الأرشيفوقفة عز

وباء كورونا يصرع الرفيق والصديق الشامخ أبو يزن

وداعاً رفيق أبو يزن – صلاح أحمد – نضال حمد

هكذا أصبحت أيامنا في زمن وباء كورونا وبعد مرور سنتين على انتشار الوباء اللعين عدونا وعدو عدونا. عدو الانسانية جمعاء وإن كان وباء الصهيونية أخطر على البشرية من وباء كوفيد 19 المعروف للعامة بوباء كورونا – التاج. لقد حصد هذا الوباء رفاق وأصدقاء وناس كثيرين بالملايين منذ أطلق هجماته الشرسة على العالم أجمع.

للأسف يرحل الأوفياء والأحرار وأصحاب المبادئ واحداً تلو الآخر. بالأمس مضى سماح ادريس بعدما أنهكه الداء العضال ولم يمهله كثيراً. مضى قبله الرفيق ماهر اليماني ومضى ايضا الصديق الحبيب د بسام رجا شهيداً بفعل كورونا… وقبله كثيرون مضوا بسبب وباء كورونا أو بفعل وبسبب وباء الصهيونية أو وباء الربيع العربي.

أما اليوم فالرفيق والصديق الفدائي “صلاح أحمد – أبو يزن – قاسم حسن الشامخ مطلق ” هو أحدث شهداء المواجهة الأممية مع الوباء الذي لا يرحم. سقط شهيداً في دمشق وهو في السبعين من عمره. بعدما قضى غالبية سنوات حياته مناضلاً وفدائياً لأجل تحرير فلسطين كل فلسطين.

أبو يزن البشوش والمحدث اللبق والرجل الشعبي كان شخصية محترمة ومعروفة في ميادين العمل الوطني والقومي والأممي كذلك. إذ يعرفه الفلسطينيون واللبنانيون والسوريين وعرب آخرين. كما ويعرفه أحرار وشرفاء العالم من المناصرين لقضية فلسطين. كذلك يعرفونه في سوريا ولبنان والجزائر والاردن. يعرفه كل من عمل في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي النضال الفلسطيني. فهو من القادة الجماهيريين والميدانيين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. قاتل في حروب لبنان وتصدى للغزوات الصهيونية العديدة. كما قاتل في حرب المخيمات دفاعاً عن مخيمات شعبنا. يعرفه الناس البسطاء والفقراء كما كان يعرفه المناضلون والأحرار. فقد عاش وعمل لأجلهم وكان في خدمتهم لا يتعب ولا يستكين. عرفوه مناضلاً وفدائياً وقائداً ثورياً ميدانياً حمل فكر الحكيمين الراحلين جورج حبش ووديع حداد وهما من أهم رموز كفاح ونضال وثورة شعب فلسطين.

 ما عرفت الصديق والرفيق “صلاح أحمد – أبو يزن” إلا بطلاً وأسداً هماماً ورجلاً صادقاً وفدائياً عنيداً ومُضيفاً كريماً طيباً وشهماً. أذكر أنني كلما زرت سوريا كان الرفيق أبو يزن إما يستقبلني أو يفتح لي شقة خاصة لضيوف وأعضاء الجبهة تستقبل الزوار والضيوف في مخيم اليرموك؟ كانت تقع في حي العروبة الذي دمره غزاة المخيم ومحتلوه. أما ابو يزن فكان يفعل ذلك مع أنني لست عضواً في تنظيم الجبهة الشعبية… وكانت قيادة الجبهة على علم بذلك ولم تعارض. كنت إن أردت شيئاً خلال تجوالنا في شوارع مخيم اليرموك أو دمشق أو حتى اثناء زيارتينا الى معلولة وبصرى قرب درعا والسويداء، يسرع الرفيق صلاح لمساعدتي. مرة أردت شراء بطاقة هاتف خليوي فاشتراها لي وسجلها على اسمه. عندما أردت العودة الى النرويج قام وهو وزوجته باهدائي أعمالاً تراثية من صنع مؤسسة فلسطينية كانت تعمل فيها زوجته. لازلت اختفط بها لغاية يومنا ها وبمجموعة صور من معلولا وبصرى ومخيم اليرموك ودمشق القديمة.

سأذكر لكم-ن أيضا شيئاً مهماً فعندما تم تكليفي أنا والصديق الدكتور رمزي أبو عياش (ألمانيا)، من قبل الأمانة العامة لاتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات والشخصيات الفلسطينية في اوروبا (كُنا عضوين فيها)، بزيارة سوريا في سنتي 2009 و2010 من أجل التحضير لعقد مؤتمرنا في مخيم اليرموك، من أجل التأكيد على حقي العودة والمقاومة. كان أبي يزن واحداً من أوائل الذين التقينا بهم وساعدوننا في إنجاح مهمتنا. فعل ذلك بالرغم من عدم قناعته في ذلك الوقت ببعض الناس في الاتحاد – اتحادنا.

سنة 2010 سافرت الى دمشق مباشرة، مع صديق لي باحث نرويجي كان يعمل على بحث علمي عن القضية الفلسطينية وهو أستاذ جامعي ومن أصدقاء فلسطين. استقبلنا أيضاً أبو يزن ودعانا الى رحلتين جميلتين الأولى الى بلدة معلولا حيث أقدم كنائس العالم وحيث البلدة الساحرة بمعالمها التاريخية والسياحية. هناك لازال الناس والسكان يتكلمون بلغة السيد المسيح. اعترف بأنها كانت رحلة جميلة ولا يمكن أن أنساها حيث كان بصحبتنا أيضا الصديق الفلسطيني المقيم في سوريا أبو صالح عياش، إبن مدينة بيت لحم المحتلة وشقيق صديقي الدكتور رمزي أبو عياش.

في الرحلة الثانية زرنا بُصرى وميدانها الروماني التاريخي وبلدتها القديمة التي أعادتني إلى كتاب التاريخ في مدرستي الابتداية بمخيم عين الحلوة في لبنان. بعد الزيارة جلسنا قليلا في مقهى الجليل قرب مشحم عامر حيث اعتدت على الجلوس في كل زيارة لي الى مخيم اليرموك. يومها شكرته كثيراً على الرحلتين. كم كنت أتمنى أن استضيفه في رحلة أوروبية لكن هذا لم يحدث بسبب عاصفة ربيع برنار ليفي التي عصفت بعالمنا العربي فدمرت عمدان بيته.

في إحدى زياراتي الى مخيم اليرموك وبعد لقاء مع أبي يزن قلت له أريد أن أذهب لأرتاح فقال لي أين سترتاح؟ قلت له سأذهب الى غرفتي في الفندق. قال لي لماذا تذهب وانت ستعود الى هنا بعد ساعتين.. سترتاح يا صديقي في شقة بالمخيم. توجهنا الى حي الخالصة حيث كانت تلك الشقة وهو كان يسكن غير بعيد عنها. حين وصلنا الى شقة هم بفتح بابها، تفاجأت حين قرأت إسم صاحبها. فأبتسم هو ابتسامة ماكرة وقال لي: “إنه ابن عمي وأنا أعتني بالشقة”. كان إبن عمه يعيش في النرويج وكنت أنا شخصياً في تلك المرحلة على خلاف كبير جداً مع الرجل رحمه الله. هذه أول مرة أذكر تلك الحادثة عن الشقة. على كل حال رحم الله أبو يزن وأبن عمه أبو خضر فكلاهما الآن أصبحا في العالم الآخر.

بفقدان الصديق والرفيق أبو يزن الزبيدي نفقد فدائياً جذرياً ومناضلاً أصيلاً وانسانا باراً ومحترماً. نفقد رفيقاً كادحاً وصديقاً نقياً.

وداعا رفيق ابو يزن. أشهد أنك كنت رفيقاً مبدئياً ومقاتلاً صلباً وصاحب موقف لم يتلوث ولم يهادن ولم يتخل عن الثوابت، في زمن الأدنى بكثير من برامج المرحليين ثم الأوسلويين. كنت فدائيا حقيقيا وابن مخيم وثورة وكفاح.

وداعاً رفيق أبو يزن… تعازيي الحارة لزوجتك وأولادك وللعائلة وللرفاق وللأصدقاء.

نضال حمد 30-11-2021