الأرشيفعربي وعالمي

هوامش الإنتخابات الأمريكية – الطاهر المُعِز

 

لقد جَمَعْتُ في هذه الورقة مُلَخَّصًا بعض ما كُنْتُ نَشَرْتُهُ في الأعداد السابقة من نشرة الإقتصاد السياسي الأسبوعية (النشرة الإقتصادية كل يوم سبت على صفحات “كنعان” الإلكترونية) مع بعض الإضافات التي أوردتها صحيفة “لوموند دبلوماتيك” (عدد تشرين الثاني/نوفمبر 2016) والصحف اللبنانية مثل “الأخبار” التي نشرت متابعات “أسعد أبو خليل” و”عامر محسن” للحملة الإنتخابية الأمريكية وصحيفة “السفير”، إضافة إلى ملخص نقاشات في باريس مع بعض الأمريكيين التقدميين المقيمين في أوروبا والذين نظَّموا بعض اللقاءات والنقاشات… جزيل الشُّكر لجميع هؤلاء، ولزيادة الإطلاع على بعض المُعْطَيات والبيانات الرجاء مراجعة “النشرة الإقتصادية” الأسبوعية منذ منتصف أيلول/سبتمبر 2016 ، وأوردت في آخر هذه الورقة مقتطفات من النشرة الإقتصادية التي تصدر بعد أسبوع من كتابة هذه السطور بتاريخ 26/11/2016 وهي تعليقات وهوامش الإنتخابات الأمريكية، انطلاقًا من أخبار نشرتها وكالات الأخبار أو الصحف المكتوبة…   

 
الطبيعة الطبقية للدولة:

إن جهاز الدولة لم يكن يومًا (في أي بلد من العالم) مُحَايِدًا-كما يَدَّعِي الفيلسوف الألماني “هيغل”-  بل هو أداة حكم لصالح فئة أو مجموعة أو طبقة من مواطني بَلَدٍ مَا، وبالتالي ضد مصالح فئة أو فِئات أخرى -مثلما يُؤَكِّدُ ذلك “إنغلس”- ولا يمكن لأي نظام حكم أن يُعَمِّرَ بدون تحالفات طبقية داخلية وتحالفات خارجية، وتلعب جميع هذه العوامل دورًا هامًّا في انتخاب أو تنصيب أي رئيس أو حكومة، ولا تَشُذُّ الولايات المتحدة عن هذه القاعدة، بل هي أكبر تجسيد لها وأحسن مِثال على انحياز الدولة بأجهزتها (القضاء والشرطة والجيش والتعليم والصحة…) وبمؤسساتها (الرئاسة ومجلس النواب والحكومة والإدارة والإعلام…) لصالح طبقة الأثرياء، وضد المُنْتِجِين والفقراء في الداخل وضد شعوب البلدان الفقيرة المُضْطَهَدة في العالم أو التي تُحاول الإبتعاد عن الإيديولوجيا السّائِدَة في العالم (الليبرالية والعولمة وهيمنة السوق…)    

شَكَّلَ وصول “باراك أوباما” إلى منصب الرئاسة الأمريكية حدثًا بارزأ على مستوى الإعلام، لأنه نصف أسود ولأنه لا ينحدر من طبقة البرجوازية بل من البرجوازية الصغيرة المُتَعَلِّمَة التي لم ترث رأسمالاً من الأسرة، بل مارس أعضاؤها مِهنًا تُسَمَّى خَطَأً “حرة” (غير مُنْتِجَة) في مكاتب المحاماة والإستشارات والبحوث والدراسات، وتمَكِّنُ -ممارسة هذه المِهن- أصحابها من الإرتقاء في السلم الإجتماعي (السُّلَّم الطّبَقِي) وبناء علاقات مع النّافِذين في الحكم وفي أجهزة الدولة… كان “باراك أوباما” أقلّ رئيس تحدّث عن العنصريّة البيضاء ضد السود، ليتجنَّبَ “استعداء الناخبين البيض” وبرّأ “أوباما” في خطَبِهِ دوماً جهاز الشرطة و”الرجل الأبيض” (“الواسب” أي الأبيض البروتستانتي من أصول أوروبية) من المسؤوليّة عن “التوتر العرقي” والعنصريّة، لأن باراك أوباما لم يكن يُمَثِّلُ السود (أي الفقراء، أحفاد العبيد الذين اختُطِفُوا من افريقيا) بل كان يمثل المؤسسة الأمريكية الإمبريالية، ولم يصبح رئيسًا إلاَّ بعدمَ حاز دعم مجمّع الصناعات العسكرية ودعم أسواق المال “وول ستريت” وشركات النفط (وهي التي تمول مراكز البحوث والدراسات) والمؤسّسات الإعلامية ومجموعات الضّغط المُهيمنة في صنع السياسة الخارجيّة… وعد “باراك أوباما” بإنهاء حروب “جورج بوش الأبن” لكنه أضاف لها حروبًا جديدة، وطور عمليات الإغتيال عن بُعد بواسطة الطائرات الآلية في اليمن ومالي وسوريا والعراق وأفغانستان وباكستان، وذلك بذريعة “مكافحة الإرهاب”، والإرهاب ذريعة أمريكا لشن الحروب العدوانية على الشعوب منذ أكثر من 35 سنة (منذ رئاسة “رونالد ريغن”)…

فشل الحزب الديمقراطي في الفوز بالرئاسة في انتخابات 2016 رغم نتائج “استطلاعات الرّأي” التي تُدِيرُها شركات ضخمة، لأنه قَلَّصَ، بل أذاب الفروقات شيئا فشيئا مع الحزب الجمهوري وإيديولوجيته (وهو ما فعلته الأحزاب المسماة “عُمَّالِيّة” أو “اشتراكية ديمقراطية” في كل دول أوروبا وأستراليا وكندا أيضًا) المثمثلة في تقليص دور الدولة المركزية (الإتحادية) وتقويض البرامج الاجتماعيّة وحاول الحزب الديمقراطي منذ رئاسة “بيل كلينتون” منافسة الحزب الجمهوري في تطبيق السياسات العنصرية (بعنف أو برفق، لكن النتيجة واحدة) في محاولة اجتذاب “الناخب الأبيض” من الفئات المتوسطة التي فقدت امتيازاتها مع تَسْرِيع “العولمة” بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، وخاضت “هيلاري كلينتون” حملة احتقار وتمايز وتعالي عن الفقراء والعمال، فكافأُوها بأقل نسبة من التصويت ومن التأييد، وبذلك خسر الحزب الديمقراطي على كل الجبهات، فيما اختار “دونالد ترامب” تقديم “حُلُول” وهمية أو مغلوطة لتساؤلات ومشاكل حقيقية، ووعد بسياسة فاشية وعنصرية واضحة “لحل مشاكل أمريكا” من بينها إقرار قوانين أكثر تشدُّدًا، وفترات سجن أطول للفقراء من مستهلكي المخدّرات، وتقليص خدمات الرعاية الاجتماعيّة والصّحّية للمعوَزين، وتعزيز سلطات الشرطة وتسليحها كالجيش (ضد “العدو الداخلي” حسب المصطلح الذي تبنّاه الحزب “الإشتراكي” الفرنسي أثناء مراحل القمع الرهيبة بداية من 1956 خلال حرب التحرير الجزائرية)، وإلغاء سياسات “المَيْز الإيجابي” التي كانت بمثابة فُرَصٍ إضافية تستهدف رفع مستوى دخول النساء والأقليّات إلى “سوق العمل” أو في “التنافس الاقتصادي”، وتحويل الإنفاق على هذه البرامج إلى دعمٍ للشركات الكبرى متعدّدة الجنسيّة… وكان الحزب الديمقراطي قد بدأ تطبيق نفس هذه السياسة “النيوليبرالية” خلال فترة رئاسة “بيل كلينتون”، ويتميز النظام الأمريكي -سواء كانت الأغلبية للحزب الجمهوري أو الديمقراطي- بالنُّخْبَوِية (ككل الديمقراطيات البرجوازية “الغربية”) إذ صاغ 20% فقط من النواب الأمريكيين أكثر من 75% من القوانين خلال العقود الماضية، ومعظم هذه القوانين كانت لمصلحة الأثرياء والمَصَارِف والشركات الكبرى وبالأخص شركات السلاح والنفط…

يُرَكِّزُ الإعلام على شخص المترشِّح للرئاسة وكأنّهُ فرد يبذل جُهْدًا شخصيا لبلوغ منصب الرئاسة، وهو تركيز مقصود على الشكل والهندام وطريقة الحديث، بهدف الإبتعاد بأقصى ما يمكن عن مشاكل الميز في أمريكا ضد السود كما ضد النساء والفقراء والعمال والمُنْتِجِين والمُهَمَّشين وفاقدي المأوى ومن أنهكتهم الدُّيُون (من ذلك ضعف عدد المُسَجَّلِين منهم على اللوائح الإنتخابية والعدد الأضْعَفُ لمن يُشارك منهم في التصويت) كما يساهم الإعلام الأمريكي بشكل كبير في ترويج المغالطات حول بلدان العالم وحول البلدان المُسْتَعْمَرَة والشُّعُوب المُضْطَهَدَة، وفي ترويج الأكاذيب بهدف تبرير استخدام القوة العسكرية “المُفْرِطَة” ضد بلدان وشعوب لا تملك جزءأ من الأَلْف (1:1000) من القوة العسكرية الأمريكية والإدِّعاء أن بعض البلدان تملك “أسلحة دمار شامل” في حين ان أسلحة الدمار الشامل توجد لدى الولايات المتحدة (الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي) ولدى الكيان الصهيوني وأعضاء حلف شمال الأطلسي، كما يتعَمَّدُ الإعلام السائد إخفاء نتائج الإعتداءات العسكرية الأمريكية من تدمير وقتل وتخريب لبلدان العالم، بذريعة “مكافحة الشيوعية” قبل انهيار الإتحاد السوفييتي (وكأن ذلك “عُذْرٌ شَرْعِي”) أو “مكافحة الإرهاب”، واندمجت أجهزة الإعلام تمامًا مع الجهاز العسْكَرِي وإعلامُهُ المُضَلِّل منذ عقود، وظهر ذلك جَلِيًّا خلال العدوان العسكري ضد العِراق سنة 1991 واحتلال البلاد سنة 2003 (والحُرُوب العديدة اللاَّحِقَة)…
 

عن وضعية النّساء في أمريكا:

لأول مرة تترشّحُ امرأة، كانت قادرة على الفوز بمقعد الرئاسة، لكن “هيلاري كلينتون” لم تكن مُمَثِّلَة للنساء (كما لم يكن باراك أوباما مُمَثِّلاً للسّود) لأنها كانت تُمَثِّلُ فئة من الأثرياء ومن مراكز البحوث والدراسات التي تَدُور في فلك الدوائر الحاكمة، ولذلك لم تكن تعرف (أو كانت تعرف وتتجاهل) مشاكل النساء “العادِيَّات” وهن الأغلبية، وفشلت في تعبئة النساء العاملات والأمهات المحرومات من دور الحضانة ومن عطلة الولادة (مدفوعة الأجر) كما في عدد من دول العالم… 

لا يضمن الدستور الأمريكي المساواة بين الرجال والنساء، ولئن أصبحت النساء تُمثل نصف عدد العاملين في أمريكا فإن حوالي 70% من العمال الذين لا يتجاوز أجرهم 7,25 دولارا في الساعة هم نساء (7,25 دولارا عن ساعة العمل هو الأجر الأدنى الإتحادي والمُجَمَّد منذ 2009 أي خلال حكم الرئيس أوباما) لا تتمتّع النِّساء في أمريكا (القوة العُظْمى) بعطلة الولادة خالصة الأجر (12 أسبوع على أقصى تقصدير لكن بدون أجر)، وهناك ثلاث دويلات أخرى فقط في العالم لا تتمتع فيها النساء بعطلة ولادة خالصة الأجر، وتضطر النساء العاملات إلى التوقف عن العمل يوما واحدًا قبل الولادة، كي لتفادي خسارة جزءٍ من الراتب، وتحتفظ معظم النساء أثناء الحمل بفترة العطلة السنوية بهدف إضافتها إلى فترة التوقف عن العمل بعد الولادة، ولا توجد مَحَاضِن حكومية أو عمومية لتستقبل الأطفال قبل سن الخامسة، سن الدخول إلى المدرسة، كما ان حق الإجهاض هَشٌّ وغير مُعَمَّم على كل الولايات، وأدت خصخصة قطاع الصحة إلى ارتفاع عدد وفيات النساء أثناء الحمل أو الولادة إلى 42,8 عن كل مائة ألف ولادة لدى النساء السود وإلى 12,5 عن كل 100 ألف ولادة لدى النساء البيض، مقابل 9,6 في فرنسا وأربعة في السويد على سبيل المقارنة، وفق المنظمة الوطنة الأمريكية للنساء (NOW)، وتضطر النساء إلى التوقف عن العمل بعد الولادة، بسبب غياب المَحاضن في القطاع العام، وغلاء سعر المحاضن الخاصّة، وتقَدَّرُ تكلفة حضانة طفل واحد بأكثر من أَلْفَيْ دولار شهريا في نيويورك (وهو نفس معدل الأُجْرة الشهرية للمَسْكن)، فتقهقرت مرتبة الولايات المتحدة في نسبة تشغيل النساء من المرتبة السادسة ضمن بلدان منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية (34 دولة) سنة 2000 إلى المرتبة السابعة عشر سنة 2015، ويقدر معدل رواتب النساء البيض بنحو 79% من رواتب زملائهن الرجال، وبنحو 64% للنساء الأمريكيات السود وبنحو 56% للنساء أصيلات أمريكا الجنوبية (اعتمدَت المُقَارنة نفس الشهادة ونفس الدرجة المهنية ونفس سنوات العمل)…

إن مقياس وجود النساء على رأس الشركات أو في مُؤسَّسَات الدولة وفي البرلمان أو المناصب الوزارية غير كافي لقياس مؤشرات تحرر النساء أو تمتعهن ببعض الحقوق، ومنذ بداية التاريخ كانت النساء الثّرِيّات تتقاسم الحكم مع الرجال (حتى بعد “الهزيمة التاريخية للنساء” وفق تعبير “فردريك إنغلس” في كتابه “أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة”) وتوجد حتى في الإمارات نساء في مناصب وزارية لكنهن تنتمِين إلى العائلات الحاكمة في مختلف الإمارات التي تشكل الإتحاد، ولكن ثمثيل النساء في أمريكا ضعيف مقارنة بالدول الرأسمالية الأخرى، وتبلغ نسبة النساء في المجلس (الكونغرس) 19,4% ولا تَشْغَلُ سوى ست نساء منصب حاكمة وِلاية (من إجمالي 50 ولاية) ونسبة رئيسات البلديات في المدن التي يتجاوز عدد سكانها 30 ألف نسمة 18,8%، ومع ذلك تَدَّعِي أجهزة الدِّعاية الأمريكية أن الجيش الأمريكي حَرَّرَ نساء أفغنستان !!!… على صعيد آخر يُمارس المجتمع “الذكوري” الأمريكي العنف الشديد ضد النساء، ويتمثل ذلك في تَعَرُّضِ 20% من النساء الأمريكيات إلى الإغتصاب و25% منهن إلى العنف البدني داخل الأسرة من قِبَلِ الزوج أو الْعَشِير، بحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” (تمويل حكومي) ولم تُصادق الحكومات الأمريكية المُتعاقبة على اتفاقية الأمم المتحدة لتجريم العنف ضد النِّساء (1979)، كما لم يَتَجَرّأ أي مُترشِّح للرئاسة أو حتى للكونغرس على شن حملة ضد بيع السلاح وحَمْلِه في أمريكا، بل رَوَج الإعلام وبعض القوى السياسية وشركات صنع وبيع الأسلحة الفردية أن منع حمل السلاح يُعْتَبَرُ اعتدء على الحُرِّيات الفردية، يبنما يتزايد عدد وفيات النساء، ضحايا هذا السلاح الفردي “رمز الحُرِّيات الشخصية” كما تَدَّعِي جمعية -National Rifle Association (NRA) – ويقدر عدد الأسلحة الفردية التي بحوزة الأمريكيين ب370 مليون قطعة سلاح (أي أكثر من عدد السُّكّان) ويقدّر عدد ضحايا السلاح الناري بنحو 30 ألف سنويا داخل الولايات المتحدة

 
الثروة والسُّلْطة:

كان من نتائج انهيار جدار برلين والإتحاد السوفييتي انحطاط مستوى النقاش السياسي ومستوى الحملات الإنتخابية وظهور فئة من الأثرياء أو المُهَرِّجين (أو الإثنين معًا) حكموا بلدانًا مثل إيطاليا (برلسكوني) ولبنان (رفيق الحريري) ورئيس الوزراء البريطاني السابق وجورج بوش الإبن والرؤساء الحاليِّين للبرازيل أو للفلبين، وصولا إلى “دونالد ترامب” على رأس أعظم قوة امبريالية، وأدت سياسة برلسكوني أو الحريري إلى زيادة ديون إيطاليا أو لبنان وخصخصة البلاد برمتها والإستحواذ على القطاع العام وزيادة ثروات من كان يحكمها، وأمكن لهم تَسْوِيق ذلك وتشريعه (أي أـصبح “شَرْعِيا”) بفضل شراء وسائل الإعلام والصحافيين والباحثين الذين أظهروا الملياردير “دونالد ترامب” بمثابة “الإنسان العادي (الأمريكي الأبيض من أصل أوروبي) مقابل المليونيرة “هيلاري كلينتون” التي أظْهَرَها الإعلام، رغم مُساندته لها، “مُتعالِية ومُتَرَفِّعَة”، وهي فِعْلاً كذلك لكن “دونالد ترامب” كان أَبْرَعَ منها في مجال التمثيل والكوميديا، وبشكل عام فإن كلا المُتَرَشِّحَيْنِ يعتمد على المال والجاه من أجل الفوز…

يتشكل المجتمع الأمريكي، مثل معظم مجتمعات البلدان الرَّأسمالية المتطورة من أغلبية عددية، مُهَمَّشَة إعلاميا وثقافيا، وإن كان لها الفضل في خلق ثروات البلاد، فإنها لا تحوز إلا على ما يكفيها بالكاد لتجديد قوة عملها والعودة إلى العمل (بأجر زهيد)، هذا إذا تمكن العمّال وأصحاب الياقات الزرقاء، والقادمون من الأرياف والهوامش الاجتماعية والمدينية، من العثور على عمل بدوام كامل، وبالمقابل هناك أقَلِّية تتحكم في دورة رأس المال وتمتلك وسائل الإنتاج والتسويق ومسالك البيع والتجارة الداخلية والخارجية وتملك وسائل الإعلام، وخلافًا للأغلبية العددية فهي الطّبقة السائدة ماليًّا وإعلاميا وثقافيّا، واشترت صحافيين وباحثين وأكاديميين، أصْبَحُوا “مُثَقَّفِين عُضْوِيِّين” (العبارة ل”أنطونيو غرامشي” الذي اغتالته الفاشية في السِّجن في إيطاليا) للبرجوازية، يعملون من أجل هيمنة ثقافة البرجوازية وإيديولوجيتها ضد أغلبية الشّعب (الأثرياء هم أقلية بالضرورة)، لذلك فإن الطبقة الحاكمة تتألف من أرباب العمل والأثرياء المُضاربين ومالكي الأسهم والعقارات والمصارف، وهم يمثلون 1% من الأمريكيين ويملكون نحو 80% من الثروة التي خَلَقَتْها الأغلبية التي لا تملك شيئًا، ولكن ملكية البرجوازية لوسائل الإعلام والدعاية تُحَوِّلُ وظيفتها (وظيفة وسائل الإعلام) إلى تعطيل الفكر وتخدير الوعي والوقاية من التمرد، وإن حصل تمرد فوجب قمعه بشدة أن يبقى محصورًا في منطقة معينة أو في فئة محدودة من المواطنين، وهو ما يحصل في الولايات المتحدة وفي غيرها أيضًا…

 
خاتمة:

لا يُمكِنُنِي عندما أقرأ أو أكْتُبُ أو أُفَكِّرُ أن أنسى أني من بلد تُهَيْمن عليه الإمبريالية ومن منطقة جثمت عليها فيالق الإحتلالات المتتالية، منذ قرون وبشكل خاص منذ الإحتلال العثماني الذي تلاه الإحتلال الفرنسي والانغليزي للوطن العربي، والإتفاقية البريطانية-الفرنسية المعروفة ب”سايكس-بيكو”، ثم “وعد بلفور”، قبل تأسيس الكيان الصهيوني وكيانات صهاينة الخليج (عَرَبُ النفط، أو عرب أمريكا) وأخيرًا بدأت عشائر الأكراد تقتطع أجزاء من العراق ثم من سوريا، بإشرافٍ ودعمٍ من نفس القوى الإستعمارية ومن حِلْفٍ إمبريالي أمريكي-أطلسي، لا يزال يقود الحروب العدوانية الدائرة حاليا، في ظل هيمنة شبه مُطْلَقَة من الإمبريالية الأمريكية على العالم، لذلك فإن قراءتي للأحداث تنطلق من دفاعي عن هويتي ومصالحي كعربي وكأُمَمِي (لا أقصد مصالحي الشخصية وإنما مصالحي القومية والوطنية والطّبقية)، وبشأن الإمبريالية الأمريكية فإنني تابعت بشكل خاص تصريحات المُتنافِسَيْنِ بخصوص فلسطين المحتلة،  وبخصوص الحروب العدوانية الدائرة حاليا بقيادة الإمبريالية الأمريكية في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها من البلدان الأخرى مثل الصومال وافغانستان ومالي وافريقيا الوسطى ومنطقة بحر الكاريبي وأمريكا الجنوبية، والدعم الذي تُقَدِّمُه الولايات المتحدة لكافة القوى الإنفصالية والرجعية (منها “داعش” و”النصرة”) وللأنظمة التي تقمعنا وتضطهدنا، بدل أن تهتم هذه الأنظمة بتحرير الأراضي المُحْتَلَّة من سبتة ومليلة في المغرب إلى جزر الإمارات ولواء الإسكندرون وفلسطين (كامل فلسطين) والجولان وسيناء الخ…
من خلال هذه المقاييس لا يمكننا تأييد مُرَشّح أمريكي ضد آخر، لأن كلَيْهِما عَدُوٌّ مُعْلَنٌ وصريح، بل وجب اعتبار النظام في أمريكا مُعادٍ لمصالحنا كما لمصالح حُلَفائنا الطبيعيين في أمريكا أو خارجها…

 
ملحق:

مقتطفات من النشرة الإقتصادية الأسبوعية (كنعان)- العدد 352 بتاريخ 26/11/2016
 

… يتشابه برنامج المُرَشَّحَيْنِ بشأن اضطهاد الشعوب وشن الحروب العدوانية والدفاع عن مصالح الشركات الإحتكارية، وإذا انطلقنا من وضْعِنا كعرب هيمنت على بلادنا الإمبريالية منذ القرن التاسع عشر (والإحتلال العثماني منذ القرن الخامس عشر) فإننا لا نرى فرقًا بين المُرَشَّحَيْنِ أو بين “الحاج موسى” و “موسى الحاج”… كانت تصريحات وآراء المرشح الجمهوري “دونالد ترامب” (الذي أصبح رئيسًا) “شعبوية” وعنصرية وفاحشة ومَثَّلَ خلال حملته الجُزْء العنصري الأبيض المُتعالي من بعض شرائح الرأسماليين ومن الموظفين والعمال الأمريكيين ذوي الأصول الأوروبية البيضاء، لكن المرشحة الديمقراطية  “هيلاري كلينتون” أعدَّتْ برنامجًا عُدْوانيًّا وكانت تهدد باندلاع حرب عالمية ثالثة نووية تدمّر الأرض ومن عليها، وهي فاسدة ومُرْتَشِيَة (هي وزوجها)  واستخدمت المال العام لمصلحتها الخاصة، وهي مرشحة وول ستريت والاحتكارات الكبرى… حصلت خلال العقود الثلاثة الماضية مجموعة من المتغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع الاميركي، ومنها تراجع الصناعة وانتقال رؤوس الاموال الى الخارج، بحثًا عن الربح بأقل التكاليف (وهي قاعدة رأسمالية “عادية”)، فماتت مدن وبلدات عديدة وانتهى الأمان الوظيفي والرواتب المُرْتَفِعة (نِسْبِيًّا) وساعات العمل المنتظمة، واضطرت الفئات المتوسطة -التي كانت الدّعاية السياسية والإيديولوجيا السّائدة تُقَدِّمُها كعماد المجتمع الأمريكي- إلى البحث عن عمل في قطاعات الخدمات التي تتميز بالاجور المنخفضة، والعقود الهَشّة (أي عدم الأمان الوظيفي) وساعات العمل المتغيرة، وكان الحزب الديمقراطي يعتمد تاريخيًّا على دعم النقابات العمالية والفئات الوسطى، ولكنه تحول منذ أكثر من ثلاثين سنة إلى حزب يُدافع عن مصالح الشركات الإحتكارية الكبرى، داخل أمريكا وخارجها، وأهمل قاعدته الإجتماعية التي تَخَلَّتْ عنه أيضًا… وعلى أية حال فالفروق ليست جوهرية بين الحزبين الأمريكيين أو بين الأحزاب الأوروبية المتنافسة على الحكم، بشأن القضايا التي تَعْنِينا كعرب وكأُمّة مُضْطَهَدَة وكشُعُوب مُهَيْمَنٍ عليها وَكَفِئَاتٍ اجتماعية كادحة وكَمُنْتِجدِين لا يَجْنُون ما يستحقون من إنتاجهم… إن ما يعنينا كعرب وكتقدميين هو هزيمة الإمبريالية (كمرحلة مُتَقَدِّمة من تطور الرّأسمالية) لتكف عن دعم الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العميلة الجاثمة على صدورنا، وعن الإعتداء علينا وعلى مصالحنا كقوم وكطبقات مُسْتَغَلّة وأُمم مُضْطَهَدَة، وهذا لن يَحْصُلَ سواء فاز آل “كلينتون” أو “ترامب”…    
 

في جبهة الأعداء: وعَدَ “دونالد ترامب” خلال الحملة الإنتخابية بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وعدم اعتراضه (الشكلي) على الاستيطان في الضفة الغربية، لكننا ندرك الدعم الذي تقدمه الإمبريالية الأمريكية للكيان الصهيوني تحت حكم الحزب الديمقراطي أو الجمهوري، وقدّم الرئيس “الديمقراطي” (والوحيد من أصول افريقية) ما لم يقدمه أحدٌ في مجال المعونة العسكرية والدعم الاستراتيجي، ولن يدعم أحد عدونا كما تدعمه “هيلاري كلينتون”، ولا يختلف “ترامب” في هذا المجال عن كل الرؤساء الأميركيين، وكتبت صحيفة “هآرتس” (افتتاحية يوم 14/11/2016) “إن مساعي الرئيس باراك اوباما لتحقيق الحل السياسي جاءت من اجل اسرائيل اكثر بكثير منها من أجل المصلحة الاميركية”… عن “واشنطن بوست” 15/11/16 اشتهر “ستيف بانون” بدعوته إلى “اليمين البديل” وبإيمانه بتفوّق العرق الأبيض، ونشر على موقع “بريتبارت” الذي يُدِيرُهُ (باسم يمين الحزب الجمهوري) مواضيع تحط من شأن المسلمين والنساء والمواطنين السّود، وأصبح كبير مستشاري الرئيس الجديد “دونالد ترامب”، أما صديقه ورفيقه في النضال ورئيس الحزب الجمهوري “رينس بريبوس” فقد أصبح أميناً عاماً للبيت الأبيض، ويَدْعُو الثنائي إلى “تنفيذ برنامج الرئيس وخفض الضريبة وحماية الحدود وتعزيز مكانة أمريكا في العالم ومكافحة تعدد الثقافات والهجرة غير الشرعية وإلغاء نظام التأمين الصحي…” وأصبح الجناح اليميني المتطرف العنصري والفاشي في الحزب الجمهوري يسيطر على الرئاسة وعلى المجلسين النيابيين… تَقَرَّبَ “ترامب” خلال الحملة الإنتخابية من الشرائح الأقل ثقافة بين البيض في أميركا، وحظي بدعم منظمات عنصرية عديدة بينها “الكوككس كلان” وأطلق حملات عدائية  على المختلفين عنه دينا أو لونا أو ثقافة، وكذلك ضد السود والنساء والمسلمين والهسبان في أميركا أ ف ب 14/11/16 يوجد في طاقم الرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” بعض المعروفين بعدائهم لنا ولحضارتنا وللشعب الفلسطيني، وأعلن “ترامب” عدم السماح بإقامة دولة فلسطينية “إرهابية” (رغم معارضتنا لِدُوَيْلَة فلسطينية على جزء من فلسطين لم يتحرر بقوة السلاح…) وان الإستيطان حق مشروع للكيان الصهيوني “الدولة الديموقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط المحاطة بالعداء والكراهية والتحريض” وحرص خلال حملته على إظهار الفخر والإعتزاز بأنسابه اليهود (زوج ابنته)، ويوجد ضمن أركان حملته الانتخابية (وهم مرشحون لتولي المناصب الرئيسية في إدارته) غلاة اليمين المتطرف المُؤَيِّد للإحتلال الصهيوني كممثِّل للحضارة الغربية في الوطن العربي، ومنهم “نيوت غينغريتش” الذي يُرَدِّدُ مقولة “إن الشعب الفلسطيني شعبٌ مُخترع”، ووليد فارس ذو الأصل اللبناني، الذي كان في تنظيم “حراس الأرز” المعادي للفلسطينيين (والقوات اللبنانية وكان ولا يزال عميلا للكيان الصهيوني)، ورودولف جولياني وجون بولتون، المعروفَان بتأييدهم الأعمى للكيان الصهيوني، إضافة إلى نائبه “مايكل بنس” الذي ينافس غلاة الصهاينة في تطرفهم… يشترك “دونالد ترامب” (والتيارالت اليمينية عمومًا) مع الصهاينة في العنصرية والإستعلاء والحقد والتمييز بين البشر على أساس العرق والدين والجنس، إضافة إلى العقيدة المُشْتركة بشأن “أسطورة” أو “ميثولوجيا” التَّأْسيس التي أدَّتْ إلى قتل عشرات الملايين من سكان أمريكا الأصلِيِّين وإلى تشريد مئات الآلاف من الفلسطينيين خارج وطنهم… عين دونالد ترامب “جايسون غرينبلات” مستشاراً خاصاً “للشؤون الإسرائيلية”، وصرح هذا المُسْتشار لإذاعة الجيش الصهيوني يوم 10/11/2016 “إن المستوطنات لا تشكل أي عقبة في طريق السلام، والدليل ان انسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة لم يجلب السلام…” وأضاف ردًّا على سؤال آخر ” إن هناك اتصالاً تاريخياً وفريداً بين اليهود والقدس على عكس قرار اليونيسكو بذلك، ولذا وجب نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس”… عن “الخليج” + “الأخبار” (بتصرف) 15/11/16
 

“كنعان” الإلكترونية*

اترك تعليقاً