وقفة عز

17 أبريل يوم الأسرى

بقلم : نضال حمد

هذا اليوم ليس ككل الأيام في الحاضر الفلسطيني وفي النضال الوطني والقومي الذي نتجت عنه معاناة الأسرى في سجونهم وزنازينهم. وفي ظل قمع فاشي وغير إنساني مارسته وتمارسه إدارات السجون الصهيونية. نقول ونؤكد بأن هذا التاريخ هو من التواريخ الفلسطينية التي يجب أن تكون حاضرة وبقوة في مخيلة وكينونة ووعي وحاضر كل مواطن فلسطيني. لأنه يوم العزة والكرامة والوفاء والتضامن مع الأسرى الذين تعج بهم زنازين وسجون ومعتقلات الاحتلال الصهيوني. الاحتلال الارهابي الذي رفض ولازال يرفض إطلاق سراح هؤلاء الأسرى من الفلسطينيين والعرب.

لقد مارس الاحتلال في السابق وبالتحديد بعدة اتفاقية أوسلو سياسة إذلال وابتزاز رخيصة مع الأسرى، حيث اشترط إطلاق سراح بعضهم بقيامهم بالاعتذار خطيا عما قاموا به من نضال عادل وشرعي وقانوني، ضد احتلال غير إنساني وغير قانوني، فالاحتلال الصهيوني وصل في بعض الأحيان إلى مراتب عالية في صفوف السادية العالمية وتفنق على الفاشية والنازية… طلب الاحتلال من الأسرى التعهد الخطي أيضا بأنهم موافقون على اتفاقيات أوسلو، وسوف لن يقوموا بأي عمل معارض ضد (إسرائيل) وضد تلك الاتفاقيات… يعني أن يستسلموا تماما كما فعلت مدرسة أوسلو الفلسطينية. للأسف لقد خرج بعض السجناء والأسرى بهذه الطريقة وكانت بعض الجهات المختصة  في السلطة الفلسطينية تمارس دور الوسيط بين بعض الأسرى والسلطات الصهيونية. رخص ما بعده رخص، واستسلام ما بعده استسلام  للاحتلال الذي فرض على من وافق تلك الشروط المعيبة والمهينة…

البعض الفلسطيني الذي  تساهل تسامح مع فرض شروط الجانب الآخر برضاه أو رغما عنه هو مشارك في الفضيحة والمهزلة، سواء بعلم أو بدون علم مسبق، بنيّة طيبة أو بنيّة سيئة.

أما الاحتلال من جانبه فقد كان ولازال يعتقد أنه بهذه الطريقة يفرض على المناضلين من الأسرى الإذلال والمهانة والتركيع، ويريد أن يقول لهم بأنهم وحدهم في معاناتهم، ولا أحد يلتفت لمشاكلهم وواقعهم وأسرهم الذي طال ودام طويلا ولازال مستمرا… كأنه يريد أن يقول لهم أيضا بأنكم لم تلقوا بعد العذاب الكافي والجزاء الشافي، لذا فأنتم هنا سجناء وتحت تصرفنا ولن تخرجوا من هذه الزنازين إلا بقرار من سلطاتنا… فحتى الاتفاقيات التي تنص على حل قضيتكم لن ترى النور قبل أن نعمي أبصاركم ونخرجكم من هنا بلا بصر وبصيرة…

لكن شتان ما بين الذي يفكر به الاحتلال وبين إرادة الأيمان والعزيمة الصلبة عند أبطال، عاهدوا شعبهم وأمتهم وأنفسهم على رفض ابتزازات الاحتلال ومن معه من الصعاليك والأوباش.  هؤلاء الساقطين الذين ارتضوا بأدوار السمسرة والمقامرة بمعاناة الأسرى.

وهنا يحضرنا تأكيد المناضل الكبير عميد الأسرى اللبنانيين والعرب سمير القنطار الذي أمضى في السجون الصهيونية 24 عاما من أصل 547 عاما هم مجموع أحكامه التي أنزلها به قضاة العدالة الصهيونية المميزة… ففي رسالة بعث بها إلى عائلته من سجنه أكد من جديد أنه يرفض التقدم بطلب شخصي لادراة السجن من أجل إطلاق سراحه بشروط. وأعلن سمير رفضه تغليب الطابع الشخصي على الموضوع وأكد أنه لازال على موقفه الثابت والقائل” بأن سنوات العمر التي أفناها في سجون العدو الصهيوني كانت من اجل فلسطين قضية وشعبا يتعرض كل يوم لحرب إبادة شاملة”…

وأكد سمير الذي نعرفه جيدا ونعلم أنه رجل المواقف الصعبة ويملك إرادة صوانية لا تكسرها كل أساليب قمع الاحتلال والسجان، أنه ” لن يسمح لإدارة السجن بأن تجره نحو البحث أو التفكير بخلاصه الفردي كشخص”. وأكد سمير أيضا” أن لا قيمة حقيقية لحريته إذا لم ترتبط بحرية الوطن الآتية على الأكف المجرحة من كثرة ما امتشقت حجارة الأرض التي تأكل محتليها”.

 

بنفس الوقت أكد تقرير للمجلس التشريعي الفلسطيني أن (إسرائيل) تحتجز في سجونها 3100 أسير بينهم 1500 معتقل محكومين بالسجن، و1300 معتقل إداري، و220 طفلا و60 أسيرة.

وفي هذه المناسبة لا بد من الحديث عن البطل الفلسطيني، الأسير أبو السكر، الذي أصبح أسطورة السجناء الفلسطينيين لطول الفترة والمدة التي قضاها ولازال يقضيها في السجون (الإسرائيلية).  فهذا البطل الأسير بدأ عامه السابع والعشرين في معتقلات (إسرائيل). ويجب التأكيد على أنه لا بد للشعب الفلسطيني أن يواصل العمل والتضامن مع الأسرى، من أجل تأمين حريتهم المرتبطة بحرية الوطن والشعب، وبتحرير الأرض والإنسان من براثن الاحتلال، الذي يحاول القضاء على التاريخ والحاضر والمستقبل في أرض فلسطين التي تقاومه حجارة وأجسادا عارية وأخرى مقنبلة.

فالمستقبل الفلسطيني سيبقى منتقصا ومشوها ما لم تكن إطلالته مرتبطة بحرية كل الأسرى، لأن هؤلاء الذين قدموا حريتهم وسنوات عمرهم من اجل حرية الشعب الفلسطيني الكاملة واستقلاله الأكيد والجدي، يستحقون من هذا الشعب المعطاء عطاءً أكبر والتفاتة أكيدة، تكون الحافز الذي يشجعهم على التمسك أكثر بمواقفهم التي يتشرف بها كل عربي وفلسطيني لازال يرفع رأسه عاليا، وينادي بالعمل من أجل كنس الاحتلال وتحرير الأسرى.

وكان المجلس التشريعي الفلسطيني الذي ناقش في جلسة عقدت مؤخرا في رام الله وغزة قضية الأسرى والمعتقلين، أصدر بيانا حيا فيه أولا كافة الأسرى والمعتقلين. ثم قام بخص بعض القيادات الفلسطينية التي تم اعتقالها مؤخرا، ومن ثم المناضل الفلسطيني شيخ الأسرى أبو السكر بتحية خاصة… وكم كنا نتمنى أن يلتفت المجلس التشريعي الفلسطيني للأسرى العرب الذين قدموا حريتهم من أجل فلسطين فيقوم بتخصيص تحية لهم… ألا يستحق هؤلاء التفاتة رمزية وتحية خاصة من مجلس تشريعي فلسطيني يفترض به أن يتقدم بالتحية لهم أولا؟ …

فأسرانا المذكورين هم ملح الأرض ووقود المسيرة، وشرفاء الأمة الذين رفضوا التنازل عن مبادئهم ومواقفهم من أجل حرية شخصية، فربطوا حريتهم بحرية رفاقهم وإخوانهم من الأسرى الفلسطينيين، وبحرية الشعب الفلسطيني، وبتحرير الأرض الفلسطينية واستقلالها الفعلي والأكيد.

كان من واجب المجلس التشريعي الفلسطيني أن يخصهم بأجمل التحيات لا أن يتناسهم ويتجاهلهم بقصد أو بدون بقصد أو بقرار من الاحتلال يمنعهم عن ذلك… ربما يقول البعض أننا نحمل على المجلس، لا نحمل عليه لأنه لا يتحمل حجرا صغيرا، فبنيانه هش وأساساته هشة … لسنا نحمل عليه ولا نريد ذلك رغم كل سوءاته … لكن يجب أن تقال الحقيقة وأن يسمع المجلس هذا الكلام حتى يعرف أن لهؤلاء حق عليه، وأن من واجبه الطبيعي والأخلاقي والسياسي توجيه التحية للذين ربطوا مصيرهم بمصير هذه الثورة. وبالنضال الوطني والقومي… فالبطل العربي اللبناني سمير القنطار ورفاقه الأسرى العرب يستحقون منا كل التقدير وكل التحيات.

في هذا اليوم المجيد، يوم الأسرى علينا جميعا التركيز على معاناتهم والعمل من أجل حريتهم بكل ما نملك من إمكانيات وطاقات. كما علينا تذكير الساسة والمفاوض من الجانب الفلسطيني بأن قضية هؤلاء فوق المساومة والمقامرة.. وفوق تعنت الاحتلال، لأن أي تنازل أو تجاهل لقضيتهم كما حصل في الاتفاقيات السابقة، سوف يرتد على موقعي الاتفاقية وسوف يقلل من مصداقية أي اتفاق بين الجانبين.

16-04-2003