظام الدكتاتوري والخدمات العامة تزداد سوء, والصراعات السياسية على السلطة والنفوذ أكثر دموية وايذاء للمصلحة العليا للوطن, والامن المجتمعي العام والفردي أكثر تدهورا, وتصاعدت وتائر الارهاب الذي أدى الى ولادة داعش ” دولة الخلافة الاسلامية ” تلك الخلاصة المركزة لمستنقع الفساد السياسي والصراعات السياسية ـ الطائفية والاثنية. منذ أكثر من عقد من الزمن وسرقة المال العام واستنزاف موارد البلاد لم يشهد لها مثيل في تاريخ العراق كله حتى بلغت خسارة الدولة والمجتمع الى ما يقارب من 700 مليارد دولار, متزامنة مع سياسات التقشف وشد الاحزمة على البطون وتحميل المواطن الفقير اصلا اوزار ذلك, وصولا الى اقتراب الدولة من اعلان حالة الافلاس الكامل والاستعانة بالقروض والمساعدات الدولية, وعدم صرف رواتب الموظفين في بعض القطاعات لعدة أشهر !!!.

منذ اكثر من عقد من الزمن وسياسات التجاذب واللا استقرار بين أقليم كردستان والحكومة الاتحادية لا تهدأ, بل تزداد وتائرها كلما وجد بصيص أمل لحلحلة الاوضاع. وسياسات الانفصال الجغرو طائفي السياسي والاثني على مستوى العراق كله تشتد وتائرها وتزداد وضوحا في ظل ظروف غير طبيعية تتزامن مع ضعف وتدهور السلطة الاتحادية, حتى باتت تلك السلطة آخر من يسمع رأيها في التصرف بموارد البلاد العامة. وفي الامن, وفي السياسات الخارجية والداخلية, فلكل بقعة في العراق لها أمراء حربها, وقيادات عشائرها وزعمائها الدينيين والسياسين والمفتين, ولها مليشياتها المحلية المدججة بالسلاح الذي يفوق احيانا قدرات السلطة الاتحادية, حتى وصل الامر الى الافتاء بالجهاد الكفائي لانقاذ البلاد من خطر داعش. لقد استفحل الخلاف حول المسلمات الوطنية بين أقليم كردستان والمركز, من يدافع عن من؟ ومن يحارب من؟ وهل مسموح للجيش الاتحادي التقدم لمقاتلة داعش هنا أم هناك, وفي هذه البقعة الجعرافية أو تلك؟ أم أن البيشمركة هو الاولى بذلك. تلك ظواهر لا نبحث عن شخصنة لها بل عن طبيعة النظام والاسباب التي تقف ورائها !!!.

.
أن تصاعد الحراك الشعبي والصمود البطولي لشعبنا في ساحات التظاهر أفرز حالات نوعية من الوعي المدرك عبر تراكمات 12 عاما بعد سقوط الدكتاتورية, أن نظام المحاصصة عرقل وسيعرقل جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية شاملة تقوم على منجزات العلوم الاقتصادية والاجتماعية ومنجزات التقدم التقني والتكنولوجي,وذلك من خلال إسناد المواقع الحساسة والمفصلية في الاقتصاد والدولة إلى رموز تنتمي طائفيا  أو عرقيا ولا تنتمي إلى الكفاءات الوطنية أو التكنوقراط ولا تستند إلى انتقاء المواهب والقابليات الخاصة لإدارة الاقتصاد,بل حصرها بأفراد الطائفة أو إلى توافق من هذا النوع بين هذه الطائفة أو تلك ,أن هذه السياسة لا تؤسس إلى تنمية شاملة ,بل تؤسس إلى ”  إفساد للتنمية “,وقد عززت هذه السياسات من استفحال الفساد بمختلف مظاهره من سرقات وهدر للمال العام ومحسوبية ومنسوبيه وحتى الفساد الأخلاقي بواجهات دينية مزيفة لا صلة لها بالدين الحنيف,والأسوأ من ذلك حصر الامتيازات في دعاة كبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم في فقر مدقع !!!,أن أدعاء الطائفية والعرقية لتحقيق العدالة الاجتماعية هو ادعاء باطل ,وان الفقر وعدم الاستقرار والقلق على المستقبل يلف الجميع باختلاف  دينه ومذهبه وطائفته وعرقه!!!!.

تظاهرات شعبنا اليوم هي شاهد ميداني على توفر الظروف الموضوعية للتغير الجذري انطلاقا من ازمة عميقة مستعصية في كل مجالات الحياة بلغت ذروة التعبير عتها في اصرار شعبنا لايجاد حلول لها عبر استمراره في تطوير واغناء مراحل احتجاجاته القادمة بمزيدا من الضغط المشروع على القيادات الحاكمة للبلاد, وتبقى ضرورات انضاج العوامل الذاتية للتغير والمتمثلة بمجمل الارادات السياسية الخيرة من مختلف الاتجاهات والحريصة على انقاذ البلد من محنته, الى جانب القيادات الميدانية للمظاهرات ومنظمات المجتمع المدني, لصب كافة الجهود لاعادة بناء العملية السياسية من جديد بما يستجيب استراتيجيا لمطالب شعبنا في الخدمات وغيرها وألتماس افق الاستقرار المستقبلي. ان مداخل التغير الشامل تكمن في اعادة النظر بالدستور الذي ولد ولادة عسيرة, وبقانون الانتخابات الذي لم يكن منصفا للاخرين والذي يكرس البقاء للحيتان الكبرى, ولقانون احزاب يضمن المسائلة وطبيعة الحزب وسلامته الوطنية العامة !!!.

أن مظاهرات شعبنا اليوم هي ليست فقط احتجاجا على سوء الاحوال بل الندم على سوء الخيار وسوء التصويت على من استغل مشاعرهم الانسانية وانفعلاتهم البريئة الكارهة للدكتاتورية بعد إن قبع للعقود تحت الحرمان والقمع, فتم توجيه انفعالاته الحشدية صوب مزيدا من الحرمان والفاقة والفقر من خلال خطاب سياسي يدغدغ المشاعر ولا يخاطب العقل المتفرد !!!.

أن صعوبات الحاضر هي مخرجات لمدخلات دستور يقتسم غنائم سلطة ولا يؤسس لديمقراطية مستقرة, استغلت فيه مشاعر شعب للتصويت عليه دون مقدمات انتقالية. لايوجد شئ مقدس غير قابل للنقد والتعديل, فالحياة الكريمة تبنى دوما على ممارسة النقد والتقويم المستمر لمسارات العملية السياسية, ومن يرى بقائه صالحا في هكذا اوضاع من خلال تطمين لمصالح سياسية او شخصية ضيقة فيجب ان يكون خارج العملية السياسية, لان مصالح الشعب والوطن تستدعي مزيدا من النزاهة والتجرد الشخصي والاخلاص للوطن.

أما عدا ذلك فلا خبر يأتي عن الماء … ولا وحي ينزل بالكهرباء !!!

اترك تعليقاً