وقفة عز

نوبل للسلام كذبة كبيرة

 نضال حمد

يقول “غير لونديستاد” المدير الحالي لمعهد نوبل للسلام في العاصمة النرويجية أوسلو : “هذه الجائزة ربما تكون الأكثر اثارة للجدل على الاطلاق ولكنها أيضا الأكثر تميزا”.  لكن أكاديمي نرويجي آخر وهو “آسل سفين يقول :” أن أوباما ليس مثيرا للجدل بقدر كل الذين سبقوه، إلا أن الجدل حول جائزته سيكون بمقدار حصيلة عهده إذا زادت أو نقصت”. ونقول نحن ومعنا الكثيرين من الشارع النرويجي المذهول بقرار لجنة نوبل : أن قرار اللجنة منح الجائزة لبارك أوباما الذي تخوض بلاده حربين استعماريتين في كل من العراق وأفغانستان يُعد أحدث تعبير عن عدم أهلية القائمين على الجائزة وتعاملهم مع عملية منحها تعاملات غير عقلانية لها بعد سياسي ومصلحي… كما يبدو أنها لا ترتبط فعلاً بأحقية الفائز بالفوز نتيجة أعماله السلمية أو الانسنانية. إلا إذا اعتبرنا أن كل مجرم ارتكب مجازر ومذابح وتطهير عرقي وتصفيات وقام بعد عدة سنوات بإعلان رغبته القبول بالجلوس على طاولة المفاوضات مع عدوه رجل سلام .. كما حدث يوم منحت الجائزة سنة 1973 للأمريكي “هنري كيسنجر ”  والفيتنامي “لي دوك ثو” الذي بدروه رفضها ورفض تسلمها. وكان سبب نيلهما الجائزة فقط توقيعهما على اتفاقية لوقف اطلاق النار ما لبثت أن أدت الى حرب كبرى، تم بعدها تحرير فيتنام وطرد الاحتلال الأمريكي وأعوانه من سايغون وكل فيتنام..

يجب العودة الى الوراء حيث أن هذا الشيء حدث كذلك يوم منحت جائزة نوبل للمجرم الصهيوني والإرهابي الدولي الشهير مناحيم بيغن، مؤسس عصابة الأرغون المسلحة العنصرية، الفاشية في فلسطين الانتدابية، والمسؤول عن عدة مجازر ( منها مجزرة دير ياسين) بحق الشعب الفلسطيني من 1947 حتى تاريخ نيله الجائزة سنة 1980 مناصفة مع الرئيس المصري المقتول أنور السادات أول الرؤساء العرب المستسلمين والمطبعين مع الصهاينة.

بعد حصوله على الجائزة واصل بيغن حروبه التصفوية ضد الفلسطينيين واللبنانيين في كل من لبنان ((اجتياح 1982 وارتكاب مجازر عدة في لبنان أشهرها مجزرة صبرا وشاتيلا التي أشرف عليها وزير دفاعه أرييل شارون)) وكذلك مجازره في فلسطين المحتلة.

ان لجنة جائزة نوبل التي تتكون من 5 شخصيات سياسية وحزبية و أكاديمية معروفة في النرويج وينتخبها البرلمان النرويجي .. وسبق لها أن قررت منح الجائزة للمجرمين الصهيونيين رئيس وزراء كيان الاحتلال الصهيوني اسحق رابين ” اغتيل فيما بعد من قبل صهيوني متطرف في تل ابيب” مناصفة مع المجرم الآخر شمعون بيريس، الرئيس الصهيوني الحالي، مرتكب عدة مجازر ضد الفلسطينيين واللبنانيين. وفي سنة 1996 أي بعد نيله الجائزة أمر طائراته الحربية بقصف مقر للأم المتحدة في بلدة قانا الجنوبية اللبنانية حيث كان المقر يأوي مئات المدنيين اللبنانيين الفارين من جحيم طائرات ” السلام ” الصهيونية. فقتل وجرح المئات منهم. كما أن بيريس أيد فيما بعد بقوة الحروب التي شنتها “إسرائيل ” منذ الانتفاضة الثانية وحتى عدوان 2008 على قطاع غزة، وظهر في الاعلام وكذب ودافع عن فاشية وهمجية جيش الاحتلال الصهيوني وقصفه للمدنيين والمدارس ومقرات الأمم المتحدة والأطفال ..الخ. تلك التصريحات جعلت بعض السياسيين النرويجيين يطالبون بسن قانون يُمكن اللجنة من سحب الجائزة من أمثال بيريس الذين لا يستحقونها. حسبما قال أحد البرلمانيين النرويجيين. الاثنان تقاسما الجائزة مع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعد توقيعهما على اتفاقية أوسلو للسلام..

أوباما الذي تقوم قواته الحربية بارتكاب الجرائم اليومية في أفغانستان وتواصل احتلال العراق والمساهمة في تغذية الصراعات العرقية والمذهبية هناك وسرقة ثرواته ودعم جهات على حساب جهات أخرى بغية مواصلة الاحتلال. يحصل على جائزة نوبل للسلام وسط ذهول وأرتباك الجميع في العالم. فبأي حق تمنح الجائزة لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية الذي يستعد ومنذ شهور لأرسال 30 الف جندي لمواصلة الحرب في أفغانستان المحتلة. و لم يقم بأي تغييرات في الوضع القائم في العراق المحتل. ولم يسحب جنوده من هناك. ولم يلتزم بوعوده فيما يخص القضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط بل أنه تراجع عنها علناً ورضخ للضغوطات الصهيونية. كما وظهر ضعيفاً أمام نتنياهو رئيس وزراء كيان الاحتلال العنصري الصهيوني في فلسطين المحتلة. كما أن اوباما مازال حديث العهد في الرئاسة ولم تمض على فترة ولايته إلا شهور عديدة. وسوف تأتي الأيام القادمة بمستجدات عهده خاصة أن جنوده بعد أيام سوف يتوجهون الى أفغانستان لخوض الحرب هناك.

كانت اللجنة عزت سبب منحها الجائزة لاوباما لمجهوداته في مجال حماية البيئة والحد من سباق التسلح ونشر الصواريخ في أوروبا. لكن منظمة  “غرين بيس ” السلام الأخضر تقول أن أوباما لم يقم بما فيه الكفاية لخدمة البيئة. وسوف تقوم المنظمة بتنظيم حملة لحماية البيئة في كل مناطق أوسلو فور وصول أوباما الى العاصمة النرويجية. كما أن بلدية أوسلو قررت تغريم أوباما مبلغ نصف مليون دولار أمريكي بسبب مركبته المصفحة التي ستسير في شوارع أوسلو، لأنها لا تتوفر على شروط السير المعمول بها في النرويج. أما فيما يخص مجهودات أوباما في الحد من انتشار السلاح النووي فإن المختصين هنا يعتبرون ذلك مجرد كلام ليس أكثر.

على كل حال إذا عدنا لتاريخ الجائزة سوف نجد أنها منحت لشخصيات لا تستحقها ولا علاقة لها بالسلام وهذا ما يؤكد أن هذه الجائزة كذبة كبيرة ولعبة سياسية يمارسها بعض الأشخاص الذين انتخبهم البرلمان النرويجي في عملية توافق أو تقاسم سياسي للنفوذ في اللجنة بين الأكثرية في البرلمان النرويجي. حيث تبقى اللجنة مرتبطة سياسياً بتوجهات الأحزاب الكبيرة الممثلة في البرلمان وسياساتها الخارجية. وطالما كانت لجان نوبل تشهد دائما وباستمرار خلافات وانقسامات بين أعضاءها حين تمنح الجائزة لشخصيات مثيرة للجدل أو لا علاقة لها بالسلام أو لا تستحقها أو لا تناسب بعض الأحزاب السياسية. مثل عملية منجها لروزفلت سنة 1906، حيث كان يتوسط في الحرب بين اليابان وروسيا لكنه بنفس الوقت كان من دعاة سياسة العصا الكبرى. كذلك حين منحت للرئيس الأمريكي ويلسون أحد رعاة معاهدة فرساي التي أسست للحرب العالمية الثانية. كما منحت لرئيس وزراء اليابان ايساكو ساتو لجهوده المفترضة ضد انتشار السلاح النووي لكن تبين أنه بنفس الوقت كان مؤيداً للمظلة النووية الأمريكية. الطامة الكبرى للجنة نوبل هي عدم منحها الجائزة لأهم رجالات السلام في عصرنا وهو الزعيم الهندي غاندي، حيث تم ترشيحه لنيلها لكن اللجنة في نهاية الأمر غيرت رأيها ولم تسمه فائزاً بها.

 

نوبل للسلام كذبة كبيرة

بقلم نضال حمد

/12/2009