وقفة عز

العودة ليست حلماً ..

نضال حمد

عدت قبل أقل من أسبوعين من رحلة عمل قادتني الى لبنان .. وكانت الرحلة – الزيارة مميزة من كل النواحي.. فبدأت من بيروت ست العواصم  حيث من مطارها الدولي توجهت بالسيارة الى فندق الكوميدور في شارع الحمراء.. هناك أقمت لليلتين اثنتين مع الذين قدموا من كل الدنيا للمشاركة في اللقاء التشاوري العربي بشأن فلسطين، الذي عقد في 23 و24 سبتمبر/ أيلول الفائت في فندق بريستول، بدعوة من الهيئة الوطنية للدفاع عن ثوابت شعب فلسطين.

 بعد ساعات طويلة كانت مليئة بالخطب والكلمات والمحاضرات والأسئلة والأجوبة والمقابلات والأحاديث الأحادية والجانبية والأخرى الجماعية، توجهت الى فضائية القدس حيث تمت استضافتي في نشرة الأخبار للتعليق على اللقاء.. من هناك عدت الى الفندق حيث سارت بنا الباصات من العاصمة بيروت الى الجنوب اللبناني، فمررنا بالساحل وصولاً لمدينة صيدا عاصمة الجنوب، التي تحتضن مخيمي عين الحلوة، أكبر مخيمات الفلسطينيين في لبنان، والمية ومية أحد أصغر تلك المخيمات…

 سارت الشاحنات على كورنيش مدينة صيدا حيث ارتفعت الصور التذكارية الكبيرة للقائدين الشهيدين معروف ومصطفى سعد، ولشهداء مدينة صيدا من المقاومتين الوطنية والإسلامية اللبنانيتين.. رأينا القلعة البحرية الشهيرة واقفة تحرس المدينة من الغزاة ومن تزييف التاريخ.
من صيدا اتجهنا نحو الزهراني ثم سلكنا طريق النبطية عبر زفتا وحبوش ، فيما بعد عرجنا على عرب صاليم وجرجوع، وتابعنا مسيرنا الى متحف المقاومة الإسلامية في منطقة مليتا بالقطاع الأوسط . هناك رأينا بأم العين عظمة رجال الله في الميدان.. رأينا حطام المعدات العسكرية الصهيونية، وغنائم الحرب وأنفاق المقاومة .. وشاهدنا كذلك فيلماً مصوراً أوضح للزوار تاريخ المنطقة بشكل مختصر، ثم عرض عملية بناء المتحف وأهمية المنطقة وعلاقة المقاومة بهذه البقعة من الأرض
في مليتا التقيت بالصديقين المحررين البطل العربي النموذج، الرفيق والصديق سمير القنطار الذي قضى معظم الوقت مع الجماهير التي كانت تود التقاط الصور التذكارية معه. في حين  قمت أنا متطوعاً بدور المصوراتي..

 كذلك التقيت أيضاً بالفتحاوي النظيف والشريف الصديق القائد المناضل الأسير المحرر حسام خضر، الذي قضى سنوات طويلة من عمره خلف القضبان في سجون الاحتلال الصهيوني. وأتمنى على حسام أن يلعب دوراً ريادياً في قيادة شرفاء فتح بالضفة الغربية من أجل إعادة لم شمل فتح والعودة بها الى عربة المقاومة. لأننا إذ لم نفعل ذلك الآن على فتح السلام فسوف تبتلعها السلطة نهائياً. خاصة أن مشروع السلام والمفاوضات انتهى بالفشل، مما يعني فشل القائمين عليه فلسطينياً، وهذا يعني نهاية حياتهم السياسية. وهم لن يرضوا بالتقاعد ولا بالعزلة، لذا سوف يقدمون على مغامرات سياسية مدمرة للقضية الفلسطينية، بدأت ملامحها الجديدة تتضح عبر التصريح والتلميح بقبولهم بيهودية الدولة… بكل ما في هذا الامر من خطورة على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية. وهنا بالذات يا أخي حسام يكمن دور فتح وعودتها كي تضع حداً لهؤلاء القوم الضالين.

من مليتا توجهنا الى مدينة صور التي عرفها الاسكندر المقدوني، ثم بقيت مدينة التعايش بين كافة المذاهب والمِلَل في لبنان، ومدينة الصمود والتحدي والتصدي والبقاء بالرغم من كل ما تعرضت له خلال السنوات الماضية. هناك اجتمعنا بالقرب من مخيمات الرشيدية وبرج الشمالي والبص وتجمع المعشوق، على مائدة الشيخ نبيل قاووق قائد حزب الله في جنوب لبنان. استمعنا لكلمته التي أكد خلالها على أن خيار المقاومة في لبنان هو خيار تحرير فلسطين والقدس الشريف.
من صور توجهنا الى مارون الرأس مرورا بقانا وكفرا وصديقين وبنت جبيل .. في مارون الرأس يرى الانسان عظمة المقاومة وقوتها ومدى صلابتها .. ومن على قمة البلدة المشرفة على الجليل الفلسطيني المحتل، رأينا الدوريات الصهيونية تجوب الشريط الحدودي الفاصل بين فلسطين المحتلة ولبنان العربي المقاوم… ورأينا المستعمرات اليهودية المنتشرة فوق البلدات الفلسطينية المدمرة والمهجرة. وبان من بعيد جبل الجرمق الشامخ الذي تقع على سفحه بلدتنا الصفصاف… ورأينا بعض بيوت بلدة الجش الفلسطينية المجاورة لقديتا والصفصاف وبيت جن، والتي كان مختارها المرحوم سليم أيوب ” أبو محمد “… بالمناسبة فهو زوج عمتي خديجة رحمها الله. وهو أيضاً والد الشهيد علي سليم أيوب الذي فقد أو استشهد في عملية استشهادية بمستعمرة المنارة سنة 1973.

في مارون الرأس تم بناء استراحة ايران ومدينة ملاهي صغيرة تتحدى جبروت وهمجية الاحتلال الصهيوني بألعاب الأطفال وأراجيحهم.
من مارون الرأس عدنا عبر بنت جبيل التي شاهدنا مبانيها الجديدة والجميلة، قيل لنا أنه اعيد بناء البلدة بتمويل قطري، بينما بلدة قانا أعيد بناءها بتمويل سوري.. مررنا في طريق عودتنا ببلدة تبنين الشهيرة التي عرفت ولادة المرحوم أحمد الشقيري، القائد الفلسطيني الكبير والنظيف، وهو مؤسس منظمة التحرير الفلسطينية وأول رئيس لها.

كما مررنا ببلدة جويا وفي هذه البلدة سكن بعض أفراد عائلتي بعد نكبة 1948 وقبيل رحيلهم الى مخيمي برج الشمالي فعين الحلوة .. ومررنا أيضاً بالبازورية بلدة سماحة الشيخ حسن نصرالله قائد المقاومة وحزب الله.


في طريق عودتنا احتد النقاش السياسي بين ركاب الحافلة وكانوا من جنسيات عربية عديدة، لبنانية، سورية، أردنية، مغربية، بحرينية، مصرية وفلسطينية. بالإضافة للكاتب الغاضب الصديق أحمد الدبش، المحامي الفلسطيني القادم من قاهرة المعتز وناصر .. والصديقة السورية عبير حيدر ، السورية العربية، فلسطينية الهوى، القادمة من بلدة السلامية.. بالإضافة للمحامية ديمة اسكندراني، والإعلامية السورية سعاد جروس .. وكذلك الصديقان سيف أبو كشك (اسبانيا) ونايف الصمدي (مخيم اليرموك) .. من جيل الشباب.

في مارون الرأس التقط الجميع صوراً تذكارية … هناك رأيت الفرح مختلطاً بالحزن في عيني الشاعر المغربي الصديق ادريس علوش، والمناضلة النقابية المغربية سميرة كناني … التي اهديتها شعاراً صغيراً كنت احمله وكتب عليه باللغة النرويجية قاطعوا “إسرائيل”… وسميرة كناني هي قائدة حملة معارضة شراء اليهود الصهاينة للمنازل والأملاك المغربية، وهي التي أفشلت في مدينة الصويرة المغربية مؤامرة من هذا النوع.

من مارون الراس بالذات التي عدنا اليها بعد غياب أستمر اكثر من ثلاثين عاماً.. مما يعني أن شعبنا سيعود الى فلسطين الكاملة ولو استمر الغياب أكثر من مائة عام..

من مارون الرأس قمنا بتصوير الجليل الفلسطيني المحتل، وأكدنا أنه لا بديل عن فلسطين مهما طالت الغربة، ولا تنازل عن حق العودة مهما توغل البعض في التنازلات والخيانة. ففلسطين أرض الشعب الفلسطيني من نهرها الى بحرها، ومن جنوبها الى شمالها. ولا مكان فيها لمن يتنازل عن شبر من ترابها. فشعبها مجرب ومدرب وخبير في تنظيف بيته من الشوائب والطحالب والزوائد.
هبطت من الحافلة في مدينة صيدا برفقة الزميل والصديق د. عبد الرحيم كتانة رئيس الجمعية الفلسطينية لجراحة المسالك البولية، الذي لعبت الصدفة وفكاهة حسام خضر دوراً حاسماً في التعرف على شكله. فأنا وعبد أصدقاء بالمراسلة الالكترونية لكنني لم أره أو اشاهد صورته قط. تأخرت قليلا ولم يكن هناك مكان خالٍ في الحافلة إلا المقعد بالقرب من د. كتانة، فما كدت أجلس في المقعد حتى سمعت حسام خضر يقول: ياعبد لا تجلس قرب نضال حمد فقد يسجنوك … هنا كانت المفاجأة عندما رد الدكتور عبد على حسام بمعانقتي … وعرفني على نفسه .. قلت له مداعباً : حسام معنا أو معهم؟ .. وضحكنا جميعاً على هدير البوسطة، فيما واصلت الحافلة طريقها عائدة بنا من حيث جئنا …

هبطت في مدينة صيدا ومن هناك توجهت الى مخيم عين الحلوة للقاء الأهل .. والحديث عن المخيم يحتاج لحلقة كاملة أمل أن أكتبها في الأيام القادمة.


العودة ليست حلماً … 

الثلاثاء, 26 أكتوبر 2010 
نضال حمد