الأرشيفوقفة عز

يوم الشهيد، يوم محمد الأسود وعبد الهادي الحايك وكامل العمصي – نضال حمد

الشهيد جيفارا غزة ورفيقيه

في التاسع من آذار كان قطاع غزة على موعد مع رحيل واستشهاد مجموعة من الفدائيين كان يقودها حاكم  قطاع غزة المحرر ليلاً، الشهيد الفذ والأسطورة جيفارا غزة. وكان هذا الفدائي الرائع والقائد اللامع، المسؤول العسكري للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غزة وعضو مكتبها السياسي يربط القول بالفعل.

ككل أبناء جيله من الفلسطينيين الذين ولدوا قبل واثناء وبعد النكبة الفلسطينية سنة 1948 عاش جيفارا طفولته يحلم بالعودة الى مسقط رأسه حيفا. حيث منزل آل الأسود، عائلته التي أجبرتها العصابات الصهيونية على مغادرة البيت والمدينة، وعلى التوجه الى غزة بحثاً عن النجاة بحياتها من التطهير العرقي الصهيوني للمدن والبلدات الفلسطينية، ولعموم أرض فلسطين. ففي السادس من الشهر الأول من سنة 1946 ولد محمد الأسود – جيفارا غزة -. بعد سنتين من اطلالته على الحياة في حيفا اضطر للعيش في الخيام لاجئاً في غزة داخل وطنه فلسطين. هناك قضى سنوات الطفولة والشباب، ثم تعلم في مدارس الانروا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. لكن بسبب الأوضاع المالية السيئة لعائلته ترك الدراسة بالجامعة في مصر وعاد الى قطاع غزة ليتحول فيما بعد نجماً فدائياً ُمشعاً في القطاع.

في العام 1963 انضم الى حركة القوميين العرب وأصبح مع مرور الوقت من أهم نشطاء الحركة في القطاع. جاء في موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن الشهيد جيفارا:”عند نكسة حزيران 1967 أصبح قائدًا لإحدى المجموعات المقاتلة في منظمة (طلائع المقاومة الشعبية) ثم في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ونفذ مع مجموعته عدة عمليات جريئة خلال بدايات العمل المسلح، قام بعدة عمليات ناجحة أوقفت سيل الزوار الصهاينة لقطاع غزة.. واعتقل الشهيد جيفارا في 25/1/1968 وبقي في السجن لمدة سنتين ونصف حين أطلق سراحه في تموز 1970. واصل نضاله بعد خروجه من السجن مباشرة في صفوف الجبهة وقام بنشاط مكثف في إعداد المجموعات العسكرية وتدريبها وتثقيفها.”.

تتذكر غزة ويتذكر الغزيّون وخاصة رفاق جيفارا أن هذا المناضل القائد القدوة حتى في جو المطاردة وتكثيف الاحتلال الصهيوني عمليات البحث عن الفدائيين في القطاع. استطاع قيادة ثوار غزة، ورفاقه الفدائيين وأعضاء التنظيم بشكلٍ مميز. فقد كان مناضلاً صلباً وصبوراً ومميزاً لا مكان في قلبه وعقله للوهن أو لليأس.  بحنكته ورؤيته وبعد نظره وديناميكيته استطاع في وقت قياسي ربط التنظيم السياسي والعسكري للجبهة وقيادته بشكل مثير للاعجاب.

تقول مصادر الجبهة أنه اهتم وحرص على إنشاء اللجان العمالية والنسائية والاجتماعية. وأهتم برعاية أسر الشهداء. ومن العلامات المميزة للقائد جيفارا أنه حرص على ترتيب مكتبة مركزية ومكتبات فرعية في القطاع للتثقيف السياسي والحزبي وكان مثالاً في صبره واجتهاده لكل الرفاق. القائد القدوة يصنع مناضلين مميزين وفدائيين بارزين.

عاقب جيفارا كل الخونة والعملاء في غزة، الذين سقطوا وتعاملوا مع العدو. كان يجري لهم محاكمات عادلة وقبل اعتقالهم ومحاكمتهم وتصفيتهم كان يحذرهم من التمادي في الخيانة، ووضع شعاراً لمحكمة الثورة هو “أن الثورة لا تظلم.. لكنها لا ترحم”… وما ظلم جيفارا أحداً لكنه بنفس الوقت أعطى الشعب والقضية والثورة والوطن والشهداء والأسرى والجرحى والمناضلين والفدائيين، حقهم حين حاسب وحاكم الخونة والعملاء. كم نحن في هذه الأيام العربية والفلسطينية المظلمة بحاجةٍ ماسةٍ جداً لأمثال جيفارا، كي نتمكن من محاسبة الخونة والعملاء والمتساقطين الكبار والصغار أفراداً وجماعات ودول وشبه دول وسُلطات.

نفذت مجموعاته عدداً كبيراً جداً من العمليات الفدائية الناجحة والتي ألحقت خسائر كبيرة بصفوف العدو. مما جعل الارهابي وزير جيش الاحتلال الصهيوني آنذاك موشيه ديان، يقول: “نحن نحكم غزة في النهار وجيفارا يحكمها في الليل” .

جيفارا الانسان والقائد المثال كان يحث رفاقه المقاتلين على الانضباط  والسلوك الثوري واحترام الجماهير والتقرب منها ونيل رضاها. وكان يحثهم على الاستفادة من التجارب الثورية والنضالية السابقة. فيقول لهم: “تعلموا من تجارب رفاقنا الذين سبقونا في النضال”. كما حرص على تطبيق مبدأ النقد والنقد الذاتي على نفسه أولاً.

يقول رفاقه انه كان يقول لهم:”  النقد والنقد الذاتي نستطيع أن نحول الخطأ إلى صواب والسلبيات إلى إيجابيات”. كما ردد كثيراً على مسامع رفاقه:”أتمنى دائمًا أن توجهوا لى النقد البنّاء وأعترف أنني أخطأت”.

في التاسع من آذار عام 1973 تمكن العدو من معرفة مكان وجود جيفارا ورفاقه، فحاصرت قواته المنزل الذي كان متواجداً فيه خلف مستشفى الشفاء بمدينة غزة، مستعينة بمئات الجنود والدبابات وبغطاء جوي. بالرغم من كل هذا الحشد الصهيوني وأمامه اتخذ جيفارا ورفاقه الابطال قرار القتال حتى الشهادة ولا تفكير بالاستسلام للعدو. هناك كانت نهاية حكاية جيفارا ورفيقيه عبد الهادي الحايك، وكامل العمصي. قاتلوا وصمدوا واشتبكوا إلى أن استشهد ثلاثتهم. في ذلك اليوم حضر الى مكان العملية على الفور وزير جيش الاحتلال (الإسرائيلي) في ذلك الوقت موشيه ديان. جاء إلى غزة بنفسه للتأكد من استشهاد جيفارا غزة. ويقال أن جنود الاحتلال وزعوا الحلوى بعد تأكدهم من استشهاد جيفارا ورفيقيه.

سوف يخلد تاريخ فلسطين يوم التاسع من آذار 1973 لأنه يوم استشهاد قائد غزة وجبهة الشعب، المناضل الصلب والمثال، الذي كان يعنى بشؤون الشهداء والأسرى والجرحى وعائلاتهم.. وكان يحاول ويحث رفاقه على تقديم يد العون وتوفير المساعدات التي تتوفر لتلك العوائل أولاً. برحيل جيفارا فقدت جماهير غزة قائداً عظيماً لنضالاتها ربما سيمضي زمن طويل حتى تتكرر مثل تجربته وشخصيته. باستشهاد جيفارا فقدت فلسطين أسطورة كفاحية عظيمة من أساطيرها الفدائية، كما فقدت الجبهة الشعبية أحد قادتها المميزين. ليصبح ذلك اليوم والتاريخ أي التاسع من شهر آذار – مارس يوماً للشهيد الجبهاوي.

سبتقى يا جيفارا حياً مع شعبك وثوار فلسطين والأمة وأحرار وشرفاء العالم.

المجد والخلود للشهداء في يومهم الخالد.

نضال حمد

9-3-2021

يوم الشهيد، يوم الشهداء محمد الأسود ورفيقيه عبد الهادي الحايك، وكامل العمصي – نضال حمد