وقفة عز

محمود العبادلة ودراجته الهوائية

نضال حمد

 

رغم أن قطاع غزة يخضع لسيطرة الاحتلال (الإسرائيلي) الهمجي، ورغم أنه يخضع أيضاً لحصار منذ سنوات طويلة، ولعمليات قصف واغتيال وهجمات متعددة، ورغم كل العنصرية الصهيونية وما فعلته آلات القتل والهدم والموت الهمجية بالشعب الفلسطيني في القطاع؛ إلا أن الإنسان الفلسطيني ملتصق بأرضه وترابه وبيته ووطنه الذي لا وطن له غيره.

هذا الإنسان يجعل من الحصار عنوانا للبحث عن الجديد والاستفادة من أوقات الفراغ والعزل والحبس الإجباري، حيث لا يمكن للإنسان الفلسطيني المحاصر في الزمن العربي المبرمج صهيونياً والمسير أمريكياً سوى التفنن واستعمال العقل. إذ لم يبقَ للعربي سوى عقله الذي نحمد الله أنه في أوقات الشدة أو الأكثر شدة يتذكر بأنه لازال يعمل. وبالرغم من كل هذا وذاك، ولأن الشعب الفلسطيني عربي الانتماء والهوية والقومية والكفاح، ولأنه شعب لا يستسلم بالرغم من الآلام والمصاعب والجراح، يخرج الفلسطيني من حصاره بابتكار أو صناعة أو اختراع يبهر به العالم.

في غزة حيث يمكن أن يموت الإنسان برصاص أعداء الحياة حتى وهو داخل منزله ممنوع من الخروج، ولا يستطيع الخروج حتى إلى حديقة بيته أو شرفة منزله، ولا حتى إلى الحارة للوصول إلى الطبيب في العيادة، أو للزيارة ولعيادة الجار أو الجارة. في مثل تلك الأوقات الصعبة يتحدى الفلسطيني صعوبة العيش والحياة، ويقوم بخدمتها وخدمة الإنسانية عبر استنباط واختراع ما يفيد العلم والحياة.

شاب فلسطيني من القطاع يدعى محمود العبادلة قام بخدمة البشرية وشعبه في المقام الأول عبر صناعة دراجة كهربائية، يعني دراجة تعمل بالطاقة الكهربائية. ومن ميزات الصناعة الجديدة التي ظهرت في زمن انهيار الاحتلال وأنحساره في قطاع غزة الصامد، أنها تعمل بالطاقة الكهربائية ويمكن شحنها من التيار الكهربائي المنزلي، ومن ميزات الدراجة أيضاً كما يصفها مخترعها أنها تعتبر أقل الأنواع استهلاكاً للطاقة الكهربائية، كما أنها تساهم في التقليل من التلوث البيئي والضوضاء التي تحدثها الدرجات الأخرى.

فبحسب وكالات الأنباء استفاد العبادلة من قِطَع غيار السيارات والدارجات النارية والمحركات الكهربائية في صناعة وتطوير دراجته الفلسطينية. ويقول العبادلة أنه نجح في صناعة وتصميم دراجة ثلاثية العجلات، وهي مخصصة للمعوقين، ويمكنها السير بسرعة 20-25 كلم في الساعة، ودراجة أخرى بعجلتين للأشخاص العاديين.

هذا الشعب الذي يحب الحياة ويعمل ما أستطاع لأجلها وفي سبيلها، لا بد له أن يلفظ الاحتلال ويرمي به إلى مزابل التاريخ، لأن الاحتلال بطبيعته عدو للبشرية وسبب من أسباب إعاقة التقدم والتطور ونمو الإنسانية. والاحتلال الذي لا يقيم أي وزن لحياة السكان تحت حرابه يبقى هو السبب في إعاقة الناس أو التسبب بإعاقة آلاف من البشر، ففي فلسطين هناك آلاف مؤلفة من المعاقين الذين لم يخلقهم الله معوقين، بل أن رصاص الاحتلال الهمجي جعلهم كذلك.

ولأن رصاص الهمجية الصهيونية لا يأتي من فراغ، فإن أحدث تصريح لوزير حرب العدو الصهيوني موفاز يحلل ويفسر ذلك. إذ أمر الأخير قواته بتشديد الإجراءات ضد الفلسطينيين وعدم إبداء أي شفقة أو رحمة اتجاههم حفاظاً على أمن (إسرائيل). وفي اللغة الحربية الاحتلالية وفي المصطلحات الصهيونية يعني ذلك المزيد من القتل والدمار والإرهاب والاغتيال والعذاب والتنكيل والإذلال، والمزيد من الشهداء والقتلى والجرحى والمعوقين الفلسطينيين.

ستنفلت أيدي الإرهابيين الصهاينة من جنود الجيش (الإسرائيلي) لتضغط على الزناد ولتطلق رصاصها على كل فلسطيني تراه وذلك بحجة حماية أمن (إسرائيل). لكن مهما قام الاحتلال بالجرائم والأعمال الهمجية فإن شعب فلسطين الذي يقف على خط التماس وفي المواجهة وعلى خط الدفاع الأول عن أمة العرب وأوطانها، لا بد له سيقهر لغة الإرهاب الصهيونية باستعمال لغة الحق والمقاومة المعززة بقوة الإرادة الفلسطينية.

وما ابتكار العبادلة في قطاع غزة سوى تفعيل طبيعي وذكي للغة العقل الفلسطينية، لغة الشعب الذي يحب الحياة ويعمل من أجلها ولأجلها. فصناعة دراجة تساعد المعوقين على الحركة والتنقل تعتبر برأيي وخاصة في بلد مثل فلسطين أهم من صناعة سيارة أو صاروخ، لأن الدراجة ستحل مشاكل مستعصية ومعقدة جداً لآلاف من معوقي شعب فلسطين، وهؤلاء بدورهم من المُعدمين الذين أهملتهم السياسة الرسمية للسلطة، حيث أنهم لا يتلقون الرعاية المطلوبة كما هو الحال في كل دول العالم.

 

 السادس من أيلول – سبتمبر 2005 

 

Bilderesultat for ‫دراجة هوائية للمعاقين في غزة‬‎