الأرشيفوقفة عز

ذكريات من “محل” والدي أبو جمال حمد الحلقة الثانية

ذكريات وحكايات من مخيم عين الحلوة

قال لي الصديق العزيز دياب العلي عن قصة المرحوم سعيد شريدي ورفاعي:

“كنا عم نلعب بليارد ورفاعي صار يخبص بالحكي ويتطاول على الحكيم. وقتها كان الحكيم له مقابلة في صحيفة المحرر اللبنانية. آنذاك كان يرأسها الصحفي هشام أبو ظهر… رفاعي كان أحياناً مزاجي، فقال (شو هذا جورج ما بفهم وما بقبلوا أن يكون عندي…)…عندها قلت له: عيب يا علي شو مالك إنجنيت، شو هالحكي. ولم أكمل كلامي كان سعيد سمع كلام رفاعي وسلخه بوكس واحد فقط فطار رفاعي من فوق الطاولة ووقع على الجهة الثانية.

رفاعي قام ووقف على رجليه إلا أنه فقد الذاكرة.

صار يسأل من أنا…

يتابع دياب حديثه فيضيف:

 “والله رغم أن سعيد شريدي شرس لكن كان كثير حنون. بتعرف هذول القبضايات الحقيقيين لديهم حِنيّه وعاطفة كبيرة، لكن إذا حدا غلط معهم يا ويله.

المهم سعيد وأنا وخليل شريدي ارتبكنا لما سمعنا رفاعي يسأل من أنا.. وبدأنا نمشي باتجاه كم العتيق ذهاباً وإياباً، نروح ونرجع وهكذا أمضينا الليل، ورفاعي يسأل من أنا؟… طبعا نحن وسعيد أصِبنا بالذهول. بعدين فكرنا نعمل مساج لرأس رفاعي واشترينا له قنينة سفن أب وبعد ما شربها، صحصح… وبعد ذلك عادت له الذاكرة وحمدنا الله على سلامته.

رفاعي اعتذر عن إساءته للحكيم. أما سعيد في اليوم التالي عزمنا كلنا الى سينما الحمرا في صيدا القديمة. شاهدنا فيلمين بربع ليرة، فيلم عربي لفريد شوقي ومحمود المليجي وتوفيق الدقن وكان بمثابة مستشار الاجرام عند المليجي… وفيلم كوميدي ل

Bud Spencer and Terence Hill”.

 للذين لا يعرفون الراحل سعيد شريدي فوالده هو المناضل الكبير المرحوم أبو فايز شريدي أحد قدامى وأوائل مناضلي حركة القوميين العرب والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مخيم عين الحلوة وفي لبنان. كما كان العم أبو فايز شريدي رحمه الله شخصية صفصافية معروفة ومحترمة ومحبوبة في المخيم. أما نجله سعيد فقد كان كان فتوة (الصفصاف) وأشجع شجعانها في ذلك الزمن المخيمي ويعرف ذلك القاصي والداني. في حين أن رفيقه وحبيبه وصديقه وشقيقه الشهيد علي أيوب (علي الجشي) كان أشجع شجعان (الجش) وفتوتها والقبضاي الأكثر مهابة في – كمب الطوارئ – المخيم العتيق.

كان محل الوالد أبو جمال حمد يقع قرب عيادة الوكالة على الشارع الفوقاني في مخيم عين الحلوة، مقابل بستان اليهودي، غير بعيد عن منطقة السور ومدارس المخيم، بالقرب من مدخله الشمالي عند مستشفى الحكومي. لغاية اليوم لازال المحل في مكانه ويستأجره مستأجرون من عين الحلوة.

خلال السنوات السابقة كان هناك عدد من رواد محل والدي من الجيلين الأول والثاني من أجيال المحل، مثل الراحل سعيد شريدي التقيته في التسعينيات بليبيا والمرحوم المخرج نصري حجاج كنت التقيته في بداية الألفية الثانية بتونس… هناك كذلك آخرين كلما التقيت بأحدهم في منافينا العديدة، كانوا دائماً يسألونني عن الوالد ومحله ويأخذون في استحضار ذكرياتهم عن محل الوالد وأيام صباهم وشبابهم هناك.

في معرض حديثه عن محل والدي كتب لي الصديق دياب العلي من السويد، حيث الثلوج وبعيداً عن العَوَج والعِلوج: “العم أبو جمال حمد رحمه الله. والد الصديقين العزيزين جمال ونضال حمد. كان محله يقع على طرف المخيم تقريبا. هناك افتتح العم أبو جمال محلاً للبلياردو و(بيبي فوت) التي تُلعب واحد ضد واحد أو اثنان ضد اثنين. لعبة (بيبي فوت) كانت غالبا من نصيب طلاب المرحلة التكميلية”.  

(baby foot)

معظم رواد المحل في ذلك الوقت كانوا من شباب المخيم بشكل عام ومن عائلات سكنت حارات مجاورة للمحل، من بلدات مختلفة مثل الصفصاف وطيطبا والملاحة وعرب زبيد والرأس الأحمر وعكبرا والمغار وسعسع والناعمة والجش وعين الزيتون والسميرية والغابسية والطيرة والمزرعة والمنشية والخ…كانوا في غالبيتهم من الطلبة بالذات وكثيرين من أبناء الصفصاف وعائلاتها… وأجيال أخرى أكبر أو أصغر قليلا. من هؤلاء كان هناك جيل “السارتيفكات” وجيل طلاب الثانويه أي “البكالوريا” اللبنانية.

يجمع رواد مقهى والدي رحمه الله، أنه كان شخصاً محبوباً وهادئاً ومحترماً. في هذا يقول صديقي ابن الملاحة أبو شادي الخطيب من مكان إقامته في العاصمة الدنمركية كوبنهاغن: “عندما استحضر تلك الحقبة الماضية من الزمن، لا بد من الحديث عن الخصال الحميدة لسيرة والدك، المرحوم وهذا ليس مجاملة. فقد كان يتسم بالدماثة والطيبة والإنسانية والأبوة، هكذا كان يتعامل وهذا ما كُنا نشعر به وأقله على المستوى الشخصي، حيث كان يتعامل بقدر عالٍ من الاحترام مع الجميع وأخص هنا رواد محله الأليف، الذي كان مقصداً ومكاناً مُحبباً لنا أيام طفولتنا وشبابنا اليافع. كما وكان بمثابة مكاناً وملتقى دائم لجيلنا من نفس العمر أو الأكبر والأصغر سنّاً.”.

في حين يقول دياب العلي ابن المخيم وبلدة عرب زبيد: ” امتاز العم أبو جمال حمد بالطبع الهادئ والأخلاق الراقية. أنا وأصدقائي كُنا نرى فيه صديقاً رغم الفارق الكبير في السن. واحتراماً لشخصية أبو جمال وطبعه الهادئ، كُنا حريصين ونحاول أن نحافظ على الهدوء ورباطة الجأش عند خسارة المباراة (بلياردو)….فالخسارة كانت تحول المحل وكأننا في ميدان حرب”.

أضاف دياب العلي: “اعتقد أن العم أبو جمال إتجه لاحقا الى مهنة الخياطة. والجدير بالذكر أن هكذا مهنة تتطلب طبعاً وأعصاباً هادئة… وهذه الصفة توفرت بأبي جمال، كما توفرت بإخواننا من قرية طيطبة وهذا سر امتهان الكثيرون من طيطبة مهنة الخياطة.”.

بالنسبة لمهنة الخياطة فقد مارسها والدي ومعه عمي علي حمد -أبو حسين- قبل أن يفتح محل البلياردو. ثم تركها واتجه الى المحل المذكور كما عمل في مهن أخرى عديدة، تطرقت لبعضها في الحلقة الأولى وسوف أتطرق لبعضها الآخر في الحلقة القادمة. بعد سنوات من العمل في محل البلياردو عاد الوالد الى الخياطة كما أسلفت في مكان آخر وسوف يكون لي عودة مع هذا الوضوع. مع أنني كنت تطرقت إليه يوم كتبت عن عمي المرحوم الخياط أبو حسين – علي حمد -، ومحله في صيدا،عند الاشارة، فوق مطعم البساط، والذي كان يعرف بديوان الصفصاف والمخيم. كما تطرقت لذلك يوم كتبت عن المرحوم الخياط الفلسطيني ابن عكا، أبو أحمد الطايش في صيدا حيث عمل عنده والدي. فقد كان محل الطايش مقابل محل عمي علي حمد، بالقرب من “الحِسبِة الصغيرة” عند الاشارة وعند مقبرة الشاكرية.

يتبع

اعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

11-12-2021