الأرشيفعربي وعالمي

أكذوبة الحق التاريخي لليهود في فلسطين –  د. غازي حسين

   

 

                            

تطبيقاً لتقرير كامبل الاستعماري عام 1907 واتفاقية سايكس- بيكو عام 1916 صدر وعد بلفور الاستعماري في الثاني من تشرين الثاني عام 1917 لتحقيق المصالح الاستعمارية والصهيونية في فلسطين قلب الوطن العربي. واتفقت بريطانيا والمنظمة الصهيونية العالمية لقاء وعد بلفور أنْ تعمل الصهيونية على مساعدة بريطانيا لفرض الانتداب البريطاني على فلسطين، لأن فرنسا وروسيا القيصرية كانتا تطمعان في السيطرة عليها. فاستعان دهاقنة الاستعمار البريطاني بالحركة الصهيونية لتحقيق مصالح الإمبراطورية البريطانية والصهيونية لتحقيق مصالح الإمبراطورية البريطانية والصهيونية العالمية بغرس إسرائيل في فلسطين العربية.

أرسلت بريطانيا صيغة الوعد المشؤوم إلى الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا للاطلاع والموافقة عليه ووافقت الدول الاستعمارية الثلاث  على صيغة الوعد المشؤوم. وأيدت فتح أبواب فلسطين على مصراعيها لهجرة اليهود الاشكناز من أوروبا لحل مسألة اليهودية فيها على حساب عروبة فلسطين وحقوق الشعب العربي الفلسطيني الوطنية غير القابلة للتصرف.

وكانت فلسطين قبل أن تسمى بفلسطين تُعرف بأرض كنعان نسبة للقبائل الكنعانية العربية التي كانت أول من سكنها، ففلسطين أرض عربية منذ بدء التاريخ وتعاقبت عليها أمم شتى إلى أن جاء العرب مرة أخرى إبان الخليفة عمر بن الخطاب وحرروها من الغزاة الرومان. وأصبحت مقاطعة عربية احتلها الجنرال البريطاني اللنبي في كانون أول عام 1917 في نهاية الحرب العالمية الأولى. طالب الاستعمار والصهيونية تأسيس دولة لليهود في فلسطين انطلاقا من سلسلة من الأكاذيب منها: 1- الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين.

2- اعتبار اليهودية قومية وربطها بالقدس وفلسطين لاستعمارها.

3- التخلص من الاضطهاد الذي عاناه اليهود في أوروبا وحل المسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني.

زعمت الصهيونية والمسيحية  الصهيونية أن فلسطين هي أرض الميعاد واستندت في زعمها على التعاليم التي رسّخها كتبة التوراة والتلمود ودهاقنة الاستعمار الأوروبي والمؤسسون الصهاينة.

إن الزعم الصهيوني بأن فلسطين هي أرض الميعاد هو  زعم وادعاء له طابع ديني، والدين بلا منازع ليس مصدراً من مصادر القانون الدولي، لذلك لا يجوز للدول الاستعمارية والصهيونية العالمية أن تستند إليه في المطالبة بتأسيس إسرائيل بفلسطين طبقاًللقانون الدولي.                                                          لقد خرج أهم علماء الآثار في الكيان الصهيوني ومنهم إسرائيل فنكلشتاين وغولدبرغ وغيرهم برأي هزّ “إسرائيل” عندما قاموا بتطبيق الأسماء الواردة في التوراة على الأماكن في فلسطين ومنها موقع مجدو الكنعاني وأعلنوا أن لا صحة على الإطلاق لما ورد في التوراة حول الأسماء والمواقع وأنه لا أثر لليهود فيها على الإطلاق بما فيها حائط المبكى وحي المغاربة (ساحة المبكى حالياً) وباب المغاربة.

وجاء قرار اليونسكو في تشرين أول 2016 وأكد أن المسجد الأقصى وحائط المبكى المزعوم ملك إسلامي وكذلك مدينة القدس القديمة، مما أصاب نتنياهو وقادة العدو بالجنون والهستيريا، وأظهر أن إسرائيل أدهى من بيت العنكبوت. وتقوم على سلسلة من الأكاذيب لتبرير الاستعمار الاستيطاني اليهودي. ويؤكد البروفسور الألماني فاجنر مؤلف كتاب “النزاع العربي الإسرائيلي في القانون الدولي”أن جميع الأسباب التي يوردها الصهاينة لا تشكل حقاً من الحقوق إذا انطلقنا من القانون الدولي الذي كان سائداً في الماضي أو في الحاضر.

إن الوعود الآلهية والنفي واستمرار روابط صلاة اليهود في فلسطين، هذا كله لا يمكن له أن يشكّل حقاً من الحقوق”

أن الحق التاريخي المزعوم لليهود هو الزعم أو الأكذوبة الأساسية للصهيونية للمطالبة بفلسطين العربية.

ويعني الحق التاريخي في القانون الدولي ” الحق الذي اكتسب نتيجة تقادم الزمن على ممارسته واستعماله. فاستعمال الحق والاستمرار في استعماله فترة طويلة من الزمن يكرس ذلك الحق التاريخي، أي يفترض فيه استماله بشكل مستمر فترة طويلة من الزمن وبدون انقطاع.

فهل مارسَ اليهود السيادة على فلسطين واستمروا بممارستها إلى أن تأسست الحركة الصهيونية عام 1897؟

الجواب للقانوني والتاريخي القاطع هو بالنفي. فمجيء القبائل اليهودية إلى جزء من فلسطين لو انطلقنا من الأكاذيب التي دوّنها كتبة التوراة والتلمود ونفاها الأثريون  الإسرائيليون لم يكن سوى موجة من موجات الهجرة القصيرة جداً التي تعاقبت على فلسطين. كما أثبت رجال الآثار عدم وجود أي أثر لمملكة اليهود التي لم تعمِّر إلا فترة محدودة جداً بحسب زعمهم. وثبت بجلاء حتى اليوم أن لا أثر لوجود اليهود في فلسطين على الإطلاق. وكانت فلسطين قبل وصول العبرانيين إليها على حد قول كتبة التوراة كنعانية أي عربية، واعتنق سكانها المسيحية إبان الإمبراطوريتين البيزنطية والرومانية ولم يغيّر ذلك من طابعها العربي.

واحتفظت فلسطين بطابعها العربي بعد الانتصارات التي حققها رجال الصحابة في القرن السابع الميلادي.

أن اليهود لم يكونوا أول من سكن في فلسطين لو سلمنا بمزاعمهم، وإنما هم دخلاء عليها، جاؤا إليها من كلديا ولم يستولوا عليها بأسرها وانتهى وجودهم فيها منذ أن احتلها الرومان وغادروها ولم يبق فيها يهودي على الإطلاق.

يقول د. محمد طلعت الغنيمي المختص في القانون الدولي عن الحق التاريخي المزعوم لليهود في فلسطين  ما يلي:

” أن أجداد اليهود لم يكونوا من أصل فلسطيني، بل هم كلدانيون، ولم يكونوا أول من سكن فلسطين بل وفدوا على البلاد وفيها أهلها الأصليون الكنعانيون العرب، وظلوا فيها قلة بالنسبة لمجموع السكان.

وكتب العديد من المؤرخين اليهود أن مملكة يهودا فقدت كيانها السياسي منذ القرن الأول الميلادي، عندما احتل الرومان سورية بما فيها فلسطين وتفرق اليهود خارجها. وتوزعوا في كل مكان واستوطنوا على الرغم من قلة عددهم في المدن التجارية المزدهرة طلباً للربا والربح الوفير. وزاد عددهم بعد اعتناق ملك الخزر وشعبه اليهودية للوقوف أمام غزوات الإمبراطورية العثمانية. وعرفوا  بالإشكناز الذين أسسوا “إسرائيل” تطبيقاً لوعد بلفور المشؤوم وقرار التقسيم.

أن هذه الحقائق التاريخية تسقط الحق التاريخي  المزعوم لليهود في فلسطين، حيث بلغ عددهم عندما أصدرت بريطانيا الوعد أقل من 50 ألف بينما بلغ عدد الفلسطينيين (850) ألف نسخة. وبالتالي تقضي على أية علاقة يزعمها الصهاينة حول الحق التاريخي المزعوم لليهود، لأن اليهود تنازلوا عن سيادتهم على فلسطين وتركوها في غمرة البحث عن الربا والكسب وغير المشروع.

إن مرور مئات السنين لا يمكن أن تضفي الشرعية على وجود كيان غير مشروع استند في إقامته على المزاعم والخرافات والأطماع والأكاذيب التوراتية والتلمودية ودعم الدول الاستعمارية والإمارات والممالك العربية التي أقامتها. فالعنصر الجوهري في الحق التاريخي هو سمته التاريخية أي ممارسته لفترة طويلة وهادئة ومستمرة.

وانقطعت صلة اليهود بفلسطين منذ أن شتتهم الرومان. وبالتالي سقط زعمهم بالحق التاريخي لهم في فلسطين إنطلاقاً من القانون الدولي القديم والحديث.